◄نتحدَّث عن قيمة أخلاقية كبرى يُقاس بها إيمان المؤمن، وتُعرف بها أصالته، ويتميَّز بها حضوره وأثره في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، ألا وهي قيمة الصِّدق؛ فالصِّدق ميزان يضبط حركة المؤمن في علاقاته وفي كلِّ أوضاعه، ويحقِّق له ذاته ووجوده الفاعل والحيّ والأصيل، ويجعل منه إنساناً يعيش روح الإيمان، وروح الالتزام، وروح المسؤولية، وروح الأخلاق السامية التي أراده الله تعالى أن يتّصف بها، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا) (الأحزاب/ 70).
والنبيّ الأكرم (ص) ركَّز في أحاديثه الشريفة على قيمة الصِّدق وأهمّيته في الحياة الإنسانية، فيُروى عنه قوله: «إنّ الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله»، وينقل مالك بن أنس عن الرسول (ص) قوله: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه».
والقول السديد هو القول الحقّ، بأن يلتزم المرء قول الحقّ، ويصدق في كلامه الذي يعبِّر فيه عمّا يشعر ويرى ويسمع، فينطلق في إطلاق مواقفه، ولا يعبِّر فيها إلّا عن الحقّ، فيجعل من الصِّدق ضابطاً لحركة أقواله، وبالتالي أعماله، ولا يخاف بالتالي أحداً، فهو يعرف حجم مسؤولياته، وأنّه المؤمن الملتزم بتعاليم ربّه وما يتوافق مع فطرته وأخلاقه. لذا، تراه الإنسان الصادق مع زوجته، فلا يكذب عليها، والصادق مع أولاده، فيحسن توجيههم إلى صالح القول والعمل، والصادق مع جاره، فلا يكذب عليه، وبالتالي لا يتسبَّب بإرباك العلاقات الخاصّة والعامّة، فهو يبثّ الكلمة الطيِّبة الصادقة التي تشعر الناس جميعاً بالأمن والأمان، وتبعد كلّ مفسدة، وتجلب كلّ منفعة.
ولا يمكن، والحال هذه، إلا أن يتوافق ظاهر المؤمن مع باطنه، فلا يكون ظاهره شيئاً، وباطنه شيئاً آخر على مستوى الشعور والتفكير والموقف والكلمة، لذا، فإنّ قوله يصدق عمله، وعمله يؤكِّد قوله، وإلى ذلك المعنى، يشير الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصفّ/ 2-3).
إنّ القول السديد يحمل في مضمونه الصِّدق والحقّ والعدل، بحيث ينسحب ذلك كلّه خيراً على مساحة الحياة كلّها، في مقابل كلمة الباطل، ومقابل الكذب المقيت الذي لا يمكن أن يتّصف به المؤمن.
وللأسف، نسمع كثيراً من القصص عن بعض الأشخاص الذين يعمدون إلى الافتراء، وإلى الكذب في معاملاتهم وتجاراتهم وعلاقاتهم، فيُغيِّبون الصِّدق عن الواقع، ولا يقيمون له أيّ اعتبار، ويتسبَّبون في ذلك بالكثير من الأذى والسوء للناس، فالكذب هو الباطل، وهو الخبث الذي لا يُعبِّر عن أيّ أصل أو قيمة، بل هو كلّ الشرّ وكلّ السوء. فلنستفد من الفرصة قبل فوات الأوان، ولنعمل على تصحيح أوضاعنا وعلاقاتنا على أساس التزام الصِّدق وتفعيله في تفاصيل حياتنا، ليكون وجودنا في سبيل الخير والمنفعة والصلاح والفلاح، وكتعبير بارز وحيّ عن مسؤوليتنا تجاه أنفُسنا والحياة من حولنا، فهكذا نسلك طريق صناعة مجتمع الصِّدق والصادقين، حيث يظلّ الصِّدق عنوان الشخصية الإسلامية الإيمانية.
ونختم بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (إبراهيم/ 24-26).►مقالات ذات صلة
ارسال التعليق