• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل يؤدي الإقلاع عن التدخين إلى زيادة الوزن؟

هل يؤدي الإقلاع عن التدخين إلى زيادة الوزن؟

"التوقف عن التدخين يؤدي إلى زيادة في الوزن"، مقولة شائعة تتناقلها الأجيال على أنّها قاعدة ثابتة لارَيب فيها! نُصدِّق أو لا نُصدِّق؟ نُصدِّق أنّنا لن نتمكّن من الإقلاع عن التدخين كي لا نُصاب بالسمنة، أم نُصدِّق أنّ الإرادة أقوى من العلم أحياناً؟

الريجيم مَطلبٌ والتوقف عن التدخين مطلب، فكيف نُحافظ على وزن سليم وننجح في الإقلاع عنه؟ سؤال شعبي يحتاج إلى جواب علمي.

نَفّذت (جمعية الرئة الأمريكية) مجموعة من الدراسات، خلصت فيها إلى أنّه صحيح أنّ التوقف عن التدخين يؤدي إلى زيادة في الوزن؛ لكنّها بسيطة جداً مقارنة بالفوائد الصحّية الكثيرة التي قد تنجم عن الإقلاع عن التدخين.

 

- هل هذا معناه أنّ زيادة الوزن بُعَيد التوقف عن التدخين مصير حَتمي؟

يبدو أنّ الـ(نيكوتين) له تأثير مباشرة في الوزن؛ لكنّه تأثير لا يزال حتى يومنا هذا غير واضح. وفي التفاصيل، أنّ التدخين يؤثر في الأرجح على الشهيّة؛ لكن هناك جملة علامات استفهام حول ما إذا كان تأثير توقف ضخّ الـ(نيكوتين) في الجسم طويل الأمد، أم تأثيره كان محدوداً؟

يبدو أنّ تأثير هذا القرار يكون في معدّل استخدام الجسم للطاقة، حيث يؤدي إلى تغيير في طبيعة وحجم حرق الجسم للسعرات الحرارية. ثمة تأثير آخر يتمثل في أنّ الذين يُقلعون عن التدخين، الذين اعتادوا تدخين 15 سيجارة أو 20 سيجارة أو ربما أكثر يومياً، يلجأون إلى تناول الطعام كبديل في كلّ مرّة تلحّ على بالهم السجائر. في كلّ حال، دلّت الدراسات أيضاً أنّ النساء اللواتي يُقلعن عن التدخين يكتسبن وزناً أكثر من الرجال الذين يفعلون هذا، وهذا ما يجعل نسبة النساء اللواتي يتراجعن عن قرار الإقلاع عنه، بحجة تأثيره السلبي في أوزانهنّ، أكبر من نسبة الرجال الذين يرسبون في امتحان الإقلاع عنه.

 

- والحلّ؟

يُفترض أن يقترن قرار الإقلاع بالإصغاء جيِّداً إلى نصائح بديهية حول النظام الصحّي، ووجوب الحرص على ممارسة الرياضة المعتدلة في هذه الفترة بالتحديد، مع تناول الكثير من الفاكهة والخضراوات الطازجة.

في كلّ حال، ما لا يعرفه كثيرون، هو أنّ مَن يُقلع عنه سيطلب جسمه الحلويات أكثر من قبل، سيُطالبه جسمه بمزيد من الطعام، وهذا طبيعي. لذا يُفترض التحصُّن بأطعمة ومشروبات منخفضة السعرات الحرارية، وتتضمّن: اللحوم الخالية من الدهون والأسماك، واستهلاك نحو خمس حصص من الفاكهة والخضراوات يومياً، وتناول الحليب قليل الدسم، والأجبان والألبان منخفضة السعرات الحرارية، والاحتفاظ دائماً بوجبات صحّية خفيفة، ثمل التفاح والبوشار والجزر والكرفس.

