◄إذا خيّر البشر بين الفرح والحزن، لا أحد يختار الحزن.. فكلّ إنسان يبحث عن الفرح في كلّ مكان وفي كلّ شيء، لذا نراه يرتبط بشخص آخر لأنّه عاش معه أوقات فرح ولا يحسب للحزن حساب كما لو أنّهم إنْ نسوه ينساهم.
لكن هناك أشياء تحصل معنا تكون فوق قدرتنا على التحمّل والاستيعاب وتكون سبب حزن شديد بالنسبة إلينا، ومنها موت الشريك وغيابه الدائم أي رحيل بلا عودة. فمن يعيش هكذا اختبار يحزن كثيراً ويعتبر الفعل أنّها نهاية، أو النهاية ونعني بها نهاية كلّ شيء. ففي هذه المرحلة تحديداً يفقد الشخص الحس المنطقي ويتحوّل إلى شخص محدود التفكير. فكلّ تركيزه يكون على الأزمة التي حصلت والتي قد يعتبرها ضربة موجهة ضدّه.
ما من مصيبة إلّا وتبدأ كبيرة ثمّ تصغر بسبب فعل الاعتياد والعودة إلى التحليل. فموت الشريك هو حالة خاصّة من حالات الموت لأنّنا نواجه في نفس الوقت وفاة الآخر وانتهاء الثنائي. وألم الفراق يخف مع الأيام ليبقى الأساس. مع وفاة الآخر يرى الشريك نفسه أمام واقع مرير وأمام كمية حبّ كبيرة مخزنة في داخله؛ لكن لم يعد لها أي قيمة لأنّها منتهية الصلاحية؛ لكن بعد وفاة الشريك على الشخص أن يدرك أنّ هناك مجموعة خسارات في الوقت عينه ومجموعة مواقف عليه أن يواجهها لوحده وتعتبر بمثابة أوّل مرّة. أوّل مرّة ينام دون حضور الآخر، أوّل مرّة يشعر بالانكسار، أوّل مرّة لا يعيش شراكة مع الآخر.
في كثير من الأحيان بعد رحيل الشريك يعيش الشريك الذي على قيد الحياة إلى جانب الألم النفسي ووجع الفراق والحداد على شريكه، يعيش حالة من الشعور بالذنب كونه مازال على قيد الحياة. وأحياناً يعد نفسه ألّا يحبّ مجدداً لأنّ حبّ الشريك الميت جارٍ في داخله ويعتبر أي حبّ جديد هو بمثابة خيانة للشريك الراحل.
طبعاً يمكن قياس حجم الألم والوجع على فراق الشريك بحسب مجموعة نقاط أهمّها حجم الارتباط والوعود والأحلام بين الاثنين وكمية الحبّ الذي عاشوه معاً، إضافة إلى الذكريات التي ستبقى لفترة طويلة بعد رحيل أحد الشريكين.
في الثنائيات الصغيرة بالسن، يشكّل فقدان الشريك صدمة لأنّه حين يقرر الارتباط بشريكه، يضع معه مشاريع مستقبلية وطويلة الأمد ويحلمان معاً، يعدا بعضهما بالكثير من الأمور والسعادة. وبالتالي يُصدم بفقدان الشريك قبل التمكّن من تحقيق كلّ ما وعدا بعضهما به وكأنّ الشريك غدر شريكه بالرحيل عنه. أمّا في الثنائيات الأكبر سناً، فالوضع يكون مختلفاً. فعلى الرغم من أنّ الشريكين يتعلقان كثيراً ببعضهما مع العمر ويصبحان غير قابلين للابتعاد عن بعضهما، إلّا أنّهما يعرفان أنّ أيامهما لم تعدّ تحسب كما في الأيام السابقة. ويعرفان أنّه يوماً ما سوف يفرّقهما الموت قد يكون في وقت قريب أو بعيد. أمّا في حال كان أحد الشريكين بحالة صحّية صعبة، فهذا عامل استعداد بالنسبة لشريكه.
أمّا عن السؤال الذي يطرحه الأشخاص: هل استطيع أن أحبّ مجدداً؟ وهل يحقّ لي بذلك؟ عزيزي القارئ، أمر الموت لا أحد يملك سلطة عليه. وحين تنتهي حياة أحد الأشخاص مهما كان مُقرّباً إليكم ومهما ربطتكم به علاقة قوية، فذلك لا يعني أن تنتهي حياتكم معه أو بعده. لذا فمن حقّ كلّ فرد أن يعيش الحداد على شريكه ويأخذ الوقت المناسب ليعيش حداده على الشريك بكلّ طقوسه الذي يتضمن البكاء، اللبس الأسود، الامتناع عن الزيارات أو حتى الامتناع عن الضحك وغيرها؛ ولكن بعد ذلك على الشخص العودة إلى الحياة ومتابعة حياته والمحافظة على الذكريات المرتبطة بالشريك الراحل. وفي حال لم يتمكّن من ذلك بعد فترة، فيمكن اعتبار أنّه في طور حالة مرضية يجب معالجتها.
أهم ما يمكن التنبه إليه من قبل الأشخاص الذين يفقدون غالياً أو شريكاً، ألّا يشعرون بالذنب حين يقررون عدم الموت وراء الشريك وألّا يختارون الحزن والانطوائية لأنّ هذه السلوكيات لن تعيد لهم الحبيب الذي فقدوه. فترة الحداد هي فترة صعبة جداً، لذا على الشخص طلب المساعدة من متخصصين للخروج من هذه المرحلة. ففي كثير من الأحيان إذا لم يلجأ الشخص إلى الأسلوب الصحيح للتفريغ والكلام عن مشاعره وعن صعوبة الموقف، يمكن أن يتعرّض إلى تعظيم حجم الصدمة. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق