عبدالمنصف محمود عبدالفتاح
◄إنّ الإسلام: هو الوحيد بين أديان السماء، وقوانين الأرض: قد كفل مصالح الأفراد والأمم جميعاً: دينية ودنيوية على أوسع نطاق، وصلح لذلك في جميع الأزمنة ولكافة الشعوب، فهو دين الإنسانية الخالد؛ وذلك لما اشتمل عليه: من التعاليم السامية، والمبادئ القويمة، والإرشادات الحكيمة، والقوانين العادلة: التي أوردها فيه رب الإنسانية، لتتفق وصالح الإنسانية.. وهو وحده بحضارته العظيمة التي نزل بها القرآن الكريم: الذي يضمن إقامة مجتمع إنساني عادل، بعيدٍ عن الشر والأنانية، والإلتذاذ الرخيص على حساب الآخرين، لأنّه الدين الذي وضعه الله للإنسانية، ليحقق الخير لها والسعادة على مرّ الدهور والأعصار..
فهو دين الحياة والإصلاح، ودين الرقي والحضارة، دين الحق والخلود، دين قيادة وتوجيه، دين تكافل وتعاون، وأخوة وتضامن، دين يصلح كل زمان ويصلح كل مكان: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دين إرتضاه الله لنا ليكون مسك الختام لجميع الشرائع السماوية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) (المائدة/ 3)، لقد صاغ هذا الدين المسلمين على إختلاف أجناسهم وألسنتهم وألوانهم: عرباً وعجماً في قلب واحد، وصهرهم في بوتقعة واحدة، وألف بين قلوبهم، فكانوا أمة شديدة البأس، عظيمة القوة، مسموعة الكلمة، واسعة السلطان؛ منهم أساتذة العالم: سياسة وعلماً وأدباً وأئمة الفنون، إختراعاً وتطبيقاً وعملاً؛ قلمهم يكتب فيطاع وحسامهم ينتضى فيهاب، وراياتهم تخفق فوق ربا الكون، يجرى من تحتها العدل والسلام: فبنوا مجداً وسيادةً، وكانوا خير أمة تمثل الشهامة والكمال والحكمة..
لقد صار المسلمون الأوائل: بفضل تمسكهم بهذا الدين القويم، بين عشية وضحاها. سادة العالم، وفادة الشعوب، لدرجة أنّ القائد المسلم. وقف على شاطئ المحيط الأطلسي من جهة البرتغال، ونادى فرسه. اركض يا جواد لا تقف، ويا سيف لا تغمد ولا تكف فوالله لو أعلم أنّ هناك أرضاً معمورةً وراء هذا المحيط لخضت عبابه بفرسي هذا...
وعندما ابتعد المسلمون عن تعاليم دينهم وهدى إسلامهم وافتتنوا بالدنيا وزخارفها وأبطرهم الجاه والسلطان، واخلدوا إلى الأرض واطمأنوا إليها. استطاع الاستعمار أن يمزق شملهم، وأن يقسمهم إلى دويلات وإمارات، وأن يتخذهم بقرةً حلوباً، لإشباع مطامعه وأغراضه الشخصية، حتى أصبحت الأمّة الإسلامية. في وضع لا تحسد عليه!!..
وانّه لن يصلح حال هذه الأُمّة. إلا بما صلح به أولها.. وأملنا كبير: في أن يتحقق لها ما تصبو إليه من عزة وكرامة، وذلك بتنفيذ الوسائل العملية الآتية بطريقة جادة وإيجابية، حتى تسترد مجدها التليد، وعزها الضائع، وتكون جديرة وخليقة بما وصفها الله به في كتابه الكريم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) (آل عمران/ 110).
1- أن يكون الإسلام: هو الموجه والقائد للمجتمع الإنساني في جميع الميادين، وكل المجالات. مادية ومعنوية، وأن تتجه الحياة كلها وجهة إسلامية، وأن تصبغ بالصبغة الإسلامية.. أن تكون عقيدة المجتمع وشعاراته، ومفاهيمه وأفكاره، ومشاعره ونزعاته، وأخلاقه وتقاليده وآدابه: إسلامية...
