• ٢٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قصص تربوية هادفة في الهمم العالية والواطئة/ ج(2)

أسرة

قصص تربوية هادفة في الهمم العالية والواطئة/ ج(2)
   القصة الثالثة "أردتُ أن أكونُ (جعفراً).. فصرتُ (المُفيد)!!" يُحكى أنّ العالِمَ الرّباني الكبير (الشيخ المفيد)، أحد أكبر علماء عصره، نظرَ ذاتَ يوم إلى ولده وهو منكبّ على الدِّراسة، فراقهُ المنظر، وداخله السرور لحبِّ ولده طلب العلم وانصرافه إليه، فاغتنمها فرصةً ليسأله: - بُنيّ، ماذا تحبّ أن تكون؟ وما غاية ما تصبو إليه؟ فرفعَ الإبنُ رأسه من بين الكتب المتراكمةِ حوله ليلقي على أبيه ابتسامةَ البنوّة البارّة المعترفة بفضل الأبوّة الحانية الفاضلة: أريدُ أن أكون مثلك يا أبي!! فقال له أبوه، وقد عرفَ همّة ابنه: اسمع ما أقول لك وتذكّرهُ جيِّداً: إنّكَ لن تبلغ ما تُريد!! تعجّب الولدُ من كلام أبيه، وظنّ للحظةٍ أن جناح همّته سوف لن يطير به ليحطّ على قمّةٍ إسمها (الشيخ المفيد).. فاستوضحَ بعينيه دون أن ينبس بشفتيه. فتداركهُ الأب المُشفِق والمُحبّ بالقول: إنّ أباكَ يا ولدي حينما كان في مثل سنِّك كان يطمح أن يكون مثل (جعفر بن محمّد الصادق) (ع)، (وهو من أئمّة أهل بيت النبوّة).. فصارَ – كما ترى – الشيخ المفيد!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- على مدى ومقدار الهدف الذي تُحدِّدهُ وتصبو إليه، تكون همّتك، فإذا كان الهدفُ بعيداً عالياً، حملتَ بين جنبيكَ جذوته حتى تبلغه، فالجذوةُ المُتّقدةُ هي زخمُ الحركة باتِّجاه الهدف، والأهداف الواطئةُ القصيرةُ سرعانَ ما تنطفئ جذوتُها وتخمدُ شعلتها ويبردُ حماسها، وكلّما كان الهدفُ عالياً راقياً، بقيت الجذوةُ تتّقد في كلِّ شوطٍ تقطعهُ إليه. 2- حينما يكون الهدف قمّة جبلٍ عالٍ، فإنّكَ إن لم تبلغ القمّة، وأدركتَ بعض (نقاط الذّروة) من الجبل، فإنّكَ تكون قد حقّقتَ ما هو قريب من الهدف. 3- ضع دائماً (مثلاً أعلى) في حياتك.. وابذل وسعك وجهدك في بلوغه أو الوصول إليه، وتذكّر أنّ كل شوط تقطعه يُقرِّبكَ من المثل الأعلى أكثر، ومَن وضعَ الله تعالى مثله الأعلى، لم تنطفئ الجذوةُ في داخله أبداً. في الحديث: "لو تعلّقت همّةُ أحدكُم بالثُّريّا (نجم عالٍ في السماء) لنالها"! وقال الشاعر (حافظ إبراهيم): مَن رامَ وصلَ الشمسِ حاكَ خيوطها **** سبباً إلى آمالِه وتعلّقا حاكَ خيوطها سبباً: صنعَ منها حبلاً يتسلّق به إلى الشمس.     القصّة الرابعة "الهِمَمُ الدُّنيا!!" رأى أحد الأدباء رجلاً مُتعلِّقاً بأستارِ الكعبةِ، وهو يصرخُ ويدعو: اللّهمّ أمتني ميتةَ أبي خارجة!! فدنا الأديبُ منهُ وسأله بفضولٍ: كيفَ ماتَ أبو خارجة هذا؟ قال الرجلُ المستغيث بالله: لقد أكلَ بذجاً (ولد الظّأن) وشرب مشعلاً (إناء فيه نبيذ)، ونامَ مُشمِساً، فلتقى الله شَبعانَ، رَيّانَ، دَفيانَ!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- هذا مثلٌ للهمم الواطئة الدنيا والمُتدنِّية! فكلّ الهمِّ وغاية الهمّة: لحمُ خروف، وكأسُ خمرة، والنوم في الشمس!! فأقصى المُنى أن يكون مثل ذاكَ الذي ماتَ شبعان ريّان دفيان.. وكما كانت تقول العرب: فهذا لم ينظر أبعد من أنفه. 2- أستارُ الكعبة تعلّق بها كثيرون منذُ أن كُسيت الكعبةُ وإلى يومنا هذا، والمُتعلِّقون بها كانوا من أصحاب الهمّتين! مُتعلِّقٌ بها يطلبُ امرأة، أو يطلبُ دُنيا، أو يطلبُ ميتةً كميتةِ أبي خارجة!! أو ربّما أدنى وأوطأ من ذلك. ومُتعلِّقٌ بها يسأل الله التوبة والمغفرة، والرِّضوان والجنّة، أو مُتعلِّق بها يطلبُ من الله الشهادة في سبيله.. 3- قُلْ لي ما همّتك، أقُلْ لكَ مَن أنت!

ارسال التعليق

Top