قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). إذا سألنا ما الذي يميّز الإنسان على مستوى التكوين الأساسي والشعوري، سنجد أنّ من أهمّ ما يميّزه هو هذا الشعور الفطري بالكرامة الذي أودعه الله في تكوينه النفسي، وفي وسائله الدفاعية لاستمرار وجوده. والكرامة تعني إحساس الإنسان بكيانه، بوجوده، بحضوره، بأهميّته، فبدون هذا الإحساس، سيعيش الإنسان الشعور بالإحباط والهزيمة الداخلية. «الكرامة»، هذا المصطلح الذي ينبئ عن خلطة ربّانية تجعل الإنسان لا يعبد إلّا الله، ولا يُذلّ إلّا له.. إنّها المحرّك والوقود الذي يشعر من خلاله بأنّه إنسان يتساوى مع بقيّة البشر. وقصّة التكريم الإلهي، بدأت عندما خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه، حيث دعا الملائكة بكلّ مواقعهم، وأمرهم جميعاً بالسجود تعظيماً لهذا المخلوق، فسجد وقتها الملائكة إلّا إبليس الذي رفض السجود، فكان مصيره ما وعده الله به اللعنة إلى يوم الدِّين. إذاً هذه الكرامة هي منحة إلهية للإنسان، أوجب عليه أن يحافظ عليها ويعزِّزها، أن لا يفرِّط بها، فكما لم يجز الله للإنسان أن يسيء إلى جسده وروحه، لم يجز له أن يسيء إلى كرامته. والإسلام قام على مبدأ الكرامة المحفوظة، فعلى مستوى الإنسان نفسه، ورد أنّ الله فوَّض إلى المؤمن أُموره كلّها، ولم يفوِّض إليه أن يكون ذليلاً، أو أن يكون عبداً لأحد حتى في أيّ حاجة: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».. قالها سيِّد الكرامة الإنسانية الإمام عليّ بن أبي طالب، وإمام الأحرار الحسين (عليهما السلام): «والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد». وعلى المستوى العام والتشريع والأحكام، نهى الإسلام عن كلّ ما ينتهك الكرامة على مختلف الصُّعد، وفي هذا دليل على حرص الله عزّوجلّ على أن يحفظ حقّ الإنسان في كرامته.
ففي اليوم العالمي للاجئين المصادف في العشرين من شهر يونيو أرقام صادمة عن حجم مأساة اللجوء في شتّى أصقاع الأرض. كثيراً من اللاجئين، قد يعني رحيلهم ومغادرة منازلهم ووطنهم، تضييعاً لكرامتهم ولحقوقهم التي حفظها الله تعالى لهم وتركها وراء ظهورهم، فالأطفال يحرمون من التعليم، والأُسر تُصارع من أجل العثور على الطعام والمأوى الآمن. إنّ حقّ عودة اللاجئين إلى ديارهم حقّ طبيعي وقانوني وعادل ومقدّس، فردي وجماعي، ينبع من الحقوق الطبيعية للإنسان، ومن حقّ المواطن في وطنه، وهو غير قابل للتصرّف، حقٌّ شخصي لا يجوز فيه الإنابة أو المساومة أو التنازل، ملك للاجئ نفسه وليس لأي أحد، ولا يسقط هذا الحقّ بتقادم الزمن، وهو حقٌّ جماعي أيضاً انطلاقاً من حقِّ الشعوب والأُمم في تقرير المصير. لابدّ من بذل المزيد من الجهود لضمان عدم ترك ملايين المشردين، من رجال ونساء وأطفال، قابعين في غياهب المجهول، وبالتالي تمكينهم من عيش حياة كريمة ومرضية وبناء مستقبل لهم. ومن خلال تعزيز تقاسم المسؤولية على المستوى العالمي، يجب الحرص على أن يكون اللاجئون محط ترحيب ويحظوا بالحماية وتتوافر لديهم فرص العمل والتعليم، وأن تتلقى الدول المجاورة التي تستقبل الغالبية العظمى من اللاجئين دعماً دولياً كافياً، وأن يتمّ الترحيب باللاجئين في دول أخرى خارج مناطقهم عبر منح تأشيرات دخول وتوفير برامج إعادة التوطين.
لقد سلبت الحرب ماضي الملايين وفقط عبر العمل يداً بيد وتكثيف مسؤولياتنا المشتركة، يمكننا أن نضمن ألّا تسرق مستقبلهم أيضاً. لقد آن الأوان للاعتراف بالجذور السياسية لمعضلة اللاجئين والمهاجرين وهذا يعني البدء بوضع هيكلية إقليمية ودولية للتنمية تستند إلى الموارد المحلية والوطنية، وتُخلق الأُسس لنمو مُستدام وعادل، كما ثمة ضرورة أيضاً لبُنية سلام تقوم على مبادىء الكرامة، والعدالة، والمساواة، والمحاسبة. من دون الاعتراف بكلّ ذلك، سيبقى السلام سراباً، وسيبقى الناس عُرضة إلى التشريد وسط ظروف فظيعة.ولا تنحصر الآثار المترتبة على أزمة اللجوء في الوضع الراهن للاجئين، بل قد تكون الآثار الآنية هي الأكثر قابلية للمعالجة، إذ يترك اللجوء آثاراً قاسية على مستقبل اللاجئين، والأطفال منهم على وجه الخصوص، وهو ما سيترك أثره بلا شك على الوجه المستقبلي للمجتمع في المستقبل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق