• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نماذج من مزايا الإسلام الاجتماعية

أبو طالب تجليل

نماذج من مزايا الإسلام الاجتماعية
◄قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ) (آل عمران/ 19). (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/ 85). لعلّ الآية الكريمة كافية لإرشاد الناس إلى أهمية الدِّين الإسلامي وعظمته ومنزلته عند الله سبحانه. كيف لا، وهو الدين الحق الذي يهدي به الله مَنِ اتبعه سبل السلام ويخرجه من الظلمات إلى النور، ويوفّقه لسعادة الدارين: الدنيا والآخرة. ومع ذلك فلا بأس بتسليط الضوء على بعض مزايا الإسلام وصفاته ومبادئه كبادرة من بوادر الذكرى ومقارنة بغيره من الأديان والمبادئ لعلّ ذلك ينفع المؤمنين، وينير درب التائهين، ويصوّب منهج الغارقين في ملذات الدنيا، المنبهرين ببهارج ومفاتن الحضارة المادية بمختلف تياراتها وأفكارها ووسائلها. ولذلك سنقدم نماذج من مزايا الإسلام الاجتماعية:   1-    العلاقة المباشرة بالله: لقد سلب بعضُ الأقوام وأتباعُ الأديان السابقة حق الدعاء والتوبة إلى الله سبحانه بصورة مباشرة من أفراد البشر العاديين واعتبروا أنّه ليس لهم الرجوع إلى الله سبحانه إلا عن طريق القسيسين، فكان يجب عليهم أن يحضروا بين يدي القسِّيسين ويُقرّوا بذنوبهم جميعاً بعد أن يذكروها ذنباً ذنباً، وإلا فإنّهم سوف يبقون محرومين من رحمة رب العالمين! في هذا الحين أعلن القرآن الكريم إمكانية الاتصال المباشر بالله سبحانه من قِبَل أي فرد من البشر، فيقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). لقد أتاح الإسلام للبشر الاستقلالية في العبادة، ومنح كلّ فرد الحق في أن يعبد ربّه بنفسه من دون الحاجة إلى واسطة بينهما، وأن يناجي خالقه ويبثّه أسراره وآلامه، فمثلاً: إن بإمكان أيّ مذنب عاصٍ أن يبوح بأسرار قلبه على أيّ حال كان، ويقرّ بما اقترفه بين يدي بارئه، ويتوب عما بدر منه، من دون أن تكون هناك حاجة لإطلاع الغير على هفواته ومعاصيه، بل نهى عن إظهار الذنوب الخفية التي لم يطّلع عليها أحد، وإعلام الآخرين بها.   2-    إعلان المساواة والعدالة وإلغاء الامتيازات الموهومة: لقد ألغى الإسلام كل الامتيازات الطبقية التي كانت حاكمة على الشعوب تماماً، وقد ساوى في القوانين التي وضعها بين كل الناس سواء الأبيض منهم والأسود، الصغير والكبير، الغني والفقير، إلى الحدّ الذي يحضر فيه قائد الدولة الإسلامية ورئيسها المطلق عليّ ابن أبي طالب إلى المحكمة لنزاعٍ مع يهودي يحكم فيه قاضي الإسلام، ولم يكن مستعداً لأن يرى القاضي يُبدي أدنى احترامٍ ويفضّله على اليهودي في مجلس القضاء، أو حتى أن يجلسه في مجلس أعلى من مجلس اليهودي. بينما.. ولحدّ الآن، وبعد أربعة عشر قرناً، وقد ارتقت دنيا اليوم مدارج التقدّم والتطور والثقافة نجد التفاوت الطبقي لا يزال يحكم شعوب العالم المختلفة، والتمييز العنصري وعدم المساواة بين الأسود والأبيض ما زال رائجاً بين شعوب العالم المتطورة. وكذلك من حيث القوانين الحقوقية، فقد احترم الإسلام حقوق النساء، وجعلهنّ يتمتعنّ بالحقوق في النواحي المالية في أبواب المعاملات والإرث وغيره. لقد جعل الإسلام الأعمال الصالحة والفضائل الأخلاقية أساساً للتفاوت بين الناس، كما يقول القرآن الكريم... (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13). فقد أُخذت المصالح الفردية والعائلية والاجتماعية للبشر بنظر الاعتبار، وبدقة تامة، في أحكام الإسلام، وقد شرّع الأحكام وجعلها تابعة للمصالح والمفاسد في جميع شؤون الحياة، سواء أدرك