مهما اختلفت الحضارات وتنوعت أساليب الكتابة لدى الجنس البشري، تبقى الكتابة العربية وفنون الخط العربي محطّة أنظار الباحثين والمفكرين بشكل عام، ومتذوقي الفن الجميل بشكل خاص.
فنحن جميعاً نقف مكتوفي الأيدي وقصيري البعد النظري مقارنة بالمدة الزمنية القصيرة التي نعيشها على هذا الكوكب، أمام عمر من التاريخ تعاقبت عليها الأجيال فشيّدت الحضارات وبنت معالم خالدة طوتها السنين ولفتها دقات الساعة العصرية الصامتة، فلم يبق لها إلا الاسم تاركاً خلفها جميع جوانب الحياة في أدغال الزمن الغابر.
إلا الكتابة العربية بقيت كما الياقوت تسابق الزمن وتتكىء على أكتاف بُناة الحضارات ليستعينوا بها في كتابة تاريخهم على جبهة الريح وبين أحضان التراث.
وعلى الرغم من التطوّر الكبير الذي حصل للحرف العربي في الفن التشكيلي سواء باستخدامه الرمزي أو التعبيري فإنّه لم يزل يملك سحره داخل الكلمة والجملة ولم يزل يغري الكثير من الفنانين والخطاطين بالعمل من داخله للوصول إلى لمحات فنيّة تمتّع المشاهد وتغني رؤيته البصرية. وإذا كان الخطاطون منذ أيام القلم المسند وقلم حران وحتى اليوم أبدعوا الشيء الجميل إلا أنّ الخطاطين المعاصرين استطاعوا أن يقدّموا ماهو أكثر إتقاناً وأعمق حضوراً وذلك بفضل التطويرات الكثيرة التي أدخلوها عليه.
والكتابة هي تعبير، ليس عن طريق اللسان، وإنّما عن طريق اليد، واليد أحايناً تعبر من خلال الإشارة أو من خلال الرسم، ورسم الإشارة هو جهد خاص له قواعده بحيث تكون الرسوم المكتوبة دالة من خلال تركيبها على بعض المعاني. وكلما ارتقت صناعة الكتابة كانت أكثر دقة في التعبير، عمّا يجيش في النفس من إنكار وعواطف وانفعالات.
واختراع الإنسان لصناعة الكتابة هو تقدّم فكري وتفوّق عقلي. فالإنسان استطاع أن يخترع أسلوباً للتعبير، والكتابة هي رسوم وأشكال اخترعها الإنسان، وجعل لكم رسم منها دلالة خاصّة، ويؤدي تلك الرسوم في حالة تركيبها معاني دقيقة. قد تتجاوز حدود الكلمات الدّالة على معاني حركيّة، وقد تفيد أحياناً أفكاراً دقيقة هي وسيلة الإنسان إلى المعرفة، والكتابة في جميع أحوالها هي مظهر من مظاهر الحضارة، ولا يمكن تصوّر نشأتها إلا في ظل حضارة الإنسان وتطوره ولو أننا تتبعنا تاريخ الكتابة لوجدنا أنّ ذلك التاريخ ليس هو تاريخ الإنسان، وإنما هو تاريخ حضارة الإنسان.
وليست الكتابة مجرد رسم لشكل من أشكال الحروف، إذ إنّ ذلك قد يتم التدريب عليه لبعض الحيوانات. وإنّما هي أكثر تعقيداً من مجرد الرسم المادي لشكل الحرف، فهي في الدرجة الأولى رسم للشكل يعتمد على الترابط العاقل أو المنظم بين تلك الأشكال ولو اكتفينا بمجرد الرسم لكانت الكتابة فاقدة معناها، غير مؤدية الغرض منها.
وأهم أغراض الكتابة تأدية الأغراض المطلوبة منها، عن طريق ربط الرسوم والأشكال بالمعاني الدالة عليها، فالمعنى في حدِّ ذاته فكرة ضمنية تراود الإنسان وتتردد في صدره ولا يجد وسيلة لإبراز تلك الفكرة إلا عن طريق اللسان أو عن طريق الكتابة أو عن طريق الإشارة، والإشارة وسيلة قاصرة لأنّها لا تعبّر عن طريق المعاني البسيطة، في حالات القبول أو الرفض أو فيما هو في مستوى ذلك من الأفكار المبسطة، واللسان هو الوسيلة الأوضح والأقوى للتعبير، ومن هنا كانت الحاجة إلى اللغة كوسيلة للتعبير عن الأفكار، غير أنّ اللسان قد يكون قاصراً في بعض المواطن ليس عن أداء المعنى، وإنّما عن استمرارية المعنى المطلوب، ولهذا فإنّ الكتابة تأخذ موقعها كوسيلة لنقل الأفكار وحمايتها واستمرارية عطائها.
والكتابة أكثر صعوبة من الكلام، لأنّ الكلام أقل جهداً من الكتابة ويتعلمه الإنسان عن طريق التلقين التلقائي في الطفولة، أمّا الكتابة فتحتاج إلى جهد مضاعف، لأنّها عمليّة معقدة ودقيقة، تحتاج إلى تعليم رسوم وأشكال الحروف والأرقام أوّلاً، ثمّ إلى تعليم دلالات تلك الرسوم والأشكال على المعاني ثانياً، ثمّ إلى ربط المفردات اللغوية لتكوين معاني معقدة ثالثاً، وهذه المراحل شاقة وتحتاج إلى مران وتعليم وتكرار إلى أن يتمكن الإنسان من امتلاك ناصية الكتابة وتكوين ملكتها.
فالخط العربي يتمتع بإمكانات تشكيلية لا نهائية فحروفه مطاوعة للعقل وليد الخطاط الحاذق إلى أبعد الحدود، لما تتميّزُ به من المدِّ والقصر والاتكاء والإرداف والإرسال والقطع والرجوع والجمع مما لا يتوفر في أيٍّ من الخطوط في اللغات الأخرى، ولذلك فهو ينتمي إلى العالميّة بكل قوّة ودراية وشموليّة.
وهو فنٌّ يجمع الليونة والصلابة في تناغم مذهل وتتجلّى فيه قوّة القلم وجودة المداد المستمدة من النفحات الروحانية التي تهيمن على الخطاط المبدع في لحظة إبداع فلسفي لا تكرر نفسها.
فمن ساحة الفكر المخزون يقفز نصّ جذاب أو حكمة مأثورة أو آية كريمة يرافقه تخيّلٌ مبدئي لنوع الخط الذي ينبغي أن يكتب به، ومع أعمال الفكر وإجهاد القريحة تبدأ ملامح التكوين الخطّي تظهر رويداً رويداً للرّوح ثمّ للعين ثمّ تنفّذ اليد للإبداع الحقيقي.
كما أنّ الرابطة الحميميّة التي تجمع مثلث العقل والروح والعين بدءاً بالتوافق المنضبط في النسب المطلوبة بين الحروف والتناغم المألوف بين الحركات، والانطلاقة الوثّابة لبعض الكلمات لتنصهر في علاقة واضحة بين نوع الخط ومعنى الكلام المخطوط في بناء لوحة قادرة على التعايش مع الوسط الفني زمناً طويلاً.
والخط في اللغة يعني الكثير، منه ما يبتعد عما نعنيه بمعنى الكتابة، ومن ذلك مثلاً رسم مستقيم له طول وليس له عرض ولا سِمك، أو رسم علامة أو حفر القبر أو غزو الشيب للرأس.. إلخ.
وقد ابتدأ الخط العربي من خلال علاقة "سيمولوجية" دلائلية أو رمزية متمثلة بالبيان الإلهي في القرآن الكريم عن توضيحه بالكتابة، ومن هنا تطلب كتابة فاضلة بالخط المنسوب أي الخاضع لقواعد الخط الجميل، وكان على الخط أن يبالغ في تجويد كتابة القرآن الكريم كي يرقى إلى مستوى بلاغته، وكان أوّل المعتنين بذلك، الإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي قال "جودوا كتابتكم، فإنها تزيد الحق سطوع البرهان" (ابن أبي الحديد/ نهج البلاغة). وعلى الصلة الروحانية في التفريغ الفني، ورد عن الفارابي قوله: "إنّ الخط أصيل في الروح وإن ظهر بحواس الجسد". وقد ورد في جواب بعض الخطاطين، عن متى يستحق أن يوصف الخط العربي بالجودة قائلين: "إذا اعتدلت أقسامه وطالت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده حدوده، وتفتحت عيونه، ولم تشتبه رؤاه ونونه، وأشرق قرطاسه، وأظلمت أنفاسه، ولم تختلف أجناسه وأسرع إلى العيون تصوره، وإلى القلوب ثمره وقدرت فصوله، واندمجت وصوله. وتناسب دقيقة وجليله وتساوت أطنابه، واستدارت أهدابه، وخرج عن نمط الورّاقين وبعد عن تصنع المحرّرين وقام لكاتبه النسبة والحلية".
