• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قمة الاختيار أن تجعلوا ابنكم مستشاراً

الخبير التربوي عبدالله محمّد عبدالمعطي

قمة الاختيار أن تجعلوا ابنكم مستشاراً

◄قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات/ 102).

إنّ مشاورة الابن وجعله صاحب القرار فيما نطلبه منه سُنّة نبوية وقاعدة قرآنية، فسيدنا إبراهيم (ع) لما رأى في المنام أنّه يذبح ابنه إسماعيل ورؤيا الأنبياء كلّها حقّ؛ توجه ناحية ابنه إسماعيل مستشيراً هادئاً وليس آمراً متعنفاً، فقال: يا بني إنّي أرى في المنام ما يوجب أن أذبحك فانظر ماذا ترى، قرأ حمزة والكسائي "ترى" بضم التاء وكسر الراء ومعناها ماذا تشير، وقرأها عامة القراء بفتح التاء والراء ومعناها ما رأيك؟ لقد شاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به، وإن قيل لم شاوره في أمر هو حتم من الله؟ فالجواب أنّه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ولكن ليعلم ما عند أبيه فيثبت قلبه ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه الابن البار بأحسن جواب: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين...

أيها المربي الكريم؛ عندما تأمر ابنك العنيد بإخراج القمامة في اليوم التي تأتي فيه سيارة جمع القمامة، طبعاً هي ليست بالمهمة الشاقة ولكن ابنك العنيد سيقول معترضاً: لِمَ ينبغي عليّ إخراج القمامة؟ وستكون إجابتك الطبيعية حينها: لأنّني قلت ذلك وليس هناك أحد غيرك ليفعل ذلك، وهذه بالطبع إجابة خاطئة، لأنّك حينها ستجد من ابنك العنيد مقاومة فطرية، وينهي الموقف بإرغامه على إلقاء القمامة في موعدها المحدد، وإن لم يفعل تنفجر غاضباً وتعاقب وتضرب، فكيف يا ترى يمكنك تجنب تلك المصادمة، وفي الوقت نفسه تشجع ابنك على طاعتك؟

إنّ طفلك العنيد يحب أن يختار بنفسه ما يمكن أن يفعله، ولكي تستغل هذه الصفة بطريقة إيجابية وتجعل ابنك العنيد يطيعك، حدثه عن المشكلة التي تواجهك واطلب رأيه، ففي حالة رمي القمامة يمكنك أن تقول له: لدينا مشكلة؛ إنّ عربة القمامة ستأتي في يوم الثلاثاء، ووالدتك ستكون في المدرسة صباحاً، وأنا عليّ أن أقوم بتوصيل إخوتك إلى المدرسة، ويجب أن يقوم أحدنا بإخراج القمامة قبل الثامنة صباحاً حتى تأخذها العربة المختصة، فهل لديك أية اقتراحات؟

وربما يكون لدى طفلك العنيد اقتراح يقوله في التو، وربما يمثل هذا الاقتراح حلّاً يرضيك، وربما لا يكون لديه أيّة اقتراحات، فتكون قد وضعته في الاعتبار وجعلته يفهم المشكلة التي تدور في خلدك، والتي ستجعلك تطلب منه رمي القمامة كلّ ثلاثاء، فإذا قابل طفلك العنيد طلبك هذا بالرفض؛ ذكره بأنّ إخوته سيشاركون في القيام ببعض الأعمال المنزلية الأخرى وعلى كلّ فرد تحمل جزء من المسؤولية، واطلب رأيه في تقسيم أعمال المنزل، وربما يتوصل إلى فكرة إبداعية تعجبك، وربما يوافق ببساطة ويذهب لحمل القمامة للخارج، فالشيء المهم في حياة الطفل العنيد هو أن تحترمه ويكون مشاركاً في حل المشكلة وليس مجرد طاعة أوامرك طاعة عمياء...

ولقد استخدم النبيّ (ص) استراتيجية عرض المشكلة التي تحتاج إلى حل مع صحابته الكرام، فعندما وصل النبيّ (ص) إلى المدينة المنوّرة مهاجراً واستقر به المقام؛ جاءه الأنصار بالفتى النجيب زيد بن ثابت (رض) وقالوا: هذا غلام من بني النجار، قد قرأ مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فاختبره النبيّ (ص) وطلب منه أن يقرأ شيئاً مما يحفظ، فقرأ زيد سورة ق، ولما تأكّد النبيّ (ص) من مهارة زيد وكفاءته، عرض عليه مشكلة كبيرة تحتاج إلى حلّ وإلى مساعدة، فاليهود يراسلون النبيّ (ص) ولا يجد مَن يترجم له غير اليهود، ولا يوجد بين المسلمين مَن يحلّ تلك المشكلة ويتعلم لغة اليهود (العبرية)، وما كان من زيد إلّا أن تشجع للمهمة وقرر أن يحلّ تلك المشكلة، يقول زيد (رض): أمرني رسول الله (ص) أن أتعلم له كتاب يهود، قال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، قال: فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم... ►

 

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top