البشر ذلك أم لم يُوفقوا حتى الآن لاكتشاف علّته وسره. وقد لاحظ حقوق مختلف طبقات المجتمع بمنتهى الدقة. حيث اعترف الإسلام بالملكية الفردية والتوارث والمعاملات المالية في حدود قوانين الشرع، إلاّ أنّه في مقابل ذلك وضع على عاتق الأثرياء حقوقاً مالية وأخلاقية كثيرة يؤدونها إلى الفقراء والمحرومين، حيث خصّص نسبةً من أرباح الأثرياء السنوية للفقراء والأمور الخيرية ولو أُديت على وجهها الصحيح لكان الفقر والحرمان يغادر دنيانا الحاضرة، وعندها ستعيش كل الطبقات برفاه وأمان وهدوء ومن جملة القوانين التي سنّها الإسلام لصالح الفقراء تحريم فائدة القرض، وبهذا سيضطر الأثرياء – من أجل تشغيل أموالهم واستدرار الأرباح – للتوجه إلى الأعمال الإنتاجية. فقد منع الإسلام الانتفاع وتحصيل الربح عن طريق منح الفروض بفائدة يؤدي تصاعدها وازديادها – بإضافة الفرع إلى الأصل – إلى تشريد البؤساء واقتلاع أسس تجمّعهم وأسرهم، ورغّب الأثرياء في منح القروض بدون فائدة، وجعل ثوابها ثمانية عشر ضعفاً لثواب الصدقة والإحسان. ليقف المستضعفون على أرجلهم، ويستطيعوا أن يعيشوا من كدّهم دون الاعتماد والاستناد إلى مساعدات الآخرين بلا عوض. وهذا بخلاف الأديان الأخرى فعقيدة الإسلام لا ضعف فيها ولا خلل، بل إنّ الإستدلال والمنطق هو الدعامة الأساسية للعقائد الإسلامية بصورة عامة. فعلى كل فرد إذاً أن يبحث في عقائده، وأن يستند فيما يعتقده إلى المنطق والاستدلال، فلا يُجوّز الإسلام التقليد في المسائل الاعتقادية، وتَرَكَ بابَ البحث والاستدلال والاجتهاد في الأحكام الفقهية والمسائل العلمية مفتوحاً. إنّ الاجتهاد في المسائل الفقهية وبالاستناد إلى الأدلّة الأربعة – الكتاب والسنة والإجماع والعقل – حرّ، وبابه مفتوح، ولا يجوز تقليد الفقهاء الماضين، بل يجب أن ينهض فقيهُ حيّ للاجتهاد في كل عصر، ويستنبط أحكام الوقائع والحوادث، وخاصة في المواضيع المستحدثة.   3-    إناطة النجاة في الآخرة بالأعمال الصالحة: كان الناس قبل الإسلام يعتقدون أنّ الجنة والنار بيد زعماء الدين فقط، ويمكن أن تُنال النجاة في الآخرة والجنة الخالدة عن طريق بذل الرشوة المالية لهم، أو إطاعتهم طاعة عمياء، ولا حاجة للأعمال الصالحة أبداً. وقد ألغى القرآن الكريم هذه العقيدة الباطلة، وأعلن بصراحة وعلانية في آيات كثيرة: أنّ السعادة وحسن الحظ ونوال الجنة الخالدة تكمن في طاعة رب العالمين، ولا يمكن أن يُنال الفوز والخلاص إلّا بالعقائد السليمة والأعمال الصالحة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97). وعلق القرآن الكريم الشفاعة على إذن الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ) (البقرة/ 255). يقول في شأن نوح (ع) عندما يدعو ربه أن ينقذ ابنه من الغرق: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود/ 45-46). لا يخفى أنّ الله سبحانه سيأذن لعباده المقرّبين – كالأنبياء في أن يشفعوا لجماعة من الناس يوم القيامة، كرامة لقربهم، وتكريماً للمقام الذي لهم عند الله، إلا أن شفاعتهم لا تكون لهوى أنفسهم ورغبتهم، ولا تتحقق الّا بإذن الله تعالى، ولا يريدون إلّا ما أراده الله تعالى، ومشيئتهم مشيئته: لأنّهم عباده الله المخلصون، وهم مطيعون لله بكل كيانهم ووجودهم: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) (الأنبياء/ 28). وهذا هو معنى (مالك يوم الدين) إذ يأمر الإسلام كل مسلم أن يخاطب ربّه سبحانه بذلك عدة مرات في الصلاة ليل نهار، وصباح مساء. ولقد خصّ الإسلام الخوف والرجاء بالله تعالى، واعتبر كل ما يخاف، وكل ما يجب أن