ويُنصح أيضاً بعدم التخلي عن أي من وجبات الطعام، كي لا تنخفض نسبة السكر في الدم ويزيد منسوب التوتر، فيتراجع الإنسان عن قراره بالإقلاع عنه، ويسقط من جديد في التجربة.

 

- سؤال آخر: هل التدخين قامعٌ حقاً للشهيّة؟

لا، لا يوجد دليل ثابت، أقلّه حتى الآن حول هذه المقولة. في المقابل، تشير الدراسات إلى أنّ التدخين يمكن أن يؤدي إلى ضعف قدرة النساء البدينات على تذوُّق الدهون والسكريات، فيتناولن المزيد قبل أن ينجحن في كبح شهيّتهنّ. أمّا الرجال الذين يُدخنون في انتظام في عمر المراهقة، ففي الأغلب ينجبون أطفالاً بُدناء، أو بالأصح يميلون لاحقاً إلى السمنة والبدانة. وهذا يعني أنّه سبب من أسباب البدانة. إذن، لماذا هناك مَن يكرر في أذهاننا أنّ الانقطاع عنه يُسبِّب البدانة؟

19 في المئة من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية، و23 في المئة من الرجال هناك يدخنون، ما يتسبب في وفاة أكثر من 400 ألف إنسان سنوياً، بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والسرطان. وتُعدّ البدانة السبب الآخر للوفاة المبكرة هناك، حيث إنّ 30 في المئة من النساء و43 من الرجال يعانون زيادة الوزن.

ومادام قد سادت هناك مثلما هي في عالمنا العربي، الثقافة الشعبية القائلة: إنّ التدخين يساعد بالسيطرة على وزن الجسم، حتى إنّ بعض الإعلانات التجارية انطلقت منذ العام 1930 من مفهوم ترويجي يقول: إنّ المرأة يمكن أن تستبدل شغفها بتناول الحلويات بإشعال سيجارة.

كثيرون وكثيرات صدَّقوا أنّ في هذه الثقافة كلّ الحقيقة، بينما في الواقع، هي جزء بسيط من الحقيقة الكبرى، وفيها أنّ الإقلاع عن التدخين يُسهم في تخفيض الأمراض والوفيات، وبالتالي هو خيار رائع، تظل إيجابياته أعلى بكثير من السلبيات الصحّية المرتبطة بزيادة الوزن بُعَيد الإقلاع عنه. وهذا معناه أنّه حتى ولو أدّى الإقلاع إلى بعض الزيادة في الوزن، تظل ارتدادات تلك الكيلوغرامات الإضافية القليلة أقل من تأثيره، شرط أن تظل في مستوى مُحدَّد، لأنّ الزيادة الكبيرة في حال أهمل مَن انقطع عن التدخين نفسه، ستؤدي إلى خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني وبضغط الدم وبأمراض في الرئة.

نعود لنسأل عنه مجدداً: ماذا في الحلول الممكنة؟ هل يكمُن الحل الوحيد في اتّباع ريجيم غذائي متوازن؟ لعلّ الحل الأوّل والأهم يكون في فهم واستيعاب العلاقة السلوكية والبيولوجية بين التدخين والعادات الغذائية، من أجل منع زيادة الوزن بعد الإقلاع عن التدخين، فماذا في هذه الصلة؟

يدأب الباحثون على الغوص في أبعاد الصلة بين الـ(نيكوتين) والبدانة، لاكتشاف ما إذا كان التدخين أثناء المراهقة يؤثر لاحقاً في وزن الجسم.. فتبيّن أنّ نحو 40 في المئة من الشبّان الذين يحاولون مبكراً إنقاص وزنهم يُدخِّنون، ظناً منهم أنّه يساعدهم على السيطرة على الشهية والوزن. ويعتقد هؤلاء أنّ الإقلاع عنه بدايةً لزيادة الوزن. في كلّ حال، يُستدل من الأبحاث المتتالية، أنّ المدخنين البالغين يَزنون أقل بنحو أربعة إلى خمسة كيلوغرامات من غير المدخنين، وهم أقل عرضةً لزيادة الوزن والسمنة.

