• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«حساسية الأنف» الأكثر انتشاراً

«حساسية الأنف» الأكثر انتشاراً

يجمع الأطباء على أن تعدّد مسبّبات حساسية الأنف، وكثرة المواد المهيّجة، عاملان يفسّران شيوع ذلك النوع من الحساسية، التي تعدُّ من أكثر أمراض الأنف والأذن والحنجرة انتشاراً. وبما أن أعراضها تشبه الرشح، لا يندر أن يخلط البعض بينهما.

حساسية الأنف حالة شائعة جدّاً. إذ ثمّة جزيئات متعددة مُهيّجة لهذا النوع من الحساسية. لذا، يؤكد أطباء الأنف والأذن والحنجرة ("ENT" بالإنجليزية، أو "ORL" بالفرنسية)، أنّ نحو نصف مُراجعيهم يستشيرونهم بسببها. هكذا، نظراً إلى تعدّد الأسباب، تشير إحصاءات "منظمة الصحة العالمية"، إلى أنّ حساسية الأنف (allergic rhinitis بالإنجليزية، وrhinite allergique بالفرنسية)، عالمياً، تصيب 25 في المئة من المراهقين والبالغين في سن أقل من 50. والرقم يشمل نوعي حساسية الأنف الاثنين كليهما، وهما:

أوّلاً: الحساسية الدائمة أو شبه الدائمة، التي تنجم عن وجود الجزيئات المهيّجة بصورة دائمة في الجو المحيط.

ثانياً: الحساسية الموسمية أو المؤقّتة، التي تظهر في فترة معيّنة، تنتشر خلالها الجزيئات المهيجة في الجو المحيط (مثلاً غُبار طَلْع شجرة ما أو نبتة ما، في فترة انتشاره، أي أثناء الربيع على الأغلب. وعلى العموم، فإنّ أزمة الحساسية لهذا النوع المؤقّت، تنتاب الشخص المعني بسرعة كبيرة، وبصورة عنيفة في أغلب الأوقات.

 

الأسباب:

من غير الممكن استعراض أسباب حساسية الأنف كلها، نظراً إلى كثرتها.

فثمّة أسباب "فردية"، بمعنى تخص فرداً معيّناً دون غيره، قد تتهيّج عنده الحساسية جرّاء انبعاث جزيئات وغازات أخرى في الجو، تُثير حساسيته، بينما لا يتأثر بها أخوه أو جاره أو صديقه. لكن، يمكن تعداد أهم تلك الأسباب:

-         غبار طَلْع بعض الأشجار والنباتات في موسم مُعيّن. في البلدان المعتدلة، يحصل ذلك في أوائل الربيع على الأغلب. والحساسية التي تسببها قد تفضي إلى الربو.

-         بعض أنواع الأغبرة والأتربة الموجودة في الجو.

-         حشرات القُراديات الضئيلة. غالباً ما تتكاثر هذه الحشرات، غير المرئيّة بالعين المجرّدة، في أمكنة متربة ومغبَرّة، كالسجاد، وربما أحياناً الشراشف والفرش. والمعضلة معها أنّ عدم رؤيتها تجعل مكافتحها عسيرة. ومثل غبار الطلع، فإنّ الحساسية التي تسببها يمكن أن تتطور، فتؤدي إلى الربو.

-         وَبَر بعض الحيوانات الأليفة، كالقطط والكلاب.

-         فواكه معينة، مثل الفراولة، أو الشليك، وغيرها.

-         التين المستخدَم عَلفاً للدّوَاب. هكذا، في بعض البلدان، يُدعى ذلك النوع من الحساسية "زُكام التين".

 

الأعراض:

أما الأعراض، فهي على الأغلب متشابهة للنوعين المشار إليهما كليهما (الحساسية الدائمة أو المؤقتة). مثلاً، عند المصاب بحساسية ضد بعض أنواع غبار طلع النباتات، تكون الأعراض كالآتي:

-         تظهر نوبة العطس وحك الأنف، وهَرْشه، بسرعة خاطفة حالما يدخل المصاب حقلاً يضم تلك النبتة، أو مجرد مروره قريباً.

