• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(4)

أسرة

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(4)
القصّة الثالثة عشرة "أنا أعرفُ نفسي!!" حُكيَ عن (يزيد بن المهلّب) القائد المشهور أنّه كان جَواداً سخيّاً إذا أعطى أكرم، فلا يرض بالعطاء القليل. سأله أعرابيٌّ ذاتَ مرّة (أي طَلب منه مالاً)، فقال لغلامه (الصبي الذي يعمل تحت إمرته أو في خدمته): أعطه ما معك. فقال الغلام: معي مئة دينار (والدّينار آنذاك عملة ذهبيّة)، وأنّه يُرضيه اليسير، (أي أنّ الأعرابيّ يمكن أن يكتفي بأقلِّ من ذلك). فقال ابن المهلّب: أعطهِ إيّاها، فإنّه لا يرضيني إلا الكثير!! فقال الغلام: إنّه لا يعرفك! فقال الجواد الكريم: أنا أعرفُ نفسي!!   - الدّروس المُستخلَصة: 1- الذي يعرف نفسه يتصرّف وفقَ ما يعرفهُ عنها، حتى إن لم يعلم أو يعرف الآخرون بذلك، فالسّخي الذي أصبح السخاء طبعاً من طبعه لا يرتضي العطاءات الجزئيّة القليلة، لأنّه إن فعل عملَ على عكس ما هو المعروف عنه، أو ما يعرف هو عن نفسه، وتلك تربيةٌ عالية. 2- (أنا أعرف نفسي)، مبدأ تربوي ضخم، فمَن عرفَ نفسه عرفَ ربّه، والكريم يعرف أنّ عطاءه مَجزيٌّ بأضعافه من لدن أكرم الكرماء وهو الله تعالى، كما يعرف أنّ الله يحبُّ الذي ينفقُ في سبيله، فيحرص على ما يحبّه الله، ليكون قريباً حبيباً إليه. 3- بعض الناس يبخلُ بمالِ غيره، فـ(المهلّب) يهبُ بسخاء، و(الغلام) يبخل بشحّ. 4- يقول السيِّد المسيح (ع): "كلٌّ يُنفِقُ ممّا في خزائنه".. فإذا لم يكن في الخزانة مال، ففيها الكلمات الطيِّبة.. والكلمة الطيِّبة صدقة، فإذا لم تكن سخي اليد فكُن سخيّ اللِّسان.   القصّة الرابعة عشرة "خمسةً بدلَ الخمسين!!" مرّت قافلةُ حجّاجٍ في طريقها إلى مكّة بأعرابيّةٍ معها شاةٌ، فسألوها: يا أمةَ الله! بِكَم هذه الشّاة؟ فقالت: بخمسين درهماً. فقالوا لها: أحسني (أي خفِّضي السِّعر). فقالت: بخمسةِ دراهم!! فقالوا: أتهزئين؟!! قالت: لا والله، سألتموني الإحسانَ، ولولا الحاجةُ ما أخذتُ شيئاً!! فهزّتهم أريحيّتها وأعطوها خمسمائة درهماً، وتركوا لها الشّاة!   - الدّروس المُستخلَصة: 1- إذا سمعتَ مَن يقول لك: (أحسِنْ)، فافهم أنّه يطلب الرِّفق والتّرفّق، وأن تُحسن إليه كما أحسنَ اللهُ إليك، وأن تفعل أفضل وأجمل ممّا كنتَ تريد عمله قبل أن تسمع الوصيّة بالإحسان. 2- (هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان).. أحسنت الأعرابيّةُ للحجّاج بتخفيض السِّعر إلى العُشر، فأحسَنوا إليها بالمئاتِ مع الإحتفاظ بربيبتها الشّاة! 3- هناكَ أشياء غاليةٌ لا تُقدّر بثمنٍ، وإذا ثمّنتها أو سعّرتها بالمال بخستها حقّها، فأريحيّة الأعرابية واعترافها بقيمة الإحسان، شيء أكبر من المال، هو الثروة الحقيقية التي لا تزول.. لقد ماتت الأعرابيّة المُحسنة.. ومات الحجيجُ الذين أكرموها.. لكنّ (الموقف) بقي حيّاً لن يموت، وهكذا هي مواقف النُّبل والشجاعة والإحسان تُصاحبُ الزّمان حتى يموت الزمان!!

ارسال التعليق

Top