• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

منافع الدعاء في الشهر الفضيل

عمار كاظم

منافع الدعاء في الشهر الفضيل

شهر رمضان المبارك هو ربيع الدعاء، والدعاء في حياة الإنسان هو معنى الانفتاح على الله والإقبال عليه في إحساس عميق بالحاجة إليه. فالدعاء من أفضل العبادات التي يقوم بها الإنسان المؤمن وهو السلاح الذي يملكه في كلّ وقت ويستطيع أن يستخدمه في كلّ لحظة، وهو من أحب الأعمال إلى الله عز وجل. ولذلك أمر الله عز وجل أن يدعوه عبده في كلّ شيء حتى في أبسط الأمور وأقلها. إنّ الدعاء في محتواه أساساً علاقة وطيدة متينة بين العبد وربّه، يقف العبد فيها بين يدي مولاه في كلّ مكان وكلّ حال يدعوه ويناجيه ويشكو إليه ويخاطبه بكلّ خلجات قلبه وجوارحه وبالمقابل يتلطّف المولى الكريم الغني عن عبده خالق العبد ومحييه ومغنيه يتلطّف هذا المولى الرحيم فيغدق على عبده من مننه وعطاياه ما يسعده في الدنيا والآخرة. أي وسيلة أفضل من هذه الوسيلة في تربية الإنسان وإصلاح أمره؟ وأي أداة تربوية قادرة على إعطاء مثل هذا الشدّ العميق المحكم للإنسان نحو ربّه ومولاه؟ ولذا وصف رسول الله (ص) الدعاء بقوله: "أفضل العبادة الدعاء وإذا أذن الله لعبد بالدعاء فتح له أبواب الرحمة".

إنّ أوّل دور للدعاء إذن هو إنّه مصباح لظلمات النفس يشدّ الإنسان إلى خالقه ويبصره حقيقة الدنيا والآخرة. وبهذا تتجلى عظمة ذكر الله وأثره في تربية الإنسان وإنارة قلبه ويتجلى مكان الذاكرين وقربهم من الله عزّ وجلّ، وبعد معرفة هذه الحقيقة تظهر أهمية الدعاء ودوره كوسيلة تربوية فعّالة في شدّ الإنسان إلى خالقه ليذكره على الدوام وليعيش معه وله يستلهم معاني الكمال منه تبارك وتعالى. قال رسول الله (ص): "مَن أُعطي لساناً ذاكراً فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة"، فالذكر يقترن على الدوام بالشوق للطاعة والوقوف عند حدود المولى فيما أحلّ وحرّم.

فلو تدبر الإنسان المسلم في أدعية شهر رمضان المبارك، لحصل له جزء لا يستهان به من معرفة الله سبحانه وتعالى. فأدعية شهر رمضان، وخصوصاً دعاء الافتتاح تزودنا بمعرفة الله تبارك وتعالى، ومعرفة صفاته وأسمائه إذا ما تلوناها بتدبر وتمعّن. إن رمضان شهر الدعاء وشهر الإجابة وشهر التوبة والقبول، ومما يبين مكانة الدعاء وعلو شأنه في شهر الصيام قوله تعالى في سورة البقرة: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (آية 186) قد جاء متخللاً لآيات الصيام وفي أثنائها، فقبل هذه الآية قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وبعدها قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، فجاءت هذه الآية الكريمة وهي مختصة بالدعاء متوسطة لآيات الصيام ومحفوفة بها ولعل في ذلك ما يدل على عظم قدر الدعاء وأهميته في هذا الشهر الفضيل، لأن العبد في هذا الشهر المبارك يملؤه الرجاء أن يوفقه الله للقيام بحق الله في هذا الشهر على أتم الوجوه وأكملها، ولا سبيل له إلى ذلك إلا بسؤال الله ودعائه، وهو كذلك يكثِر في هذا الشهر من الطاعات والعبادات والقربات وهو يرغب ويطمع أن يتقبلها الله.

ولشهر رمضان المبارك خصوصية في الدعاء، تجعل الإنسان أقرب إلى الله من أي وقت آخر، لأن الجوع و المستحبات التي يقوم بها الصائم في هذا الشهر المبارك كلّ ذلك يجعل الإنسان يتقرب إلى الله أكثر ولذلك يكون دعاؤه أقرب للإجابة. في خطبة الرسول (ص) في فضل شهر رمضان: "أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب"، عن الإمام الصادق (ع): "نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب".

ارسال التعليق

Top