• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الإعلام التنموي» الجهاز العصبي لعملية التنمية

أ. عبير الرحباني

«الإعلام التنموي» الجهاز العصبي لعملية التنمية

يعد الإعلام التنموي الجهاز العصبي لعملية التنمية، وهدف الإعلام التنموي الأساسي هو تعظيم مشاركة المجتمع في كافة عمليات التنمية وتحويله إلى مجتمع مساند للعملية التنموية، وتحويل أفراد هذا المجتمع إلى وكلاء التنمية والتغيير، وذلك باستخدام أدوات المعرفة والوعي.

وتعتبر التنمية قضية تعتمد على جهد الشعب نفسه في شتى المجالات وتتم في إطار الحضارة القومية التي تنبع من الإرادة الوطنية الحرة. ولا تكتم التنمية الحقيقية إلا بالوعي السياسي والرغبة الحقيقية في التعبير الاجتماعي يشارك فيه أبناء المجتمع جميعاً مشاركة إيجابية وفعالة.

ولا شكّ بأنّ مهمة التنمية مهمة حضارية فتطوير القطاع الزراعي والصناعي، والرعاية الصحية، والتعليم، ومحو الأمية، والإرشاد الاجتماعي، والتثقيف المروري، والمشاركة الإيجابية في الحياة جميعها تدخل في نطاق واحد وهو خلق شخصية إنسانية متطورة وعصرية، كما وتعمل على تحقيق خطط التنمية ورفع الانتاج، وتطوير التكنولوجيا المحلية.

والتنمية الحقيقة لا تقتصر على المدن فحسب، بل يجب أن تمتد إلى القوى وتعمل على تطوير البنى التحتية، وإقامة المصانع والمستشفيات والمدارس والجامعات، وتعبيد الطرقات، وتثقيف الناس، أي بمعنى أن تكون تنمية شاملة لمختلف المجالات ولمختلف أنحاء البلد وأن لا تقتصر على منطقة أو محافظة على حساب محافظة أخرى.

والتنمية الحقيقية لا تتوقف عند الأمور المادية كتأمين الأدوات والمستلزمات الطبية لأفراد المجتمع بقدر ما تشمل الجانب المعنوي كتثقيف المجتمع على كيفية استخدام تلك الأدوية وكيفية الوقاية الصحية.

إنّ التنمية كي تنجح خاصة في الدول النامية فلابدّ أن تعتمد على تضامن الشعوب وتبادل الخبرات والتعاون الدولي والمعنويات الدولية بشرط أن تضاف كلّ مساعدة خارجية ومعنونة خارجية إلى جهد أبناء البلد الذي يسعى للتنمية، لا أن تكون بديلاً عنه.

ويمكن القول بأنّ التنمية هي مشكلة إنسانية تشكلت من خلال الإنفجار السكاني وارتفاع معدل الخصوبة، ومشكلة الفقر، والبطالة، والطاقة، والغذاء، والجهل والأمية، وضعف البنى التحتية، إضافة إلى الفجوة العميقة بين الدول الغنية والدول الفقيرة والتي تعتبر الدليل القاطع على اعتبار انّ التنمية مشكلة إنسانية لابدّ من معالجتها والسعي إلى إيجاد حلول جذرية لها تجمع جوانب التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحيث تشكل فيما بينها نسيجاً واحداً يشترك فيها الناس كلّهم على اختلاف فئاتهم. والجدير بالذكر انّ الثورات العربية وما يسمى (الربيع العربي) قد أثرت على التنمية وتطويرها في الدول العربية والأقليمية، خاصة الدول التي شهدت الثورات التي خلفت وراءها الدمار والقتلى وتخريب البنى التحتية، عدا عن توقف العملية التدريسية في تلك الدول نتيجة الثورات العنيفة، حتى انّ الدول المجاورة كالأردن ولبنان وغيرها من الدول العربية إذا لم تطالها الثورات فقد طالتها التظاهرات التي أعاقت عملية الإصلاح والبناء.

ولاشكّ فإنّ تلك الدول تأثرت بما يدور في محيطها الأقليمي وبما يجري في الدول المجاورة. فكيف يمكن لوسائل الإعلام في تلك الدول على تحقيق التنمية لشعوبها وسط الفوضى العشوائية والقتل والعنف، وليس بمقدورها تحقيق الاستقرار الإعلامي وسط تلك الفوضى؟. وفي هذه الإطار سؤال يطرح نفسه ما هو دور الإعلام في تحقيق التنمية؟

انّ الدور الرئيس الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام في تحويل المجتمع من التخلف إلى التقدم هو تطوير الشخصية الإنسانية من شخصية جامدة خائفة منغلقة إلى شخصية مفكرة ومتحركة وفعالة ومغامرة ومنطلقة ومنفتحة على مجتمعها وعلى المجتمعات الأخرى، لأنّ أي عملية تطويرية تعتمد بالدرجة الأولى على الإنسان الذي يعتمد على نفسه، ويصنع إنجازات فعالة تخدم مجتمعه، إنسان قادر على التحليل والتفكير والإبداع الفكري وخلق أيديولوجية قادرة على القفز من الماضي إلى الحاضر إلى مستقبل مشرق.

ولا شكّ أنّ تطوير الشخصية الإنسانية يبدأ منذ سنوات الطفولة الأولى للإنسان حيث ترتبط ارتباطاً كبيراً بالتربية والتعليم والسلوكيات والتنشئة الاجتماعية والمحيط المعاش.

ومن الملاحظ انّ شخصية الإنسان في الريف تختلف عنه في المدينة نتيجة التحضر والانفتاح وتوفر التعليم بصورة أكبر، إلى جانب مشاركة الشخص في المدينة في وسائل الإعلام تكون أكثر منه في الريف.

انّ دور وسائل الإعلام يجب أن لا يقتصر في توجيه الرسائل التنموية والتوعيوية إلى أبناء المدن فحسب، بل يجب أن يمتد إلى أبناء الريف والقرى كونهم في أمس الحاجة إلى التوعية والتثقيف في كيفية تطوير مجتمعهم وتنميته. ولكي تقوم النهضة الإعلامية بشكل ناجح وإيجابي لابدّ من إعداد وتأهيل نخبة من الإعلاميين المتخصصين وخبراء في المجال الإعلامي قادرين على الإقناع والشرح والتأثير في الجماهير وتجسيد الأهداف، وتبسيط الأمور والقضايا بشكل مؤثر وجاذب في شتى مجالات الحياة، وتحويل الأفراد من أفراد تقليديين إلى أفراد عصريين منفتحين ومشاركين ومنخرطين في كلِّ المجالات، خاصة المجالات السياسية كالانتخابات البلدية والنيابية والتي هي بحاجة لشرح مُفضّل من قبل وسائل الإعلام والمختصين عن آلية عمل الجانب السياسي وكيف يستطيع الأفراد المشاركة في الانتخابات بشكل عصري وحضاري بعيداً عن التحيز لعشيرة أو قبيلة ما، وأن يكون الانتخاب على أساس مبدأ الكفاءة والاستحقاق. كما وعلى المتخصصين في المجال الإعلامي نقل هموم المواطنين ومشاكلهم ورغباتهم إلى المسؤولين والحكومات للنظر فيها والعمل على حلها.

 

وسائل الإعلام وعلاقتها مع الأجهزة الأمنية:

تلعب الأجهزة الأمنية دوراً بارزاً في تحقيق جوانب التنمية لأفراد المجتمع من خلال مشاركتها وتفاعلها مع وسائل الإعلام. حيث لا يمكن بمقدور الأجهزة الأمنية المختلفة على إقامة نشر التوعية الأمنية إلا عن طريق وسائل الإعلام.

والوعي الأمني الإعلامي هو وعي أفراد المجتمع بحقوقهم وواجباتهم القانونية اتجاه أنفسهم واتجاه مجتمعهم من خلال نشر رسائل تعمل على تقوية الوازع الديني والقيم الاجتماعية التي تحمي الإنسان من الانجراف نحو الخطأ والغرق به.

وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في نشر البرامج التوعوية لأفراد المجتمع في كيفية التعامل مع السير والسياقة وأزمة المرور وكيفية مشاركة الأفراد على حلها، وأهمية دور رجل السير وكيفية التعامل معه بكلِّ بساطة وأمان، إضافة إلى البرامج الإرشادية التي تعرضها الأجهزة الأمنية عن حوادث الطرق أو إغلاق بعض الطرق وتحذير المواطنين من قطّاعين الطرق، ومخاطر السرعة... إلخ. إضافة إلى عرض برامج تختص بالسجون ومراكز الإصلاح ودور الرعاية، وتثقيفهم دينياً واجتماعياً ونفسياً وأخلاقياً وطرق الوقاية من الجريمة، وعرض الاسعافات الأولية وبرامج إرشادية. وكلّ هذه الأمور يمكن لوسائل الإعلام أن تنشرها لتثقيف فئات المجتمع بمستوياته المختلفة.

 

الإعلام التنموي هل نعتبره في غرفة الإنعاش في ظل العولمة؟

على الرغم من أهمية الإعلام التنموي في الدول النامية إلا انّ هناك أسئلة تدور حول هذا الإعلام من حيث مدى تأثيره الإيجابي على تلك الدول.

وفي هذا الإطار دعونا نتوقف عند الأسئلة التالية، هل يمكن للإعلام التنموي أن يدخل غرفة الإنعاش دون رجعة؟ أو أن يدخلها ليعود أفضل مما كان عليه سابقاً؟ أو أن يصاب بالشلل؟ وكيف يمكننا إنقاذه؟

ربما أصبح واضحاً العجز التي تعاني منه الدول النامية على خلق نظرية جديدة للإعلام، نتيجة لممارسات معظم الأنظمة الحاكمة ورغبتها في السيطرة والتحكم على وسائل إعلامها تحت مسمى (التنمية). فمن الصعوبة خلق نظرية جديدة ومستقلة للإعلام في ظل التلفيق والخلط، لأنّ العمل على خلق نظرية جديدة يتطلب دراسات جادة ومناقشة حرة هدفها تشخيص المشكلات والقضايا التي تواجه تلك الدور وطرحها من ثمّ إيجاد الحلول الجذرية لها.

فالإشكالية تكمن أوّلاً في النظم الإعلامية الموجودة في الدول النامية ودول العالم الثالث وتبعيتها للنظام الإعلامي العالمي، الذي بات يهيمن ويتحكم في تلك الدور ويسيطر ويتغول بكلِّ شراسة وقوة عليها، فالمنتج المحلي لا يستطيع أن يتصدى للشركات الإعلامية العملاقة، كما انّ الإعلام أصبح عبر القارات.

ويبدو واضحاً انّ الأوضاع الإعلامية في الدول النامية ومعظم الدول العربية على وجه الخصوص لم توفر مناخاً كي تنمو وتطور فيه أخلاقيات الإعلام، وهذا ليس نتيجة فرض السلطات قيوداً بأشكال مختلفة على الإعلام، وانما بفرض رؤوس الأموال والسلطات الدينية أيضاً التي أصبحت تفرض قيوداً هي الأخرى على حرية الصحافة والإعلام.

 

الاستهلاك ما بين السيطرة والعبودية:

انّ المقصود بالاستهلاك هنا ليس للسلع التموينية ولا استهلاكنا للطاقة أو المياه، إذ لم يعُد مفهوم الاستهلاك مفهوماً تقليدياً مقتصراً على السلع والبضائع أو الطاقة والمياه وغيرها، بل اتسع هذا المفهوم ليتحول لا شعورياً إلى ما يُعرف بمفهوم "الاستهلاك الاتصالي".

وعلى الرغم من انّ النزعة الاستكشافية هي نزعة طبيعية في الإنسان الذي يتسم بكونه كائناً فضولياً إلا انّ استخدامنا للإنترنت لأجل الفضول والتسلية عموماً واستخدامنا لبعض المواقع الإلكترونية خاصة هو بحد ذاته استهلاك لأوقاتنا.

وما نشاهده عبر القنوات الفضائية لكلِّ ما يأتينا من الغرب من أفلام وبرامج، ومتابعتنا لكلِّ حلقة من حلقات المسلسلات التركية وعدم تفويتنا لأي لقطة منها هو استهلاك لثقافتنا ولأوقاتنا ولأفكارنا ولعاداتنا ولتقاليدنا واستهلاك لعلاقاتنا الاجتماعية وتواصلنا الاجتماعي مع الآخرين.

ولا شكّ القرن الحادي والعشرين شهد ثورة اتصالية متشعبة وسريعة ساعدت على استثارة فضول جميع البشر وأخبارهم وتثقيفهم أيضاً، ولكن على أيّة حال فإنّ الاستهلاك من حيث جوانبه الاتصالية ترك آثاره البعيدة في الكيان الاقتصادي والاجتماعي وفي التقاليد والآداب العامة وفي المعايير السلوكية المختلفة على المجتمعات كافة وإن اختلف هذا التأثير الاستهلاكي من مجتمع لآخر، ولا يمتد تأثيره البعيد على أذواقنا وعواطفنا وحسب بل وحتى انماط تفكيرنا وعلاقتنا الاجتماعية ونظرتنا إلى الحياة، وهذا التأثير الذي يمارسه الاستهلاك كوسيلة اتصالية من الصعب تحديده.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا في غمرة لهاثنا وركضنا الأعمى وراء كلّ ما هو غربي مستورد لا نستورد إلا سلبياتهم وأمراضهم وعاداتهم وأفكارهم فقط؟ فمجتمعنا العربي في غالبيته مجتمع مهزوز القيم ومفكك الأسس، فماذا يملك لأطفاله سوى حصيلة من الصراعات والقلق والفوضى؟.

لقد كان بإمكان عالمنا العربي أن يمنح الغرب أشياء كثيرة وجميلة أهمها "القيم والمبادئ" وها نحن اليوم وللأسف نتخلى عن الشيئين الوحيدين اللذين تبقّيا لدينا.

ولابدّ للإشارة هنا بأنّ الوطن العربي يملك تراثاً ثقافياً وحضارياً عريقاً يمكنه أن يساهم في بناء منظومة إعلام جديدة، وبالتالي العمل على تحقيق التنمية الشاملة. لكن سيطرة السلطات على الإعلام وبطريقة مباشرة تارة وتارة غير مباشرة أدت إلى نتائج عكسية أعاقت من تحقيق التنمية الحقيقية وتتطورها.

وهنا يمكننا القول بأنّ تلك الاشكاليات التي نتجت عن العولمة ولدّت ضغوطات جديدة عند شعوب الدول النامية، حيث فرضت حتمية تكنولوجيا الاتصال تغييراً ليس فقط في سياسات دول العالم الثالث فحسب، بل وفي أنظمتها أيضاً، سواء أكانت جاهزة أم غير جاهزة للناس، وذلك لتشغيل سياسات جديدة. وهذا الأمر لا شكّ بأنّه سبب خطورة على المجتمعات والدول الغارقة في أنظمتها الشمولية، ما نتج عن تلك الحتمية ضغوطات نفسية على الأنظمة والناس على حد سواء، وبالتالي صعوبة وضع قوانين غير مقنعة بالنسبة لهم وهذه الاشكاليات جميعها أعاقت حركة التنمية أو ان جاز التعبير قد شلّت حركتها.

ولتحقيق مواجهة تلك الإشكاليات ولمواجهة السيطرة والهيمنة الإعلامية الغربية التي تعيق مسيرة تحقيق التنمية المستدامة فإنّ على وسائل الإعلام العربية:

1-  مضاعفة التبادل، من حيث الأجهزة والمعدات والخبرات والإعلاميين والصحافيين.

2-  العمل على وضع خطط استراتيجية قصيرة وطويلة الأمد فيما يتعلق بالإعلام الأكاديمي ما بين الدول النامية والمتقدمة.

3-  التصدي للتدفق المعلوماتي الحر واختيار ما يتناسب ويتلاءم ومجتمعاتنا.

4-  محاولة انقاص تشجيع الأذواق الغربية بما تقدمه من برامج وأشرطة فيديو أقراص... إلخ.

5-  أن تركز وسائل الإعلام العربية على نشر البرامج والمسلسلات والفيديوهات التي تنتجها وتصنعها.

6-  التشجيع على البحوثات والدراسات العلمية المحلية والأقليمية والاستفادة منها في تطوير الإعلام العربي.

7-  لابدّ لوسائل إعلامنا القيام بإعلام أفراد المجتمع بحقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم اتجاه أنفسهم واتجاه حكوماتهم ومجتمعهم.

8-  لابدّ لوسائل إعلامنا من تحقيق التنمية الشاملة في جميع أنحاء البلد بحيث لا يقتصر تحقيق التنمية في عواصم البلدان.

9-  ولكي تحقق وسائل الإعلام في الدول النامية التنمية الفعالة فلابدّ من إشراك أفراد مجتمعها كافة في العملية السياسية والاجتماعية وفي جميع المجالات.

10-                   لابدّ لوسائل الإعلام أن تركز على مضمون الرسالة الإعلامية.

11-                   من الضروري على وسائل الإعلام العربية تكثيف حملات ونشر برامج توعوية لمجتمعاتها.

12-                   الاعتماد على الصناعات الإعلامية الوطنية بدلاً من تحويلها إلى قاعدة استهلاكية للدول المتقدمة.

13-                   من الضروري أن تقوم وسائل الإعلام بتكثيف حملات تثقيفية تتضمن مفاهيم كالديمقراطية، والحرية الإعلامية.

14-                   انّ التنمية الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا في ظل توفر مناخ آمن ومستقر وفي ظل نظام ديمقراطي معتدل.

15-                   ضرورة التكثيف من البرامج التي تصل الجمهور بوسائل الإعلام واشراكهم في تحقيق التنمية.

16-                   لا يمكن تحقيق التنمية إذ لم يكن عند الصحافيين والإعلاميين روح الانتماء والضمير الحي.

17-                   الاهتمام بعملية التدريب التي تعتبر العامود الفقري.

 

المصدر: كتاب الإعلام رسالة ومهنة

 

ارسال التعليق

Top