حيث تمتازُ الحروف العربيّة أنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، وهذا يعطي للحروف إمكانيات تشكيليّة كبيرة، دون أن يخرج عن الهيكل الأساسي لها.
ولذلك كانت عمليّة الوصل بين الحروف المتجاورة ذات قيمة هامّة في إعطاء الكتابة العربية جمالية من نوع خاص، من حيث تراصف الحروف مثل – ب، ن، ق، ف، س، ش - وغيرها تأخذ دوراً في إعطاء الكتابة العربية تناسقاً ورشاقة عندما تكون هذه المدّات متقنة وفي مواضعها الصحيحة، ويمكن أن نلاحظ أن طريقة الوصل بين الحروف تختلف من نوعٍ إلى آخر من أنواع الخط العربي، كما في الديواني والنسخي والكوني والثلث والفارسي – التعليق – وهذا الاختلاف ناتج عن الأسس المتبعة في كتابة كل خط من هذه الخطوط، حيث نجد الزوايا والخطوط المستقيمة سائدة في أنواع الكوني ونجد الأقواس والزوايا في كل منه النسخي والثلث بينما تكون الأقواس الرشيقة والمدّات الإنسيابية سائدة في الخط الديواني.
وتتخذ الوصلات سماكات مختلفة في الخط الفارسي، لتعطي للحروف المتباينة في عرضها تناغماً موسيقياً رائعاً. "وإن مجموع حركة الخط وما يتوالد عنه من إشعاع موسيقي مطابق لشاعرية مرئية ساعية نحو اللامرئي، كل ذلك يحدده النص نسبة ليد الخطّاط الراقصة".
يضاف إلى ذلك الغنى الفنّي الذي يمكن أن يضيفه التشكيل والزخرفة الملحقة بالحروف، فعلامات الفتح والكسر والضم والسكون والتنوين والمد والإدغام – الشدّة – كلها عناصر تزيينية زخرفيّة لا غنى عنها، لإتمام التناسق، وملء الفراغات، إضافة إلى ضبط الكلمات وصحة قراءتها، وذلك في خطوط النسخي والثلث والديواني الجلي، وللزخرفة أيضاً دور كبير في جماليات الخط الكوني حيث تضيف إليه، وإلى الخطوط السابقة نوعاً من الأبّهة والفخامة.
كل ذلك يعطي للكتابة العربية تفرّداً في جمالها بين الكتابات العالميّة وهذا ما جعلها تدخل في صميم الفنون التشكيليّة قديماً وحديثاً.
ويروي المستشرق – ريتر – أستاذ اللغات الشرقية في جامعة استنابول وهو من الأساتذة المخضرمين الذين حضروا وحاضروا في العهدين العثماني والكمالي قال: "إنّ الطلبة قبل الانقلاب الأخير في تركيا كانوا يكتبون ما أتلو عليهم من محاضرات بسرعة فائقة لأنّ الحرف العربي اختزالي بطبيعته، أما اليوم فإنّ الطلاب يكتبون بالحرف اللاتيني ولذلك فهم لا يفتأون يطلبون إليَّ أن أُعيد عليهم العبارات مراراً. إنهم معذورون ولا شك فيما يطلبون لأنّ الكتابة اللاتينية لا اختزال فيها، فلابدّ من كتابة الحروف بتمامها ثم أضاف قوله: "إنّ الكتابة العربية أسهل كتابات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح".
هذا من الناحية الاختزاليّة، أما من الناحية الجماليّة فهناك إجماع تفوّق الخط العربي واحتلاله مركز الصدارة بين خطوط العالم، ويروي لنا التاريخ أنّ الخليفة العباسي – الواثق بالله – أنفذ ابن الترجمان بهدايا إلى ملك الروم فرآهم قد علّقوا على باب كنيستهم كتباً بالعربية فسأل عنها فقيل له: هذا كتبه المأمون بخط أحمد بن أبي خالد استحسنوا صورتها فعلّقوها، هذا ما حكاه الصولي.
