• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ما نزل بلاء إلا بمعصية.. ولا رفع إلا بتوبة

د. عمرو خالد

ما نزل بلاء إلا بمعصية.. ولا رفع إلا بتوبة
◄أحبائي... هل تريدون أن يغير الله واقعنا؟ عليكم بترك المعصية. وأنا أعلم بأنّ ما من أحد بلا خطيئة وذنوب، ولكن هيا نتفق جميعاً ونعزم على التوبة... لأنّ الإصرار على الذنوب معصية كبرى... هيا لنتوجه إلى الله، ولنتضرع نادمين على ما فاتنا ونتوب إليه وندعوه أن ينصرنا وينصر المسلمين جميعاً، برأيك ألن يتقبل توبتنا؟!.. بلى وهو أرحم الراحمين بعباده. إخواني.. تأكدوا أنّ المصيبة لا تقع إلا بالمعصية، والبلاء لا يرفع إلا بالتوبة، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب (ع): "ما نزل بلاء إلا بمعصية، ولا رفع إلا بتوبة" والحقيقة أننا نعاني من هذا الوضع الخطير، والبلاء والله لشديد، ولا خلاص من هذا البلاء إلا بالتوبة والرجوع إلى الله... لقد صارحني شاب وقال لي: أنا أخشى أن يكون ما يحل من بلاء في بلاد المسلمين بسبب ذنوبي؛ لأنني أعرف ذنوبي تماماً! والله ما توقعت أن يصارحني بهذا الشكل، ولكن طالما بدأنا نفهم هذا المعنى إذاً سيتغير واقعنا، إن شاء الله...   سبب هلاك الأُمم... المعصية... أحبائي.. هل تعلمون أنّ الأمم التي هلكت قبل الإسلام لم يكن سبب هلاكها إلا المعصية؟؟ ما الذي أخرج آدم من الجنة؟ إنها المعصية! ما الذي طرد إبليس من رحمة الله؟ المعصية... وما الذي أغرق قوم نوح؟ (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر/ 11-12). المعصية... وما الذي أغرق فرعون وجنوده؟ (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (القصص/ 40). المعصية... وما الذي حصل لقوم لوط؟؟ رفع سيدنا جبريل بطرف جناحه القرية إلى السماء حتى أنّ الملائكة كانت تسمع نباح كلابهم، ثمّ قلبها رأساً على عقب... يقول الله تبارك وتعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (الحجر/ 74). لماذا؟ بسبب المعصية... وما الذي أهلك قوم عاد ومدينتهم التي لم يخلق مثلها في البلاد؟؟ يقول الله تبارك وتعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) (الأحزاب/ 9). أرأيتم ماذا فعلت بهم المعصية؟ وانظر إلى بني إسرائيل، يقول الله تبارك وتعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا) (الإسراء/ 5). أرأيتم يا أحبائي ما المشكلة التي نعاني منها؟ المعاصي والذنوب... ذنوب اليوم والأمس، وذنوب مائة سنة مرت على أمتنا كلها سبب محنتنا ونكبتنا... يقول النبي (ص): "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده" [الإمام أحمد في مسنده 6/303]. أراك بدأت تتفاعل مع هذا الحديث، نعم هذا هو الواقع... أخي القارئ... اعلم جيِّداً أنّ الذنوب تهلك الأُمم... حين دخل المسلمون قبرص فاتحين، وخرج منها الرومان جاء المسلمون بعضهم إلى بعض فرحين مهنئين، فإذا بأبي الدرداء الصحابي الكريم يبكي، فسألوه ما الأمر! قال: أبكي على أمة عصت الله... فاستبدلها الله... هل فهمنا القانون؟... بالمعصية يستبدل الله الأمم... لكن الله يحبنا... الله تعالى يحب هذه الأُمّة، ولذلك فهو يحركها بالمصائب...   