• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هل تؤدي المرأة العربية دوراً ذا قيمة في المجتمع؟

محمّد أبو غيور

هل تؤدي المرأة العربية دوراً ذا قيمة في المجتمع؟

◄الحقيقة التي تفرض نفسها على الباحث الموضوعي الأمين هي أنّ مجتمعنا يضع المرأة في وضع أدنى بكثير من الذي يضع الرجل فيه، فهو مجتمع مركز حضارته الرجل، تدور الحياة كلّها حوله، وتتحرك الأمور بفعله، ويتوجه العمل العام لتحقيق حاجاته وتطلعاته. أمّا المرأة، فسواء في نظام تقسيم العمل والقيم الأساسية التي يقوم عليها، أو في الإعداد الذي تتلقاه في مراحل التنشئة المختلفة، أو في ما يوكل إليها من مسؤوليات ومهام، وحتى في ما تزوَّد به من تصوّرات لذاتها أو إمكاناتها، فإنّها تُعد لدور طفيلي في الحياة، يتسلط عليها فيه الرجل حتى تصبح مجرد موضوع أو أداة لإشباع رغباته وإرضاء طموحاته.

والأمر الملم حقّاً هو أنّنا لا نريد أن نسلم بأنّ التخلف الذي نعيش فيه والذي يجعل حياتنا قاصرة فقيرة هو – في بعض جوانبه على الأقل – نتيجة مترتبة على الوضع المتدني للمرأة، بقدر ما هو سبب من أسبابه.

وفي تقديرنا أنّ أبعد ما ذهبت إليه حركات مساندة المرأة وأقصى ما استطاع المجتمع أن يقدّمه لها لا يزيد على كونه إصلاحات جزئية لا تصل إلى إحداث تغيير جذري في وضعها في المجتمع وعلاقاتها بالرجل، فالتحرير الكامل – في تصوّرنا – يعني أن تصبح المرأة شريكاً كامل المسؤولية والحقوق للرجل، تتحرر من تبعيتها له، وتتوقف عن أن تكون أداة له في الحياة، وهذا يقتضي تعديلات جوهرية في نسق القيم، ونظام تقسيم العمل، وصيغ العلاقات الاجتماعية، والعلاقة بين الرجل والمرأة، بل وأساليب السلوك والتصرف اليومية، ولا ترجع أهم عوامل تعثر عملية تحرير المرأة تحريراً كاملاً إلى مقاومة الرجل بقدر ما ترجع إلى أنّ المرأة نتيجة تأثير ظروف حضارية، غير قادرة على تحمل التبعات التي تترتب على تحريرها الكامل، ونحن ننطلق في هذه السطور من أفكار ثلاثة:

الأولى: أنّ تحرير المرأة تحريراً كاملاً ليس فقط من حقوقها الطبيعية التي لا يصح أن تكون محل نزاع، وإنّما هو أيضاً شرط ضروري لتنمية حقيقية، سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحضارية.

الثانية: أنّ ما يُقدمه المجتمع للمرأة لا يمثل تحريراً حقيقياً للمرأة، بل ولا يشكّل خطوة على طريق التحرير الكامل.

الثالثة: أنّ المجتمع، بالتفكير والتصرف الحاليين، غير قادر على أن يمنح المرأة حرّيتها الكاملة، بل عاجز عن أن يقبل وضعاً تكون فيه المرأة كاملة الحرّية.

 

- تنشئة غير سوية.. ترسخ الشعور بالدونية وتنمي الطفيلية:

باستثناءات قليلة تأتي البنت إلى الحياة في جو مشحون بمشاعر الإحباط وخيبة الأمل، وتواجه بعواطف باردة تفتقر إلى الدفء، وفي عمليات التنشئة الاجتماعية تتصرّف الأسرة مع البنت على نحو يؤكّد لها أنّ وجودها غير مرغوب فيه، وأنّها تمثل عبئاً في الإنفاق عليها بغير عائد.

