• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

غضّ البصر

عمار كاظم

غضّ البصر

لا شكّ أنّ الحواس من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسان والتي لولاها لكانت الحياة شبه مستحيلة، إلّا أنّ هذه الحواس هي كذلك مسؤولية كبرى على عاتق الإنسان ليحسن استخدامها ويجعلها طريقاً إلى الجنّة والرضوان لا إلى العذاب والشقاء، ومن أهمّ هذه الحواس حاسّة البصر التي أمرنا الله أن نؤدّي حقّها وذلك بأن نغضّ أبصارنا عن حرامه. قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور/ 30-31).

ويعتبر غضّ البصر اليوم من أشدّ الأمور التي تحتاج للكثير من الورع نظراً لتفشّي أشكال المحرّمات حول الإنسان في كلّ مكان. قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19). وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «قسم أرزاقهم، وأحصى أثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم، وخائنة أعينهم، وما تخفي صدورهم من الضمير». فالله محيط بكلّ شيء ومطّلعٌ على أدقّ التفاصيل التي تصدر من الإنسان يحصيها ويسجّلها كرام كاتبون لا تفوتهم كبيرة ولا صغيرة.

وشدّدت الشريعة على حرمة النظر المحرّم الذي يرجو فيه المرء لنفسه ما حُرّم عليه وتوعّدته بأشدّ العذاب، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيام من النار، إلّا أن يتوب ويرجع». وفي رواية أنّ هذا الغضب موجب لغضب الله وسخطه، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «اشتدّ غضب الله عزّوجلّ على إمرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها».

وكما شدّدت الشريعة على معاقبة مَن يمدّ بصره إلى الحرام فإنّها وعدت مَن يغضّون أبصارهم رضىً لله بحسن الثواب في الدُّنيا والآخرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من مسلم ينظر إمرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه». وعن الإمام الصادق (علیه السلام): «مَن نظر إلى إمرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتدّ إليه بصره، حتى يزوجه الله من الحور العين».

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام): «يا عليّ لك أوّل نظرة، والثانية عليك». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تتبع النظرة النظرة، لك الأولى وعليك الآخرة». وعن الإمام الصادق (علیه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة». وإذا كانت النظرة الثانية محرّمة فمعنى ذلك أنّ الشيطان مختبىء بين النظرتين وأنّه سرعان ما يدخل الشيطان بين الناظر والمنظور إليه.

ولا شكّ أنّ عفاف المجتمع يساهم مساهمة كبرى في حفظ المجتمع وعدم انزلاق الرجال والنساء في مزالق السوء، كما أنّ غضّ البصر يحتاج كذلك لرادعٍ من نفس الإنسان يعصمه عن ذلك. قال تعالى حكايةً عن لسان يوسف (علیه السلام): (وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف/ 33). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال». وسُئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «بما يستعان على غض البصر؟ فقال: بالخمود تحت سلطان المطلع على سترك». یقول الإمام عليّ (علیه السلام) في صفة الراغبين في الله سبحانه بعد ذكر أصناف أهل الدُّنيا: «وبقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر». وقال (عليه السلام) في وصف المتّقين: «غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم».

ارسال التعليق

Top