الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
◄بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (ص).
روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن تميم الداري أنّ رسول الله (ص) قال: "إنّ الدين النصيحة، إنّ الدين النصيحة، إنّ الدين النصيحة".
قالوا: لمن يا رسول الله؟
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وأئمة المسلمين وعامتهم.
قال العلماء: هذا الحديث عظيم الشأن في الدين، وعليه مدار الإسلام.
ذلك أنّ الحديث يضع قاعدة أساسية من قواعد الدين، هي أنّ الإيمان يقتضي الخلوص الكامل لله، والموالاة الصادقة له سبحانه، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ولقد يشيع بيننا فهم سطحي للحديث فنقصره على بعض معانيه ونظن أنّ المقصود به توجيه النصح للناس فقط.
وليس هذا هو المقصود الأصلي من هذا النص الجليل.
لكن المراد الأوّل منه – والله أعلم – هو الخلوص الكامل لله، والموالاة الصادقة له سبحانه، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فمعنى النصيحة في الأصل الخلوص، والنقاء، والصدق، والولاء الكامل الذي لا تشوبه شائبة.
وبهذا تفهم قوله (ص): "الدين – أي الإيمان والإسلام – النصيحة" أي أن جوهر الدين والإيمان هو الخلوص والنقاء.
"فالنصيحة لله" هي الخلوص الكامل وموالاة المرء لله، والإخلاص في عبادته والحب له سبحانه. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 91).
ومعناه والله أعلم أنّ الرجل إذا كان ضعيفاً وفقيراً أو مريضاً لا يستطيع أن يسهم في العمل لدين الله لم يضره ذلك شيئاً ما دام صادقاً مع الله مخلصاً لدينه، موالياً لله أصدق الموالاة.
وقد استرسلت الآيات في بيان هذا المعنى بعد ذلك، فقالت: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة/ 92-93).
فذكرت الآيات أنّ العجز عن بعض العمل في عهد الصحابة عوضه الصدق مع الله والإخلاص له سبحانه، رغبة فيما دعا إليه، وعزوفاً عما نهى عنه، واجتهاداً في عبادته واعترافاً بنعمته.
قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة/ 5).
ومن الموالاة لله الموالاة لمن أطاع الله، والبغض لمن عصاه، وخفض الجناح للمؤمنين، والرحمة بالضعفاء والمساكين.
وأما النصيحة لكتاب الله فهي الموالاة له والإيمان به، والعمل بما فيه، والإقبال عليه والإكثار من تلاوته كما أنزل على رسول الله، والإنصات له، والسرور لبشارته، والخشوع عند إنذاره، والتفقه في أحكامه، والدفاع عنه إذا تعرض لتأويل المحرفين، أو طعن الملحدين.
وأمّا النصيحة للرسول فهي الموالاة له في حالين: في حال حياته، وبعد مماته. ولقد أخلص أصحابه له في حياته، فأيدوه، ونصروه، وعادوا من عاداه، وسمعوا له وأطاعوا وبذلوا النفوس والأموال فداءً له. قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 23).
والنصيحة للرسول بعد وفاته التزام التوقير والإجلال، والمحبة له (ص) والاجتهاد في التعرف على سنته، والتفقه في شريعته، ومحبة آله وأصحابه، والاهتمام بأمر أمته، والتأسي به في أخلاقه وسيرته وآدابه (ص).
المصدر: كتاب (منهج الإسلام في التربية والإصلاح)
ارسال التعليق