• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سمة الإيجابية في الشخصية الإسلامية

د. عبدالرحمن العيسوي

سمة الإيجابية في الشخصية الإسلامية

إذا كان لكلّ مجتمع شخصية خاصّة ومتميزة، فإنّ الثقافة الإسلامية تطبع شخصية الفرد بطابع معين يميزه عن غيره من أبناء المجتمعات الأخرى، من تلك السمات الفريدة التي يمتاز بها المواطن المسلم الإيمان والتقوى والورع والخشوع لله تعالى والطاعة والالتزام والانضباط والاحتشام والمحافظة على العرض والشرف والقناعة والزهد والتواضع والطُّهر والطهارة والصبر والمصابرة، والأمل والرجاء والتوكّل والاعتماد على الله تعالى وحبّ العلم وطلبه والشكر وغنى النفس والعفو عند المقدرة والإيثار والبذل والتضحية والفداء والاستقامة والرأفة والشفقة والرحمة والعطف والحنان وصلة الأرحام والبرّ والإحسان. ولاسيما للوالدين.

ويتربّى المسلم على نصرة الحقّ وإغاثة الملهوف والسماحة وإنذار المعسر والحلم والرفق والحياء والوقار والوفاء بالعهد والعقود وطلاقة الوجه والتمسك بالآداب العامّة والنظافة وما إلى ذلك من السمات والخصال الحميدة والفضائل الخلقية.

دعوة الإسلام للإيجابية:

أظهر هذه الدعوة في كثير من المواقف الفردية والجماعية طوال حياة الفرد منذ نعومة أظفاره حتى نهاية حياته. فالمسلم لا يقف من الأحداث موقف المتفرج وإنما يتربّى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن الفساد والتسيب والانحراف والظلم، يقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). والمسلم لا يقف ساكتاً أمام المنكر، ولكنّه يتخذ موقفاً إيجابياً فعّالاً لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 110).

والمسلم مدعو لكي يساعد زميله المسلم، ويقف منه موقف الصديق كما في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71). ورسولنا (ص) يدعونا للتحلي بالإيجابية إزاء المنكر والتصدي له بالفعل أو بالقول أو بالقلب حسبما تسمح قدرة الإنسان لقوله: "مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". ولا شك أنّ الجهاد في سبيل الله ورسوله. وفي سبيل الوطن أبلغ صور الإيجابية وأقرأها يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين) (الصف/ 10- 13). والرسول الكريم (ص) يقول في الحث على الجهاد "إنّ أبواب الجنّة تحت ظلال السيوف".

ومن مظاهر الإيجابية دعوة الإسلام إلى التعاون بين الناس على البرّ والتقوى لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2).

ومن مظاهر الإيجابية كذلك حرص الإسلام على الاختلاط بالناس وحضور جمعهم ومجالس الذكر وزيارة المريض وحضور الجنائز ومؤاساة المحتاج وإرشاد الجاهل. ومن دلائل الإيجابية دعوة الإسلام الحنيف للإصلاح بين الناس وفض المنازعات بينهم يقول تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء/ 114). والصلح، وفقاً للمدرسة الإسلامية في التربية، يعد خيراً يقول تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال/ 1). ومن أقوى المشاعر الإيجابية أنّ المسلم يتربّى على الإيمان بأنّ المسلمين جميعاً أخوته وأخوانه يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10).

وإسلامنا الحنيف يدعونا للنشاط والحيوية وحبّ العمل يقول تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (الجمعة/ 10). وفي هذا المعنى الكريم يقول رسولنا العظيم: "لأن يأخذ أحدكم أحبله يأتي الحبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس إعطوه أو منعوه".

ومن ضروب الإيجابية أنّ المسلم مدعو لطلب العلم والتفقّه في الدين وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9). ويقول تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة/ 11). وعن نبيّنا الكريم قوله: "مَن يريد الله به خيراً يفقّهه في الدين" (متفق عليه). وعنه (ص) قوله لعليّ (ع): "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حُمر النعم" (متفق عليه).

وفي الدعوة لطلب العلم يقول الحديث الشريف: "مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنّة". ومن أبرز سمات الإيجابية في الشخصية الإسلامية دعوتها لكي يتحمّل صاحبها المسئولية، فلا يقف من الأحداث موقفاً سلبياً. فالمسلم مسئول عن نفسه وعن زوجته وأبنائه وعن مجتمعه ووطنه، يقول الرسول (ص): " کلُّکم راعٍ وکلُّکم مسئولٌ عن رعیّتهِ، فالأمیرُ الذي علی النّاس راعٍ وهو مسئولٌ عن رعیّتهِ والرجلُ راعٍ علی أهل بیتهِ وهو مسئولٌ عنهم والمرأةُ راعیةٌ علی بیت بَعلِها ووَلدِها وهي مسئولةُ عنهم والعبدُ راعٍ علی مالِ سیِّدهِ وهو مسئولٌ عنه، ألا کلُّکم راعٍ وکلُّکم مسئولٌ عن رعیّتهِ" (متفق عليه). ومن بين ما يدعو إلى الإيجابية قول رسولنا الكريم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضَه بعضاً" (متفق عليه). والمسلم مدعو أن يكون ودوداً ورحيماً وعطوفاً على أخوانه المسلمين، وأن يشعر بشعورهم ويتألم لالآمهم ويسعد لسعادتهم ويتفاعل وإياهم "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهرِ والحمى" (متفق عليه). وفي هذا المعنى النبيل يقول الحديث النبويّ الشريف: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومَن فرّجَ عن مسلم كُربة فرّجَ الله عنه بها كُربة من كُرب يوم القيامة ومَن سترَ مسلماً سترَه الله يوم القيامة" (متفق عليه). فالمسلم يقف من أخوته في الإسلام دائماً موقفاً إيجابياً يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" (متفق عليه).

والمسلم لا يقف موقفاً سلبياً عندما يقع ظلم على أخيه المسلم لقول رسولنا العظيم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال تحجزه أو تمنعه عن الظلم فإنّ ذلك نصره".

ولا شك أن اكتساب القوّة والتحلي بها من علامات الإيجابية، والإسلام يدعو المسلمين أن يكونوا أقوياء لقول الرسول الكريم: "المؤمنُ القويُّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنّي فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدّر الله ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان". ومن باب الإيجابية أن يعطف الإنسان على جاره يقول رسولنا الكريم: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه" (متفق عليه).

والمسلم مطالب بالمودة ومجالسة أهل الخير، يقول تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف/ 28). وفي الحياة السياسية والعامّة يتعيّن على المسلم أن يكون إيجابياً، فعلى المسلم أن يسدي النُّصح إلى ولاة الأمور بأن يتّخذوا البطانة الصالحة. ومما يؤكد روح الإيجابية بين جماعة الإسلام اتّخاذ مبدأ الشورى والنُّصح بينهم يقول تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159). كما يقول تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38). بل إنّ الإسلام يعتبر الدين النصيحة. فالإسلام يربّي المسلمين على الإيجابية والتفاعل والمبادرة وإسداء النُّصح وتقديم العون.

 

المصدر: كتاب الإسلام والعلاج النفسي 

ارسال التعليق

Top