قراءة في كتاب
"من المعروف أنّ القرآن الكريم قد بهر العرب بأسلوبه الفني المعجز، وقيمه الفكرية، والتشريعية السامية، فأكبّوا على مدارسته وحفظه والعناية به عناية لم يحظّ بها أثر فكري أو أدبي على الإطلاق. وكان حظ العربية وآدابها من هذا الكتاب كبيراً، بما أمدّها من روح جديدة، وبما أضفاه عليها من أساليب بلاغية رفيعة". بهذه الكلمات يفتتح المؤلف كتابه الصادر عن دار المعرفة للنشر بدمشق. ولكنه يعتبر أنّ دارسي الأدب ونقّاده القدامى – كما في العصر الحديث – لم يُعنوا بالأثر الذي تركه القرآن في الأدب العربي، ولم يعطوه جانباً مستقلاً من دراساتهم. ولذا، فقد آثر المؤلِّف أن يأخذ على عاتقه المساهمة في سدّ هذا النقص. (بدراسة "المرحلة الإحيائية" من الشعر الحديث لشدّة ارتباطها بالقرآن وبالتراث عموماً، ولم يتناول بطبيعة الحال كل شعراء هذه المرحلة، بل تناول أعمدتهم، فجاءت دراسته مركّزة حول الرصافي والجواهري وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد العيد آل خليفة وأحمد سحنون). يرفض الكاتب محاولة الكثيرين اعتبار النهضة الحديثة في العالم الإسلامي من نتائج الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وما أعقبها من اتصال بالحضارة الأوروبية. ويقرر المؤلّف أنّ الفكرة الإسلامية كانت هي النزعة الطاغية على اهتمام الناس، ولم تكن أفكار مثل الوطنية والقومية مفهومة كما نفهمها نحن اليوم، بل كانت مختلطة بالمفهوم الديني غير منفصلة عنه. ويؤكد أنّ المكونات الثقافية التراثية الإسلامية للشعراء الستّة لم تكن غريبة عن روح العصر الذي عاشوه، حيث الابتداء بحفظ القرآن، ثمّ التدرّج في فهم العلوم العربية التي تتعلق بكتاب الله. إنّ الثقافة الدينية التي رضع هؤلاء الشعراء من لبانها، أمْلَتْ عليهم الاهتمام بالموضوعات الدينية، مثل المدائح النبوية، وتسجيل المناسبات الدينية وغير ذلك. لقد كانت العقائد الدينية والمعاني القرآنية من الروافد الأصلية التي ألهمت شعراء هذه الفترة وأغنت تجاربهم، وفتحت أمامهم أبعاداً خصبة من الرؤية الكلية للحياة والوجود. أمّا أهم الموضوعات التي نالت اهتماماً خاصاً لدى هؤلاء الشعراء فهي: صفات الله تعالى، والإيمان به وبرسله وبملائكته، والإيمان بالغيب والقدر، والجنة والنار، والثواب والعقاب، ثمّ ذِكْر صفات المؤمنين وموضوع العبادة وصفات المنافقين والكافرين. فمن شعر محمد العيد آل خليفة نقرأ فيما يسوقه لنا من صفات الله: الغالب القهّار فوق عباده **** من ذا يكيد الغالب القهارا وفي القضاء والقدر يقول أحمد شوقي: يتمشى القضاء خلف نواهيـ **** ـكَ حديد الأظفار يطلب صيدا وعن صفات المؤمنين يقول أحمد سحنون: ومن يتحلّ بثوب التقى **** يجد مخرجاً، وَيَنَلْ ما طلبْ ويلقَ رضا الله عن جنده **** ويرزقْه من حيث لا يحتسب للّغة القرآنية طبيعة وخصائص تميزها عن غيرها. وللقرآن دقة خاصة في استعمال اللفظة ووضعها، واللفظة القرآنية مشعّة بأكثر من دلالة، وموحية بأكثر من معنى، وكله مقبول مرضي في الوجدان والعقل. وقد أفاد الشعراء الإحيائيون من هذه اللغة القرآنية وخصائصها. وترد في شعر الإحيائيين الكثير من الألفاظ القرآنية مثل الهدى والإيمان والتقى، وما يقابلها من ألفاظ الضلال والشرك والكفر، وغيرها كثير. ومن خصوصيات اللغة القرآنية التي استفاد منها الشعراء الإحيائيون "المفردات المتجاورة"، وكذلك الأساليب اللغوية القرآنية كأسلوب الدعاء والاستفهام والعرض والتمنّي والرجاء والشرط والقسم والنفي والتوكيد والتعجّب والمدح والذم. الصورة القرآنية ملازمة للتعبير القرآني، وهي من أبرز عناصر الجمال فيه وتمتاز بأنها صورة حسيّة في أغلب الأحيان، وهي دقيقة في إصابتها للهدف، والحركة سمة بارزة فيها، وهي مضغوطة بقليل من الألفاظ الموجزة أشدّ الإيجاز. وقد أفاد الشعراء الإحيائيون من الصورة القرآنية في شعرهم، على مستوى الصورة المفردة، حين تكون اللفظة بحدّ ذاتها موحية بصورة معناها، وعلى مستوى الصورة الكلية، والصورة المنقولة، مثل قول الرصافي: تراهم سكارى في العذاب وما هُمُ **** سكارى، ولكنْ من عذاب مشدّدِ وكذلك استفاد الشعراء من المَثَل القرآني، وهو من مظاهر الصورة القرآنية، ومن مشاهد الطبيعة الواردة بكثرة في القرآن الكريم كما في قول شوقي: الله صاغكِ جنّتينِ لخلقه *** محفوفتين بأنْعُم لعياله كما تأثّروا بمشاهد يوم القيامة. الرمز تعبير غير مباشر يتجنب فيه الشاعر أو الأديب تسمية الأشياء بأسمائها، ويكتفي بذكر ما يوحي بها، ويستحضرها عبر أدوات لغوية وتصويرية تمتلكها اللغة على لسان الشاعر أو الأديب الموهوب. والرمزية في القرآن هي تلك الرمزية العامة التي تحقق الأغراض الدينية والتربوية، من خلال ملامح لغوية وتصويرية وإنسانية. ومن مظاهر الرمزية القرآنية أساليب الإيجاز والمجاز بما فيه من تشبيه واستعارة وكناية. ومن أنواع الرمز، ما يسمى بالرمز اللغوي. وهذا ما استفاد منه الشعراء الإحيائيون، كقول الشاعر: أبَنْتَ لنا التنزيل حكماً وحكمةً **** وفرّقت بين النور والظلمات وهناك الرمز الموضوعي، وهو الأعلام والشخصيات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، في سياق القصة القرآنية. وقد استخدم الشعراء الإحيائيون هذه الأعلام في شعرهم، بحيث تحولت إلى دلالات رمزية في الشعر في كثير من المواضع. وتبقى لنا ملاحظات مهمة على الكتاب المذكورة الذي يضيف – ولا شك – جديداً إلى المكتبة العربية: 1- لعلّه كان من الأفضل – توخياً للدقة – تغيير عنوان الكتاب بحيث يشير إلى الشعر المعاصر – لا الشعر الحديث – لأنّ المؤلِّف يرمي إلى دراسة الشعر العربي في الفترة الحاضرة، وهو ما يطلق عليه اسم الشعر المعاصر. 2- إن اقتصار الكتاب على الاستشهاد بستة شعراء فقط، لا يكفي لتقديم دراسة شاملة عن تأثير كتاب الله في الشعر العربي. 3- لماذا لم يقدّم المؤلّف شرحاً كافياً – ولا لمحة واضحة – لمصطلح الشعر الإحيائي، خصوصاً وأنّه تعبير غير متداول؟ المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 13 و14 لسنة 1991ممقالات ذات صلة
ارسال التعليق