• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

في أجواء شعبان المعظَّم

في أجواء شعبان المعظَّم

◄شهر شعبان المعظَّم في الحساب الهجري يعدّ الشهر الثامن من شهور السنة، ويقال بأنّه سمي تاريخياً بهذا الاسم لأوّل مرّة نحو العام 412م، في عهد كلاب بن مرة، الجد الخامس للنبيّ محمّد (ص). وسُمّي شعبان بهذا الاسم عند العرب، لتشعّب الناس بحثاً عن الكلأ والمرعى بعد قعودهم عن القتال في شهر رجب.

وفي فضائل شهر شعبان، فقد رُوِي عن الإمام الصادق (ع) قال: حدثني أبي عن أبيه عن جدّه (ع) قال: «‌قال رسول الله (ص): شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله، فمن صام يوماً من شهري، كنت شفيعه يوم القيامة، ومَن صام يومين من شهري، غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر، ومَن صام ثلاثة أيّام من شهري، قيل له استأنف العمل، ومَن صام شهر رمضان يحفظ فرجه ولسانه وكفّ أذاه عن الناس، غفر الله له ذنوبه ما تقدَّم منها وما تأخَّر، وأعتقه من النار، وأحلَّه دار القرار، وقبل شفاعته في عدد رمل عالج من مذنبي أهل التوحيد».

وكان أمير المؤمنين عليّ (ع) يدعو فيه بهذا الدُّعاء المليء بالدروس والتوجيهات الروحية والأخلاقية المنفتحة على الله تعالى:

«اللّهُمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، واسمع دعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك، واقبل عليّ إذا ناجيتك، فقد هربت إليك، ووقفت بين يديك مستكيناً لك، متضرّعاً إليك، راجياً لما لديك ثوابي، وتعلم ما في نفسي، وتخبر حاجتي، وتعرف ضميري، ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي، وما أريد أن أبدئ به من منطقي، وأتفوّه به من طلبتي، وأرجوه لعاقبتي، وقد جرت مقاديرك عليَّ يا سيِّدي فيما يكون منّي إلى آخر عمري من سريرتي وعلانيتي، وبيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي، ونفعي وضرّي. إلهيّ إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني، وإن خذلتني فمن ذا الذي ينصرني. إلهيّ أعوذ بك من غضبك وحلول سخطك. إلهيّ إن كنت غير مستأهل لرحمتك، فأنت أهل أن تجود عليَّ بفضل سعتك. إلهيّ كأنّي بنفسي واقفة بين يديك، وقد أظلّها حُسن توكّلي عليك، ففعلت ما أنت أهله وتغمّدتني بعفوك. إلهيّ إن عفوت فمن أولى منك بذلك؟ وإن كان قد دنا أجلي ولم يدنني منك عملي، فقد جعلت الإقرار بالذنب إليك وسيلتي. إلهيّ قد جرت على نفسي بالنظر لها فلها الويل إن لم تغفر لها. إلهيّ لم يزل برّك عليَّ أيّام حياتي، فلا تقطع برّك عنّي في مماتي. إلهيّ كيف آيس من حُسن نظرك لي بعد مماتي، وأنت لم تولني إلّا الجميل في حياتي. إلهيّ تولّ من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك على مذنب قد غمره جهله. إلهيّ، قد سترت عليَّ ذنوباً في الدُّنيا، وأنا أحوج إلى سترها عليَّ منك في الأُخرى. إلهيّ قد أحسنت إليَّ إذ لم تظهرها لأحد من عبادك الصالحين، فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد. إلهيّ جودك بسط أملي، وعفوك أعظم من عملي.

إلهيّ فسرّني بلقائك يوم تقضي فيه بين عبادك. إلهيّ اعتذاري إليك اعتذار مَن لم يستغنِ عن قبول عذره، فاقبل عذري يا كريم، يا أكرم مَن اعتذر إليه المسيِّئون. إلهيّ لا تردّ حاجتي، ولا تخيّب طمعي، ولا تقطع منك رجائي وأملي. إلهيّ لو أردت هواني لم تهدني، ولو أردت فضيحتى لم تعافني. إلهيّ ما أظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك. إلهيّ فلك الحمد أبداً أبداً دائماً سرمداً يزيد ولا يبيد كما تحبّ وترضى. إلهيّ إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك، وإن أدخلتني النار أعلمت أهلها أنّي أحبّك. إلهيّ إن كان قد صغُر في جنب طاعتك عملي، فقد كبُر في جنب رجائك أملي. إلهيّ كيف أنقلب من عندك بالخيبة محروماً، وقد كان حُسن ظنّي بجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوماً. إلهيّ وقد أفنيت عمري في شرّة السهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك.

