• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقوق المرأة.. لا تعود إلا بالإسلام

د. حازم الأحدب

حقوق المرأة.. لا تعود إلا بالإسلام

الإسلام هو ميزان العدالة الكاملة بين الجنسين.. والقادر على إنصافهما معاً

كيف نعيد للمرأة حقّها؟

في عصرنا الحاضر شهدنا ولا نزال نشهد صيحات تنادي بأفكار معظمها مستورد من خارج أوطاننا بعدما فشلت في أن تطبق في أوطانها، ينادي بعضها بالمساواة بين المرأة والرجل، ويطالب البعض منها بإعادة حقوق المرأة المنسية، وراح البعض الآخر ممن لا يعلم بماذا عليه أن يطالب فأخذ يجيء بأفكار جديدة ينسبها إلى الدين ولم نسمع بها من قبل، كأن الناس كانوا في جهل عميق قبل أن تأتيهم هذه الدعوات!

إذا أمعنا النظر في هذه الدعوات، سنجد أنّ غرضها الرئيس هو إخراج المرأة عن دائرة الدين القويم إلى دائرة اللادين وإن تعددت عناوين هذه الدعوات، جاهلة أو متجاهلة أحكاماً كثيرة أوجدها الشرع الحكيم غرضها الأوّل والأخير هو حماية المرأة والرجل معاً، ومن ثمّ حماية الأسرة التي هي لبنة الأساس في المجتمع.

 

الميزان الحقّ:

وعندما يأتي من يطالب بمساواة كاملة بين الرجل والمرأة فيجب عندئذ أن يكون لديه ميزان يزن به كلاً منهما حتى يتسنى له العدل بينهما، وأن يجعل كلاً منهما في كفة ميزان مساوية للكفة الأخرى وعندئذ فقط يستطيع القول بالمساواة.

من هنا نأتي إلى نقطة يجب أن يفقهها كلّ مسلم، هي أنّ الإسلام هو الميزان الوحيد للعدالة الكاملة، ومن يرى غير هذا فقد خرج من دائرة الإسلام ولا يحقّ له أن يتكلم في أمور المسلمين، ولكي نستطيع أن نستخدم هذا الميزان فلابدّ لنا من أن نستعين بخبراء خاصين يجيدون استخدامه، وهنا نقول إنّ علماء الشريعة هم أقدر الناس على استعمال هذا الميزان.

ولحكمة أرادها الله عزّ وجلّ جعل الإسلام هو أكثر الأديان اهتماماً بأحكام المرأة وبشكل غاية في الدقة والتفصيل، الأمر الذي لم يرد في غيره من العقائد، مما يشير إلى اهتمام خاص من الشارع الحكيم بالمرأة وما لها من دور خاص في المجتمع يجب أن تقوم به على أكمل وجه، وتقديراً لبعض خصوصياتها التي راعاها الذي خلقها فهو أعلم سبحانه بخلقه من خلقه.

 

كيف ينظر الإسلام للمرأة؟

لم ينظر الإسلام إلى المرأة نظرة مادية تعجز عن إدراك ما لها من خصائص، ولم ينظر لها نظرة دونية عن الرجل كما يدعي الكثير من أعداء الإسلام، إنما نظر إليها نظرة تخصصية، فساواها بالرجل في كثير من الأمور وميّزها عن الرجل في بعض الأمور، وميّز الرجل عنها في أمور أخرى، وبالرغم من اختلاف أهل الرأي في تحديد هذه الفروق لكن يجب أن نراعي أنّ إدلاء عالم أو فقيه برأيه لا يعني بالضرورة رأي الإسلام، ولابدّ أن نعرف أيضاً أنّ للمجتمع أكبر الأثر في تكوين نظرة الناس إلى المرأة، فلا يجب أن نخلط بين رأي المجتمع والدين في هذه الأمور. فقد نظر الإسلام إلى المرأة نظرة تخصصية شاملة فساوى بينها وبين الرجل في معظم الأمور كحرية الكلمة والرأي، والحقّ في طلب العلم والتعليم.

ساوى النبي محمد (ص) بين المرأة والرجل في حقِّ العمل النافع الذي يعتبر بمثابة دعوة إلى الله ولا يهين المرأة أو يتعارض مع دينها فها هن الصحابيات يجاهدن مع رسول الله (ص) والجهاد من أشق الأعمال ولكن الرسول الكريم عندما رأى أنّ المرأة يمكن أن تكون عنصراً فعّالاً في موقع معيّن لم يمنعها من ذلك، مع اعتبار أنّ عملها في منزلها من أشرف الأعمال التي تقربها إلى الله وتساعدها على تربية أبنائها لكنه لا يتعارض في كثير من الأحيان مع بعض الأعمال المشروعة لها.

 

مساواة موزونة:

ومما ساوى الإسلام فيه بين الرجل والمرأة الحقوق الإنسانية التي تتطلبها الحياة، كحقِّ الكرامة والكبرياء، فهو ينهى الرجل عن أن ينتقص من أهله شيئاً أو أن يهينهم، أو أن يتعدى عليهم بغير وجه حقّ لا بالكلام ولا بغيره. كما ساوى بينها وبين الرجل في غض البصر والحشمة والعفاف، وعندما فرض الحجاب على المرأة فلأن المرأة تتميز بجمالها عن الرجل، وعدم حجابها أو تكشفها على عامة الناس فيه فتنة لهم، ولكن هذا لا يعني أنّ الإسلام ميّز بين الرجل والمرأة في الأحكام التي تتعلق بحفظ الشرف والعرض، إذ جعل عقوبة الزاني والزانية سواء وأوجب عليهما الجزاء نفسه.

وعندما نأتي إلى الأمور التي ميّز الله بها المرأة عن الرجل فسنجد أنّ الإسلام أكرم المرأة في بيت زوجها أيما إكرام فحفظ لها حقّها من مهر ونفقة وحقوق مادية تكفيها للحياة بكرامة وعدم احتياجها لأي شيء من ضرورات الحياة وألزم الرجل بكلِّ هذه المتطلبات، ومنع الزوج من أن يجبرها على القيام بأي عمل ليس من واجبها القيام به حتى إرضاع أولادها فلها الحقّ في أن تمتنع عن إرضاعهم إذا أرادت ذلك وليس له أن يجبرها على ذلك.

كما ميّز الإسلام المرأة بأن جعل لها دائماً من يتحمل مسؤولية نفقتها من زوج أو أب أو أخ أو عم أو خال.. فإن لم يكن لها أحد أعطيت من بيت المال ولم تطالب بأي عمل لتقوى به على العيش، بعكس الرجل الذي طالبه بالعمل والسعي وراء رزقه. كما قدم الإسلام طاعة الأُم إكراماً لها على طاعة الأب ورضاها على رضاه، كان الرسول الكريم (ص) دائم الوصاية بالنساء خيراً.

ومما يذكر في تفضيل الإسلام وتكريمه للمرأة ومراعاته لطبيعتها أن رفع عنها كثيراً من التكاليف الشرعية التي تتطلب الجهد والمشقة، وأعفاها من أن تحاسب عليها كالجهاد مثلاً أو الحج في انعدام المحرم والمقدرة، وكلّ ما من طبيعته المشقة عليها. كلّ هذا كان مما ميّز الإسلام فيه المرأة على الرجل فهل يا ترى يجب على الرجال أن يطالبوا بالمساواة بينهم وبين النساء أو أن يطالبوا بحقوقهم؟!

عندما طلب الشارع الحكيم من الرجل الاحترام وحسن المعاملة، طلب من المرأة الطاعة المبصرة، وعندما طلب من الرجل الإنفاق وتحمل مسؤولية المرأة، جعل له نصيب الضعف من الميراث مساعدة منه على تحمل ما ألزمه به من النفقات ولم يلزم به المرأة، وعندما أعفى الإسلام المرأة من القتال وكلّ ما فيه مشقة من عبادة وعمل، وألزم بها الرجل كان من العدل أن جعله المحارب في ساحة القتال والسياسي في مجال السياسة، والتاجر في سوق التجارة.. وعندما رأى الإسلام طبيعة المرأة التي يغلب عليها العواطف والأحاسيس، والرقة والشاعرية، خشى أن تكون هذه الأحاسيس السامية والعواطف الجياشة التي تعين المرأة على تربية أبنائها والتي ميّز الله بها المرأة عن الرجل سبباً في حيدها عن قول الحقّ إذا دعيت إلى الشهادة فجعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وليس في هذا ما يعيب المرأة وينقصها حقّها.

 

كيف ينظر المجتمع إلى المرأة؟

هنا يمكننا أن نميّز فعلاً الأمور التي قد تكون المرأة ظلمت بها أو تعدي على حقوقها فيها، لكننا يجب أيضاً أن نراعي الفروق من مجتمع لآخر ومن بلد لآخر ومن مدينة لأخرى ومن قبيلة لأخرى بل ومن شخص لآخر، وعلى هذا الأساس؛ لا يمكننا أن نحكم على مجتمع كامل بأنّه ظلم المرأة حقوقها، لكننا كما أننا نعاني الكثير من أثر عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في كثير في مجتمعاتنا فإننا لا نستغرب عندما يأتي من يطالب بحقوق المرأة، لأنّ الإسلام هو الوحيد القادر على إعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة حقّ المرأة للمرأة.

وعندما يغيب الإسلام عن حياتنا ومعاملاتنا اليومية فلا عجب أن تضيع حقوق المرأة وقد تضيع حقوق الرجل أيضاً، لذلك فإنّ الحل الوحيد هو أن يعيد المجتمع وبشكل كامل الحقوق لأهلها، فليس الرجل هو وحده المطالب بإعادة حقوق المرأة، وإنما على المرأة أن تعيد حقوقه له.

هكذا نستطيع أن نقول إننا إذا درسنا الفروق الرئيسة التي تفرق المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة في ديننا الحنيف لوجدناها سبباً في إعطاء كلّ منهما حقّه، دون أن تنقص من حقّ الطرف الآخر، وما من منصف يدرس حقوق المرأة في الإسلام إلا ويشهد أنّ الإسلام هو أكثر الأديان إنصافاً لها، لكن ماذا نقول إذا كان من ينادي بحقوق المرأة غرضه إخراج المرأة من الدين الذي يحفظها إلى غابة تكون المرأة فيها سلعة تباع وتشترى، ولا تعطى فيها أياً من حقوق الحماية الخاصة بها كامرأة، وتوضع المسكينة فيها في مواجهة مع مجتمع لا يرحم؟

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1433 لسنة 2001م

ارسال التعليق

Top