• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

في الرابطة مع الآخر.. إنصاف الناس

العلامة الراحل السيد محمّد حسين فضل الله

في الرابطة مع الآخر.. إنصاف الناس

◄"يريد الإسلام أن لا يفرض العدل على الإنسان من خارج، بل أنّ يتحرك من داخل، بأن يعدل عقلك وقلبك ويداك وحركتك مع الآخرين".

 

المنهج الأخلاقي الإسلامي:

في قاعدة الأخلاق الإسلامية أنّ الإسلام يعطي اهتماماً كبيراً في معنى الإيمان في العمق في العلاقة مع الآخر، فليست القضية فقط أن تعيش إيمانك، ولكن كيف يكون تعاملك مع الآخر، عندما تكون هناك مشكلة حقّ بينك وبينه، أو مشكلة قضايا تتعلق بك وبه.

لقد طرح الإسلام مسألة العدل واعتبره أساساً في عمق الدين، فالدين هو انطلاقة عدل ليقوم الناس بالقسط، وقصة العدل لابدّ أن تعيش في داخل نفسك في نظرتك إلى الآخر في كلّ شيء يتصل بك وبه ومن الناحية الشعورية والناحية الفكرية والناحية العملية.

وهذا هو الذي عقد له صاحب "الكافي" باباً تحت عنوان "الانصاف والعدل" والسؤال هنا: كيف تكون عادلاً في نفسك في انفتاحك على الآخر؟ هو بأن تنصف الآخر من نفسك، وأن تكون المنصف الذي يفرض الانصاف على نفسه في الفكر والعاطفة والحركة قبل أن يفرضها عليه الآخرون، ولذلك يريد الإسلام من الإنسان أن لا يفرض عليه العدل من خارج، بل أن يتحرك من داخل، بأن يعدل عقلك ويعدل قلبك وتعدل يداك، وأن تعدل حركتك في كلّ درب تسير فيه مع الآخرين. هذه هي الفكرة، وهي أن تحاكم نفسك فيما للآخر من حقّ عليك، وأن تحاكمها في التدقيق فيما تعتبره من حقّ لك على الآخر، وأن تستعجل في أن تحكم بالحقّ لحسابك قبل تدقق في أسس هذا الحقّ، كما أنّ عليك في الوقت نفسه أن تعرف ما هو حقّ الآخر عليك، وكيف يمكنك أن تعطيه حقّه.

 

على المائدة النبوية – الإمامية:

تعالوا إلى هذه المائدة النبوية الإمامية التي نتغذى منها بالأخلاق الإسلامية، حتى نستطيع من خلال ذلك أن نرتفع بإنسانيتنا في مجتمعنا ليكون مجتمعاً إنسانياً في أخلاقه وأن نكشف للإنسان الآخر، أنّك بمقدار ما تكون مسلماً أكثر، بمقدار ما تكون إنساناً أكثر، وبمقدار ما تكون إنساناً أكثر فإنّك تنفتح على قيم الإسلام أكثر.

فلنقرأ بعض ما جاءنا عن رسول الله (ص) وهو عندما يحدثنا فإنّه لا يقتصر على مفردة أخلاقية، ولكنّه يضمّ المفردات بعضها إلى بعض حتى يعطي الإنسان شخصية متكاملة تنفتح على القيم الإسلامية في كلّ جانب من جوانبها.

يروي أبو حمزة الثمالي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) أنّه قال: "كان رسول الله (ص) يقول في آخر خطبته طوبى لمن طاب خلُقه" أي كان خلقه الطيب كلّه بحيث يتنفس الناس الطيب والطيبة من أخلاقه "وطهرت سجيّته" أي كانت طبيعته فيما يبني عليه نفسه الطهر، فلا قذارة في كلّ ما ترتكز عليه طبيعته وسجيّته.

"وصلحت سريرته" والسيرة هي السرّ، أي تصلح ما تسرّه في نفسك وذلك بأن لا تحمل في نفسك للناس إلّا كلّ صلاح وكلّ خير، "وحسنت علانيته" بأن يكون ظاهرك عندما تتعامل مع الناس وعندما تتحرك معهم وتتعايش معهم حسناً تماماً كما هي سريرتك.

"فأنفق الفضل من ماله" لأنّ ما يفضل من مالك جعل الله تعالى فيه حقاً لغيرك (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/ 19)، "وأمسك الفضل من قوله" وأما فضول القول فهو الذي لا ينفعك ولا ينفع الناس بل ربما يضرّك.

 

إنصاف الناس:

ومحلّ الشاهد هو هذه الكلمة "وأنصف الناس من نفسه" ولعلّ الكلمة الأخيرة هي نتاج الكلمات السابقة، فإذا كان الإنسان طيب الخلق طاهر السريرة صالح العلانية، يعطي من ماله ويمسك عن الناس الفضول، فمن الطبيعي أن تكون روحيته مع الناس روحية الإنسان الذي لا يظلم الناس عندما يكون لهم حقّ عليه سواء كان حقاً في الكلمة أو في الموقع أو في الموقف.

وكلمة أخرى، فلقد جاء إعرابي إلى النبيّ (ص) وهو يهمّ بالسير إلى بعض غزواته، فأخذ بغرز (بركات) راحلته، ومن هنا نعرف كيف كان الناس يتعاملون مع رسول الله (ص) من خلال ما انفتح عليهم بكلّ بساطة وكلّ عفوية فلا يتحدثون معه بالرسميّات ولا يتكلّفون الكلمة أو الحركة معه "كان فينا كأحدنا" ولكنهم عندما تجاوزوا الحدّ أنزل الله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) (النور/ 63)، ولكنهم كانوا كذلك ولم يكن النبيّ (ص) يرى مشكلة في ذلك، فلاحظوا كيف تحدّث هذا مع النبيّ وكيف تحدث معه النبيّ (ص) في نهاية المطاف.

"فقال يا رسول الله: علّمني عملاً أدخل به الجنّة، فقال: ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم" فماذا تنتظر وماذا تحبّ من الناس في التعامل معك في كلّ علاقتهم بك فافعله معهم، "وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، خلِّ سبيل الراحلة".

فلاحظوا كيف هي العفوية المنطلقة من هذا الرجل في خطابه للنبيّ (ص) وكيف هي العفوية في حديث النبيّ (ص) معه، وقيمة هذا الحديث أنّه يقول لهذا الرجل إنّ هذا العمل وهذه الروحية وهذا السلوك الإنساني مع الآخرين يمثل أحد الدروب التي تسلك بك إلى الجنّة، ونحن نعرف أنّ جائزة الجنة كبيرة فعلينا أن نتحمل كلّ الحساسيات المضادة التي تمنعنا من أن ننفتح على الآخرين لنفكّر فيهم كما نفكّر في أنفسنا.

 

ثلاث خصال:

وهناك حديث آخر عن رسول الله (ص) يرويه الإمام محمّد الباقر (ع) قال رسول الله (ص): "ثلاث خصال من كنّ فيه أو واحدة منها كان في ظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم" أي أعطاهم من المشاعر ومن المواقف ومن المعاملة ما يطلب أن يعطوه مثله عندما يكون الحقّ له.

"ورجل لم يقدم رجلاً ولم يؤخر رجلاً حتى يعلم أنّ ذلك لله رضا" بحيث يكون كلّ سلوكه خارجاً من دائرة ذاته ومن انطلاقات شهواته وفق كلّ ما يتحدث الناس به من حوله، وذلك بأن تعتبر نفسك عبداً وأنّ الله يراقبك وأنّه يحاسبك، فإذا جاءك الناس وأردوا منك أن تقدم رجلاً في مشروع معيّن أو في موقف معيّن قائلين: سر معنا يا فلان، ففكر قبل أن تأخذ بما يقوله الناس فيما هو موضع رضا الله في هذه الدرب التي تسير فيها، سواء كانت درباً اجتماعياً يراد لك أن تقوم فيها بعمل اجتماعي، أو درباً اقتصادياً يراد لك أن تعيش فيها على أساس معاملة اقتصادية، أو درباً سياسياً تريد من خلاله أن تتخذ موقفاً سياسياً، أو درباً حربياً أو سلمياً، فلابدّ أن تقدم رجلاً في الطريق التي تعرف أنّها تسير بك إلى موقع رضا الله.

وإذا أراد الناس لك أن تنسحب من موقف، وأن تتراجع عن مشروع معين فحاول أن تدرس هل أنّ الله يرضى بذلك، هل يريدك أن تقف حيث أنت أو أن تتقدم، فإذا أراد لك أن تتقدّم فإنّ عليك أن لا تتراجع بعد أن تكون قد عرفت أن غضب الله في تراجعك.

"ورجلٌ لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه"، فإذا أردت أن تعيب الناس فخذ حرّيتك شريطة أنّك إذا كنت تريد أن تعيب الناس بعيب فلا تعبهم به إلّا بعد أن تحرز من نفسك أنّك سالم منه أو من عيب مماثل، فإذا كنت معصوماً من العيوب فتحدث في عيوب الناس وواجههم بعيوبهم، أمّا إذا كانت عندك نفس العيوب أو كانت لك عيوب مماثلة فلماذا تشغل نفسك بعيوب الناس قبل أن تشغل نفسك بتطهير نفسك من كلّ هذه العيوب.

"فإنّه لا ينفي منها عيباً إلّا بدا له عيب وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس".

 

أربع كلمات:

ونبقى في هذا الجوّ لنزداد تعمقاً في هذا المفهوم "إنصاف الناس من نفسك" ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) في شآن آدم وهو في الأرض، قال: "أوحىى الله عزّ وجلّ إلى آدم إنّي سأجمع لك الكلام في أربع كلمات" أي أربع عناوين "قال: يا ربّ وما هنّ؟ قال: واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس لأنّ علاقات الإنسان تتوزع بين علاقته بالله في حقه المطلق عليه، ولديه علاقة أخرى فيما بينه وبين الله فيما جعل له من حقّ وفيما لله عليه من حقّ، وهناك علاقة بينه وبين الناس.

"قال: يا رب بيّنهنّ لي حتى أعلمهن؟ قال: أمّا التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً" فهذا حقّ الله المطلق على العباد في أن توحّده في فكرك وتوحّده في عقلك فلا يكون فيه إلّا الله، وأن توحّده في قلبك فلا ينفتح قلبك بالحبّ إلّا لله، أما غير الله، من أنبياء وأولياء فإنّهم يدخلون قلبك من طريق الله، وأن تكون موحداً لله في الطاعة والعبادة فلا تعبد غير الله ولا تطع غير الله.

"وأما التي لك: فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه" ففي يوم القيامة (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ) (الشعراء/ 88)، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس/ 34-36)، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (الانفطار/ 19)، في ذلك الوقت أجزيك، وأنت الفقير المحتاج إلى أيّ شيء، بنتائج عملك (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7)، و(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (الأنعام/ 160)، و(أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) (آل عمران/ 195).

"وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة" (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60).

"وأما التي بينك وبين الناس" وهنا محلّ الشاهد "فترضى للناس ما ترضى لنفسك وتكره لهم ما تكره لها" وهو معنى أن تنصف الناس من نفسك.

 

أشد الفروض:

وللإمام الصادق (ع) كلمة في هذا المجال، حيث يقول أحد أصحابه وهو "الحسن البزّاز" قال: قال لي أبو عبد الله (ع) "ألا أخبرك بأشدّ ما فرض الله على خلقه (ثلاث) قلت: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك" فهذا مما فرضه الله على الخلق وهو من أصعب الأمور على النفس، لأنّ الإنسان عادة يعيش الأنانية فهو يحب للناس أن يعطوه ولا يحب لنفسه أن يعطي الناس لاسيّما إذا كان الذي يريد أن يعطيه للناس من حقّ الناس عليه الذي قد يؤذي عنفوانه وقد يسيء إلى ماله، فمن أصعب الأمور أن ينصف الإنسان الناس من نفسه، فنحن نطلب من الناس الكثير، ولكن هل فكّرنا أو نفكر فيما نقدمه للناس من هذا وغيره، إنّنا دائماً نفكر بأن نأخذ ولا نفكر بأن نعطي، لذلك فإنّ عليك عندما تفكر بعلاقاتك مع الناس وفي أن تأخذ من الناس شيئاً، أن تفكر فيما تعطي للناس في قباله، فالقمة في هذه الروحية هو الإمام زين العابدين (ع) عندما كان يقول وهو ابن رسول الله (ص): "ما أحبُّ أن أخذ برسول الله مالا أعطي مثله" فعندما أريد للناس أن يعظّموني ويكرّموني ويحترموني لأني أنتسب إلى هذا النسب العظيم فعليّ أن أقدم من عملي ومن مالي ومن جهدي ومن كلّ مشاعري للناس ما يقابل ذلك.

"ومواساتك أخاك" في المال وعندما يحتاج إليك أن تقدم له من نفسك ما يلبّي حاجاته حتى لو لم يسألك، وهذه من أصعب الأمور على الإنسان لأنّه بخيل بطبعه، فهو يفكر فيما أعطاه الله من مال بالفقر فيما لو أنفق منه، وهذا ما تحدث به أولئك الذين كانوا يقولون (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ) (يس/ 47)، وما ذاك إلّا لأنّ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا) (البقرة/ 268).

