• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مهارات تساعد الطفل على فهم معنى الإعتذار

مهارات تساعد الطفل على فهم معنى الإعتذار
يدرك معظم الأهل أن أطفالهم لا يرغبون في قول كلمة: "آسف"، عندما يرتكبون خطأ ما كان يجب أن يرتكبوه. وقد يذهب بعض الأطفال إلى أبعد الحدود ليتجنبوا الاعتذار، حتى درجة تقبلهم النتائج مهما كانت. عندما يرفض الطفل الاعتذار، يشعر الأشخاص البالغون الموجودون في حياته بالقلق، وذلك لعدم إبداء الطفل الندم على خطأ ارتكبه. ويزداد هذا القلق، خاصة عند الأُم، مع مرور الوقت إلى درجة التساؤل عما إذا كان طفلها يملك ضميراً أو يشعر بالتعاطف مع الآخرين؟ أو الأسوأ: إن كان غير متوازن اجتماعياً؟ أو يمكن أن يصبح خارجاً على القانون عندما يكبر؟ من المهم والصعب أيضاً تعليم الطفل الاعتذار. فهو في حاجة دائماً إلى أن يعرف السبب الذي يوجب الاعتذار حتى يقدم عليه بصدق، إذ إن معظم الأطفال الصغار يتعلمون قول كلمة: آسف، من دون أن يفهموا معناها. لكن ترداد هذه الكلمة غير كافٍ، لأنّه لا يساعد الطفل على فهم ما فعل، ولا على إدراك نتائج فعلته وتأثيرها في الآخرين. فقد يعتذر بعض الأطفال لأسباب خاطئة، بينما يرفض آخرون الاعتذار نهائياً. بتعليم الأُم طفلها أهمية الاعتذار وقول آسف، فإنها تنمي لديه مهارة اجتماعية مهمة، إذ إنها تبين له كيفية تحمل مسؤولية أفعاله وأقواله.  

 

- مهارات:

يجب أن يمتلك الطفل مهارات اجتماعية وعاطفية حتى يتمكن من تعلم الاعتذار. فالمهارة الاجتماعية ضرورية، لأن من جملة من يتطلبه الاعتذار، تفهم مشاعر الطرف الآخر وإدراك مدى ما ألحق به من أذى. ولأنّ الاعتذار المناسب يستدعي معرفة التقاليد الاجتماعية والثقافية ذات العلاقة. أما المهارة العاطفية، فهي ضرورية لأنّ الاعتذار يتطلب الصدق. يجب أن يعني الطفل ما يقول عند الاعتذار، ويجب أن يتضمن قوله مشاعر الندم، وتصميماً على ألا يعود إلى ارتكاب الأخطاء. إنّ تعليم الطفل باستمرار كلمات وأفعال الاعتذار والتعاطف يساعد على فهم معناها، وعلى وضع الطفل على الطريق الصحيح. مثلاً إن قول الأُم للطفل: "لقد تسببت بأذية شقيقتك. انظر إنها حزينة، أو إنها تبكي، اذهب وقل لها آسف وعانقها"، يعتبر خطوة أولى ضرورية لتعليم الطفل الاعتذار، كما أن قولها له: "آسفة، دست على رجلك. هل آذيتك؟" يعتبر مثالاً جيِّداً في التصرف الحسن، وخطوة أخرى مهمة في تعليم الطفل الأخلاق الحميدة والاعتذار. ربما يحتاج الطفل إلى وقت قبل أن يتعلم قول "آسف" وذلك عندما يصبح ناضجاً من الناحية العاطفية، إذ يجب ألا يتم الاعتذار حالاً حتى يكون فعالاً ومؤثراً. فهناك هوة كبيرة بين مجرد ترداد كلمة آسف، والشعور بالندم فعلياً. عندما لا يشعر الطفل بالندم ولا يدرك حجم الأذى الذي سببه للآخرين، حتماً يتفاقم شعور الأم بالذنب. ولكن عليها ألا تحتد غضباً، لأنّ الطفل يحتاج إلى وقت حتى يدرك أنّه أخطأ وأن عليه الاعتذار. وتختلف هذه المدة من طفل إلى آخر ومن حدث إلى آخر. فقد يحتاج الأمر إلى دقيقتين في إحدى المرات وإلى عشرين دقيقة في مرة أخرى. في جميع الأحوال، إن محاولة تعليم الطفل الاعتذار عندما يكون شاعراً بإحباط عاطفي (عدم سماح الأطفال له باللعب معهم، عدم تمكنه من تكوين صداقات أو التفاعل مع الآخرين، الفشل في تنفيذ عمل ما بنجاح... إلخ) يعتبر مضيعة للوقت والجهد. لكن يجب ألا تجبر الأُم طفلها على قول آسف لأي شيء فعله أو قول صدر عنه، عن قصد أو عن غير قصد. لأنّه لا قيمة للاعتذار إن لم يكن صادقاً. والطفل يرى أنّ الاعتذار اعتراف بغيض بالذنب، واستسلام للإذلال لذا يرفض قول آسف. عندما يصبح الطفل في عمر يؤهله لإدراك أنه تسبب بأذية شخص ما، قد يشعر فعلاً بالأسف الحقيقي ويعتذر بصدق لهذا الشخص. وعندما يتعلم الطفل قول آسف لإلحاقه الأذى، عاطفياً، أو جسدياً، عن قصد وعن غير قصد بالآخرين، عندها يدرك أنّه ما كان عليه القيام بما فعل، ويشعر بالندم ويتقبل اللوم. من المحتمل أن يكون اعتذار الطفل عن خطأ ارتكبه أكثر فعالية وتأثيراً عندما تبين الأُم له خطأه من خلال سرد الحقائق، وليس بتهديده ولا بمعاقبته. إن حل المشكل بدلاً من اللجوء إلى العقاب يحفظ كرامة الطفل الصغير الهشة في الأساس، ويزيد من احتمال تعلمه قول "آسف".   - طرق مختلفة: يجب أن يكون الاعتذار محدداً. مثلاً، قول الطفل لصديقه: "آسف لأنني كسرت قلمك، أو نعتك بصفات سيئة، أو خربت لعبتك، أو أكلت طعامك.. إلخ". يمكن أن يتم الاعتذار بطرق مختلفة. فقد يعتذر الطفل مباشرة، وجهاً لوجه، للشخص الذي أساء إليه أو عبر الهاتف. وإذا كان الطفل مرتاحاً ولا يشعر بالحرج، يمكنه الاعتذار كتابة. وفي حال كان الطفل صغيراً يمكن أن تكتب الأُم عبارة اعتذار وتترك مكان الاسم فارغاً ثمّ تطلب من طفلها كتابة اسم الشخص الذي يريد الاعتذار له في المكان المخصص. وعندما يكبر يمكنها ترك مكان الاعتذار فارغاً وتطلب منه ملء الفراغ بعبارة اعتذار يعبر فيها عن أسفه. عندما يبدأ الطفل إدراك أنّ الأفعال السلبية أو الأقوال غير المقبولة، سواء أكانت مقصودة أم غير مقصودة، تترتب عليها نتائج، يتولد لديه خوف من النتائج المتوقعة ويؤثر ذلك سلباً في مدى استعداده لقول آسف. ينظر بعض الأطفال للأمور على أنها إما بيضاء أو سوداء. وبناء عليه يمكن أن يتحجج الطفل بأي خطأ مهما كان صغيراً لينهي صداقته مع طفل آخر. وعندما يبدأ الطفل التعامل مع الآخرين يبدأ أيضاً إدراك أن لا وجود لشخص معصوم من الخطأ، وأنّ الاعتذار الصادق والمصالحة يضعان حدّاً لأي سوء فهم أو مشاحنة. "الأخطاء" هي بمثابة وسيلة تساعد على تعلم الطفل الاعتذار.   - التصرف الحسن: عند تعليم الأُم طفلها التصرف الحسن في حال ارتكابه خطأ ما يستدعي الاعتذار، عليها التأكد أن سلوكها هي نفسها يتطابق مع تعليماتها. وهذا يتضمن عدم تهاونها بشأن ضرورة اعتراف طفلها بالخطأ، وبناءً عليه الاعتذار عنه، أو عدم إعطائه سبباً أو مبرراً حتى يكذب بشأن تصرفه لكي يتجنب النتائج المزعجة لسلوكه. بالنسبة إلى العديد من الأطفال، الكذب سلوك مكتسب، يتعلمونه كما يتعلمون أي سلوك آخر. فالأطفال يرون الأشياء كما هي، إلا في حال تعلموا من الأهل، بمرور الوقت، استخدام الكذب لتجنب النتائج أو العواقب مثل: الإذلال، أو الإحساس بالفشل الدائم، أو العقاب الجسدي، وهي عواقب لا يستطيع الطفل تحملها من الناحية العاطفية.  