أن تكون نظمه وقوانينه وتشريعاته إسلامية، بحيث تطبق تطبيقاً سليماً، لأنّ تعطيل أحكام الله يعتبر كفراً وظلماً وفسوقاً كما صرح بذلك القرآن الكريم، وصدق الله إذ يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة/ 50).
2- إحياء المعاني الربانية وغرسها في نفوس أفراد الأمة. من الإيمان بالله ورسالته بالجزاء الأخروي، والعمل على دعمها وتثبيتها وحمايتها بكل الوسائل والأساليب...
محاربة نزعات الإلحاد والشك والشرك بكل صوره وألوانه القديمة والجديدة، والعودة بالعقيدة إلى المنابع الصافية من الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، وتثبيت القيم الأخلاقية الأصيلة، التي توارثتها هذه الأُمّة، جيلاً عن جيل، متأسية في ذلك بنبيها الذي بعثه الله بالرسالة العالمية الخالدة، ليتمم مكارم الأخلاق...
الاعتزاز برسالة الإسلام بوصفها عقيدة وشريعة، وحضارة ونظام وحياة، وغرس هذا الاعتزاز في الضمائر والقلوب، بحيث لا يزاحمه نظام أو مذهب آخر من المذاهب اللادينية الهدامة...
3- تطهير جميع وسائل الإعلام: من العناصر المنحرفة. التي تكيد للإسلام عن قصد أو غير قصد، وأن تصبغ كلها بالصبغة الإسلامية.. وإلا فليت شعري: ماذا عسى أن تصنع خطبة الخطيب أو درس الواعظ أمام هذا السيل من الكلام المسموع والمقروء والمكتوب؟ ماذا يعنى المنبر مع عظم رسالته، أمام المذياع والتلفاز والمسرح والخيالة والصحافة والمجلة وسائر أجهزة الإعلام؟ وكم يكون تأثير الواعظ البليغ إذا كانت هذه الأدوات الجبارة والأجهزة المخدومة، تسير في إتجاه غير إتجاهه، وليس معنى هذا أننا نجرد وسائل الإعلام المختلفة من كل خير وفضيلة؛ كلا وربي. فإنها في الوقت نفسه تقوم بدور كبير في نشر الوعي الديني والصحي والخلقي والاجتماعي بين جماهير الشعب المختلفة. ولكننا ننشد لها الكمال، قدر المستطاع في ضوء تعاليم الإسلام وقيمه...
4- المحافظة على شعائر الإسلام التي بني عليها ديننا الحنيف. من الصلاة والزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام، وتهيئة جميع المواطنين بما فيهم الحكام والولاة والقادة لاحترامها وتوقيرها...
5- إحياء رسالة المسجد حتى يعود إلى سالف عهده. مصدر هداية وإشعاع وإصلاح، جامعاً للأُمّة، ومدرسة للثقافة، ومعهداً للتربية ومنتدى للتعارف، وبرلماناً للتشاور.. وأن يفسح فيه المجال للمرأة المسلمة: فلا تحرم من حق العبادة الجماعية، واستماع الكلمة الهادية، والموعظة النافعة، والإلتقاء بأخواتها المؤمنات في أطهر مكان لأشرف غاية، وأبر عمل.
قال رسول الله (ص): "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"...
6- اختيار أفضل العلماء وأقدرهم للوعظ والخطابة والتدريس في المساجد، ولا سيما الكبيرة منها وإلقاء المحاضرات في النوادي والقاعات المخصصة لذلك، وإعطاؤهم الحرية المطلقة للتعبير عن حقائق الإسلام، والتصدي لأباطيل خصومه، ومكائد أعدائه.. وتنزيه المنبر أن يتخذ مطية للإستغلال، أو أداة للدعاية لشخص أو أسرة أو حزب أو هيئة أو نظام، فالمسجد أرفع وأكرم من أن يذكر فيه اسم غير الله، وأن تقال فيه كلمة غير كلمة الإسلام (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن/ 18).
7- مقاومة البدع والأباطيل التي ألصقت بالدين على مرّ القرون وليست منه، سواء في مجال العقائد أو العبادات أو التقاليد أو غير ذلك من كل ما يتصل بالفكر والشمول على وجه عام والرجوع بالإسلام إلى وضوحه وبساطته وصفائه: الذي كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
8- تنويع التعليم: بحيث يشمل كافة المجالات: النظرية والعلمية: الدينية والأدبية، الدنيوية والتكنولوجية.. وأن يكون الدين، مادة أساسية في جميع مراحل التعليم: من المرحلة الأولى إلى الجامعة.. وإعادة النظر في جميع المناهج بحيث تنقى من الأفكار اللادينية، والأفكار التبشيرية، والمفاهيم الدخيلة على أمّة الإسلام بصفة عامة.
إعداد معلمين صالحين قادرين على تحويل المنهج الصالح، والكتاب الملائم إلى واقع ملموس وذلك بما يكون لديهم من كفاية ومقدرة فنية، وما يحملون في صدورهم من ضمائر حية مؤمنة فهم في الحقيقة معلمون مربون، ودعاة في الوقت نفسه.
9- وضع كتب إسلامية مبسطة لروح العصر، ذات مستوى رفيع، صالحه للترجمة إلى لغات العالم الإسلامي.. وإنشاء مجامع علمية لخدمة الثقافة الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي كله..
10- الاهتمام بشأن المرأة بحيث تعود إلى فطرتها الأصيلة، ورسالتها الجليلة، فتاة مهذبة وزوجة صالحة وأما فاضلة، تعنى بالبيت قبل الشارع، وبالمخبر قبل المظهر..
تشجيع الزواج المبكر، وتهيئة الأسباب المعينة عليه، والتغلب على التقاليد: الاقتصادية والاجتماعية التي تعوقة: من غلاء المهور والإسراف في متطلبات العرس.. إعطاء عناية بالغة لدراسة أسباب الطلاق للحد منه، والعمل على تضييق نطاقه، وإعتباره عملية جراحية أليمة: لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة الشديدة عندما يتعذر الاصلاح والتوفيق بين الزوجين (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) (النساء/ 130)
11- العناية بالطفولة: صحياً ونفسياً ودينياً، وإعانة كل أسرة عاجزة عن رعاية أطفالها..
12- العناية بالشباب: الذين هم عدة الحاضر، وذخيرة المستقبل، والعمل على إعدادهم إعداداً متكاملاً: بدنياً بالرياضة، وروحياً بالعبادة وعقلياً بالثقافة وعسكرياً بالخشونة، واجتماعياً بالخدمة العامة..
13- منع الاختلاط المثير بين الجنسين في مجالات التعليم والعمل والترفيه: إلا ما اقتضته الضرورة فيقدر بقدرها، مع مراعاة الأدب والاحتشام.
مقاومة موجة التخنث والتحلل والتقليد الأعمى: الذي أفقد الشباب المسلم شخصيته في زيه ومظهره، وفي سلوكه ومخبره، بحيث يتوارى عن المجتمع: أولئك المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال..
14- مقاومة التقاليد الدخيلة، الوافدة من الدول الأجنبية: من مساخر الأزياء، وبدع "المودلات"، ومظاهر العري بالتبذل، وتبرج الجاهلية، وتهتك الإباحية، والعمل على نشر الآداب والتقاليد الإسلامية العريقة: التي لا تسمح بظهور الكاسيات العاريات، وتطهير المجتمع من أسباب الإغراء، ودواعي الإثارة، ووسائل التحريض على الفتنة!!
15- إغلاق دور اللهو الحرام: التي تشيع فيها الفاحشة، وتذبح فيها الفضيلة، وتنتهك فيها الحرمات، وينتشر الفساد والإنحلال.
16- وضع خطة على أساس علمي تخصصي لزيادة ثروة الأُمّة، وتنمية إنتاجها كماً ونوعاً وخاصة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة: والاستفادة من التكامل الاقتصادي: بين البلدان الإسلامية للعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي فيما بينها، حتى لا تخضع للسيطرة الأجنبية..
17- إتاحة فرصة العمل لكل قادر عليه، وتهيئة التدريب الكافي له، لتحسين مستوى الكفاية الانتاجية والفنية.. مع إعطاء الأجر العادل له، بما يكافئ عمله، ويغطي حاجته بالمعروف ومصادرة كل ما حصل عليه حائزه بطريقة من طرق الكسب الحرام، وأكل أموال الناس بالباطل كالغصب أو الاختلاس، أو استغلال النفوذ ونحوها..
18- محاربة الإسراف والتبذير في المجتمع: عن طريق الارشاد والتوعية وحسن التوجيه.
19- كفالة المعيشة الكريمة: حتى تتوافر فيها الحاجات الأصلية: لكل مواطن عجز عن العمل عجزاً أصلياً أو طارئاً وإنشاء دور ومؤسسات للعجزة والمسنين ممن فقدوا المعيل والمشردين ومشوهي الحرب، وتأهيلهم للحرف البسيطة التي تتناسب مع مواهبهم وقدراتهم ومع رعايتهم صحياً ودينياً.
20- تطهير كل المؤسسات الاقتصادية: من رجس الربا، ومن كل معاملة تخالف شريعة الإسلام والتوسع في إنشاء مصارف وبنوك إسلامية تتعامل على غير الربا، وإلغاء البنوك التي لا تخضع لهذا الإتجاه الإسلامي.
21- تحريم شرب الخمر بكل أنواعها وأصنافها، وإغلاق حاناتها، ومنع صنعها واستيرادها والتجارة فيها، حفظاً للعقول والأجسام والأخلاق من ويلات أم الخبائث. وإغلاق أندية القمار والميسر بكل ألوانه كذلك، فهو أخو الخمر وقرينها، فكلاهما رجس من عمل الشيطان.
22- القضاء على الرشوة: بدراسة أسبابها، والعمل على تلافيها وتشديد العقوبة على كل من الراشي والمرتشي وتشديد الرقابة على الجهاز الإداري كله ومحاولة إصلاحه وتطهيره من العناصر غير الصالحة..
23- ربط الجهاد بالعقيدة: التي تؤمن بها الأُمة، وتعيش لها وتستعذب الموت في سبيلها، فإنّ الجهاد من غير عقيدة يفقد معناه وروحه، وعقيدة أمتنا هي الإسلام وفرض التجنيد الإجباري على كل شباب الأُمّة، وتدريبهم على أحدث أنواع الأسلحة، والإعداد الفكري والنفسي المستمر للترغيب في الجهاد والتشوق إليه، بحيث يكون أبناء الأُمّة، مستعدين للجهاد في أي وقت وأي حالة طارئة: إلى أن يعلن النفير العام، ويتم تحرير الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها..
24- لا مخلص للناس من شقائهم وحيرتهم وقلقهم وتمزق حياتهم وأفكارهم ومشاعرهم، إلا بالإسلام الذي يشمل جميع قضايا الحياة والأحياء: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فهو نظام إنساني متكامل: يشمل الدين والدنيا جميعاً، وليس مجرد علاقة فحسب بين الإنسان وربه، وهو أيضاً لا يتنافى بحال من الأحوال مع أشكال المدنية: التي يهيئها العلم الحديث، إذا كانت بحيث لا تتصادم مع مفاهيم حضارته: التي تستعمل كل تقدم علمي في سبيل الصالح العام دون الضار الفاسد، فالإسلام لا يقف حجر عثرة أمام العقل البشري المستنير، وإنما ينميه ويرفع مكانته وأخيراً وليس آخراً: فإنّ العالم الإسلامي لا يمكن أن ينهض من كبوته، وينفض عن نفسه غبار التخلف: إلا بالعمل الجاد برسالته والإيمان بها، والاستماتة في سبيلها وهي والحمد لله رسالة واضحة قوية لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل، أعدل منها ولا أفضل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69).
المصدر: مجلة هدي الإسلام/ العدد 8 لسنة 1984م
ارسال التعليق