زلزلة الأرض رحمة للمؤمنين... دخل أنس بن مالك على السيدة عائشة، فقال: يا أماه، حدثيني عن الزلزلة، فقالت: الزلزلة، إذا انتشرت في الناس المعاصي، وظهر الزنا، وشربت الخمور، وانتشرت الكبائر حتى عمَّت الناس، يقول الله: زلزلي بهم، فقال أنس: يا أيماه أعذاباً لهم؟ فقالت: لا والله، بل رحمة وموعظة للمؤمنين، ونكالاً وغضباً على الكافرين. يقول رسول الله (ص): "إيّاكم ومحقرات الذنوب، فإنهن، يجتمعن على الرجل يهلكنه" [الإمام أحمد في مسنده 5/331]. لا تستههون بالذنوب الصغيرة. إنّ الذنوب تكبر وتكبر حتى تصل إلى الأعناق فتكسرها، يقول يقول أنس بن مالك: "إنكم تعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدهم على عهد رسول الله (ص) من الموبقات"؛ أي المهلكات! قال الله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور/ 15). وهذا بعد وفاة النبي (ص) بعشرين سنة، فكيف نقيسها في وقتنا هذا؟؟. أحبائي، يجب أن نغير ما بأنفسنا، والله صدقوني، لن ينزل النصر من عند الله – عزّ وجلّ – إلا على أمة مؤمنة صالحة، فهذه هي قوانين الأرض التي وضعها الله – عزّ وجلّ –: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11).   لا تستهن بالله... يقول ابن القيم: يكرِّهك الله بالذنب ويجعلك لا تطيقه، ويقول الله – عزّ وجلّ –: "لا تأمن ما بعد المعصية"؛ أي إنّ الذنب الذي ترتكبه لمن يمر بدون ما بعد المعصية"؛ أي إنّ الذنب الذي ترتكبه لن يمر بدون عقاب، وفرحك بالذنب أشد عند الله من الذنب، يقول الله تبارك تعالى: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (الأنعام/ 44) قال ابن القيِّم: "فرحك بالذنب أشد عند الله من الذنب، وضحكك وأنت تفعل الذنب أشد عند الله من الذنب، وقلة حيائك من مَلَك الشمال وملك اليمين وهم ينظرون إليك ويكتبون ولا تستحي منهم أشد عند الله من الذنب". أخي القارئ.. لا تستهن بالله... فإذا رأيت الله يتابع عليك النعم، وأنت مقيم على المعصية فاحذره، فإنما هو استدراج، فتسيء وتعصي ويحسن إليك، فتسيء وتعصي ويحسن إليك، فتترك التوبة ظناً منك بأنّه لن يؤاخذك على الهفوات.. فعندما ترى النعم تتوالى عليك وأنت عاصٍ فلا تدع الخوف من الله يفارقك... واعلم أن يصيبنا من محن ومصاعب ما هو إلا اختبار من الله – عزّ وجلّ – ...   آثار المعصية... أوّلاً: غضب الله: يقول الله – عزّ وجلّ – في حديث قدسي: "أنا الله لا إله إلا أنا، إذا أُطِعْت رضيت... وإذا عصيت غضبت، وإن غضبت لعنت، ولعنتي تصل إلى السابع من الولد". ثانياً: كراهية المؤمنين: يقول الإمام الشافعي: ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين، وهو لا يشعر، فقيل له: فكيف تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر؟ فقال: يعمل بمعصية الله، فيلقي الله كراهيته في قلوب المؤمنين. ثالثاً: حرمان الرزق: ينزل الرزق من السماء، فينقطع لمعصية العبد، فما نقص رزق إلا بمعصية. رابعاً: حرمان العلم: قال الإمام مالك للإمام الشافعي: أرى أنّ الله قد نوَّر وجهك بالعلم، فلا تطفىء هذا النور بالمعصية. وشكى أحدهم تعثره في حفظ القرآن الكريم والعلم، فقال:


شكوت إلى وكيع سوء حفظي
وقال لي: إنّ العلم نور
فأرشدني إلى ترك المعاصي
ونور الله لا يهدى لعاصي


خامساً: شدة البلاء: قال الإمام علي (ع): ما نزل بلاء إلا بمعصية، ولا رفع إلا بتوبة. سادساً: وحشة وغربة عن الله، تشعر بأنك لا تعرف كيف تصل إلى الله – عزّ وجلّ – ... سابعاً: وحشة بينك وبين الناس، تشعر بالغربة عن الناس رغم أنك تعيش في وسط عائلة: وقال أحد العلماء كلمة جميلة جدّاً: إني لأرى أثر معصيتي في سلوك زوجتي وأولادي ودابتي، الدابة لا تمشي، وأولادي يعاملونني بالسوء وامرأتي لا تطيعني، لماذا؟ إنها المعصية. ثامناً: ظلمة الوجه والقلب: يقول ابن عباس (رض): إنّ للمعصية سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، وكرهاً في قلوب الناس، وضعفاً في الجسد، وقلة في الرزق، وإنّ للطاعة بياضاً في الوجه، وضياء في القلب، ومحبة في قلوب الناس، وقوة في الجسد، وسعة في الرزق. أحبائي.. هل من المعقول أن تعصوا الله بعد ذلك؟؟ تاسعاً: حرمان لطاعة، أي إنك تنوي القيام إلى صلاة الفجر لتصلي، فلا تستطيع، فتضعف همتك وهكذا... عاشراً: ومن آثار المعصية أيضاً، أنها تجر المعصية الأخرى وراءها مثل السلسلة.. الحادي عشر: هوانك على الله: فالمسلم عزيز على الله، فعندما يعصيه يهون عليه، قال الحسن البصري: هانوا على الله فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم. الثاني عشر: الذلّ في القلب: يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر/ 10). سبحان الله! يلبسون أجمل الثياب، ويركبون أفخم السيارات، وتهابهم الناس... وذل المعصية في قلوبهم لا يفارقهم.. والله يا إخواني البعد عن الله والانجراف في المعاصي ذل. الثالث عشر: ضعف العقل: يقول أحد العلماء: من عصى الله ذهب جزءٌ من عقله لا يعود إليه إلى يوم القيامة. الرابع عشر: شؤم المعصية ونتيجتها: يقول عزّ وجلّ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/ 41)، وقال تعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (هود/ 101). الخامس عشر: أن يخونك لسانك في أكثر يوم تكون بحاجة إليه.. تسألني: وكيف يخونني لساني؟ يخونك وقت النطق بالشهادة عند الموت، يقال لك: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، فتقول: لا أقدر، يسألونك: ألا تعرفها؟ تقول: نعم أعرفها، ولا أستطيع أن ألفظها، أتعلم لماذا؟ لأنك عاص... سبحان الله! لكن على اللسان جبل... أتتخيل أنك لا تستطيع أن تنطق بالشهادة وأنت تموت!! والله إنّه لأمر خطير... أما أنّ لنا أن نترك المعاصي وتتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؟...   إياك ومعاصي الخلوة... قال رسول الله (ص): "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً"، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهُمْ لنا جَلِّهِمْ لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال رسول الله (ص): "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" [ابن ماجه: 42245]. فلا يغرك صبر الله عليك.:.. ولا يهون نظر الله إليك..   كيف تقاوم المعصية؟... أيها القارئ الحبيب، بالله عليك انْو واعزم على ترك المعصية، وأهم وسيلة لتقاوم بها المعصية هي الصحبة الصالحة، صاحب المتدينين والمؤمنين، واعمل أعمالاً تفيد الإسلام والمسلمين، وعندها لن تجد وقتاً لتعصبي الله – عزّ وجلّ –، وكيف تعصيه؟ وأنت منشغل بطاعته، وبقضية كبيرة ألا وهي "قضية المسلمين"، فهذان الأسلوبان: الصحبة الصالحة، والعمل هما من أنجح الوسائل لمقاومة المعصية. واعلم أخي الحبيب أن أمتنا لن تنهض على قدميها أبداً ونحن مصرّون على المعاصي...   المصدر: كتاب حتى يغيروا ما بأنفسهم

ارسال التعليق

Top