وتؤدي التفرقة بين الولد والبنت في اللعب وأنواعها دوراً خطيراً في ضمور مَلكات البنت وتشويه صورة الذات عندها، ففي حين تتنوّع لعب الذكور وتتعدّد باختلاف أعمارهم من البالون إلى الكرة إلى القطار والسيارة والطائرة إلى البندقية والمدفع، إلى سماعة الطبيب ومسطرة المهندس، إلى لعب التركيب والبناء وتشغيل الذكاء والخيال إلى الدراجة وغيرها، تنحصر ألعاب البنت في العروس وملابسها وأدوات زينتها، وأثاث بيت الزوجية وغرفة النوم، وغرفة المائدة، وأدوات المطبخ.

ويترتب على التركيز على دور المرأة كزوجة، وبالتالي على جسدها، وهو موضوع العلاقة الزواجية الأوّل، أن تنصرف المرأة عن الاهتمام بمَلكاتها العقلية لتنشغل بكيانها الجسدي: ملامحها وقوامها وشعرها وملابسها، وما إلى ذلك. ويصبح كلّ همها في الحياة كيف تبدو – أو تعرض نفسها – بشكل تحوز به إعجاب الرجل، أي لعبة الغواية.

وتحفز عمليات اجتماعية متعدّدة، الفتى، على الحرص على استكمال الدراسة حتى نهاية المرحلة الجامعية والتطلع إلى عمل مرموق والسعي إلى أداء دور مهم في الحياة العامّة، أمّا البنت فتتآمر كلّ وسائط التنشئة وأدوات التأثير لتقنعها بأن تركّز كلّ جهودها في العثور على "زوج يسترها" وعندئذ يلزم أن تتوقف كلّ تطلعاتها في الحياة، لأنّها تصبح مجرد تابع مسلوب الإرادة يدور في فلك الرجل.

 

- هل من أمل في التغيير؟

نعم، لم تعد المرأة حبيسة البيت وإنما تركته وارتادت مجالات لم يكن وجودها فيها مألوفاً ولا مقبولاً حتى وقت قريب.. ازدادت نسبة الفتيات في مختلف مراحل التعليم، وهي ترتفع سنة بعد أخرى، ونما حجم قوّة العمل النسائية في كلّ مجالات العمل تقريباً، وتحررت المرأة من بعض سيطرة الرجل وتحكمه، وتعاظم تأثيرها في عملية اتخاذ القرار في الأسرة، بل إنّنا نجد وزيرات وعضوات في مجلس النواب وشاعرات وأديبات وفنانات وسفيرات؛ ولكن التغيير الذي طرأ على بعض أبعاد وضع المرأة في المجتمع تمّ في إطار تبعيتها للرجل وطفيلية الدور الذي تلعبه في الحياة، أي إنّ ما حدث لا يخرج عن كونه مجرد تغييرات جزئية لا تصل إلى حدّ الثورة التي يتحقق بها التحرر الكامل للمرأة، ولسنا بهذا نقلل من قيمة ما حدث؛ ولكن علينا أن نقدّمه بحجمه الحقيقي.

والذين ينتظرون أن يؤدي تراكم تلك الإصلاحات الجانبية إلى تغيرات نوعية في وضع المرأة في المجتمع، سينتظرون طويلاً من دون جدوى.

المطلوب لتحرير المرأة الكامل هو إستراتيجية للعمل على المدى البعيد تتجه إلى تخليص العلاقات من طابع الاستغلال، وتحقيق المساواة بالعمل السياسي النشيط.

وعلى المدى القريب، مطلوب من المرأة أن تعي أبعاد الماساة التي تعيشها، وأن تعرف أن مزيداً من التعليم، وفرص العمل، والحرّية... وغيرها، أمور مقبولة ومفيدة جدّاً؛ لكنّها لن تحل أزمة وضعها في المجتمع.►

ارسال التعليق

Top