• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شكل جسم المرأة وعلاقته بمرض السكر

سامي محمود علي

شكل جسم المرأة وعلاقته بمرض السكر

مرض السكر من الأمراض التي تتسلل إلى الجسم في هدوء وغفلة، وقد يأتي اكتشاف الإصابة به مصادفة أو في أثناء تحاليل عادية. لكن المؤكد أن اكتشافه مبكراً يقي المريض مضاعفات خطيرة، من هنا تأتي أهمية بعض العلامات التي تدل عليه.. وأهم هذه العلامات شكل الجسم، فهو- للمرأة خاصة - ينذر ويحذر وأحيانا يشير ويؤكد..

والسكر من الأمراض القديمة، لكن أول دليل عليه جاء من خلال ملاحظة للدكتور روبسون عام 1789 عندما لاحظ أن بول المرضى به تحوي على كميات هائلة من السكر.. وبعد مرور مائة عام بالضبط على هذه الملاحظة اكتشف العالم الروسي أوسكار فيلوسكي أنّه إذا استأصل غدة البنكرياس من حيوانات التجارب فإنّها سرعان ما تسقط فريسة للمرض، وهناك ملاحظة ظهرت قبل ذلك بقليل وبالتحديد عام 1869 عندما اكتشف الطبيب الألماني بول لانجرهان الخلايا التي عرفت باسمه في غدة البنكرياس، وقد لوحظ أن ضمور هذه الخلايا يؤدي إلى الإصابة بالسكر ولعل ذلك هو الذي دفع العالم شيفر عام 1916 للاعتقاد في وجود هرمون ما تفرزه هذه الخلايا له القدرة على تنظيم سكر الجسم، وقد ظلت معرفة هذا الهرمون لغزاً حتى عام 1921 عندما اكتشف الجراح الكندي فردريك جرانت بانتنج هرمون الأنسولين الذي تفرزه جزر لانجر هانز، وكان هذا الكشف الطبي العظيم أملا وحلما لملايين المرضى الذين كانوا يتخبطون بين طرق علاجية غير مجدية أو شافية.. ومن الغريب أن جرانت بانتنج مكتشف الأنسولين لقي مصرعه محاربا إذ سقطت طائرته الحربية في الحرب العالمية الثانية بينما كان في الخمسين من عمره، لكن اكتشافه أنقذ - ولا يزال - ملايين البشر في أرجاء المعمورة كلها.

 

التكوين الجسماني للمرأة ومرض السكر..

قد يبدو الأمر غريباً حقاً أن يكون الشكل العام لجسم المرأة مبعثاً لشكوك تراود الطبيب بأن صاحبة هذا الجسم يمكن أن تكون مصابة بالسكر أو هي في طريقها - دون شك - للإصابة به.. والتعرف على أمراض تبدو واضحة على صفحة الجسم وبين ثناياه من ظواهر التشخيص المهمة في علم الطب.

وثمة ملاحظة كانت بداية لدراسة طويلة أجريت على مدار ست سنوات في جامعة ويسكونسن الأمريكية، فقد لوحظ أن السيدات المصابات ببدانة في الجزء الأعلى من أجسامهن - فوق منطقة الخصر- يكون الاستعداد لديهن شبه تام للإصابة بمرض السكر، أما الأخريات اللاتي لديهن بدانة في الجزء الأسفل من الجسم فلا يوجد عندهن نفسه الاستعداد، وحتى تتحول هذه الملاحظة إلى يقين علمي كان لا بد من دراسة متأنية تأخذ بالدليل القائم على التجربة..

وبالفعل خضعت 52 سيدة لبحث استمر سنوات ستا.. وفي البداية تم تقسيم هذا العدد إلى ثلاث مجموعات إحداها من 25 سيدة كلهن يعانين من سمنة أعلى الجسم، والمجموعة الثانية من 18 سيدة لديهن بدانة أسفل الجسم والمجموعة الثالثة تتكون من 9 سيدات أوزانهن طبيعية وهي مجموعه محايدة. وبانتهاء سنوات البحث كانت النتائج مدهشة حقاً.. فقد ظهرت أعراض السكر على جميع السيدات من المجموعة الأولى بينما لم تصب بالمرض سيدة واحدة من المجموعتين الثانية أو الثالثة. وأكد البحث أيضا أن فرصة المرأة المصابة ببدانة فوق مستوى الخصر تبلغ ثمانية أضعاف تلك التي لها وزن طبيعي أو تلك التي تعاني من بدانة في المناطق السفلى من الجسم أو تحت مستوى الخصر..

ومن المعروف منذ وقت طويل أن البدانة والوراثة تلعبان الدور الأكبر في إصابة الشخص بالسكر، فالشخص الذي لديه استعداد الوراثة للإصابة بالسكر كأن يكون من عائلة كلّ أفرادها مصابون السكر، إذا حافظ هذا الشخص على وزن يقل 10% عن الوزن المثالي فإنه لن يصاب بالمرض..

 

إذن فالبدانة في أغلب الأحوال تسبق الإصابة بالسكر غير الوراثي وسوف نوضح هذه النقطة فيما سد.. لكن لماذا تزداد فرصة الإصابة بالمرض إذا تركزت بدانة المرأة في أجزاء جسمها من الخصر حتى الذراعين؟.. يرجع السبب في ذلك إلى شكل الخلايا الدهنية.. فالبدانة في حقيقة أمرها ليست مساحات جديدة من الدهن تضاف إلى الجسم بسبب تكاثر خلايا دهنية جديدة، ولكنها تعود إلى كبر الخلايا الدهنية الموجودة أصلاً أو زيادة حجمها، ومن الغريب أن الجسم يتعامل مع زيادة الدهون في المناطق أعلى الخصر في المرأة على أساس أنها بدانة حقيقية ولكنه - أي الجسم- لا يتعامل بالمثل مع زيادة الدهن أسفل الجسم.. وقد أظهرت العينات التي أخذت من منطقة البطن في سيدات لديهن بدانة أعلى الجسم أن الخلايا الدهنية كبيرة الحجم وأن أعدادها قليلة إذا ما قورنت بعينات أخرى أخذت من سيدات يعانين من بدانة أسفل الجسم. ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟..

إن الأمر يبدو بسيطاً.. فهناك مستقبلات لهرمون الأنسولين تستقر على الخلايا الدهنية، وهذه المستقبلات تكون قابلة بطبيعة الحال في حالة البدانة أعلى جسم المرأة حيث إن الخلايا الدهنية كبيرة وبأعداد قليلة، وهذا بدوره يؤدي إلى بقاء كمية أكبر من السكر خارج الخلايا لم يتم التعامل معه عن طريق الأنسولين داخل الخلايا، وبذلك يرتفع منسوب السكر في الدم.. بينما في حالة الخلايا الدهنية الطبيعية- الصغيرة نسبيا- فإن مستقبلات الأنسولين تزيد وبالتالي يزداد تمثيل السكر داخل الخلايا فلا يرتفع منسوبه في الدم.

وهنا تستوقفنا ملاحظة لا تخلو من طرافة ويبدو أنّها ستخرجنا قليلاً من موضوعنا، لكن لا بأس من تناولها بسرعة.. فالشائع أن الناس يقولون إن فلاناً عنده سكر بمعنى أنّه مريض بالسكر، لكن الحقيقة أن كلّ الناس عندها سكر في الدم، لكنه لا يتجاوز الحد الطبيعي المسموح به وهو خمسة جرامات أو ما يوازي محلول قالب واحد من السكر، وهذه النسبة لا تتمكن من تجاوز الحاجز الكلوي، فإذا ارتفعت هذه النسبة الطبيعية في الدم عن معدلها فإن السكر يتمكن ببساطة من تخطي هذا الحاجز ليظهر في البول وهو عندئذ يعرف بالبول السكري..