 

- دعونا نبحث عن أجوبة أدق. فما حجم زيادة الوزن بُعَيد الإقلاع عن التدخين؟

يُقال إنّ الأفراد الذين يقعلون عنه، يزدادون وزناً في الأشهر الستة الأولى تحديداً، غير أنّ الآليات العلمية، في مسار زيادة الوزن بُعَيد الإقلاع، تبدو مُعقّدة قليلاً وغير مفهومة تماماً، غير أنّ الأبحاث تتركّز حول تأثير الـ(نيكوتين) تحديداً، الذي يعمل على مستقلبات في الدماغ، تؤدي إلى اتّساع فتحات القنوات الأيونية والسماح بدخول الصوديوم والكالسيوم، ما يؤدي بدوره إلى الإفراج عن مزيد من الناقلات العصبية.

وتشمل هذه العملية إطلاق سراح مزيد من الـ(دوبامين)، والـ(نورادرينالين)، والـ(سيروتونين)، والـ(كولين)، و(حمض الغاما)، والـ(كاتيكولامينات) التي تُفرزه الغدد الكظرية، كرَدّ فعل للتوتر والضغط. وكلّ هذا يُسهم في تخفيض وزن الجسم عبر زيادة الطاقة. إذن الـ(نيكوتين) يُقلل من وزن الجسم عن طريق رفع مُعدّل الأيض وزيادة توليد الطاقة في الأنسجة الدهنية.

 

ما دور التدخين في تحفيز إنتاج هرمون الـ(ليبتين) القامع للشهيّة؟

نعود لنُكرِّر، أنّ الـ(نيكوتين) لديه آثار محتملة عدّة على الجهاز العصبي المركزي، حيث يحث الدماغ، وتحديداً منطقة مُعيّنة ما تحت المهاد في الدماغ، على تنظيم السلوكيات الغذائية ومُعدّل الأيض، وإعطاء إشارات بالشبع، وغيرها من التأثيرات التحفيزية والعاطفية المركزية. ويتم عبر تلك الإشارات، تحرير هرمون الـ(ليبتين) من الأنسجة الدهنية بما يتناسب مع كمية الدهون في الجسم، في سبيل زيادة مُعدّل الأيض وقمع الشهيّة. ودلّت الدراسات في هذا الإطار، على أنّ مستويات هرمون الـ(ليبتين) في الدماغ عند المدخنين أعلى منها عند غير المدخنين.

 

هل هذا معناه وجوب عدم الإقلاع عن التدخين في سبيل الحفاظ على جسم جميل؟

لا، لأنّ آثاره على الجسم تظل أقسى بكثير. والحل لن يكون إلّا في أخذ القرار: فالإقلاع عنه، والاهتمام بنوعية الحياة، أي بالغذاء والرياضة في آنٍ. وما عدا هذا سيبقى قراراً متجزأ.

 

أخذتُم خياركم؟

يُقال إنّ المدخن الشَّرِه الذي يقرأ الكثير عن أخطاره، لابدّ أن يُقلع يوماً عن القراءة!

 

ماذا عنكم؟ تُريدون القرار السهل؟ تُريدون طوي الصفحات كافة التي تحثّ على وقفه، حتى ولو كان الأمر يتسبب في بعض الزيادة في الوزن؟

التدخين آفة، والقَدّ الجميل مَطلب، وفي سبيل مكافحة الآفة وتحقيق المطلب يفترض اتّباع ريجيم حياة. وثقوا في أنّه كلّما بدأتُم مبكراً أتت النتيجة أهم. ثقوا في أنّ قراركم في أيديكم، فإمّا أن تسلكوا الدرب الصحيح، وإمّا تحصدون تحت حِجَج واهية، الأمراض.. لكم يبقى القرار. 

ارسال التعليق

Top