يتعلق القلب به ويأمله بيد الله الواحد القادر، فيجب أن يكون خوف المسلم وأمله من الله وبه: فلا يخشى إلّا الله، ولا يرجو إلّا الله.   4-    الدعوة إلى العلم والتعقل والتفكر: لقد عدّ العلم والدين متناقضين فيما عدا الإسلام من الأديان السماوية، ولذلك فقد كان المفكرون والعلماء في المجتمع الأوروبي متهمين باللادينية ومحكومين مطرودين، وذلك في القرن الوسطى وقت نفوذ القسيسين والبابوات (الكاثوليك). وفي المقابل فقد أصبح الفكر والعلم والعقل الدعامة الأساسية للإسلام، ودعا إليه القرآن في موارد عديدة. لقد جعل الإسلام العقل مناط التكليف، ومحكاً للتمييز بين الحق والباطل، وميزاناً للتشخيص في الشُبُهات، وأمثال الآيات التي سنوردها أدناه كثير في القرآن ونشير إلى بعضها من باب النموذج: -        (أفلا يعقلون)؟ وهذا التعبير يلاحظ في آيات كثيرة. -        (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9). -        وفي الحديث "مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء". -        ويحكي القرآن الكريم كلام أهل جهنّم فيقول: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك/ 10). -        وقال النبي (ص): "الدين هو العقل، ولا دين لمن لا عقل له". وقال (ص) أيضاً: "يا أيها الناس اعقلوا مَن ربكم، وتواصوا بالعقل تعرفوا ما أُمرتم به وما نهيتم عنه، واعلموا أنّه ينجيكم عند ربكم". وقال (ص) أيضاً: "لا يعجبكم إسلام رجل حتى تنظروا ماذا عقده عقله". ويقول سبحانه: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/ 111). وقد مدحوا في حضرة النبي (ص) رجلاً وبالغوا في مدحه، فقال لهم: "كيف عقل الرجل؟"، قالوا: إنما نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله؟ قال: "اعلم، الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غداً في درجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم". ولم يقف الإسلام عند رفع قيمة العقل، بل أعطاه السلطة المطلقة في تشخيص صحة العقائد، ويطالب كل معتقد بدليلٍ من العقل على أحقية اعتقاده وصحته. وفي الإسلام لا يجوز التقليد في العقائد كما مرّ، ويجب على كل فرد أن يحصل على عقائده عن طريق عقله وادراكه يقول القرآن الكريم: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ) (المؤمنون/ 117). ويقول: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (يونس/ 36). ويحذر القرآن من خطر الاعتقاد بدون فهم وإدراك، ومن مسؤوليته العظيمة، فيقول: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).   5-    تنظيم الغرائز والميول الجسمية: يسعى الإنسان حسب فطرته وطبيعته إلى أن ينال كل اللذات الجسدية ومتطلبات فطرته، وقد نظّم الإسلام قوانينه على أساس فطرة البشر لإشباع حاجاتهم، وبدل أن يدعو إلى محاربة الغرائز، فإنّه تناول تنظيمها، وهداية الطبيعة البشرية إلى الصراط المستقيم بعيداً عن الإفراط والتفريط. لقد أدان القرآن الكريم أنصار ترك الدنيا ولذائذها، وصرّح بأن ذلك خلاف إرادة خالق العالم وهدفه، فيقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (الأعراف/ 36). ويقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا) (البقرة/ 29). وكذلك يقول: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص/ 77). وفي الآية 201 من سورة البقرة يعلم الناس أن يقولوا عند الدعاء: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة/ 201). ونحن هنا ندعو القراء الكرام إلى مطالعة قوانين الإسلام وأحكامه في إطار علاقات الأسرة، وفي مختلف العلاقات وأنماط السلوك المتعددة في المجتمع لادراك هذه الحقيقة الثابتة، وهي أن قوانينه قد اختمرت بالعدالة والاتّزان وليتضح جيداً أنّ القوة الوحيدة التي تستطيع أن تنقذ المجتمع من الفساد والضلال والانحطاط هي قوة تعديل الشهوات، والتي سنها الإسلام وأكد عليها.   