ولا يمكن في الوقت نفسه اعتبار البنكرياس وعجزه عن إفراز الأنسولين السبب الوحيد في الإصابة بالسكر، فالبنكرياس عند بعض المرضى سليم، لكن ما يحدث حقيقة أن يكون المرض ناتجا عن خلل يصيب عدداً من الغدد الصماء دفعة واحدة قد يكون البنكرياس إحداها، وتتفاعل إفرازات هذه الغدد مع هرمون الأنسولين بحيث إنها تعوقه أو تبطل مفعوله فلا تمكنه من أداء وظيفته في تمثيل سكر الجسم، ومن الغريب أن نعرف أن الجسم - عادة - لا يحتاج إلا 10 % فقط من نسيج البنكرياس لإفراز الكمية المناسبة والكافية- وهي 40 وحدة دولية - لوقاية الجسم من الإصابة بالسكر.. ويمكننا أن نضيف أيضا أن الأنسولين لا يقوم بتنظيم عمل الكربوهيدرات فقط كما هو شائع، لكنّه ينظم عمل الدهون والبروتينات كذلك، وقد يدهشنا أن نعرف أن الأنسولين هو الهرمون الوحيد الذي يقوم بتخزين الأحماض الدهنية في خلايا الجسم مقابل أحد عشر هرمونا تعمل كلها على إطلاق تلك الأحماض من هذه الخلايا.

ونعود مرة أخرى إلى موضوعنا عن تكوين جسم المرأة ودوره في إصابتها بالسكر ونتساءل عن السر في توزيع الدهون أعلى جسم المرأة أو أسفله، ترى ما هو السبب؟. لقد وجد أن السبب يعود إلى خلل في الهرمونات خاصة هرمون الأنوثة وهرمون الذكورة.. وفي حالة السيدات المصابات ببدانة أعلى الجسم وهن المعرضات للإصابة بالسكر وجد أن نسبة هرمون الذكورة لديهن تزيد على نسبة هرمون الأنوثة، وهذا مناقض لما يجب أن يكون عليه الحال بالنسبة للمرأة..

 

بين الوقاية والعلاج..

 

يعتبر مريض السكر هو طبيب نفسه حقا، ولن نغالي إذا قلنا إن خيوط الوقاية والعلاج ملك يمينه، وحتى نتفهم ذلك يجب بداية أن نعرف أن المرض يصيب الإنسان في نوعين.. أحدهما شديد وهو عادة يصيب الشباب وصغار السن ويكون المريض فيه نحيفاً هزيلاً وتلعب الوراثة الدور الأكبر هنا، ومريض هذا النوع مسكين فهو بحاجة مستمرة لعلاج دائم أغلبه حقن الأنسولين، أما النوع الثاني فيطلق عليه النوع البسيط.. ويكون المريض فيه بديناً متوسط العمر أو متقدمه، والمرأة المصابة ببدانة أعلى الجسم تقع ضمن مرضى هذا النوع البسيط..

ومريضة السكر المصابة بالبدانة يكون ضرورياً لها أن تبدأ بجسمها، فإنقاص الوزن من شأنه شفاء ما يزيد على 80 % من الحالات المصابة بالمرض من البدناء -من الرجال والنساء على السواء- ومن الضروري كذلك أن تواظب كلّ امرأة -بل وكل شخص- تجاوز الوزن الطبيعي والمناسب لطوله وعمره أن يجري تحاليل دورية ومنتظمة سواء كان مريضا بالسكر أو غير مريض به وذلك لبيان مستوى السكر في جسمه.. إن ذلك كفيل بتجنب مضاعفات خطيرة يصعب في الغالب علاجها.. ولا شك أن المرأة التي لديها استعداد أكثر من غيرها للإصابة بالمرض هي الأولى بإجراء مثل هذه التحاليل وهي أولاً وأخيراً مطالبة بأن تنقص وزنها إلى الحدود الطبيعية، ويمكن ذلك لأنّ الخلية الدهنية يسهل تقليصها إلى الحجم الطبيعي الذي كانت عليه قبل أن تزداد ترهلا وامتلاء بالدهن.

ارسال التعليق

Top