• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«الصلاة» ميدان كريم لبناء الشخصية المسلمة

د. سليمان الصادق البيره

«الصلاة» ميدان كريم لبناء الشخصية المسلمة

من فوائد الصلاة أنها سبب لقوة الشخصية واتزانها وثباتها. إنّ الإسلام دين عقيدة سامية تبني الشخصية المسلمة ببعديها العقلي والنفسي ومن دلائل الكمال والشمول في دين الإسلام العظيم أنّ العقيدة عقيدة تقيد العقل ولا تصادره فهي القاعدة الفكرية التي تقاس عليها الأفكار، فهي فكرة كلية شاملة للإنسان والحياة، والكون نظم بها الإسلام الشخصية الإنسانية المسلمة تنظيماً متوازناً دقيقاً يراعي حاجات الإنسان من خلال مكوناته المادية والروحية ويؤدي إلى استقرار الشخصية واتزانها، وثباتها فوازن الإسلام بذلك في الإنسان بين متطلبات الروح، والجسد، وهيأ لكلِّ منهما سبله التي يتم من خلالها حمايته وصيانته، وتوجيهه الوجهة التي ترتقي به في مدارج الطاعة لله تعالى واتباع ما أحل، والابتعاد عما حرّم، وصار للشخصية في الإسلام صفات خاصة تميزها عن غيرها، وهي صفات تعكس أثر الإسلام العظيم الفاعل في بناء الشخصية المسلمة وتكوينها على نحو متميز، يظهر من خلاله مقصد الإسلام وهدفه في بناء الشخصية الإسلامية، لتكون شخصية دالة بفعلها، وحالها، ومقالها على عبوديتها لله تعالى، فهي شخصية لا تبغي في الأرض علوّاً، ولا فساداً، بل تبغي مرضاة الله سبحانه بعبادته، واتباع شرعه القويم.

قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة/ 177)، وقد جاءت هذه الآية الكريمة متضمنة لأُمّهات الأحكام فهي كما قال العلامة البيضاوي في تفسيره: "جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، دالة عليها صريحاً، وضمناً، فإنّها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس.. ولذلك وصف المجتمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى اعتباراً لمعاشرته للخلق، ومعاملته مع الحقّ"[1].

إنّ الصلاة ميدان كريم لبناء الشخصية المسلمة، وثباتها وقوتها، واتزانها، فهي مشتملة على الكمالات الإنسانية التي هي من قبيل صحة الاعتقاد، فالتكبير، والركوع، والسجود، والقياد كلها تعظيم لله الحق القيوم وتأكيد عملي لعقيدة: أنّه لا معبود بحقِّ إلّا الله تعالى، فالله أكبر من كلِّ كبير ومن كلِّ ما يراه، أو يسمعه المصلي من الأناسي والمخلوقات عموماً، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) (الإسراء/ 111)، ولا قنوت إلّا لله تعالى. قال عزّ من قائل: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة/ 238) ولا ركوع، ولا سجود ولا عبادة إلّا لله جلّ جلاله. قال عزّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج/ 77)، والصلاة مشتملة على ما يتعلق بالكمالات النفسية ففيها التعود على الصبر، وعلى حسن معاشرة المسلمين وذلك لأنّ المصلي يقف في صفوف الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة مع إخوانه المصلين في صلاة الجماعة وفي ذلك الصبر والتعود على حسن معاشرة المسلمين تهذيب للنفس، وتقويم للشخصية، وتدريب على التعامل مع الآخرين، ففي كلّ صلاة يقابل المصلي في المسجد أنواعاً مختلفة من الناس، فيعامل كلّ واحد بما يناسب في غير تكبر عليهم. أو انتقاص من أقدارهم.

ولا شكّ أنّ شخصية المسلم تزداد قوة ونماءً بالصلاة فهو في الصلاة يناجي ربه، ويثني عليه بما هو أهله، ويسبحه، ويكبره، ويتضرع إليه، ويتذلل بين يديه، وذلك كله وسواه يكسبه صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وصدق التوكل عليه، وجمال الاستغناء به سبحانه عما سواه، وجلال الافتقار إليه – عزّ وجلّ –، ونور العزة به – جلّ جلاله –، فتسمو نفسه بهذه المعاني الكريمة، وينعكس ذلك على شخصيته فترى شخصية متزنة متوازنة غير حاقدة، ولا متكبرة ولا هلوعة، تعامل الآخرين كريماً فهي اتزان وعقل وفهم وكرم نفس.

الهامش:


[1]- تفسير البيضاوي، ص36.

المصدر: كتاب تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسنة

ارسال التعليق

Top