وقد أورد أيضاً أن سليمان بن وهب كتب كتاباً إلى ملك الروم في أيام الخليفة المعتمد فقال ملك اليوم: ما رأيت للعرب شيئاً أحسن من هذا الشكل، وما أحسدهم على شيء حسدي على جمال حروفهم، وملك الروم لا يقرأ الخط العربي وإنّما راقه باعتداله وهندسته.
ويقول الخليفة المأمون "لو فاخرتنا الملوك الأعاجم بأمثالها لفاخرناها بما لَنا من أنواع الخط، يقرأ في كل مكان، ويترجم بكل لسان ويوجد في كل زمان.
وما أحسن وأدق قول الكندي وهو من أهل القرن الثالث للهجرة: "لا أعلم كتابة تحتمل من تجليل حروفها وتدقيقها ما تحتمل الكتابة العربية، ويمكن فيها من السرعة مالا يمكن في غيرها من الكتابات.
بل إنّ عقلاء الإفرنج والمتنورين من المستشرقين، يقرّون ما للعرب ولغتهم من شرف المكانة وما لحروفهم من الجمال والحُسن، حتى إنّ منهم من اِنبرى يدافع عن الكتابة العربية وأخذ يسفه رأي من استبدلها بالحروف اللاتينية، فالخط العربي يمتاز عن غيره من الخطوط الأجنبيّة بموازين عديدة أهمها:
1- أنّه يقبل أن يتشكل بأي شكل هندسي، ويتمشى على أي صورة بحيث لا تختلف ما هيته ولا يطرأ على جوهره تغيير أو تبديل، ولذا تجد قد مرَّ عليه منذ صدر الإسلام إلى الآن، وما يزال يقبل ما يدخله عليه أهل هذه الصناعة – الخطّاط – والذين ينتمون إلى أصحاب الذوق السليم، من خلال التدقيقات والتحسينات والزخارف لأنّه في الحقيقة عبارة عن نقوش منظمة، وأشكال هندسيّة ورسوم فنيّة ودائرة هذه الأشياء واسعة لا حدَّ لها ولا تدخل تحت أي حصر.
2- إنّ من يمعن النظر في الخط العربي يجد بينه وبين سائر الأشياء تشابهاً وتقارباً نسبياً، يُميّز ذلك من نبغ في فن الخط وصار خبيراً بأسراره وخفاياه.
ومن ألطف الأدلة وأظرف البراهين على منزلة الخط العربي الرفيعة أنّ الشعراء كثيراً ما كانوا يشبهون محاسن المحبوب بأنواع الحروف العربية، فقد شبّهوا الحاجب بالنون والعين بالعين والصدغ بالواو والغم بالميم والصاد، والثنايا بالسين والطرة المضفورة بالشين، وبعضهم عكس المعنى فشبّه الأحرف العربية بأعضاء المحبوب. ولنذكر هنا شيئاً مما قيل في ذلك وهو قول أبو المطاع ذو القرنين بن حمدان المتوفي سنة 428هـ.
إني لأحسدُ لا، في أسطر الصحف **** إذا رأيت اعتناق اللام للألفِ
وما أظنهما طال اعناقهما **** إلا لما لقيا من شدّة الضغف
وقال أحمد بن الخيمي:
إن صدغ الحبيب والفم والعا **** رض منه: واو وصادٌ ولام
هي وصل بين المحاسن لما **** تمَّ حسناً وبالعذار التمامُ
غير أني أراه وصل وداعٍ **** فيه يُقضى افتراقنا والسلامُ
وبعض الناس يأخذ من هيئة الحروف العربية معانٍ غريبة وإشارات لطيفة كقول أبي طالب يحيى بن أبي الفرج زيادة المتوفي سنة 595هـ في الحث على الاستقامة.
إن كنت تسعى للسعادة فاستقم **** تنل المراد ولو سموت إلى السما
ألفُ الكتابة وهو بعض حروفها **** لما استقام على الجميع تقدّماً
يقول الخطّاط محمد طاهر المكّي الكردّي/ صاحب كتاب تاريخ الخط العربي وآدابه:
كل الحروف إذا نظرت فإنّها **** من نقطة أجزاؤها تتركّبُ
صور الحروف جميعها مأخوذةٌ **** من صورة الألف التي تتقلّبُ
فترى لصورته رموزاً جمّة **** فانظر بعين حقيقةٍ تتهذّبُ
3- إنّ الحروف العربية، قد خدمها علماء المسلمين خدمة جليلة بحيث لا يتطرّق إليها خلل ولا يطرأ عليها تغيير، فعلماء القراءات الأجلاء لم يكتفوا بقراءة القرآن الذي هو بلسان عربي بمجرد النظر إلى صور الحروف التي هي عربيّة أيضاً، بل وضعوا لقراءتها قواعد تحفظ اللسان من الخطأ في نطق الحروف وألقابها وصفاتها، وما يفخم منها، وما يرقق وما يدعم منها.
4- إنّ الله سبحانه وتعالى أودع في الحروف الهجائية العربية أسراراً عجيبة وتصرفات غريبة سواء كانت أفراداً أو تركيباً، فعلى هذه الحروف، يتوقّف نجاح الطلاسم وعمل السحر والسيمياء وهذه الخصوصية غير موجودة في الحروف الأجنبية مطلقاً "بقطع النظر عن الحكم الشرعي في ذلك كله".
5- إنّ الحروف العربية صالحة لأن تدل على الأرقام الحسابية وتقوم مكانها على الوجه الأتم لأن فيها تسعة أحرف للآحاد وتسعة أحرف للعشرات وتسعة أحرف للمئات، وحرف واحد للألف وهذا ما يطلقون عليه حساب – أبجد – وترتيبه:
أبجد، هَوّزْ، حطّي، كَلَمْن، سَعفص، قَرْشَتْ، ثَخَذْ، ضَظْغ.
6- إنّ اللغة العربية التي تكتب بحروفها واسعة جدّاً، لذلك نجد أن بعض الحروف تنوب عن بعض، وتجد كثيراً من الكلمات مترادفة المعنى كما نجد لبعض المسميات كثيراً من الأسماء وفي هذا ما يسهل الإنسان طريقة الشعر واتساق النثر ويجعل للكلام وقعاً حسناً وتأثيراً بليغاً، وذلك فالفنون الجميلة عند المسلمين بكافّة فروعها المعماري والزخرفة وفن الخط، تلك الصناعة التي أدهشت العالم ووضعتها أمام الجوهر المبدع المنطلق من الجمال الإلهي والممتزج بالقدرة البشرية.
وفي ذلك يقول الشاعر:
رُبْعُ الكتابَةِ في سَوَاد مِدادِها **** والرُّبْعُ حُسْنُ صناعَةِ الكُتَّاب
والرُّبعُ من قَلَمٍ تُسَوّى بَريَه **** وَعَلَى الكواغِد رَابِعُ الأسْبَابِ
وقالوا عن الخطّ العربيّ..
بُنَيَّ الكتابةُ على خمسٍ: قوّةُ الأخماس، وحدّةُ الألماس، وجودة القِرطاس وَلَمَعَانُ الأنقاس، وَحَبْسُ الأنْفَاس.
ولما كانت الحكمة تقول – المعرفة تتبّع الاهتمام – فإنّ الخطاطين اليوم دخلوا في قافلة الفنانين الذين لم يوجّه إليهم أيَّ اهتمام أو ترغيب وذلك بعد ظهور أجهزة الكمبيوتر والتي جعلت معظم الناس خطّاطين. علماً أنّ الكثيرين منهم لا يتصلون من قريب أو بعيد بشيءٍ اسمه فن الخط أو علم الخط.
غير أنّه لم ينطفئ تماماً التأثير الكبير والمكانة العظيمة للخط في الفن الإسلامي. حيث كان الوازع الداخلي في الحث على ممارسته وابتكار أساليب جديدة وأنواع مترادفة تدخل جميعها في الإطار المخصص لها بقواعد الخط، حيث الجمال الأخّاذ والروحانية التي تعطي للعين حنين الكتابة ولليد ظمأ المداد وللقصبة مشارف من روائع الحرف والكلمة والتشكيل.
مصادر البحث
• تاريخ الخط العربي وآدابه. محمد طاهر الكردي المكي الخطاط. هدية من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية المملكة العربية السعودية – الرياض.
• روح الخط العربي كامل البابا ط2 دار العلم للملايين، بيروت – لبنان.
• الخط العربي، حسن المسعود، دار فلاماريون، باريس.
• أطلس الخط والخطوط، حبيب الله فضائلي، ترجمة محمد التونجي، دار طلاس – دمشق.
• الخط العربي، تاريخه، حاضره، بلال عبدالوهاب الرفاعي، دار ابن كثير – دمشق.
• بعض لوحات الخطّاط كاتب المقال.
المصدر: مجلة المعرفة/ العدد 468 لسنة 2002م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق