- النفس:
الإنسان كائن حي، ككل كائن حي آخر، يتكون من مادة عضوية حية تنطلق منها طاقة نفسية نسميها الروح. ويشكل وحدة متكاملة لا تنفصل فيها العوامل المادية الكتلية عن العوامل الطاقية والروحية. وتتفاعل هذه الوحدة مع البيئة الطبيعية والاجتماعية التي تحيط بها. وكل ما يتعلق بالإنسان ويصدر عنه، يمكن تفسيره من خلال بنيته وبيئته وتفاعله معها وردود فعله عليها. النفس هي الصورة الداخلية للجسد تنعكس فيها كل صفاته وخصائصه، وما يطرأ عليه، وتؤثر فيه بدورها. لما كانت الحياة هي الهدف الأول لكل كائن حي، لذلك كانت الحاجة الأساسية الأولى للإنسان هي أن يحافظ على حياته بما تحتاج إليه من طعام وشراب وملبس ومسكن وغيرها. ولما كان استمرار هذه الحياة والمحافظة على النوع هو الحاجة الأساسية الثانية له، لذلك تكون ممارسة الجنس هي صاحبة الدور الثاني في حياته. وتستمد الأمور الأخرى دورها وأهميتها من هاتين الحاجتين الأساسيتين. وما يبدو مخالفاً لهما يعود في نهاية التحليل إليهما وإلى الظروف المحيطة به. وفي ظروف معينة قد تبرز بعض الأمور التي تهدد حياته أو استمرار نوعه مباشرة مما يجعلها تحتل الدور الأوّل في فترة معيّنة.. مثل انعدام الأمن والمرض والحرب والشر وانهيار القيم.. وغيرها. ويبرز دورها كثيراً عندما يتوفر ما يلبي الحاجات الأخرى الأساسية ولو في حدودها الدنيا. لكي نفهم الإنسان يجب أن نتذكر أنّه كائن حي، له مقومات وخصائص الكائنات الحية الأخرى. ولكن حياته الاجتماعية تفرض عليه أموراً أخرى تجسدت في ما نسميه الحضارة. وكل أسرار الإنسان وحقائقه تكمن في عملية التكيف بين أصله الحيواني ومتطلبات الحياة الاجتماعية والحضارة التي بلغها، أي بين الطبيعة والمجتمع المتحضر. ومن خلال عملية ضبط وتنظيم تلبية حاجاته وتفريغها حسبما تتطلب حضارته يمكن أن نفسر نفسية الإنسان الحالي بجوانبها السلبية والإيجابية، والمرضية والسليمة. - الجنس: تتوالد الكائنات الحية التي تتألف من خلية واحدة أو خلايا قليلة بسيطة بواسطة الانقسام المباشر إلى كائنين مستقلين. ويبقى لديها نزوع إلى الكائن الآخر الذي انفصل عنها، ويشكل الشطر الآخر منها. وعندما تكونت كائنات حية عضوية معقدة بلغت إلى مستوى الإنسان دفعها هذا النزوع إلى الاتصال الجنسي مع الكائن الآخر بواسطة الأعضاء التي تكونت من عملية الانفصال، وتركت آثارها فيها، وربما كانت آخر الأجزاء التي تم الانفصال بينها، وتختزن كل الخصائص الأساسية لكل من الكائنين، وصارت تتوالد منها. وتسمى الأعضاء الجنسية أو التناسلية. وبقي لدى هذه الكائنات الحية نزوع إلى الاتصال، ونزوع آخر إلى الاستقلال ترسخ بعد الانفصال ليتمكن الكائن الحي من التكيف مع وضعه الجديد. واكتسب خصائص مناسبة له، يتطلبها وضعه، وتنزع إليها عضويته وتكوينه. وقامت الغريزة لدى الحيوانات بتنظيم الصلة بين هذين النزوعين. أما الإنسان الذين يستخدم عقله أكثر من غريزته فيحتاج إلى إيجاد صيغ للتوازن الصحيح بين النزوع إلى الاتصال والنزوع إلى الاستقلال تكون مناسبة للظروف والحضارة التي يعيش فيها، ليتمكن من المحافظة على ذاته ونوعه، وتكوين شخصية متكاملة مستقلة تستطيع أن تمارس الحياة الإنسانية بكفاءة، وتحظى بالسعادة. لا شك أنّ للأمور الجنسية التي تحافظ على استمرار الحياة والنوع دوراً كبيراً في حياة الإنسان، يأتي في أهميته بعد دور الطعام والشراب واللباس والمأوى وغيرها مما يحفظ حياته ويجعله أهم منه. ولكن الدور المبالغ فيه الذي أعطاه فرويد له ناجم عن أنّ الناس الذين لاحظهم وعالجهم كانوا في غالبيتهم من الطبقة الغنية التي لم يكن توفير القوت لها يشغل حيزاً كبيراً من حياتها واهتمامها لتوفره لديها بكثرة، وهي الطبقة التي كانت تسمح لها امكانياتها المادية أن تعرض نفسها على أطباء النفس. ولذلك بدت له أهمية الجنس الذي كانت تفرض عليه بعض القيود التقليدية التي تجعل الرغبة فيه شديدة، بسبب تحريمه ومنعه، وتبرز دوره أكثر من الطعام والشراب واللباس المتوفر لديها كثيراً. وهذا ما أوحى لفرويد بالدور المجسم الذي أعطاه له. لأنّه لم تتح له فرص كبيرة لملاحظة هذه الأمور لدى الطبقات الأخرى الفقيرة التي تخلق لها صعوبات توفير الطعام والشراب واللباس والمأوى وما يتعلق بها مشكلات نفسية كبيرة جدّاً تفوق أحياناً دور العوامل الجنسية فيها. وهذا القول لا يعني أبداً التقليل من أهمية الجنس ودوره في المشكلات النفسية، بل يريد أن يشير إلى الأمور الأخرى التي تلعب دوراً كبيراً فيها، يتجاوز دور الجنس أحياناً. كان الإنسان كالحيوان يحاول أن يحقق اشباع رغباته الجنسية مع أقرب الناس إليه. ولكن هذا الأمر كان يثير ردود فعل من الأقرباء الآخرين الذين يؤثر على اشباعهم لرغباتهم الجنسية، ويحول دون تحقيقها حسبما يرضيهم، مما أثار الصراعات بين الأقرباء، وداخل الأسرة الواحدة، التي كانت تنتهي أحياناً بكوارث رهيبة، تولد الألم والندم له. لذلك قام الإنسان خلال تطوره الحضاري بتحريم بعض صور الاشباع الجنسي مع الأقرباء، وحصرها في أشخاص معينين للتخلص من هذه الصراعات وآثارها. وبقيت الغرائز والمشاعر الأولية موجهة إلى حد ما نحو الاتجاه السابق، مما يفسر مشاعر الذكر نحو قريباته من الإناث، ومشاعر الأنثى نحو أقاربها من الذكور، التي تظهر بوضوح في بعض الأوضاع التي تسمح أو تتطلب ظهورها، ومن خلال بعض ما أصبح يسمى بالانحرافات. كما بقيت آثار هذا الصراع بين رغباته الأولى وتحريمها تعمل في نفسه، وتندفع أحياناً في صور صحيحة أو خاطئة أو مرضية حسبما يكون مدى النجاح في معالجة هذه المسألة لدى كل فرد ضمن ظروفه الحضارية. وقد استعار فرويد أسطورة أوديب وألكترا ليصف هذه الحالة، وعبر عن ذلك باصطلاح: عقدة أوديب وعقدة ألكترا اللتين تعبران في رأيه عن عشق الولد لوالدته، وعشق البنت لوالدها، حسبما ورد في أسطورة أوديب الذي تزوج والدته، وقتل والده دون علم