• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقوق المرأة تشابه أم مساواة؟

مرتضى المطهري/ الترجمة: عبدالرحمن العلوي

حقوق المرأة تشابه أم مساواة؟

أخذت تتبلور في العالم الغربي ومنذ القرن السابع عشر حركة باسم "حقوق الإنسان"، إلى جانب الحركتين العلمية والفسفية. وانبرى الكتّاب والمفكرون في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى عرض أفكارهم في الأوساط الاجتماعية حول الحقوق الطبيعية والفطرية للإنسان والتي لا يمكن أن تُسلب منه...

والمبدأ الأساس الذي اعتمدته هذه الطائفة هو أنّ الإنسان يمتلك سلسلة من الحقوق والحريات بشكل فطري وبإيعاز الخلقة والطبيعة، ولا يمكن لأي فرد أو جماعة انتزاع هذه الحقوق بأيّة طريقة وتحت أي اسم كان، بل لا يجوز حتى لصاحب الحقّ نفسه أن يتنازل عنها طواعيةً لغيره ويتجرد منها. كما أنّ الجميع: الحاكم والمحكوم، والأبيض والأسود، والغني والفقير، متساوون في هذه الحقوق...

ودارت كافة الحركات الاجتماعية الغربية منذ القرن السابع عشر وإلى يومنا هذا حول محورين أساسيين هما: "الحرّية" و"المساواة". ولم يُشار على صعيد المرأة سوى إلى الحرّية والمساواة أيضاً نظراً لأنّ حركة حقوق المرأة في الغرب قد جاءت في أعقاب سائر الحركات، فضلاً عن أنّ تاريخ حقوق المرأة هناك كان أكثر مأساوية من الرجل على صعيد الحرّية والمساواة.

وكان رواد هذه الحركة على اعتقاد بأنّ حرّية المرأة ومساواتها للرجل في الحقوق، عملية مكملة لحركة حقوق الإنسان التي رُفع شعارها في القرن السابع عشر. واكدوا على خواء التحدّث عن الحرّية وحقوق الإنسان بدون تحقيق حرّية المرأة ومساواتها مع الرجل. كما عبّروا عن اعتقادهم بأن كافة مشكلات الأسرة، ناجمة عن عدم حرّية المرأة وعدم تساوي حقوقها مع حقوق الرجل، وإنّ هذه المشاكل ستحل دفعة واحدة حين حصول المرأة على هذين العنصرين.

وقد نُسي في هذه الحركة تماماً ما ندعوه "القضية الأساسية في نظام حقوق الأسرة"، أي هل أنّ هذا النظام، مستقل بالطبع وهل لديه منطق ومعيار غير منطق ومعيار سائر المؤسسات الاجتماعية؟ فلم يلفت الاهتمام ولم يستقطب الأنظار سوى تعميم مبدأ الحرّية ومبدأ المساواة بين المرجل والرجل. بتعبير آخر: لم يُثر في مجال حقوق المرأة سوى موضوع "الحقوق الطبيعة والفطرية غير القابلة للانتزاع" فقط. فكانت كلّ الأحاديث تدور حول محور هذا الموضوع وإنّ المرأة شريكة للرجل في الإنسانية وإنّها إنسان بمعنى الكلمة، ولابدّ لها أن تتمتع كالرجل بالحقوق الفطرية غير القابلة للاستلاب...

وتؤلف الطبيعة نفسها أساس الحقوق الطبيعية والفطرية للفرد. أي إذا كان الإنسان يتمتع بحقوق خاصّة لا يتمتع بها الحصان، والخروف، والدجاجة والسمكة، فجذور ذلك تضرب في أعماق الطبيعة والخلقة. وإذا تساوى الناس في الحقوق الطبيعية ولابدّ لهم جميعاً من العيش بحرّية، إنما هو أمر صادر في متن الخلقة، وليس هناك أي دليل آخر عليه. كما ليس لدى انصار المساواة والحرّية – كحقين فطريين للإنسان – أي دليل غير هذا. كما لا يوجد دليل غير دليل الطبيعة أيضاً على صعيد القضية الأساسية في نظام الأسرة.

وعلينا أن نرى لماذا لم يوجه الاهتمام إلى القضية التي اسميناها القضية الأساسية في نظام حقوق الأسرة. فهل اتضح في ظل العلم الحديث أنّ الاختلاف بين الرجل والمرأة اختلاف عضوي بسيط، ولا تأثير له على أساس التركيبة الجسمية والروحية لكلا الجنسين والحقوق التي تتعلق بكلّ منهما، والمسؤوليات التي لابدّ لكلّ منهما أن يحملها على عاتقه، ولهذا لم يحظ باهتمام الفلسفات الاجتماعية المعاصرة؟

والحقيقة أنّ القضية بالعكس تماماً. فقد أصبح الاختلاف بين الجنسين أكثر وضوحاً واستدلالاً من ذي قبل بفضل الاكتشافات الجديدة والتطور العلمي على صعيد الحياة والنفس.

وربما يرجع عدم الاهتمام، إلى الصورة العجولة التي نشأت فيها هذه الحركة. ولهذا فهي وفي الوقت الذي وقفت فيه بوجه بعض المآسي التي كانت تعاني منها المرأة، خلقت لها وللمجتمع الإنساني أنواعاً جديدة من المآسي والشقاء...

لم تلتفت هذه الحركة إلى وجود قضايا أخرى غير المساواة والحرِّية. فالمساواة والحرِّية شرطان لازمان لا شرطان كافيان؛ وتساوي الحقوق شيء، وتشابه الحقوق شيء آخر؛ والمساواة بين حقوق الرجل والمرأة من حيث القيم المادّية والمعنوية شيء، والتشابه شيء آخر. وقد استخدمت هذه الحركة عن عمد أو سهو "المساواة" بدلاً من "التشابه" ولم تميز بينهما، وسلطت الأضواء على "الكمية" وعتمت على "النوعية"، كما أدى التأكيد على "إنسانية" المرأة إلى نسيان "أنوثتها".

والحقيقة هي أنّ هذه اللامبالاة لا يمكن عدها غفلة فلسفية ناجمة عن الاستعجال فقط، بل كانت هناك عوامل أخرى أريد من خلالها الانتفاع من "الحرّية" و"تساوي" المرأة.

وتُعدّ مطامع الرأسماليين أحد هذه العوامل. فهؤلاء ومن أجل انتزاع المرأة من البيت إلى المصنع والاستفادة من قوّتها الاقتصادية، اخذوا يرفعون شعار حقوق المرأة، واستقلالها الاقتصادي، وتساويها في الحقوق مع الرجل. وهؤلاء هم الذين استطاعوا أن يضفوا على هذه المطالبات الصبغة القانونية.

 

المصدر: كتاب الحرِّية عند الشهيد المطهري

ارسال التعليق

Top