6-    الإسلام دين الحياة: إنّ الإسلام دين الحياة، فهو بدل أن يرفض التطور والتمدّن، ويرغّب في الانزواء والاعتزال يسعى إلى تهذيب هذا التمدّن وصبّه في رافد الهداية والرشاد، ويجعل نفسه قائداً للتمدن والتطور، وعاملاً مهمّاً في التوسعة والعمران، فقد ربّى في أحضانه آلاف العلماء في مجالات العلوم الطبيعية المختلفة، وكان لهم أهم دور في تقدّم قوافل التمدن البشري، بحيث ان كل تطور الدنيا وتمدّنها في أغلب الميادين رهين الجهود المضنية لعلماء الإسلام الماضين، ومساعيهم الحميدة، غير أنّ المسلمين وللأسف الشديد – قد فقدوا مقام قيادة الدنيا فكرياً وثقافياً نتيجة عدم اهتمامهم والتزامهم بتنفيذ تعليمات الإسلام وأوامره، فخرج من أيديهم هداية الحضارة والتمدّن في العالم. وفيما كان رؤساء الأديان والقساوسة يمنعون التفكر في الطبيعة، إلّا فيما يتعلق بمراسمهم وأعمالهم الدينية، دعا الدين الإسلامي البشر إلى الدقة والمطالعة في الطبيعة لكشف أسرارها، والحصول على رموزها. يقول تعالى: (يونس/ 101). ويقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ) (آل عمران/ 190). وقد تقدّم المسلمون استناداً إلى أصل هذه الآية تقدّماً مذهلاً في العلوم الطبيعية، وبرز من بينهم آلاف العلماء في علوم الطبيعة، وكان لهم الأثر الكبير في تقدّم البشر، حتى انّ الأوروبيين ظلّوا قروناً يترجمون كتبهم، وجعلوا بحوثهم النفيسة أساس علومهم.   7-    حفظ حقوق البشرية: كان كل واحد من أهل الأديان المختلفة في الماضي يرى التعدّي على أتباع دينهم حراماً، وعلى أرواح أتباع سائر الأديان وأموالهم جائزاً وحلالاً، ومن هنا اشتعلت نار الحقد والعداوة بين شعوب الدول المختلفة الذين يعتنقون أدياناً مختلفة، ومن هذه النار اندلعت الحروب الدموية الرهيبة. غير أنّ الإسلام قد حرّم التعدي وظلم أهل الأديان الأخرى، غير معتنقي الإسلام، وهو يوصي بمراعاة العدالة في حق جميع أفراد البشر، من أيّ دين أو جنس كانوا، فيقول: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/ 8). وكذلك أمر الإسلام المسلمين أن يحترموا معتنقي الأديان الإلهية السابقة التي أُبلغت للناس من قبل رُسُل الله تعالى. وأن يدافعوا عنهم ويحاموهم، وأن لا يجبروهم مطلقاً على قبول الإسلام، لأنّ الإسلام يجب أن ينتشر بصورة طبيعية. إنّ تاريخ الفتوحات الإسلامية يوضح جيِّداً أنّ الأُمم المغلوبة كانت حرة في دينها دائماً، ولم يكونوا يُجبرون على تركها واعتناق الإسلام في أي وقت.   8-    الاعتراف بقانون الرقي والتطور: كان الإسلام مخالفاً جدّاً للركود الفكري، وأخذ بعضد البشر، وهداهم إلى مدارج الرقي والتقدم. إنّه الإسلام الذي يأمر باكتساب العلم ما دام في الإنسان عرق ينبض، ولم يرضَ أن يكون لهذا الاكتئاب زمن معيّن، ولا يعرف له حداً ونهاية، يقول (ص): "اطلب العلم من المهد إلى اللحد". ويقول أمير المؤمنين (ع): "مَن استوى يوماه فهو مغبون". إنّ الإنسان يجب أن يرتقي ويرتقي ولا حدّ لرقيه ولا نهاية. والقرآن الكريم يأمر نبي الإسلام (ص) وهو أكمل أفراد البشر ويقول له بصراحة: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه/ 114).►   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العدد 13 و14 لسنة 1411هـ

ارسال التعليق

Top