لكلّ واحد منّا مواصفاته الصحية والجسمية وظروفه المحيطية بالبيت والدائرة وعاداته الغذائية من شراء وخزن وتحضير وطبخ وتناول الغذاء في جميع مراحله إلى أن يصل إلى المعدة، وقد يكون عند مروره في هذه المراحل، أن نكون قد أخطأنا في تناول الأكل الصحي المتوازن من حيث عناصره الغذائية أو كميته أو نوعه، وخاصة الكمية، وقد لا تتوافق عاداتنا الغذائية مع حاجة الجسم فتزيد أحياناً الكمية المتناولة ونوعيتها غير المناسبة لحاجة الجسم أيضاً، عندئذ تحدث زيادة الوزن من دون قصد.
ومن هذه العادات: التعوّد على شراء ما نحتاجه من المواد الغذائية بأحجام كبيرة مثلاً كيس من الأرز، أو كمية من اللحم الناعم المفروم، والحال هي نفسها في الخضراوات والفواكه، تشتري ما يكفي لمدة أسبوع أو أكثر مرة واحدة، وعند ذلك من الجائز أنّ تحضير وجبة والغذاء تشمل أكثر مما يحتاجه الفرد من حيث الكمية، ويحدث ذلك عندما تحضر العشاء مثلاً من المكرونة أو النودلز، فربة البيت محبة بأبنائها تحضر لهم ما يكفي لهم وزيادة مثله مرتان، وتحثهم على الأكل مما يزيد من أوزانهم وهذا ينطبق على المراهقين والبالغين منهم، وتعتبر ذلك عادة غذائية خاطئة.
وننصح ربة البيت هنا بشراء كميات أقل ونوعية واحدة، أما من يريد التوفير وهذا جائز عند شراء الأحجام الكبيرة (العائلية) فعليه أن يفرغها في المنزل من الكيس الكبير ويقسمها إلى حصص صغيرة الحجم، أو أن يضع داخل الكيس كوب قياس لمعرفة مقدار ما يحتاج عند الطبخ، عند ذلك يتجنب تحضير الغذاء بكميات كبيرة فائضة عن حاجة العائلة هذا هو رأي كثير من المختصين بعد الدراسة والبحث.
أما عندما يكون الشخص تحت تأثير ضغط نفسي – Stress – لسبب ما فإنّ علماء النفس وعلماء التغذية يركزون كثيراً على دور العامل النفسي في تشكيل واستمرارية أنماط السلوك الانفعالي لدى الفرد، حيث أظهرت الدراسات الحديثة الغذائية في (UK) من قبل الدكتورة (تانيا) أنّ هنالك ارتباطاً وثيقاً بين الضغط النفسي والإفراط في الأكل ثمّ زيادة الوزن، وخاصة عندما يكون الغذاء هنا غنياً بالسكريات كالحلويات، والكبة المصنوعة من الأرز، والمقليات كالبطاطا، ومن منّا لم يجرب تلك العادة السيئة عندما نشعر بأي إحباط من جراء عدم الحصول على ما نراه مناسباً له، مما يحدث الضغط النفسي والشهية تزداد لتناول الطعام ونلجأ إلى ما يوجد في متناول اليد، حتى لو كان الخبز الحار من التنور والصمون الحار من الفرن؟ وبالعكس.
وليكن الشخص على علم هو نفسه أيّ من هذه الاضطرابات النفسية المسؤولة عن الإفراط في الأكل، وذلك من تكرار وتعدد الحالات المتشابهة عنده، ثمّ دراسة المقارنة بينها بين الحالة الاعتيادية النفسية، وممكن التغلب عليها حينئذ، فبدلاً من تناول الأكل الكثير والإفراط في تناوله، يلجأ إلى الاسترخاء والتأمل والتنفس العميق، أو يلجأ إلى النظر إلى الأزهار في الحديقة واللون الأخضر المريح، ثمّ المشي في الحديقة إن لم يستطع خارج الدار، والنظر إلى السماء الزرقاء الصافية والتأمل فيها، كلّ ذلك ظهر نتيجة دراسة علمية غذائية أجرتها الدكتورة – هانغر – وأظهرت أنّ مثل هذه الحالات تسهم إلى جانب نظام غذائي صحي في التخلص من عادة اللجوء إلى الطعام كوسيلة للراحة النفسية ولو مؤقتاً، ولكن بالتكرار لتصبح عادة غذائية صحية.
هذا ونحن كغذائيين نحث دائماً على التنوع في الغذاء اليومي ليكون صحياً وليوفّر لنا أكبر كم من العناصر الغذائية والفيتامينات المتعددة والعناصر المعدنية العديدة التي يحتاجها الجسم، غير أنّنا نعود ونقول: إنّ كثرة التنوع تحث أيضاً على الإفراط في تناول الأكل، حيث يميل الشخص في هذه الحالة بصورة طبيعية إلى تذوق كلّ ما يجده أمامه من الأطعمة، إلا ما نذر من الأشخاص الذين لا يرغبون في التنوع. عند ذلك ينتهي به الأمر إلى تناول إجمالية أكبر بكثير مما كان سيتناوله لو توفر له نوع واحد أو نوعان من الأطعمة، وهنا لا يعني أننا ضد التنوّع بل على العكس التنوع مطلوب في الأطعمة المعروضة لدينا صحية قليلة السعرات الحرارية مثل أنواع السلاطات من الخضراوات الخضراء كالفاصولياء الخضراء (وليس البيضاء) والريحان والكراث والمقدونس والخيار والخس، والألبان والأجبان القليلة الدهون، فوجود هذه الأطعمة الصحية سيساعدنا على تناولها عوضاً عن الأطعمة الدسمة الدهنية كالبطاطا المقلية! حيث أثبتت الدراسات الغذائية الحديثة أنّ الضغط النفسي مرتبط أيضاً باستهلاك الأطعمة الغنية بالدهون والسكر ومنها الحلوة، ففي هذه الحالة ننصح الشخص باللجوء إلى وسائل التنفس العميق والتأمل مثل – اليوغا – أو الجلوس في الحديقة إن وجدت مما يخفف التوتر ولو لوقت قصير.
وانّ اعتماد كتابة يوميات ما يدخل إلى الجسم من الأغذية يومياً وأسبوعياً هو في حد ذاته، تغيير كثير في فهم العادات السيئة وحتى نتناول الغذاء الذي لا نحتاجه فعلياً، أو الغذاء الفائض عن الحاجة لجسمنا، وقد أبدت ذلك الباحثة العلمية وأخصائية التغذية في (UK) – ليندل – وأوضحت أنّ هذه اليوميات المدونة فيها ما نأكل، والأفكار التي تراودنا قبل وأثناء الأكل تساعدنا كثيراً على إدراك فهم أسباب عاداتنا الغذائية السيئة ومن دون الحاجة إلى شخص مختص غذائياً أو نفسياً!
إذن من الواضح أن نبني المرونة في أسلوب تناول الغذاء وللحصول على صحة وحياة سعيدة، ومن الضروري في كلّ الأحوال، وترك مجال لبعض التساهل ومنح النفس مكافآت لا تتعلق بالطعام بل بالحركة والاسترخاء والرياضة مع قليل من الإرادة القوية للحصول على وزن صحي جيّد.
الكاتبة: د. جيِّدة عبدالحميد
المصدر: كتاب مفتاح الصحة والسعادة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق