• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ترتيب الولادة.. كيف يؤثّر في شخصية أبنائنا؟

ترتيب الولادة.. كيف يؤثّر في شخصية أبنائنا؟
   بين الناجح وحلّال المشاكل والمحبوب...

لابدّ أنكم سمعتم يوماً عن "متلازمة الطفل الأوسط". لكن الواقع هو أنّ كلّ طفل سواء أكان الأكبر، الأصغر أم الوحيد، يتأثّر بالترتيب الذي ولد فيه بين إخوته وأخواته، وذلك وفق دراسات علمية عديدة، منها ما يعود إلى القرن التاسع عشر.

إنّه السؤال المشروع، الذي لابدّ وأن يطرأ في بال كلّ واحد منّا في مرحلة ما من حياته، وهو ينظر إلى الاختلاف الكبير بينه وبين أشقائه: إذا كنا قد حظينا بنفس الوالدين، والكثير من الجينات المشتركة، فكيف أصبحنا على هذه الدرجة من الاختلاف؟

 

الترتيب يتحكّم في خياراتكم:

في الواقع، يعتقد العديد من العلماء أنّ السبب يعود جزئياً إلى الترتيب الذي ولدتم فيه. هذا الترتيب، في رأيهم، لا يشكل شخصياتكم وحسب، بل يؤثر أيضاً في القرارات التي تتخذونها، واختياركم لشريك الحياة، والصداقات، والحياة المهنية.

هذا الموضوع ليس جديداً، بل أجريت العديد من الدراسات حوله سابقاً، وذلك منذ العام 1874 على يد أحد أقرباء تشارلز داروين، وهو السير فرانسيس غالتون. وفي عشرينيات القرن الماضي، قام د. آلفرد آدلر، زميل سيغموند فرويد، بأبحاث معمقة، ووجد أنّ الترتيب الذي نولد فيه يؤثّر فينا بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين، تخطى عدد المقالات العلمية المكتوبة حول الموضوع عتبة الـ65000 مقالة، بحسب د. طوني كاسيدي، عالم النفس في جامعة ألستر في بريطانيا.

كاثرين شومان، مؤلفة كتاب The Secret Power Of Middle Children (أي القوة السرية للأطفال الأواسط) تكشف أنّ هناك "الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنّ ترتيب الولادة مهم حقاً، وفي إمكانه التأثير في شخصية الإنسان".

بالفعل، هذا ما أكّدته دراسة حديثة، قامت بها جامعة إسيكس في بريطانيا، والتي وجدت أنّ الأطفال الأبكار هم أصحاب الإنجازات، ومن المرجح أن يكونوا أكثر طموحاً ونجاحاً من الأشقاء الأصغر سناً. بل حتى يعتقد بعض الباحثين أنّ ترتيب ولادة الطفل مهم بقدر جنسه، وهو تقريباً بأهمية جيناته نفسها، وذلك اعتماداً على نظرية تأثير النشأة في الشخصية، لهذا السبب لا يوجد طفلان متشابهان، على الرغم من عيشهما في العائلة نفسها. لماذا؟ لأنّ الآباء يتفاعلون بشكل مختلف مع كلّ طفل من أطفالهم، ولأنّ كلَّ طفل يتخذ لنفسه دوراً مختلفاً في الأسرة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يميل إلى رعاية من حوله والاهتمام بهم، فسوف يختار أشقاؤه دوراً آخر، شأن صاحب الإنجازات أو المهرّج المفعم بالحياة... إلخ.

 

تصرف الأهل ليس نفسه:

كلّ والد ووالدة يتذكران طفلهما الأوّل جيداً: إنّه الطفل الذي كان يراقبانه خلال نومه للتأكد من أنّه ما زال يتنفس، والطفل الذي حرصت والدته على إرضاعه طبيعياً، أو تعقيم زجاجات الحليب أكثر من مرة قبل استخدامها، والذي كان والداه يحملانه بين أذرعهما في أغلب الأوقات. هذا الطفل هو الطفل الوحيد الذي سوف يحظى بوالديه كلياً لنفسه. أمّا الأبناء الآخرون فتتحتم عليهم المشاركة في ما بينهم.

بعبارة أخرى، يأتي الأطفال الأبكار إلى عائلة من البالغين، الذين يفتخرون بكلِّ تقدُّم يحرزه فلذات أكبادهم، ويخافون عليهم من كلِّ المخاطر المحتملة. وغالباً ما يُهيمن هؤلاء على الأطفال الأواسط، باعتبارهم أكبر سناً وأكثر حكمة وكفاءة. وبحلول الوقت الذي يأتي فيه الطفل الأصغر، يكون الأهل عادة قد أصبحوا متعبين وأقل حماسة، ما يعني أقل مَيْلاً للتدخل الدقيق في تفاصيل حياته كافة. فهم باتوا يعرفون أنّ الطفل لن ينكسر، وبالتالي، يتعاملون معه بمرونة أكبر من ناحية الاهتمام الذي يمنحونه له، والانضباط الذي يفرضونه عليه. ونتيجة لذلك، يتعلّم هذا الطفل في وقت مبكر طُرق الإغواء والتلاعب وأساليب الترفيه.

 

من أنتم بحسب ترتيب ولادتكم؟

في حين تتم برمجة الطفل البكر للسعي خلف التميز وتحقيق الإنجازات، يُربى الطفل الأوسط ليكون متفهماً وبمثابة صانع السلام في الأسرة، أما الطفل الأصغر فيميل إلى البحث عن الاهتمام. ونتيجة لذلك، يصبح ترتيب الولادة عاملاً مؤثّراً جدّاً في شخصية الإنسان. في ما يلي تصنيف مفصّل لشخصيات الأطفال، بحسب ترتيب ولادتهم وفقاً لأحدث دراسة بريطانية.

 

الأبكار أذكياء:

بما أنّهم ظهروا على الساحة أوّلاً، فهم يميلون ليكونوا قياديين بالفطرة. لقد أمضوا سنواتهم الأولى مع البالغين، الذين أغدقوا عليهم فائضاً من الاهتمام والإثارة. وعند ولادة الأطفال الأصغر سناً، يصبح الأبكار بمثابة بالغين على مُصغَّر، فيكلَّفون بالعناية بأشقائهم، ما يجعلهم واثقين بأنفسهم، ويكبرون لاحقاً ليصبحوا أشخاصاً ناجحين، يتمتعون بحس المسؤولية. يفسر د. طوني كاسيدي ذلك بقوله "المواليد الأوائل يكونون مندفعين ويتمتعون غالباً بالوعي ويتصرّفون بما تمليه عليهم ضمائرهم، ولكن بسبب ثقل هذه التوقعات والآمال التي توضع عليهم، يصابون غالباً بالخوف من الفشل وبالتوتر". فبالنسبة إليه، يضع الأهل الأكثير من الآمال على ولدهم البكر، الأمر الذي يؤدي إلى أن يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى بالغ يخاف من تخييب ظن الآخرين فيه. في العلاقات، يميل الأبكار إلى التصرف بحسب القيم التي زرعها فيهم والداهم. وغالباً ما يرتبط البكر بشخص يكون أيضاً بكراً في عائلته، ذلك أنّه يتشارك معه القيم والمبادئ الجوهرية نفسها. فهؤلاء قد حظوا بالاهتمام والتوجيه المبالغ فيهما من قبل آبائهم وأمهاتهم، فأصبحوا مسؤولين وجديرين بالثقة وحذرين، يتسمعون بحسن التصرف، وهم نسخة مصغّرة عن أهلهم. يقول الدكتور كاسيدي: إنّ البكر يميل دائماً إلى بسط سيطرته على نصفه الآخر، والتعامل معه وكأنّه طفل، ذلك أنّه اعتاد القيام بهذا الدور مع أشقائه، ومن المرجح أن يستمر في القيام به كبالغ، وهذا يمكن أن يزعج الطرف الآخر، بدل اعتباره شكلاً من أشكال الحب.

المواليد الأوائل غالباً ما يفضّلون اختيار مسارات آمنة في المجال المهني، أي المهن التي تتسم بهيكلية صارمة وتتطلب حساً عالياً من المسؤولية والانضباط، مثل الطب أو السياسة. هناك دراسة، قامت بها جامعة أوسلو، وجدت أنّ الأبكار يسجّلون معدلات أعلى في اختبار الذكاء؛ فعبر استعانتهم بسجلات الجيش، خلصوا إلى أنّه في المتوسط، يكون الأبناء الأبكار أكثر ذكاء. يفسر د. كاسيدي ذلك: "بأنّ الوالدين يستثمران كثيراً في طفلهما البكر، إذ يكرسان له كلّ ما لديهما من وقت وطاقة".

 

الأواسط ليسوا صعبين:

حان الوقت للتخلص من تلك الأفكار التي عفا عليها الزمن عن كون الأطفال الأواسط صعبين، ويحتاجون إلى مجهود مضاعف للتعامل معهم وفهمهم. ففي حين يتفق الباحثون على أنّ الاهتمام الذي يمنحه الأهل للأبكار وصغار الأسرة يفوت الأواسط أحياناً، إلّا أنّ هذا "الإهمال الحميد" يمكن أن يكون في الواقع إيجابياً بالنسبة إليهم، ذلك أنّه يدفعهم ليكونوا مستقلين مبكراً في حياتهم. فالأواسط يتحتم عليهم الاهتمام بأمورهم بأنفسهم، ما يجعلهم يتحوّلون إلى متخصّصين في إيجاد حلول إبداعية للمشاكل التي تواجههم، ومع ذلك، لا مفر من أن يشعروا أحياناً بالضياع داخل الأسرة، وسط كلّ هذا الاهتمام الذي يحظى به أشقاؤهم، ما يمكن أن يؤدي إلى شعورهم بانعدام الأمان.

في ما يخص العلاقات، غالباً ما يتفق الأولاد الأواسط مع أشخاص من أي ترتيب كانوا، لأنّهم معتادون على التعامل مع الأكبر منهم والأصغر منهم سناً. ويلاحظ الباحثون كذلك أنّ الأواسط يميلون ليكونوا أكثر إخلاصاً في العلاقات، وأنّهم، بحسب كاثرين شومان "غالباً ما يكونون ماهرين في التفاوض، لكثرة ما اضطروا خلال نشأتهم إلى حل المشاحنات التي تقع بين أشقائهم. وهذا يجعلهم شركاء أوفياء يحاولون، ويعرفون كيفية تجنب المشاكل. ومع ذلك، فهم عرضة للاستغلال من قبل الآخرين، كما أنهم يميلون إلى سحق احتياجاتهم الخاصة لإرضاء الآخرين". من حيث الحياة المهنية، "لا يهتم الأواسط كثيراً بالوظائف المرموقة" على حد قول شومان، فهم أكثر ميلاً إلى الفن والمغامرة، وليس لديهم مشكلة في اختيار مهن تعتبر أقل ضمانة وأماناً. وغالباً ما يتقاضون أقل من أشقائهم الأبكار والصغار. لكنّ هذا لا يعني أنّهم أقل نجاحاً ولا يحبون تحقيق الإنجازات، سيّما وأنهم قضوا طفولتهم وهم يتمنون أن تتم ملاحظتهم من قبل أفراد العائلة. في الواقع 52% من رؤساء الولايات المتحدة هم من الأطفال الأواسط، ناهيك عن أمثال بيل غيتس ونيلسون مانديلا.

 

الصغار.. أصحاب الروح الحرة:

يميل الأهل لأن يكونوا أكثر استرخاء مع طفلهم الأخير، ما يجعل منه بالغاً منطلقاً ومحباً للحرية. يقول الدكتور كاسيدي: "صغار العائلة عادة ما يكونون أكثر انفتاحاً ويتعلّمون التعامل مع الآخرين، والتلاعب بهم للحصول على مبتغاهم، إنما بطريقة إيجابية". هذا يعني أنهم يعرفون كيف يجعلون الناس سعداء من دون بذل أي مجهود، ويمكنهم تحقيق كلّ ما يضعونه نصب أعينهم. لكنّ الباحث، الدكتور ألفريد أدلر، يتهم صغار الأسرة بكونهم مدلّلين ونزويين. وربما يعود ذلك إلى أنّ توقعات الأهل من صغير العائلة تكون أقل، كما أنهم يميلون إلى إغداق حبهم عليه والإفراط في تدليله، معتبرين أنّه لا يمكن أن يخطئ. الثقة بالنفس، التي يكتسبها صغار الأسرة من كونهم محط اهتمام أهاليهم، تجعلهم محبوبين عموماً، ولكن غافلين أحياناً عن مشاعر الآخرين.

الأصدقاء والشركاء يتهافتون على صغار الأسرة، فثقتهم بأنفسهم جذّابة جدّاً. وبما أنهم المتمرّدون في الأسرة، فمن المرجح أن يختاروا شركاء غير مناسبين. إنّهم معتادون على كونهم محبوبين، ويتوقّعون من الناس أن يعجبوا بهم مهما فعلوا، الأمر الذي يعميهم عن أخطائهم في العلاقات. ومن المحتمل كذلك أن يتسم هؤلاء الأشخاص بالعناد، متوقعين أن يتحرّك الجميع لإرضائهم بدلاً من قيامهم بمجهود، ولو بسيط لتلبية رغبات الآخرين.

غالباً ما يتشبّث الأهل، لا شعورياً، بصغار الأسرة، بحيث يستغرق هؤلاء وقتاً أطول، في العادة، للانطلاق في حياتهم المهنية. إلّا أنّ الصغار يهوون غالباً المخاطرة، ولذلك كثيراً ما ينتهي بهم الأمر في وظائف إبداعية أو في عالم الترفيه.

 

الأطفال الوحيدون:

يواجهون ضغوطاً، ويحصدون اهتماماً مماثلاً للمواليد الأبكار. وتشير الأبحاث إلى أنّهم يطوّرون الخوف من الفشل نفسه والمهارات القيادية نفسها، لكن بأشكال أكثر تطرفاً. لكن في المقابل، يكونون أقل ميلاً إلى المنافسة وأقل حذراً، لأنّهم لم يُوْضَعوا في مواقف تحمُّل المسؤولية أو المشاجرة مع إخوتهم. يقول الباحثون: إنّ الأطفال الوحيدين يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للتأثّر بالأحداث، لأنّ الأشقاء عادة ما يوفّرون منظوراً مختلفاً عن الأوضاع التي يختبرها الإنسان. كذلك لا يتسنى للوحيدين رؤية المشكلات التي يمرّ بها غيرهم من الأطفال، ورؤية كيف تم حلّ تلك الحالات، لذلك يمكن أن يواجهوا صعوبة في حل المشكلات عندما يكبرون. إنّما بعيداً عن الصورة النمطية التي ترسم عن الأطفال الوحيدين، على أنّهم يعانون من الانعزال والوحدة، غالباً ما يكون هؤلاء اجتماعيين، يتواصلون بسهولة مع الآخرين، ويكون من السهل معاشرتهم، كما أنّهم يكونون مخلصين جدّاً للأصدقاء، الذين يعتبرونهم امتداداً لأسرهم.

كبالغ يصبح الطفل الوحيد شريكاً حساساً يتمتع بالنضوج، وفقاً لبحث أجراه موقع birthorderpersonality.com، لأنّه ينشأ في جوّ الكبار ويتأثّر بهم، ولكنه في المقابل يمكن أن يكافح للتغلب على العقبات، ذلك أنّه لا يمرّ بالتجارب نفسها التي يمرّ بها الأشقاء، من مشاحنات وخناقات ومصالحات. فنشوب أي خلاف مع الأشقاء لا يعني نهاية العالم، بل لابدّ أن تحلّ المشكلة في ما بينهم، وتبقى الأمور على ما يرام بالرغم من اختلافات الرأي. أمّا الطفل الوحيد، فيشعر أنّ المشكلات هي أمر مهم جدّاً، ومن الصعب تخطيها بسهولة.

نظراً لكلِّ هذا الاهتمام الذي يلقونه من الكبار، يصبح الأطفال الوحيدون ميّالين للقيادة مثل المواليد الأوائل، وهذا يعني أنّهم في نهاية المطاف سيختارون وظائف تمنحهم السلطة، إلّا أنّهم على عكس الأبكار، لم يحظوا بفرصة تعليم وإرشاد أشقاء أصغر سناً، لذلك فهم قد يصبحون متسلطين ومهووسين بالسيطرة.

ارسال التعليق

Top