منه بأمرهما. ثمّ سمل عينيه، وشنقت والدته نفسها. والكترا التي حفظت الود لوالدها، وسعت بمساعدة أخيها لقتل والدتها وعشيقها اللذين قتلا والدهما. مما أضفى على تفسير فرويد طابعاً خيالياً. وأعتقد أن تفسير فرويد وأسطورة أوديب، كليهما ينطلقان من مصدر واحد هو الحالة البدائية التي لم يكن فيها محرمات جنسية. وفرضت هذه المحرمات فيما بعد لتفادي التنافس الشديد والصراع والقتال الذي كان يوفر الحصول على الجنس الآخر، ولا سيما بين الذكور. ويتولد الندم والألم مما كان يقع من جرائم. وهذا ما أدى إلى التحريم بين الأقارب وفقاً لمتطلبات الحياة الاجتماعية والحضارة السائدة فيها، وتجنباً لبعض العواقب الوراثية. وحبذا لو صاغ فرويد تفسيره بالأسلوب العلمي التطوري الحضاري الذي يضع المسألة في إطارها الصحيح ببساطة ودقة. - غريزة الحياة وغريزة الموت: لما كان الإنسان كغيره من الكائنات الحية قد نشأ من مادة متحركة تفاعلت في ظروف معيّنة، وشكلت الحياة، مما جعل هذه الكائنات الحية، ومنها الإنسان، تبقى مشدودة بين قطبين: حالة السكون النسبي للمادة الجامدة أو الموت، وحالة الحركة أو الحياة، مما ولد نزوعاً متناقضاً نحو الموت والعودة إلى حالة الاستقرار والسكون النسبي السابقة التي كانت فيها أصلاً، ونحو الحياة التي نشأت فيها حيث تشتد الحركة، وتوجد طاقة جديدة، وتشكل تطوّراً طبيعياً للحالة السابقة يدوم فترة محدودة. ومع أنّ النزوع نحو الحياة يكون هو الأشد لفترة معينة مادامت مقومات الحياة متوفرة بصورة مناسبة، فإنّ النزوع إلى الموت يبقى مترسخاً في طبيعته الأصلية. ويستمر الصراع بين هذين النزوعين المتناقضين من خلال الموت والولادة. ويتجلى النزوع إلى الموت في الميل إلى النوم والراحة، ويسمى: غريزة الموت. ويتجلى النزوع إلى الحياة في الميل إلى الحركة والعمل ويسمى: غريزة الحياة. ويبقى الصراع بينهما محتدماً حتى تتحلل الحياة، وتعود إلى وضعها السابق، إلى المادة الجامدة، بالموت. - التركيز على الذات: حين يولد الإنسان تكون جميع طاقاته متركزة على ذاته، وتسعى لتوفير حاجاته والمحافظة على حياته دون اعتبار لأي أمر آخر. وتسمى هذه المرحلة: مرحلة التركيز على الذات. ثمّ لا يلبث الطفل أن يشعر بوجوده في بيئة لها مطالب معيّنة. ويحاول تدريجياً أن ينفتح عليها ويراعيها ليحقق التوازن بين مطالب نفسه ومطالب العالم الخارجي، حتى يصل إلى مستوى مقبول، وهذا ما نسميه: مرحلة الغيرية، التي يوجه فيها الاهتمام الكافي إلى غيره. وإذا لم يخرج الإنسان لسبب ما من مرحلة التركز على الذات، وبقي متركزاً عليها، ينحرف نحو النرجسية أي (عشق الذات) في مشاعره، وإلى الأنانية في اعماله وتصرفاته. لأن اهتمامه بنفسه (بأناه) يتجاوز الحد السليم للمرحلة التي يكون فيها، وتتطلب منه أن يتنازل عن بعض ما لنفسه للآخرين، ليتوفر الانسجام المناسب لاستمرار الحياة الاجتماعية. وقد يحدث انفتاح نحو غيره يتجاوز حدود التوازن العادي، ويؤدي إلى تقديم تضحيات كبيرة لأجل الآخرين، قد تصل إلى حد التضحية بالذات في بعض الظروف والحالات الخاصة جدّاً. الذي لا يحب نفسه لا يستطيع أن يحب الآخرين. والذي لا يحب سوى نفسه فقط لا يستطيع أن يحب غيره أيضاً. والحب الناضج السليم ينطلق من حب الإنسان لنفسه، وينفتح حتى يشمل الآخرين، ويقيم التوازن الصحيح بينهما. - الطبع: لكل إنسان بنية نفسية يرثها عن أهله، أو يكتسبها منهم ومن بيئته، وتترسخ تدريجياً منذ الصغر حتى تأخذ شكلها شبه النهائي في مرحلة البلوغ، وهي تحدد مساره في شتى مجالات الحياة، وقلما تتغير كثيراً بعد ذلك. هذا التكوين النفسي للإنسان يتألف من استعدادات وخصائص معيّنة، ويتكون بتأثير وراثته وبيئته وتربيته. ويأخذ اتجاهات محددة يصعب تبديلها فيما بعد، إلا ضمن حدود ضيقة، مع أنّه يستمر في التبدل مدى الحياة. ونسمي الاستعدادات والخصائص الموروثة والمترسخة منذ الصغر: (الطبع). وما يتعلق منها بالجوانب الانفعالية والعاطفية نسميه: (المزاج). وهي جوانب في الشخصية. ومن خلال هذا الطبع تمر كل المؤثرات التي يتلقاها الشخص، وتصدر كل التصرفات حاملة معها طابع صاحبها. ولذلك يكون طبع الإنسان والظروف أو البيئة المحيطة به وجهوده هي ما يحدد قدره. يتكون الطبع أو الطبيعة البشرية لشخص ما من تراكم مورثات أجيال كثيرة اكتسبتها من تفاعلها مع بيئتها منذ كانت خلية واحدة، ومازالت هذه العملية مستمرة. ولتبديله في اتجاه ما لابدّ من التأثير على هذه الاستعدادات المكتسبة الموروثة، وعلى البيئة التي يعيش فيها، وفق مبادئ وقواعد وخطط معيّنة. يحدد الطبع لإنسان ما طريقاً يسير عليه في حياته. وان حاد عنه حيناً يعود إليه أحياناً ليستأنف مسيرته. وقلما يستطيع أن يخرج عنه بعيداً وطويلاً، لأنّ ذلك يتطلب وعياً كبيراً ومقدرة هائلة لا تتوفر إلا لقلة من البشر. الطبع يغلب التطبع مع أنّ الطبع يتبدل إلى حد ما ضمن إطار الطابع العام لصاحبه. ويمكن أن يصبح هذا التبدل أكبر وأسرع حين تتوفر له ظروف مناسبة، ومشاعر معينة، ومستوى عال جدّاً من الوعي والمقدرة، وزمن كاف لاستيعابه. ويتحول إلى ما يشبه الطبع الذي يترسخ مع الزمن، ويحدث تبدلات عضوية، ويصبح (طبعاً) لدى الأجيال القادمة. كأنّ البشر آلات تسير وفق برامج وضعتها بنيتها وبيئتها وتربيتها، لتوجه سيرها. يمكن أن نعرف طبع إنسان ما من تكوينه الجسمي إذا كنا نعرف كيف نقرأه، ونأخذ بعين الاعتبار البيئة التي تحيط، به، وبعض الحركات والتصرفات التي تصدر عنه. ملامح وجه الإنسان وجسمه تشير إلى كثير من خصائص طبعه ونفسه. - الشخصية: كان الفرد الإنساني في المجتمعات البدائية يكاد يكون مجرد خلية في جسم جماعته التي تسيطر عليها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتلبية حاجاته الأساسية. وبتأثير هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية السائدة وعمل الفرد الذي بدأ يزداد دوره مع تقدم الزمن، وينمو دماغه، ويكبر وعيه، سار الفرد الإنساني نحو التفرد، وتكوين الشخصية المستقلة. تتكون للفرد شخصية متميزة بتأثير خصائصه الجسمية والنفسية وبيئته الطبيعية والاجتماعية. وهي وحدة متكاملة لهذه الخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية والأخلاقية، ولجوانبها الشعورية واللاشعورية، والموروثة والمكتسبة التي تميزه عن الآخرين. وبالتالي يكون له طابع خاص ودور معيّن، يتجلى منذ مطلع حياته، ويكاد يكون مستمراً طوال عمره. ولا تحدث تبدلات واسعة فيها إذا لم يحدث تبدل في التكوين الجسمي أو النفسي أو الظروف والبيئة المحيطة به. ينجم هذا الطابع المميز للشخصية من التكوين الخاص للشخص ووراثته وبيئته وتربيته. ويمكن أن يتغير بتأثير الظروف والوعي والجهود المبذولة ضمن حدود معيّنة، قد لا تصل إلى حد يصبح فيه مختلفاً تماماً عما هو عليه. أي الشخصية هي الصورة أو الوحدة المنظمة المتكاملة لجميع جوانب الفرد الشعورية واللاشعورية، والجسمية والنفسية حين يشعر بتميزه عن الآخرين. أو الشخصية هي تكامل جميع خصائص الفرد الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية والأخلاقية في وحدة تميزه عن غيره. وغالباً ما يكون للإنسان محور تتركز حوله شخصيته، وتنطلق منه كل تصرفاته بجيدها وسيئها، ويحدد له نمطاً معيّناً من الشخصية. بقدر اختلاف أشكال الناس وملامحهم تختلف طباعهم وشخصياتهم حتى يكاد أن لا يتشابه اثنان منهم. ما أكثر نماذج البشر، ويكاد أن يكون كل فرد نموذجاً قائماً بذاته. ومع ذلك يمكن تصنيفهم في نماذج عامة رئيسية. في كل جماعة أو مجتمع يوجد نموذج عام من شخصيات البشر، له صفات وخصائص معيّنة يتصف بها أفراده بنسب مرتفعة جدّاً، مع أنّها تختلف من واحد إلى آخر ولكن قلما يكون هذا الاختلاف كبيراً جدّاً، إلا في حالات قليلة أو نادرة. كأنّ الإنسان مزيج من الذئب والحمل، ويأكل اللحم ويأكل النبات. وتختلف نسبة هذا الزيج لدى الإنسان وفي بعض المراحل. وينبغي أن يعرف متى وأين وكم وكيف يكون حملاً أو ذئباً، وما هي النسبة المطلوبة من كل منهما، ليعرف كيف يتصرف جيِّداً في حياته. - الأحلام: يختزن الدماغ بصورة عضوية، وفي خلايا خاصة كل المؤثرات التي يتلقاها منذ تكونه مع ما يرثه. وهو يعمل ككل غير منفصل إلا في بعض الحالات أو القدرات الخاصة. ويستدعي ما يحتاج إليه منها في حالة صحوه ووعيه ضمن حدود طاقته ومدى سيطرته على حركتها المستمرة وتشابكها وإرادة صاحبه. وأثناء النوم أو الاسترخاء أو الإرهاق أو غير ذلك من الحالات التي تخف فيها رقابة العقل وسيطرته على تحركاتها تظهر في أحلام النوم وأحلام اليقظة والهلوسات وما يشابهها، بتأثير المؤثرات الموضوعية والذاتية للشخص وتطلعاته، وبصورة عفوية نسبياً، وفق منطق خاص بها، هو منطق الحياة التلقائية الذي لا يخضع كلياً لمنطق العقل الواعي الذي يضعف تحكمه بها. وتأخذ هذه الأشكال المتنوعة جدّاً، التي هي ظهور وتعبير شبه تلقائي عن المؤثرات التي يتلقاها العقل وتفاعلها معه. ولا سيما ما يتعلق منها بالمحافظة على الحياة، والمحافظة على النوع واستمرار هذه الحياة. والأمور الجنسية جانب واحد منها. وهي تتفاعل وتظهر دون ترتيب أو تركيب منطقي، وانما حسب تواجدها وتحركها وتشابكها وتفاعلها والمؤثرات التي تثيرها، مما يعطيها أحياناً أشكالاً غريبة في أحلام النوم وأحلام اليقظة والهلوسات أيضاً. تعبر الأحلام عما يعانيه الحالم لتلبية حاجاته في شتى المجالات والأوضاع. وتظهر هذه المعاناة من خلال ما لديه من موروثات وخبرات وأماني أو تطلعات بعد أن ينحسر الضغط عنها أثناء النوم أو اليقظة. وتصبح أكثر حرية في التعبير عن نفسها. وتكون رموزاً ودلالات تشير إليها من بعيد أو بصورة غير مباشرة أو مباشرة أحياناً، مما يعطيها هذا الشكل الذي يختلف إلى حد ما عما يحدث في حالة اليقظة الواعية العادية. كما أن بعض القدرات كالتذكر والتخاطر وغيرها قد تستفيد من حالة الهدوء أثناء النوم والاسترخاء وسكون غيرها من القدرات والفعالية العامة لدى النائم أو المسترخي لتصبح أكثر قوة وشدة ونفوذاً وفعالية، مما يجعلها قادرة على رؤية ما لا تستطيع أن تراه وتحسه أثناء اليقظة. وقد تكون لهذه الرؤية أبعاد مستقبلية تنبؤية في حالات قليلة جدّاً. ولابدّ من بعض التفسيرات الخاصة لبعض الحالات الجزئية أو الخاصة التي تبدو غير متناسقة مع هذا التفسير العام. مثل أنّ الحالم لا يحلم أحياناً بما كان مشغولاً به بشدة، كالعاشق الولهان الذي لا يأتيه محبوبه في الأحلام. لأنّه يكون قد استنفد كل ما لديه حوله أثناء اليقظة لشدة اهتمامه وانشغاله به، ولا حاجة لأن تقوم الأحلام بأي دور آخر فيه. والكابوس هو حلم يكون انعكاساً وتعبيراً أثناء النوم عن الحالات الحادة جسمياً أو نفسياً أو الاثنتين معاً التي يعاني منها صاحبه بشدة، وتخضع لقواعد الحلم المذكورة أيضاً. الأحلام هي استجابات عقلية خيالية شبه عفوية لعوامل داخلية أو خارجية تثير صوراً وأفكاراً ومشاعر موروثة أو مكتسبة يختزنها الدماغ. وتظهر لتعبر عنها في حالة الاسترخاء أثناء النوم أو اليقظة، حين تخف درجة الرقابة والسيطرة عليها ونسبة تنظيمها، مما يجعلها تأخذ أشكالاً غير مترابطة منطقياً تماماً، وبعيدة عن الواقع أحياناً. وتختلف إلى حد ما عن استجاباتنا العقلية الخيالية في حالة اليقظة الواعية. وقد تصاحبها ظواهر حسية وحركية وانفعالية أيضاً. الأحلام، وأحلام اليقظة، والتداعي الحر والمقيد، هي عمليات ذهنية لها آلية واحدة. تقوم على انسياب الصور والأفكار والمشاعر في الذهن بصورة تلقائية تقريباً، استجابة لمنبه داخلي أو خارجي يثيرها. وتختلف الواحدة منها عن الآخرى بدرجة الوعي فيها ونسبة التحكم بها حسب التسلسل المذكور في بداية هذه الفقرة. * باحث وأديب من سورية، يكتب الرواية ويمارس الكتابات الفلسفيةمقالات ذات صلة
ارسال التعليق