-         تكون العطسات متتالية عموماً، من 10 عطسات إلى 15 عَطْسَة مُتعاقبة.

-         يُصبح التنفّس عسيراً، ومصحوباً بصفير، وربما تنتاب المصابَ أيضاً نوبة كحّة.

-         تدمع العينان. فنصف حالات حساسية الأنف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرّمَد، أو "التهاب الملتحمة" (الغشاء الذي يستر جانب الجفن الباطن ووجه المقْلَة الأمامي). ويؤكد الباحثون، أنّ نصف المصابين بهذا النوع من الحساسية، أي ضد غبار طلع النباتات، ينتابهم في الوقت نفسه التهاب الملتحمة.

-         يَنْسَد منخارَا الأنف كلاهما. وتعتري المصاب رغبة شديدة في هرش الأنف وحكّه.

-         يسيل صباب مائي من الأنف.

-         في الحالات الحادة، قد تتدهور الحالة، فتصل فعلاً إلى نوبة ربو حقيقية.

-         عندما يدخل المصاب بحساسية الأنف في جو مُشبع بالرطوبة، لا يُستبعد أن يتطور عنده أيضاً داء الـ"شرى" (وهو مرض جلدي يشبه القراص"، ويدعى بالإنجليزية nettle rash أو urticarial، وبالفرنسية urticaire). لكن، لحسن الحظ، فإنها حالات نادرة جدّاً.

 

القراديات:

الأعراض المشار إليها أعلاه، التي تخص مصاباً بحساسية ضد بعض أنواع غبار طلع النباتات، قد تظهر نفسها، كلياً أو جزئياً، عند مصاب بحساسية ضد أغبرة موجودة بشكل دائم أو شبه دائم في الجو. على الرغم من ذلك، تكون عموماً أقل حدة وأهوَن وطأة. فلدى المصاب الدائم، يكون الأنف مسدوداً تقريباً طوال السنة، ويسيل منه "صباب مائي"، إنما بصورة طفيفة، ما يستدعي حمل مناديل ورقية بشكل دائم، من باب الاحتياط. لكن الأعراض مختلفة بحسب شدة حساسية الشخص، وكثافة الجزيئات المهيّجة الموجودة في الهواء المحيط. فمثلاً، تكون شدة النوبة عالية عندما تنجم الحساسية عن وبَر الحيوانات. في هذه الحالة، لا يندر أن تضاهي الأزمة، في عنفها، نوبة حساسية أنفية موسمية، ناتجة عن غبار الطلع.

أمّا عندما تكون القراديات، وهي حشرات ضئيلة، غير مرئية بالعين المجردة (تدعى بالإنجليزية "dust mites"، وبالفرنسية "acariens")، هي السبب في الحساسية الانفية، فقد تتطور الأزمة، هنا أيضاً، وتتدهور إلى نوبة ربو حقيقية. وعموماً، تأتي أزمة الحساسية الانفية الناجمة عن القراديات أثناء ساعات الصباح الأولى. والسبب؟ الجزيئات المسببة للحساسية أكبر حجماً. بالتالي، يتطلب الأمر وقتاً أطول للوصول إلى القصبات الهوائية، وإثارة أزمة الربو.

 

هل يصاب الصغار؟

تشمل حساسية الأنف الفئات العمرية كلها تقريباً، من الناحية النظرية. لكن، على صعيد الواقع، من شبه المستحيل ظهور الحساسية الناجمة عن غبار الطلع عند الصغار في سن أقل من 3 أو 4 سنوات. وإجمالاً، عند الأشخاص المهيئين للإصابة بها، تبدأ أعراضها في الظهور تدريجياً بدءاً من سن 6 سنوات إلى أن تكتمل بين سنّي الـ12 والـ15. وفي أكثر الحالات، تظهر أعراض الحساسية كلّ سنة، في الفترة نفسها من الموسم نفسه، أغلب الظن مع بدايات الربيع، ما قد يرغم ذوي المصاب، في الحالات الحادة، إلى إرساله إلى مصحات خاصة أو مناطق جبلية، بارتفاع أكثر من 1500 متر عن سطح البحر. فهناك، تختفي تلك الحساسية لدى الأغلبية العظمى من المصابين.

وللحساسية الأنفية الدائمة أو شبه الدائمة، لا توجد سن معيّنة للإصابة. إذ قد تظهر مع هذا وهو رضيع، وقد لا تظهر مع ذاك سوى بعد تقاعده. فيكفي أحياناً الانتقال إلى بلد آخر، أو منطقة إلى أخرى، أو ربما حتى إلى مسكن جديد في حي مُجاور، لكي تجمع ظروف مُواتية لبزوغ الحساسية، وهذه، بإجماع الأخصائيين، تُعد داءً غامضاً، مافتئ الباحثون، منذ عقود وقرون، يسعون إلى إيجاد أجوبة عن الأسئلة التي يثيرها.

 

الحساسية ليست الرشح:

لا يندر: مثلما أشرنا إليه، أن يتم الخلط بين حساسية الأنف بنوعيها، من جهة، والرشح أو الزكام، من جهة أخرى، وذلك جرّاء تشابه الأعراض. في الواقع، الأمران مختلفان تماماً. تتيح النقاط الآتية توضيح الفروق، والتمييز بين الحالتين:

أ‌)       مسببات الزكام: فيروس خاص.

مسببات حساسية الأنف: جزيئات مهيجة للحساسية.

ب‌) العامل المثير للزكام: عدوى فيروسية

العامل المثير للحساسية: وجود الجزيئات المهيجة في الجو المحيط.

ت‌) الأعراض الممكنة للزكام: آلام عضلية، وصداع.

الأعراض الممكنة للحساسية: عينان دامعتان، مع تهيج الأنف وحكه.

ث‌) فترة إصابة الزكام: حوالي أسبوع.

فترة إصابة الحساسية: من بضع ساعات إلى بضعة أسابيع، وربما أشهر وسنوات.

 

ما هو العلاج؟

نظراً إلى تعدّد أسباب الحساسية الانفية، وغموضها، يُعَد علاجها غامضاً بدوره، ومُعقّداً، وينصبُّ في أكثر الأحيان على مرحلتين:

1-    تحديد الجزيئات المثيرة للحساسية. ولذلك الغرض، يعمد الطبيب إلى وضع جزيئات من المعروف أنها مهيّجة للحساسية على بشرة المراجع، في مواضع مختلفة، ومُحدّدة سلفاً (عموماً، إما الساعد أو الظهر). ثمّ يدرس رد فعل البشرة على كلّ منها. فذلك يعينه على استنتاج أنّ المُراجع حساس ضد هذا النوع أو ذاك من الجزيئات المهيجة، بحسب تهيج البشرة، وشدة احمرارها، وطول مدة الاحمرار، وما إلى ذلك من مقاييس متفق عليها طبياً.

2-    تحصين المصاب بمصل مكوّن من كميات ضئيلة من الجزيئات المثيرة للحساسية عنده. ويقوم ذلك على مبدأ التلقيح العام نفسه، بمعنى إدخال أجسام غريبة في الجسم تدريجياً، بغية استدراج ردّ فعل نظام المناعة الطبيعية، بحيث يُبادر إلى إنتاج الأجسام المضادة. لذلك، يختلف المصل من شخص إلى آخر، وينبغي تحضيره صيدلانيّاً من أجل ذلك المصاب تحديداً، دون غيره، ما يفسّر ارتفاع ثمنه في أغلب الأحيان.

ارسال التعليق

Top