هل يستطيع كلّ إنسان، مهما كانت حالته وعمره، أن يمارس التمارين الرياضية وأن يسعى للوصول إلى لياقة ونشاط فعّالين؟
سؤال مهم يطرحه كثير من الناس، خاصة منهم أولئك الذين يعانون من صعوبات صحّية، أو أولئك الذين تقدمت بهم السن... وغيرهم. والجواب على هذا السؤال ليس سهلاً، لأنّ الموضوع برمّته يتعلق بأمور كثيرة هامة. فالعمر والعمل والتغذية، والحالة الفكرية والاجتماعية والعلاقات الشخصية، والمحيط الاجتماعي، وأسلوب العيش والعادات السيئة... كلّها تلعب دوراً في تحديد الحالة الصحّية والحالة العامة للإنسان، ومن نافلة القول إنّ كلّ إنسان، مهما كانت حالته، يستطيع أن يجعل جسده يعمل بكيفية أفضل ويستطيع أن يتمتع بمزيد من النشاط والرشاقة والجمال إذا سلك السبيل الصحيح إلى ذلك.
ونستعرض فيما يلي، أهم الحالات التي يجب أن تعامل معاملة خاصة:
أ) اللياقة والحالة الصحّية:
تؤثر الحالة الصحّية على الإنسان بشكل فعّال، والصحّة المعتلّة قد تغير مجرى الحياة كلّها.
نذكر أنّه من أهم الأمراض التي تعيق تنفيذ التمارين الرياضية أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة.
فقلب الإنسان العادي، وفي الحالة العادية، يستطيع أن يضخ حوالي 70سم في كلّ نبضة من نبضاته، فإذا كان قلبه ينبض بمعدل 70-80 نبضة في الدقيقة – بشكل عام – فإنّ هذا يعني، بوضوح، أنّ القلب يضخ حوالي خمسة ليترات من الدم كلّ دقيقة، وبما أنّ جسم الإنسان العادي يحوي في حدود هذه الكمية من الدم، فذلك يعني أنّ كامل دم الإنسان يخرج من قلبه ويعود إليه كلّ دقيقة على وجه التقريب.
وعندما يبدأ المرء بممارسة الرياضة، فإنّ جسمه بكامله يحتاج إلى كمية إضافية من الأوكسجين، وهذ الكمية هي ذاتها عند الأشخاص اللائقين، وعند غير اللائقين جسدياً. ولكن جسد الشخص الذي يتمتع بلياقة بدنية جيدة يستطيع أن يفعل ذلك بسهولة تامة، بينما لا يستطيع جسد الشخص الغير لائق أن يفعله أبداً.
ولتأمين هذا الأوكسجين الإضافي لابدّ من زيادة كمية الدماء المتدفقة إلى العضلات، أي زيادة ضربات القلب بشكل ملموس لتأمين تلك الحاجة الإضافية للأوكسجين، وهذا ما يحدث لدى ممارسة التمارين الرياضية. فإذا كان القلب سليماً ومعتاداً على ذلك فإنّه يستطيع أن يتحمل الزيادة الحادثة والضغط الواقع عليه. أما إن كان معتلاً فإنّه لن يستطيع ذلك أبداً، وربما يؤدي إجهاده، أو تحميله ما لا يطيق، إلى توقفه بشكل مفاجئ، وهذا ما قد نشاهده في حياتنا العادية عندما يركض رجل ما، بدين الجسم، اعتاد حياة الهدوء والراحة والجلوس خلف المكاتب، وإذا به يسقط مغشياً عليه، أو ربما ميتاً بسبب الجهد الزائد المفاجئ الذي وقع على قلبه، وقد رأيت رأي العين شاباً في الثالثة والعشرين من عمره سقط ميتاً عندما ركض مسرعاً باتجاه منزل أحد الأقارب الذي اشتعلت فيه النيران، وكان البيت لا يبعد أكثر من كيلومتر واحد فقط، لكن قلبه لم يتمكن من التحمل فسقط ميتاً قبل الوصول إلى المنزل المحترق.
من ناحية أخرى يرتبط تسرُّع القلب على تلك الصورة، ارتباطاً وثيقاً، بحالة الرئة الصحّية، فوجود التهاب رئوي مثلاً، أو الإصابة بمرض الربو وغيرهما من الأمراض التي تؤثر على عمل الرئة، سيعيق دخول الهواء الكافي لها، وبالتالي سيعيق عملية تأمين الأوكسجين المطلوب للدم بحيث تكون النتيجة النهائية إعاقة في طريق ممارسة التمارين الرياضية والوصول إلى اللياقة المطلوبة.
على كلّ حال ليست هذه الأمراض وحدها (وإن كانت هي الأهم) التي تقف عائقاً في طريق الحصول على النشاط المتدفق واللياقة البدنية. ورغم ذلك فإنّ كلّ إنسان، مهما كانت حالته الصحّية سيئة، فإنّه يستطيع أن يمارس برنامجاً رياضياً محدداً، وما عليه إلّا مراجعة الطبيب المختص لوضع ذلك البرنامج بالتعاون معه، وعلى كلّ إنسان يشك في مقدرته الجسدية على ممارسة الرياضة، أو يشتكي من أية ظاهرة غير طبيعية لدى ممارسة أي تمرين رياضي، عليه أن يراجع الطبيب المختص ليتم فحصه والتأكد من مدى مقدرته، وبالتالي للحصول على المشورة الطبية اللازمة.
ب) اللياقة والتدخين:
أصبحت أضرار التدخين التي لا تحصى أمراً ثابتاً لا جدال فيه، ونحن هنا لسنا بصدد بحث هذا الموضوع لكن الذي نود تأكيده أنّ التدخين، بشكل عام، لا يجتمع مع اللياقة البدنية أبداً خاصة وأنّ أضراره على القلب وعلى الأوعية الدموية وعلى الرئة لم يعد ينكرها أحد.
