• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مَن أنت أيها الإنسان...؟

د. السيد نوح

مَن أنت أيها الإنسان...؟

◄الرسول محمد (ص) يقول في الحديث: "لما خلق الله السماوات قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من السماوات؟ قال: نعم الأراضين، ولما خلق الله الأراضين قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من الأراضين؟ قال: نعم الجبال، فلما خلق الجبال قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من الجبال؟ قال: نعم الحديد، فلما خلق الحديد قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من الحديد؟ قال: نعم النار، فلما خلق النار قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من النار؟ قال: نعم الماء، فلما خلق الماء قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من الماء؟ قال: نعم الهواء، فلما خلق الهواء قالت الملائكة: يا رب، هل خلقت خلقاً أعظم من الهواء؟ قال: نعم الإنسان".

    أيها الإنسان، أنت أرقى مخلوق على ظهر هذه الأرض، وحين تسلم لله فأنت أرقى وأرقى.

    ولذلك رأيناه مرة أخرى يقول لأصحابه: "أخبروني عن شجرة كالمسلم لا يطرح ثمرها ولا يسقط ورقها"، فذهب الناس ينظرون في هذه الشجرة، فالبعض ظنها السدر، والبعض ظنها كذا وكذا، ونسوا أو غاب عنهم جميعاً أنها النخلة، فالنخلة هي الشجرة التي لا يضيع فيها شيء أبداً.

    ولما عرّفهم الرسول (ص) فقهوا وفهموا المعنى، وهو أنكم عملة نادرة أيها المسلمون ولكنكم لا تعرفون قيمتكم ولا تعرفون منزلتكم.. الله عزّ وجلّ جعل السماوات والأرض في خدمتك أيها المسلم على وجه الخصوص، لماذا؟ لأنك تدعو إلى الله، وتقيم الحقَّ في الأرض بالعدل والقسطاس المستقيم.. فَهّمهم النبي (ص) ثم أخذ يطبِّق على نفسه ويدعوهم إلى التطبيق.

    المسألة لا تحتاج إلى الاستعجال، يأتي بواحد من هنا وواحد من هنا ويضمهم إلى بعض ويقوّي ويرسِّخ التوحيد والإيمان في نفوسهم، ويبغّض إليهم الرذيلة ويحبّب إليهم الفضيلة، إلى أن كانت مجموعة من البشر خرج الرسول (ص) بهم من مكة مهاجراً إلى المدينة، لم يكن عدداً كبيراً، على الأكثر خمسمائة، ثمّ ظل الناس يكثرون ويكثرون، وفي المدينة استقبل عدداً مثل هذا، حتى تمت كلمة ربنا الحسنى.

    إذاً، أول شيء كان عنده الرجاء، وأعطاه الله عزّ وجلّ تبعاً لهذا الرجاء التكليف، ومع هذا التكليف العمل، ولكن للعمل خصائص، على رأسها الحكمة.. فقد فُتحت مكة بعد 21 عاماً من دعوته (ص) دون إراقة دماء تُذْكَر، والحقيقة أنّ الله عزّ وجلّ قلبَ نظام الكفر، وجعل مكانه نظام الإسلام فقط. فُتحت مكة في السنة الثامنة، بعد 21 عاماً من بعثته، لماذا لم يفتحها (ص) منذ اليوم الأوّل؟

    ولذلك كان رسول الله (ص) حكيماً، حيث أدرك أنّه لن يفتحها بمفرده وإنما لابدّ من آخرين، وكيف يفتحها وأمامه عقبات لا حصر لها؟ اليهود موجودون في المدينة، ومودودون في اليمن، وموجودون حول المدينة، والنصارى من الخارج.. إذاً، لابدّ من تخطيط، ولابدّ من تدبير، ولابدّ من إعداد.. ولذلك خطط النبي (ص) ودبّر، وجعل الأمور تمشي طبيعياً تلقائياً، كلّ شيء يوصل إلى ما بعده، وعندما وصل إلى السنة الثامنة وجد الرسول (ص) نفسه يسعى إلى فتح مكة.

    

    - التربية الصحيحة:

    أين أنت من التكليف الذي كُلّف به النبي (ص)؟ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل/ 125).. أين أنت من هذا التكليف؟ (لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104).. هل أفرغت هذا الإسلام في عقول أولادك وفي قلوبهم؟ أعطيت أولادك الاهتمام الذي ينبغي؟

    ينبغي أن نراجع أنفسنا، فالعمل عندنا أصبح قضية ملغاة أصلاً، والفقه بات قضية هامشية.. الناس يذهبون إلى المسجد يوم الجمعة ويستمعون وكأنهم يجلسون على الجمر.. إلى أين؟ الأُمّة إذا فهمت لا تطبّق، وإذا طبقت لا تحسن التطبيق، وإذا أحسنت التطبيق فلا تحسن الإخلاص!!

    أين نحن من محاسبة أنفسنا على هداية الناس وإرشادهم؟! أنا لا أقول لك: ارحل بعيداً، كلّ واحد فينا معه على الأقل ثلاثة أولاد وزوجته، لو أنك أحسنت إلى هؤلاء الأربعة لتغير وجه الدنيا، ولكان للمسلمين اليوم شأن أي شأن! ولما استطاع واحد أن يأتي ليغيّر مناهجنا بقوة القانون، ولما استطاع واحد أن ينتهك حرماتنا ويريق دماءنا!

    البشرية في ضياع ولا خلاص لها إلا بكم، فاعرفوا قيمتكم واعرفوا فضلكم، وحسبنا أنّ النبي (ص) قال: "أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجل".►

ارسال التعليق

Top