• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل التغيير في الحياة ضرورة؟

أريج الحسني

هل التغيير في الحياة ضرورة؟
◄إنّ الله عزّ وجلّ خلق الإنسان مزوداً بقدرات وطاقات متعددة كامنة في داخله والتعليم المدرسي الذي تلقيناه في مدارسنا – للأسف الشديد – لم يكتشف هذه القدرات والطاقات وتضيع أعمارنا سدىً ونحن نحمل بين أيدينا شهادات علمية حصلنا عليها في سنوات دراستنا ولكن دون رغبة أو حب لما اخترناه.. فإذا بنا نكتشف بعد مرور الأيام أنّنا اخترنا التخصص الذي لا يتناسب مع رغباتنا وميولنا وقدراتنا وطموحاتنا... ولم نجد مَن يوجهنا أو يحفزنا لتغيير هذا التخصص والتضحية بسنوات العمر التي ضاعت... فواصلنا المسير حتى حصلنا على الشهادة.. ثم الوظيفة ونحن في حالة مللٍ وشقاء دائم لأنّنا لم نحصل على ما نريد من الحب والاستمتاع. وإذا بنا نجد أنّنا نتحرك في هذه الحياة بقدرات بسيطة وطاقات مهدرة، لا نملك إلّا الأماني والأحلام والحسرات على ما فاتنا من هذه الحياة. لذلك كان لابدّ من التغيير حتى نجد لحياتنا معنىً نعمّر من خلاله الأرض كما أمرنا الله عزّ وجلّ، ونشعر فيها بمتعة الحياة ولذتها من ظروفها المختلفة، وتقلباتها المتعددة، وهنا نجد أنّ التغيير ضرورة تفرضها طبيعة حياتنا حتى نحسن بكياننا ووجودنا أما إذا استسلمنا لحياتنا اليومية – دون تغيير – فإنّ عقولنا وطاقاتنا وكياننا وإحساسنا بكلّ شيء يتوقف ولا نشعر بمعنى الحياة وكفاحها، لأنّ لسان حالنا يقول اليوم مثل البارحة مثل غداً فمن هنا كان التغيير ضرورة تفرضها طبيعة حياتنا المتغيرة المتسارعة.

ونقطة البداية في التغيير تبدأ من الإنسان نفسه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).

وحتى تتم عملية التغيير لابدّ من قوانين تحكمها وتسيرها بثبات ومرونة حتى تصل إلى التغيير المطلوب، ومن أهمها قناعة المرء ورغبته في التغيير، ثم استعانته بالله وتوكله عليه، مع الاستخارة أو الاستشارة من العقلاء، وتقبله للتغير بخطى بسيطة مستمرة دائمة بدلاً من الاستعجال والحرمان من النتائج الجيدة، كما أنّ أي تغيير لابدّ من أن يدفع صاحبه ثمناً غالياً له، فمن أتعب نفسه اليوم ارتاح غداً.

قال الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وقال شاعر آخر:

لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

لذلك فالإنسان إذا عزم وصمم على التغيير مهما كان الثمن الذي سيدفعه سيصل – بإذن الله تعالى – إلى تحقيق أحلامه وأهدافه وطموحاته في الحياة، ومن ثم يشعر بمتعة الحياة ومعناها الذي فقده في كسله وخموله وهمته الضعيفة.

وحتى يكون التغيير جذرياً ويترك أثراً واضحاً في خطوات الإنسان، لابدّ أن يشمل جميع جوانب شخصيته وحياته، ولا يعني هذا أن يكون التغيير كبيراً وإنما صغيراً بسيطاً في كلّ جانب، ومع مرور الأيام والاستمرار في التغيير سيكون هذا التغيير البسيط تغييراً كبيراً عظيماً. ومن المعروف أنّ جوانب حياة الإنسان متعددة منها:

الروحي: ويشمل كلّ ما يتعلق بالعقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات.

الجسمي: ويشمل كلّ ما يتعلق بالجسم من حيث الصحّة والمرض والرياضة والعلاج والاهتمام بالملبس والمشرب والمأكل... إلى غير ذلك.

الجانب العقلي: ويشمل كلّ ما يتعلق بتنمية العقل من الثقافة والفكر، وتنمية الإبداع والابتكار فيها.

الجانب الاجتماعي: ويشمل كلّ ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية للفرد مع أسرته وعائلته من أقارب وغيرهم، والزملاء في العمل، والجيران، ... إلى غير ذلك.

الجانب النفسي: ويشمل كلّ ما يتعلق بالصحّة النفسية للفرد ومدى إشباعه للحاجات النفسية لديه، ومدى تمتعه بالصحّة النفسية والشخصية المتزنة.

الجانب المهني: ويشمل كلّ ما يتعلق بدراسته إن كان طالباً، أو موظفاً – أياً كان موقعه – في مهنته، ومدى رضاه عن عمله وتوافقه فيه واستمتاعه به.

الجانب المالي: ويشمل كلّ ما يتعلق بدخله اليومي أو الشهري، وكيفية تصرفه فيه، ومدى استمتاعه به وصرفه في الوجه الشرعي الصحيح.

وحتى يتم التغيير في هذه الجوانب بتوازن واعتدال، لابدّ من أخذ كلّ جانب من الجوانب السابقة وعرضها على منهج الإسلام الشامل الثابت، لأنّه المعيار الحقيقي لمعرفة مدى القرب أو البعد عنها. فمثلاً إذا أخذنا الجانب الصحّي من المنهج الإسلامي وعرفنا تفصيلاته، نقوم بتطبيقه على أنفسنا فنحدد نقاط القوة ونقاط الضعف في تطبيقنا لهذا الجانب، فمن نقاط القوة لدينا مثلاً ممارستنا للرياضة والاستشفاء، ومن نقاط ضعفنا أسلوب التغذية ونظام النوم.

فنعزز نقاط القوة فينا بالاستمرار فيها، ونقاط ضعفنا نحدد فيها بعض الخطوات البسيطة حتى نتخلص منها ونغيرها مع مرور الأيام والاستمرار عليها. وهكذا في كلّ جانب نستمر في وضع خطوات وأعمال بسيطة كلما طبقنا جزءاً منها انتقلنا إلى غيره بمرونة وهدوء وثبات وإصرار وعزيمة... حتى نصل إلى التغيير المطلوب.

نعم جميعنا لنا أحلام.. ولكننا ننساها عندما تقابلنا مشكلات وعقبات وإحباطات، لكن كيف نتعامل معها؟ هذا هو الذي سيحدد مستقبلنا بمشيئة الله تعالى نحن نتعلم من أخطائنا ثم ننجح، ونتعلم من تجاربنا السيئة أكثر من تجاربنا الجيدة. ثم ننسى في غمرة هذه المشكلات أنّنا نملك القوة لصنع المستقبل الذي نريده إن شاء الله. وعندما نريد التغيير فإنّنا ننشده ونطلبه في أمرين:

1-    في تغيير إحساسنا، بمعنى أنّنا نريد أن نتغلب على خوفنا ونريد شعوراً بالسعادة والرضا، وننعم براحة البال.

2-    في تغيير أفعالنا، بمعنى أن نقلع عن بعض الأفعال التي نشعر بداخلنا أنّها خطأ مثل الإقلاع عن التدخين أو أي عادة ضارة أُخرى.

وقبل أن تغير لابدّ أن تؤمن أنّ التغيير الذي تريده ممكن وغير مستحيل، ويحدث ذلك بأن تتخلص من الأفكار السلبية التي لازمتك طويلاً مثل أنا لا استطيع عمل شيء لأني فشلت في الماضي. أو ليس هناك فائدة في ما أفعله، أو لا تحاول، أو انسَ الموضوع وابحث عن شيء آخر.

وهنا أُذكرك بقاعدة من قواعد التغيير وهي:

إنّ الماضي لا يساوي المستقبل. أي إنّه مما حدث لك في الماضي من أحداث وخبرات وآلام فلا علاقة له بمستقبلك. فالماضي أقلع وغادر فأوصد بابه وأغلقه ولا تفتحه أبداً، خذ من ماضيك العبر والعظة، لكن لا تخف منه ولا تعِش فيه. المهم ماذا ستفعل الآن هو الذي سيحدد مستقبلك إن شاء الله.

وأما القاعدة الثانية من قواعد التغيير فهي:

ما تركز عليه ستحصل عليه بإذن الله، بعض الناس يقولون لقد حاولنا مائة مرة ولم ننجح. طبعاً هذا القول على سبيل المبالغة والحقيقة هي أنّهم حاولوا 7 أو 8 مرات على الأكثر. أريدك أن تصر على أخذ الفعل باستمرار وكلّ مرة تعلّم منها حتى تجد طريقة أفضل لتعملها في المرة القادمة متحلياً بالمرونة ولو نظرت إلى معظم الذين نجحوا في التاريخ ستجد أنّ العامل المشترك بينهم أنّهم لم يستسلموا بسهولة ولم يقبلوا كلمة لا، وليس هذا فقط، وإنما لم يسمحوا لأي شيء أن يوقفهم عن تحقيق أهدافهم وطموحاتهم بل إنّ محاولاتهم الفاشلة زادت على المئات ووصلت لألوف المرات.

ما الذي تعتقدونه أنّه السبب في جعل معظم الناس يخافون ولا يتحركون لتغيير حياتهم البائسة التعيسة؟

إنّه الخوف... نعم إنّه الخوف من الفشل... الخوف من الانتقاد.

إنّ 90% من الخوف هو وهمي في عقلك فقط و10% حقيقي فما رأيك هل ستظل خائفاً في مكانك لا تتحرك لتصنع المستقبل الذي تهواه؟

إنّني ومن خلال عملي في مجال إطلاق القدرات وتطوير الذات مع مختلف شرائح المجتمع وجدت هذه الحقيقة: إنّهم يخافون من اتخاذ القرار.

لقد عملت مع مدراء وأفراد ورياضيين وعسكريين وقادة وطلاب وموظفين، ولقد كانت رسالتي المتواضعة لكلّ هذه الفئات أنّه حان الوقت لتتخذ قرارك وأن تعاهد نفسك أنّك لن تسمح للمشاعر السلبية أن تحطمك مثل الإحباط والقلق والتردد التي ستوقفك عن القيام بأفعال تستطيع تغيير حياتك.

القاعدة الثالثة:

إنّ الماضي لا يساوي المستقبل.

وعندما تقرر التغيير لابدّ أن تعلم أنّه ستكون هناك عقبات وتحديات، وتخيل حياة بدون تحديات ومشاكل ستصبح مملة وهي مثل الألعاب تكون ممتعة عندما تفوز بها كلّ مرة وبسهولة ولكن بعد فترة ستكرهها.

وكذلك الحياة، لو حصلنا على كلّ شيء نريده دون جهد أو مشقة أو تعب فلن نسعى لطلب أي شيء من هذه الحياة.

هل تعلم أنّ معظم الناس يعيشون كما يريد غيرهم، لا كما يريدون هم وهذا أحد أسباب تعاستهم وشقائهم، فلا تكن منهم.

وأتمنى أن لا تعيش رهينة ما يقوله الآخرون عنك أو ما يرغبون في تحقيقه من خلالك فكن نسيج وحدك.►

 

المصدر: كتاب استمتع بحياتك وعش سعيداً

ارسال التعليق

Top