ثمّ قال: "وذكر الله في كلّ موطن" وربما يقول قائل: ما هي المشكلة في ذكر الله، فما عليك إلّا أن تمسك المسبحة وأن تقول ألف مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، فكيف يكون ذلك من أشدّ ما افترض الله علينا، بينما يقول (ع): "أما إني لا أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" فذكر الله ليس ذكر اللسان ولكنه ذكر العقل والقلب والموقف "وإن كان هذا من ذاك" فهو ذكر أيضاً: "ولكن ذكر الله عزّ وجلّ في كلّ موطن إذا هممت على طاعة أو على معصية" فإذا وقفت أمام الطاعة وقالت لك نفسك أخرها، أهملها، اقضها، فاذكر ربك واذكر ما ينتظرك من ثواب الطاعة عند ربك وما تخسره من هذا الثواب إذا لم تطعه. وعندما تواجه المعصية وكانت كلّ الظروف مهيئة لك، فاذكر الله، اذكره بكلّ كيانك ليمنعك ذكره عن أن تتهاون في مواقع طاعته أو أن تتهاون في مواقع معصيته.

 

أقرب الخلق إلى الله:

ونختم الحديث بقول الإمام الصادق (ع) قال: "ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب" ومن منا لا يحب أن يكون من أقرب الخلق إلى الله، ونحن دائماً نصلي ونقول: قربة إلى الله، نصوم قربة إلى الله، ونحج قربة إلى الله، فنحن نعيش هذه التربية الروحية في نيّة العبادة بأن نتقرب بها إلى الله ليقربنا الله تعالى إليه، وهذه الخصال الثلاث لا تقرّبنا إلى الله فحسب بل تجعلنا أقرب الخلق إليه.

"رجل لم تدعُه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده" فأنت تملك القوة في بيتك، وزوجتك تحت يدك حسب ميزان القوى بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا، وقد تغضب عليها أو قد تأتي غاضباً من الناس وتدخل بيتك فتحاول أن تفجّر غضبك على من تحت يدك، أي على زوجتك وأولادك وعلى الضعاف من جيرانك، أو أن تكون صاحب سلطة وتحاول أن تفجر غضبك على من هم تحت سلطتك أو صاحب عمل أو تجارة، وتحاول أن تستغل قدرتك على العمّال الذين تحت يدك أو الموظفين الذين تحت يدك لتتعسف في التعامل معهم وتحاول أن تثور عليهم، فإذا استطعت أن تمسك نفسك فتذكر ربّك عند غضبك وتذكر حقّ الناس عليك في أن لا تجور عليهم حتى لو كانوا في موقع الضعف وأنت في موقع القوة، عند ذلك تكون من أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن دون ذلك خرط القتاد (إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7).

"ورجلٌ مشى بين اثنين" مصلحاً أو حاكماً "فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة" حتى لو كان أحدهما قريباً إليك والآخر عدواً لك (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/ 152)، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8).

والثالث "ورجل قال الحقّ فيما له وفيما عليه" فإذا كان الحقّ لك فقله لا من موقع أنّه لك ولكن من موقع أنّه الحقّ، وإذا كان الحقُّ لغيرك فقله لتكون لك شجاعة إيمانك في الاعتراف بحقّ غيرك، والإيمان هو بطولة وشجاعة عندما تستطيع أن تجاهد نفسك لحساب ربّك وذلك هو الجهاد الأكبر، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26).

علينا أن نربي عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وجوارحنا على المعاني الإنسانية التي تحصي إنسانيتنا وتجعل الحياة عندنا جنّة مصغّرة على الأرض لأنّ أهل الجنة هم الذين يعيشون الصفاء والتصافي (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) (الحجر/ 47)، فلا يحقد أحدهم على الآخر بل ينفتحون على بعضهم البعض، فلماذا لا نجرّب أن نجعل بعض مجتمعاتنا وبعض أرضنا جنّة ولو بنسبة 1% لأنّنا كما نتدرب على الهندسة ونتدرب على التجارة ونتدرب على الحرب لنتدرب أيضاً على العيش في الجنّة أما عندما نموت وقلوبنا مملؤة بالحقد، وعندما نلاقي الله وكلّ حياتنا تتحرك في الظلم فكيف يمكن لنا أن ندخل الجنّة.

فرّغ قلبك من كلّ حقد، فرّغ حياتك من كلّ ظلم، فرّغ نفسك من كلّ ما يسيء إلى عباد الله، عند ذلك تكون من أهل الجنّة بحيث تعيش في الدنيا السعادة الروحية التي يعيشها أهل الجنّة ولكن في جنّة الدنيا قبل جنّة الآخرة.►

ارسال التعليق

Top