فدخان التبغ يقبض الأوعية الدموعية الرئوية، ويحدث فيها التهاباً واحتقاناً، ويخفض كثيراً من مقدرة الرئة على العمل بشكل سليم، أضف إلى ذلك أنّ غاز أوّل أوكسيد الكربون الموجود في دماء المدخنين بمعدلات مرتفعة نسبياً يعيق مقدرة كريات الدم الحمراء على حمل الأوكسجين، وبذلك ينخفض حوالي 10% من مقدرة الدم على فعل ذلك. وبما أنّ النيكوتين الموجود في دخان التبغ يقبض الأوعية الدموية كلّها، فإنّ التدخين يرفع الضغط الدموي ويؤدي بالتالي إلى زيادة نبضات القلب، فتكون النتيجة النهائية إجهاد قلب المدخن.
والتدخين أيضاً هو بمثابة عملية تسميم دائم للجسم ولجميع أعضائه، وغيرها وغيرها. فلماذا لا تكون الخطوة الأولى في الحصول على اللياقة البدنية والنشاط الدائم هي ترك التدخين، خاصة وأنّ فرصة المدخن الشاب بالنجاة من كلّ أضرار التدخين موجود دائماً وأنّ فرصة المدخن المسن بالنجاة من معظم أضرار التدخين متوفرة أيضاً، إذا أقلع كلّ منهما عن التدخين.
ج) اللياقة والغذاء:
إنّ الغذاء المتوازن، واحتواء الطعام على كلّ العناصر الغذائية، من كربوهيدرات وبروتينات ودهون وفيتامينات ومعادن وغيرها، أمر ضروري للوصول إلى النشاط الدائم واللياقة البدنية. فمن غير المنطقي أن يحاول إنسان مصاب بسوء التغذية أو بفقر الدم ممارسة تمارين اللياقة قبل تخلصه من حالته الصحّية المتردية.
د) اللياقة والإجهاد:
من المهم جدّاً أن يحصل الجسم على حاجته من الراحة بعد العمل، أو بعد ممارسة التمارين الرياضية. ويقول خبراء الرياضة أن تكرار التمارين خمس مرات في خمسة أيام في الأسبوع يكفي تماماً للحصول على النتيجة المرغوبة. وفي تمارين اللياقة العادية، وعند الشخص العادي، يكفي إجراء التمارين مرة واحدة كلّ يومين، أما إذا وضع الشخص لنفسه برنامجاً مكثفاً للياقة البدنية، فمن المهم، عندها، أن يعطي جسمه فترة كافية من الراحة. أما إذا كان الجسم مجهداً فلا يجوز أبداً زيادة إجهاده بممارسة تمارين اللياقة.
هـ) اللياقة والسمنة:
لسنا هنا بصدد دراسة السمنة وطرق تخفيف الوزن، لكن، بشكل عام، إذا كان الوزن الزائد يتراوح ما بين 10-15% عن الحدود الطبيعية، فليس هناك ما يمنع من ممارسة الرياضة بشكل تدريجي حسب برنامج مدروس. أما إذا كان الشخص بديناً جداً، فهنا يُنصح باستشارة الطبيب، وبشكل عام يفضل، في مثل هذه الحالة، البدء برياضة السباحة، فهي أفضل أنواع الرياضة للبدينين خاصة، ذلك لأنّ الماء يحمل جزءاً من وزن الجسم، وتعمل العضلات على تحريك الباقي، ثم يأتي بعدها رياضة المشي مع تطبيق برنامج لتخفيف الوزن، وعندما يشعر المرء البدين أنّه أصبح بوضع صحّي يسمح له بممارسة تمارين اللياقة البدنية يمكنه أن يبدأ ذلك بالتدريج، وتحت إشراف طبيب مختص.
و) اللياقة والعمر:
اللياقة البدنية لها علاقة وثيقة بالعمر، فالأولاد في الحالة العادية لا يكفُّون عن اللعب والركض والحركة، فهم لائقون بشكل طبيعي... أما المسنّين فإنّهم، في الحالة الطبيعية، يجلسون أو يضطجعون... والشباب تجدهم عادة يتحدثون واقفين أو سائرين. هذا التصرف العفوي من قبل الفئات الثلاث يعطي فكرة عن تأثير العمر على اللياقة.
وموضوعنا عن النشاط واللياقة له علاقة بالشباب والمسنين ليس إلّا، فكلّ من هؤلاء وأولئك يستطيع أن يكون لائقاً بدنياً بشكل يناسب عمره وحالته الصحّية، لكن من الحماقة بمكان أن يحاول مَن بلغ الخمسين من العمر التصرف مثل مَن في الثلاثين مثلاً، فكلٌّ له وضعه وبنيته، وكلما تقدم بالإنسان العمرُ قلّت مقدرته على التمتع بلياقة عالية، لأسباب عديدة منها ضعف العضلات والعظم الذي يحدث، بشكل طبيعي، مع مرور الزمن، والتصلُّب الذي يصيب العضلات والأوعية الدموية والمفاصل، والأمراض التي يعاني منها الإنسان مع مرور السنين، خاصة منها أمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها... وغيرها...
ورغم كلّ ذلك لا يوجد ما يمنع المسنين والكهول، والشباب طبعاً، من التمتع بنشاط ولياقة جيدين تجعل حياتهم أسهل ومتعتهم أكثر، وقد يكونون، في بعض الحالات، أفضل ممن هم أصغر منهم سناً.
الكاتب: د. هاني عرموش
المصدر: كتاب اللياقة البدنية والمعالجة بالرياضة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق