سعيد شلش
تصيبهنّ بالكآبة والكبت النفسي والعاطفي
"في كل بيت من بيوتنا فتيات عازبات وشبّان عُزّاب. ولكن، شتّان ما بين ما يتمتّع به العازب من حرِّيّة وإستقلالية، وكم المحظورات والممنوعات التي تحاصر الفتيات العازبات، لدرجة تجعل الفتاة تشعر أحياناً بأنّها تعيش في بيئة تعاديها، وكأنّها إنسان قاصر، ومطلوب الحجْر عليها وتقييدها"
كثيراً ما نسمع عن الضغوط الإجتماعية التي تواجه الفتاة العزباء. نسمع عنها على ألسنة بعض الفتيات ونعايشها أيضاً على أرض الواقع، وكذلك نقرأ عنها في الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي. وفي الحقيقة، إنّ نظرات وتلميحات وتساؤلات الأب والأخ والأُم والمجتمع، تحمل في طياتها الكثير من الإرهاصات والأسئلة والحقوق المصادرة، على شاكلة: "لماذا لا تتزوّجين حتى الآن؟"، أو "ما هي قيمة النجاح في العمل من دون زواج؟"، أو "ليس من حقّك التمتُّع بالخصوصية في المنزل"، أو "كل ما تملكينه مستباح"، و"إلى متى تبقين معنا في البيت؟"، و"لا سفر للدراسة أو العمل في الخارج"، و"ليس من حقّك إغلاق دولاب ملابسك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك" وغير ذلك الكثير.
من هنا، كيف تتعامل الفتاة العزباء مع مثل هذه الضغوط؟ وما هو مبرر الأهل في ممارستها؟ وما هو تأثير ذلك في الفتاة نفسها؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا التحقيق.
- إستباحة
تعتقد سارة فريد، أنّها واحدة من الفتيات اللواتي يتعرّضن لضغوط مجتمعية (تفوق الوصف)، حسب تعبيرها. فهي الوحيدة بين أشقّائها الخمسة الذين تزوّجوا جميعاً، وبقيت هي تعيش في منزل العائلة مع والدتها وشقيقها الأصغر بعد وفاة الوالد. تتحدّث سارة عن وضعها قائلة: "أنا أعمل في وظيفة مرموقة، وأتقاضى راتباً كبيراً. تخطّيت الثلاثين من العمر، وعلى الرغم من أنّ أُمّي تدرك أنّ الأمر خارج عن إرادتي، إلا أنّها تحملني مسؤولية عدم زواجي حتى الآن". وإذ تواصل سارة سرد حكايتها، تقول: "أنا إنسانة محاصَرة بين نار أُمّي ونيران أخي. شقيقي يأخذ هاتفي النقّال عندما يتعطّل هاتفه، وهذا ما جعلني لا أشتري سيارة حتى الآن، لأنّه سيستخدمها، على الرغم من أنّ لديه سيارته الخاصة. كما أنّني لا أستطيع ترك دولاب ملابسي مغلقاً مثلاً، لأنّه سيقوم بكسره لو أغلقته، فهو يعتبر أنّ من حقّه التفتيش في حاجاتي. فلا خصوصيات لي كبنت، ولا حقوق للمِلكية في هذا البيت مطلقاً". وتضسيف: "أمّا في ما يتعلّق بأُمّي، فالحديث يطول. فهي لا تتوقف عن إجباري على مقابلة أي عريس يأتي به أحد أقاربي، وأنا أستجيب لها مضطرة وإلا فإنّها لن تتوقف عن تعنيفي وسؤالي: "إلى متى ستظلين بجواري؟"، و"متى سيأتي ابن الحلال الذي يريحني منك؟"، و"هل في حياتك شخص آخر؟". وتستمر سارة في الحديث عمّا تتعرّض له من ضغوط، قائلة: "حتى عندما أشتري ملابس جديدة أسمع والدتي تقول لي: لماذا كل هذا؟ أنت باقية في البيت؟ فاتك قطار الزواج؟ وفِّري المال لشيء ينفعك أحسن". ويبدو أنّ معاناة سارة لا تقتصر على داخل البيت فقط، إذ إنّها تستمر معها في الخارج أيضاً، حيث تقول: "في حال حصل أن تعرّضت لمشكلة ما في العمل، أجد أنّ مديري يُفسِّر ذلك بالقول إنّ نفسيتي تعبانة لأنّني لم أتزوّج. وعندما أشكو من مرض ما وأذهب إلى طبيب الشركة، يُفسِّر الأخير ذلك بأنّه عبارة عن حالة نفسيّة ويقول لي إنّ الحل في في الزواج". وتتابع: "حتى في محيط العائلة تدور الأسئلة نفسها، لدرجة أصابتني بالإكتئاب وأصبحت أميل إلى العزلة، خصوصاً أنّ أُمّي تتعامل معي بمنتهى القسوة، وكأنّني المسؤولة عن بقائي في البيت. هكذا، يبدو أنّ ليس أمامي سوى النوم والإكتئاب، أو الزواج بأي شخص تراه أُمّي مناسباً".
- تحديد الوقت
من ناحيتها، تكشف ردينة جابر (تعمل في شركة أدوية، متزوِّجة)، أنّها كانت تتعرّض لضغوط من قِبَل والدها الأستاذ الجامعي، المتمسِّك بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية، وتتمثل تلك الضغوط – كما تذكر ردينة – "في ضرورة العودة في وقت محدد أثناء طلعاتي مع صديقاتي"، وتقول: "في حين أنّ صديقاتي يتمتعن بحرِّيّة الخروج والعودة في أي وقت، فلا أستطيع أنا التأخُّر عن الوقت الذي حدَّده لي والدي والذي لا يتجاوز العاشرة مساءً". وتضيف: "في المقابل، كانت والدتي أقل تدخلاً في حياتي. أمّا أخي، فعلاقتي به كانت رائعة ولا يتدخل في أي شيء يخصني".
- ضغوط بالجملة
إلى ذلك، ثمة تشكيلة من الضغوط تتعرّض لها رضوى أحمد (مضيفة جويّة) مع أسرتها، تلخصها في نقاط عدّة. وإذ تعدد رضوى تلك النقاط، تقول: "بعد تخرُّجي، اخترت العمل في مجال الضيافة الجويّة. فرفضت اسرتي ذلك، ولكنني ظللت لمدة عام كامل أحاول إقناعهم إنّما بلا فائدة، وهذا ما دفعني إلى إتخاذ القرار وتحمُّل المسؤولية والتحقت بالعمل كمضيفة، على الرغم مما سبَّبه ذلك من توتر في العلاقة بين وبين الأسرة، بالإضافة إلى ضغوط أخرى تتعلق بطريقة اللباس وموعد العودة إلى المنزل".وتؤكد أنّ "هذه الضغوط لا تقتصر على عائلتي، إنّما نجدها في أُسر كثيرة".
- الملابس
كان للبيئة التي تربَّت فيها ريما السندي (مندوبة تسويق، متزوِّجة) التأثير الكبير فيها، فوالدها سوري ووالدتها روسية، وهي عاشت فترة من حياتها في روسيا والبقية في سوريا، وهذا ما جعل للضغوط الإجتماعية أثرها الكبير في حياتها، بحسب ما تقول. وتضيف: "عندما كنّا نعيش في روسيا كانت الأمور تسير بشكل طبيعي. لكن، عندما انتقلنا إلى سوريا بدأت الضغوط، وخاصة من قِبل والدي، الذي كان يتشدد معنا في طريقة إختيارنا وملابسنا، وكان يحرص دائماً على أن يذكرنا بأنّه يفعل ذلك ليس بسبب عدم ثقته بنا، إنّما لأنّ طبيعة المجتمع في الشام تفرض علينا ذلك". وتؤكِّد أنّه "بخلاف ذلك لم نتعرّض لضغوط تُذكر".
- لا ضغوط
من جهتها، تؤكِّد آلاء هشام (موظفة، غير متزوِّجة) أنّها لا تتعرّض لأي نوع من الضغوط، وتُرجع ذلك إلى أسرتها "التي لا تفرض عليَّ أي شيء، لأنّها تدرك أنّني ناضجة وأعرف مصلحتي جيِّداً". وتقول: "حتى أخي الأصغر لا يتدخل في خصوصياتي، فهو يصغرني بعشر سنوات تقريباً". وتضيف: "أريد أن أقول هنا إنّ مسألة الضغوط نسبية وتختلف من مجتمع إلى آخر".
- حرِّيّـة
أمّا داليا لبيهي (تعمل في مجال العقارات، غير متزوِّجة)، فتقول: "سبحان الله، كنت أنا وصديقتي دانا نتحدّث عن هذا الموضوع الآن، ولكنني أترك لصديقتي الكلام عن طبيعة حوارنا، لأنّها هي التي فتحت الموضوع للمناقشة". وتضيف: "أمّا في ما يتعلق بي شخصياً، فلم أتعرّض لأي ضغوط تُذكر، ذلك أنّ الحوار بيننا كأسرة لا يجعل هناك أي مجال لممارسة أي ضغوط، فالأسرة متفهِّمة والنقاش مستمر، ولي أخ واحد أعتبره صديقاً لي".
- ضغوط قاتلة
وما إن انتهت داليا من كلامها، حتى بدأت صديقتها دانا في سرد ما دار بينها وبين صديقتها حول الموضوع نفسه. وتقول دانا: "عمري 21 عاماً وأنا أيضاً أعمل في مجال العقارات. وكما ترون، فإنّ وزني زائد بعض الشيء، وهذه أبكر مشكلة أعانيها مع أُمّي التي لا تتوقف عن توجيه اللوم إلي، وكأنّني سعيدة بترك نفسي هكذا". وتضيف: "أنا لا أعتبر نفسي سمينة. فأنا قادرة على إعادة وزني إلى طبيعته، ولا خوف لديّ من عدم الزواج، فأنا لم أتجاوز مرحلة الخطر ولم أركب قطار العنوسة بعد. وعلى الرغم من كل هذا، فإنّ أُمّي لا تتوقف عن الكلام عن تأخُّر زواجي وكأنّني أنا أيضاً المسؤولة عن ذلك". وتسأل: "أليس الزواج قسمة ونصيباً؟ ولماذا الخوف من العنوسة وأنا لا أزال صغيرة في السن؟". وتقول: "في الحقيقة، لقد كنت أحكي لصديقتي داليا عن مأساتي مع أُمّي، فهي مأساة مستمرة ولا أمل في علاجها، لدرجة أنّني أصبحت أشعر بحالة من الضيق، وغير قادرة على سماع الكلام نفسه يومياً، بحيث أشعر وكأنّني أصبحت عالة على البيت، مع أنّني موظفة ولا أُمثِّل أي عبء على الأسرة".
- أهلاً بالضغوط
في المقابل، يبدو أنّ رؤية الآباء والأمّهات لنوعية الضغوط، تتفاوت بين شخص وآخر بين بيئة وأخرى، وهذا ما يتضح من كلام سعد زيدان (تاجر، لديه 3 بنات وشاب) الذي التقيناه هو وزوجته مناهل يوسف (ربّة منزل). يقول سعد: "أنا مع الضغوط وأؤيدها 100%. فالبنت، مهما يكن عمرها، تحتاج دائماً إلى رقابة الأهل"، لافتاً إلى أنّ "الضغوط التي نمارسها في البيت، هي التي تتفق مع بيئتنا، خصوصاً أنّنا لا نستطيع أن نتجاهل تأثيرات الجوال و(فيسبوك) و(تويتر) وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي في الأبناء. ويضيف: "تلعب زوجتي الدور المباشر الأكبر في مسألة التربية، فنحن مع الخصوصية، ولكن لكل أسرة طريقتها في التربية، فهناك الأب الذي يحرم إبنته من حقّها في الدراسة في بلد معيّن، أو الأخ الذي يتدخل في خصوصيات شقيقته ويحرمها من الخروج مع صديقاتها. وفي الحقيقة، أنا مع ممارسة الضغوط التي تحمي البنت من متغيرات الزمن وتحافظ عليها".
- نعم للتدخل
بدورها، توافق مناهل يوسف (زوجة سعد زيدان) تماماً على رأي زوجها، وتضيف: "أنا أتدخل في كل شيء يتعلق ببناتي، بدءاً من الخروج من المنزل وصولاً إلى أمور اللباس والدراسة، فالزمن لا يتحمل والرقابة ضرورية". وتقول: "إبنتي الكبرى (23 عاماً) تعترض أحياناً على تدخلي في بعض الأمور، ولكن الصغيرة (11 عاماً) وشقيقتها (12 عاماً)، لا تعترضان". وتشير إلى أنّ "ما أريد أن أوضِّحه، هو أنّ الأهل هم أكثر الناس حرصاً على البنت، غير أنّ هناك بعض التجاوزات التي يرتكبها الأهل، مثل التحكُّم في راتب البنت، خاصة لو كان راتبها مرتفعاً، أو تفضيل الذكور على البنات ومنحهم حرِّيّة التدخل في حياة أخواتهنّ، والتحكُّم في طلعاتهنّ وإختيار صديقاتهنّ، وغير ذلك من الأمور التي تحاصر الفتيات".
- حقّي
من جهتها، تعترف إقبال أحمد (ربّة منزل، أُم لثلاث فتيات متزوِّجات) بأنّها كانت تدخل في كل خصوصيات بناتها، وتقول: "كان من الطبيعي أن أتدخّل في حياة بناتي، ذلك أنّ كل حرصي كان يتمحور حول تعليمهنّ وتزويجهنّ، والحمد لله أن هذا قد حدث". وتضيف: "للعلم، لقد كانت تدخلاتي في حياتهنّ تتمثل في مسألة التأخير عن مواعيد العمل أحياناً، وكانت مشكلتي الكبرى مع إبنتي الثانية، التي تخطت الثلاثين ولم تتزوّج، وكانت كلما أتاها عريس تعترض عليه، وكثيراً ما أحرجتني عندما يأتي إلى بيتنا خطيب لها وترفض مقابلته، فكنت أقوم بتأنيبها يومياً تقريباً، وأخاصمها ولا أتحدّث معها طوال أسبوع كامل، على الرغم من أنها كانت تعيش معي بمفردها، فزوجي توفي وهنّ صغيرات في السن، كما ترك لي شابين، ولكن أكثر ما كان يضايقني هو تحكُّم شقيقها الأصغر في خصوصياتها. فقد كان يستخدم الكمبيوتر الخاص بها على الرغم من أنّ لديه جهازه الخاص، وكانت لا تستطيع غلق دولاب ملابسها لأنّه يعتبر أنّ م حقّه فتحه في أي وقت". وتتابع: "لقد كان هذا السلوك مصدر قلق دائم في البيت، بل كان يؤثِّر في نفسيّتها، ولكنني لم أتراجع عن طريقة تعاملي معها إلى أن فتح الله عليها وتزوّجت فارتاحت وأراحتني".
- في حدود
وفي سياق تعليقه على الموضوع، يقول محمد شيخان (موظف، متزوِّج ولديه أخواته): "هناك أمور أرى أنّ من حقي التدخل فيها، ومنها على سبيل المثال موعد عودة أخواتي إلى المنزل"، لافتاً إلى "أنّنا نعيش في مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده، ومن العيب أن تتأخر الفتاة خارج المنزل. أمّا ما عدا ذلك، فلا أمارس أي ضغوط من أي نوع على أخواتي". ويتفق مهند حسن (موظف، عازب)، مع ما ذكره محمد شيخان، كاشفاً أنّ "أبرز أنواع التدخلات أو الضغوط، هي تلك المتعلقة بالسهر خارج البيت". ويضيف: "أمّا خصوصيات البنت في البيت، فهي من حقّها، وأنا لا أحبذ فرض زوج معيّن عليها أو العمل في وظيفة محددة، أو حتى استخدام أي متعلقات خاصة بها. لكن للأسف فإنّ بعض الأسر تمارس هذه الأفعال التي تؤثر كثيراً في نفسيّة البنت وتجعلها كارهة أسرتها".
- شخصية إكتئابية
تأثير الضغوط المجتمعية في الفتاة من الناحية النفسيّة، وكيفية التعامل معها، هما ما يشرحهما الأخصائي النفسي أشرف العريان، الذي يوضِّح بدايةً "أنّ كثرة الإحباطات التي تتعرّض لها الفتيات، اللواتي يعانين مثل هذه الضغوط، تؤدِّي إلى تحويل شخصية الفتاة إلى شخصية إكتئابية، أكثر ميلاً إلى الخجل، كما يرتفع لديها مستوى القلق وتصبح أكثر حساسية ومن السهل إستثارتها، وتفقد ثقتها بنفسها". ويُقَسّم العريان الضغوط التي تتعرّض لها الفتيات العازبات، ويقول: "هناك ضغوط من المجتمع المحيط بهنّ من أقارب وجيران وتتعلق بسؤال الواحدة الدائم عن عدم زواجها مثلاً. أمّا في داخل الأسرة، فتتضاعف الضغوط، خاصة إذا تخطت الفتاة الثلاثين من عمرها، وهذا ما قد يؤدي إلى شل حركتها وتزايد الأعباء المجتمعية الواقعة عليها".
وعن كيفية التعامل من الناحية النفسيّة مع الفتاة التي تنعكس عليها تلك الضغوط، يقول: "إنّ أهم شيء هو التعامل مع الفتاة أوّلاً وإكسابها الثقة بنفسها وتقوية شخصيتها، والعمل على زيادة سقف التوافق النفسي مع ذاتها ومع المحيطين بها، وجعلها أكثر مرونة وقدرة على تحمل الضغوط". ويضيف: "أمّا في ما يتعلق بالأهل، فإنّ هذا يتطلب تغيير وجهات نظر الأهل في البنت، من خلال برنامج إرشاد أسري شامل للأسرة، ورفع سقف توقعاتها الإيجابية تجاهها، وزرع الثقة فيها، حيث إنّ ذلك يمنعها من الوقوع في الخطأ، وهذا أفضل كثيراً من الحجْر أو السيطرة عليها".
- كبت نفسي
من ناحيتها، تتطرّق الأخصّائية النفسيّة أمل محمد إلى جانب آخر للتأثيرات النفسيّة في الفتيات اللواتي يتعرّضن للضغوط، مشيرة إلى أنّ "حرمان البنت من التصرف بحرِّيّة في البيت وعدم إحترام خصوصيتها أو التحكُّم في كل تصرفاتها، والمراقبة اللصيقة لها أثناء جلوسها أمام البنت أو الحديث مع صديقتها، وتهميش رأيها، في ما يتعلق برغبتها الإلتحاق بوظيفة معينة أو مواصلة تعليمها، كل ذلك ينتج عنه فتيات مصابات بالكآبة والكبت النفسي والعاطفي". وتضيف: "من هنا، فإنّ كثيراً من الفتيات لا يستطعن التعبير عن عواطفهنّ وأحاسيسهنّ بسهولة بعد الزواج، لأنّهنّ نموْن وترعرعن في بيئة قائمة على ثقافة العيب والمنع وعدم إحترام الخصوصية، كما أنّ التهميش له سلبيات أكثر في هؤلاء الفتيات اللواتي سيصبحن أُمّهات وزوجات ومسؤولات". وتؤكِّد أمل محمد "أنّ تهميش دور الفتاة ومعارضتها الدائمة في رأيها وأفكارها وحتى طلباتها بحجة الخوف منها وعليها، يولدان كبتاً نفسياً سيظهر مستقبلاً في تكوين أسرتها، عندما تخرج بشخصية فتاة مهزوزة غير واثقة بنفسها وغير قادرة على إبداء رأيها".
- ضيفة في بيت أبيها
أمّا الأخصائي في الشؤون الأسرية أحمد عامر، فيُفسِّر طبيعة الضغوط بين مبررات الأهل وقبول الفتيات لها، ويقول: "الأب والأُم والأخ في بعض العائلات يتعاملون مع البنت على أنّها ضيفة في البيت، وعلى قاعدة أنّ مكانها الطبيعي هو بيت زوجها. فهي بالنسبة إليهم بمثابة حالة مؤقتة تقيم بينهم، ومن هنا تنشأ الضغوط: الأب يلزمها بالعودة في وقت معيّن، والأخ يفتش في هاتفها النقال والكمبيوتر الخاص بها، وهم جميعاً لا يعترفون في كثير من الحالات بحق البنت في أن تكون لها خصوصيتها، حتى في إختيار زوج المستقبل". ويضيف عامر: "تزداد المسألة قسوة عندما تمارس زوجة الأخ الضغوط على البنت – أي شقيقة زوجها - ، فهي تعتبر نفسها سيِّدة المنزل، وأنّ شقيقة زوجها مجرد ضيفة في البيت. ونتيجة لهذا الفهم تتداخل الصلاحيات، وتجد البنت نفسها محاصرة بين ضغوط الأب والأُم والأخ وزوجة الأخ، وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً عندما يتأخر زواج البنت وتظل واقعة تحت حصار هؤلاء جميعاً، ما يؤثر في نفسيتها ويجعلها تميل إلى العزلة". وحتى لا تتراكم التأثيرات السلبية لتلك الممارسات على البنت، ينصح عامر "بضرورة أن تتعامل البنت مع الواقع وتتحمّل الضغوط التي تتعرّض لها، وأن تعي أنّ جلّ ما يريده والدها ووالدتها هو الإطمئنان عليها وسترها، وأنّ شقيقها عندما يتدخل في خصوصياتها، فإنّه يفعل ذلك من منطلق فهمه طبيعة المجتمع الشرقي، ولأن سمعة أخته تهمّه". ويختم: "في المقابل، يتعيّن على هؤلاء جميعاً أن يدركوا أنّ ليس من حقّهم التدخل في حياة البنت إلا في حدود، فليس من حقّهم التحكُّم في أموالها أو فرض عمل معيّن عليها أو إختيار صديقاتها".
ارسال التعليق