 

- استراتيجيات:

تستطيع الأُم تعليم طفلها الصدق بسهولة أكثر إذا ما كانت هي نفسها صادقة. وطلبها من طفلها مشاركتها في جريمة الكذب يعتبر من الأخطاء الجسيمة، مثل الطلب منه ألا يخبر والده أنها اشترت زوجاً جديداً من الأحذية، أو الطلب منه القول للمتصل هاتفياً إنها غير موجودة في المنزل. بدلاً من ذلك يمكنها أن تقول إنها وفرت بعض المال وقامت بشراء حذاء جديد، أو أن تطلب من الطفل أن يقول للمتصل إنها لا تستطيع الرد في الوقت الحالي. إنّ الاعتذار يساعد الطفل على تحمل مسؤولية خطئه ويزوده بالأدوات التي تساعده على تصحيح الخطأ. إنّه يساعد الطفل على التخلص من مأزق وضع نفسه فيه، وعلى إعادة علاقته مع صديقه التي كان يمكن أن تنتهي، إلى ما كان عليه، وعلى منحه الفرصة لتنقية الأجواء والبدء من جديد. ومن أكثر الاستراتيجيات فعالية في مساعدة الطفل على تطوير تصرفه ومفهومه للاعتذار، هي فهم رغباته في القيام بتصرف جيِّد ودعمها. ففي عمر السنتين يكون الطفل راغباً جدّاً في فعل كل ما هو جيِّد، في هذه المرحلة يكون ضمير الطفل لا يزال في طور النمو، لذا فإنّه يشعر بالذنب والعار حيال تصرفه السيئ. صحيح أن ضميره موجود لكنه ليس قوياً إلى درجة تمكنه من السيطرة على تصرفه. على الأُم تعلّم طفلها تصحيح تصرفه عندما يلاحظ أنّه أثر في طفل آخر. في جميع الأحوال على الأُم ألا تحمّل طفلها مسؤولية فوق طاقته. المهم أن تجعله يشعر بأنّه طفل جيِّد لأنّه قادر على قول آسف عند الضرورة. وعليها أن تنظر إلى تعليم الاعتذار مثل تعليم أي درس آخر، حيث يجب عليها تشجيعه ومكافأته عندما يعترف بخطئه ويعتذر عنه.   - طرق وأفكار: لتعليم الطفل قول آسف، هنا بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد على ذلك: ·                الاستعانة بالتجارب اليومية: إن إلقاء محاضرة على مسامع الطفل لشرح أهمية قول "آسف" عند ارتكابه خطأ ما، هو أمر غير مجدٍ ولا يساعد كثيراً. وبدلاً من المحاضرات، فإن استخدام التجارب اليومية يعتبر من أهم الوسائل في تعليم الطفل الاعتذار. مثلاً إذا رسم الطفل على جدران المنزل، أو رسم على كتبه بأقلام التلوين، يمكن أن تبين له الأُم أثناء تنظيف الحائط معاً، أنّه ارتكب خطأ وأن عليه الاعتذار عنه. وإذا داس على قدم شقيقه أو شقيقته أثناء جريه في الغرفة، عليها أن تمسك بيده وتأخذه إلى شقيقه أو شقيقته وتطلب منه الاعتذار له أو لها ومعانقته أو معانقتها. ·                تعليم الطفل أثناء اللعب: يمكن أن تنتهز الأم فترة اللعب مع طفلها لتعليمه قول: آسف. مثلاً، إذا كانت جالسة تلعب مع طفلها بألعابه ووقعت لعبة من يدها فوق لعبة أخرى، يمكنها أن ترفع اللعبة بيدها وتتظاهر بالقول لها: "اعتذري للعبة الأخرى لأنك تسببت بأذيتها". إنها طريقة سهلة لكنها فعالة لأنّها بالتأكيد ستلفت نظر طفلها إلى الخطأ الذي وقع وكانت له نتائج استدعت الاعتذار. يمكن أن تختلق حالات مماثلة أثناء اللعب لتعلم طفلها الاعتذار. ·                تقديم المثال الجيِّد للطفل: من غير المجدي أن تكرر الأم القول لطفلها إن عليه الاعتذار في حال ارتكابه خطأ ما، إذا كانت هي نفسها لا تعتذر عن خطئها. إذا اعتذرت الأم عن خطئها، فإنها تبين للطفل أهمية الاعتراف بأنها هي أيضاً تخطئ أحياناً، وأنّه من الطبيعي أن يخطئ الإنسان، وأنّه باعترافه بخطئه يجعل الحياة أسهل وأفضل. إن اعتراف الأم بخطئها لا ينم عن ضعف بل عن قوة. كل أم تثور غضباً من تصرفات طفلها التي يمكن أن تكون أحياناً تافهة. ولكن عليها أن تحرص على الاعتذار له دائماً وأن تعانقه. لأنها بذلك تأمل أن يتصرف طفلها مثلها في حال أخطأ في حقها أو حق أحد غيرها. لأنّ الطفل الذي لم يتم الاعتذار له لن يفهم معنى الاعتذار، ومن المحتمل أن يرفض الاعتذار في حال ارتكب خطأ أو تسبب بأذية. ·                البدء بتعليم الطفل في سن مبكرة: يتعلم الطفل الصغير بسرعة وسهولة معانقة الشخص الذي أخطأ في حقه، لأنّه يشعر بالراحة عند معانقته. فإذا اعتمدت الأم أسلوب المعانقة في المنزل عند الإساءة إلى فرد في العائلة، يتعلم الطفل تقليدها في ذلك. عندما تلوم الأم طفلها بعنف لارتكابه خطأ ما، عليها الانتظار إلى أن يهدأ الطفل ويصبح مستعداً لتقبل العناق ثمّ تقترب منه وتعانقه وتطلب منه أن يعتذر. في إمكانها بعد ذلك أن تطلب منه أن يعانقها ويعتذر لها كلما أخطأ، وأن يتبع الأسلوب نفسه عند الاعتذار لشقيقه، شقيقته، صديقه، طفل آخر... إلخ. ·                المغفرة تلي الاعتذار: لا داعي إلى الاعتذار ثمّ طلب المغفرة إذا لم تتم الإساءة إلى أحد أو خذلانه. بعد كل مشاجرة ترغب كل أم أن "يتصالح" طفلها مع الطفل الذي تشاجر معه، فنجبره أحياناً على الذهاب فوراً إلى الطفل والاعتذار له. عليها أن تترك أمر المصالحة لطفلها ينفذها بالطريقة التي يراها مناسبة حتى يعرف معنى الصلح. يجب أن تأتي المغفرة بعد الاعتذار حتى يكون مجدياً. على الأُم تعليم طفلها المسامحة والمغفرة كما تعليمه الاعتذار. ·                قبول الاعتذار: عند تعليم الطفل الاعتذار، على الأُم أن تعيد على مسمعيه أهمية قبول الاعتذار. يجب أن تساعد الأُم طفلها على فهم أنّ الاعتذار لا يصلح الوضع دائماً، لكنه يستطيع تصحيح العلاقة. عندما يتعلم الطفل الصفح فإنّه يدرك أهمية الاعتذار. بتعليم الأُم طفلها أن يقبل الاعتذار ويصفح بسهولة، يعني أنها تعلمه مهارة حل مشاكله ونزاعاته بطريقة سليمة. في النتيجة، يجب أن يعرف الطفل أن قول آسف عندما يجب الاعتذار، يعني أنّه يقوم بالتصرف الصحيح وهذا يعني الكثير. قد لا يكفي الاعتذار في حد ذاته في إعادة كل شيء إلى ما كان عليه في السابق. ولكن يحتاج الشخص أحياناً، إضافة إلى الاعتذار، إلى تصحيح خطئه أو إلى أن يعد بأن يكون تصرفه أفضل. إن تقديم يد المساعدة والتصرف بلباقة بعد الاعتذار، يمكن أن يبين للطرف الآخر أحياناً أنّ الشخص يشعر بالأسف فعلاً وأنّه يرغب في إعادة علاقات الصداقة مرة أخرى إلى سابق عهدها.

ارسال التعليق

Top