إلهيّ فلم أستيقظ أيّام اغتراري بك، وركوني إلى سبيل سخطك. إلهيّ وأنا عبدك وابن عبديك، قائم بين يديك، متوسّل بكرمك إليك. إلهيّ أنا عبد أتنصّل إليك ممّا كنت أواجهك به من قلّة استحيائي من نظرك، وأطلب العفو منك إذ العفو نعت لكرمك. إلهيّ لم يكن لي حول فأنتقل به عن معصيتك إلّا في وقت أيقظتني لمحبّتك، وكما أردت أن أكون كنت، فشكرتك بإدخالي في كرمك، ولتطهير قلبي من أوساخ الغفلة عنك. إلهيّ انظر إليَّ نظر مَن ناديته فأجابك، واستعملته بمعونتك فأطاعك. يا قريباً لا يبعد عن المغترّ به، ويا جوّاداً لا يبخل عمّن رجا ثوابه. إلهيّ هب لي قلباً يدنيه منك شوقه، ولساناً يرفع إليك صدقه، ونظراً يقرّبه منك حقّه. إلهيّ إنّ مَن تعرّف بك غير مجهول، ومَن لاذ بك غير مخذول، ومَن أقبلت عليه غير مملول. إلهيّ إنّ مَن انتهج بك لمستنير، وإنّ مَن اعتصم بك لمستجير، وقد لذت بك يا إلهيّ، فلا تخيّب ظنّي من رحمتك، ولا تحجبني عن رأفتك. إلهيّ أقمني في أهل ولايتك مقام مَن رجا الزيادة من محبّتك. إلهيّ والهمني ولهاً بذكرك إلى ذكرك، واجعل همّي في روح نجاح أسمائك ومحلّ قدسك. إلهيّ بك عليك إلّا ألحقتني بمحلّ أهل طاعتك، والمثوى الصالح من مرضاتك، فإنّي لا أقدر لنفسي دفعاً، ولا أملك لها نفعاً. إلهيّ أنا عبدك الضعيف المذنب، ومملوكك المنيب، فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك. إلهيّ هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حُجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك. إلهيّ واجعلني ممّن ناديته فأجابك، ولاحظته فصعق لجلالك، فناجيته سرّاً، وعمل لك جهراً. إلهيّ لم أسلّط على حُسن ظنّي قنوط الأياس، ولا انقطع رجائي من جميل كرمك. إلهيّ إن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك، فاصفح عنّي بحسن توكّلي عليك. إلهيّ إن حطّتني الذنوب من مكارم لطفك، فقد نبّهني اليقين إلى كرم عفوك. إلهيّ إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك، فقد نبّهتني المعرفة بكرم آلائك. إلهيّ إن دعاني إلى النار عظيم عقابك، فقد دعاني إلى الجنّة جزيل ثوابك. إلهيّ فلك أسأل، وإليك أبتهل وأرغب، وأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعلني ممّن يديم ذكرك، ولا ينقض عهدك، ولا يغفل عن شكرك، ولا يستخفّ بأمرك. إلهيّ وألحقني بنور عزّك الأبهج، فأكون لك عارفاً، وعن سواك منحرفاً، ومنك خائفاً مراقباً، يا ذا الجلال والإكرام، وصلّى الله على محمّد رسوله وآله الطّاهرين، وسلّم تسليماً كثيراً».

في حساب الزمن، هناك محطّات اختصّها تعالى بكثير من البركة والفضل، داعياً عباده إلى الاستفادة منها، وجعلها مناسبة للتزوّد الروحي والأخلاقي، ومحاولة تهذيب النفس وتربيتها على حبّ الله، والتخلّص من كلّ العلائق الأُخرى التي تدنّسها على مدار العام.►

ارسال التعليق

Top