• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أولَوياتُنا.. في سُلّم (الأهم) و(المُهم)

أسرة البلاغ

أولَوياتُنا.. في سُلّم (الأهم) و(المُهم)

 مفهوم الأولويات:

الأولى هو الأحقُّ، والأجدر، والأقرب للاهتمام من غيره، فإذا راعيت ترتيب اهتماماتك فلا تُؤخِّر المتُقدِّم (الأكثر أهميّة) ولا تُقدِّم المُتأخِّر (الأقل أهميّة)، ولا تعطي أو تخلي للثانويات مكان الأولويات والأساسيات والضروريات، وإنّما قَدَّمت الأولى الأهم على المهم، وهذا على الأقل أهميّة.. يُقال إنّك راعيت سُلّم الأولويات.

وعندما نقول عن شيء بأنّ له حقّ الأولوية، فإنّما نعني به (الأسبقيّة) وينبغي أن يأتي دوره قبل غيره، ويُقال: لهُ الأولوية في تسلسل الاهتمامات، أي إنّ له الأفضلية.. وإذا قلنا عن أمر أو شيء بأنّ له (الأولوية الكبرى)، فإنّنا نريد بأنّه أهم من أي شيء آخر على الإطلاق.

ويجري الحديث في الكُتُب التي تناولت موضوع الأولويات عن ترتيبها من حيث تقسيم العمل وجدولته، ومُراعاة الأَولى فالأَولى في الحياة اليومية، أي إنّها تُجيب عن سؤال: كيف أُبرمجُ يومي؟ سواءً أكان ذلك من خلال مصفوفة أولويات تدور بين (المهم العاجل) كالطوارئ والمفاجآت، والمهم غير العاجل كالتخطيط والإبداع، وغير المهم العاجل كالاستجابة للضغوط، أو غير المهم بالمرّة وغير العاجل كضياع الوقت والجهد في الألعاب، أو مشاهدة التلفاز لساعات طويلة، أو إنفاق الساعات في مواقع الشبكة العنكبوتية (النت)، لا فرق في ذلك بين مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات، أو مواقع الدردشة بالصوت، أو بالصوت والصورة التي غالباً ما تكون سائبة النهايات والتي قد تمتد لأكثر من الوقت المقرَّر أو المحدَّد لها، فتكون على حساب الأهم الأولى.

أو من خلال جدولة الأولويات في (المهم الطارئ) كأداء الصلاة، أو مراجعة الطبيب، أو إنجاز تكليف دراسي أو عملي، و(المهم غير الطارئ) كالعناية بالصحّة وبناء العلاقات الوطيدة، أو (غير المهم وغير الطارئ ألبتة) ممّا يندرج تحت عنوان (الوقت الضائع) أو المهدور. والتقسيم هنا وهناك واحد يقوم على أساس إعطاء كلّ ذي أهميّة اهتماماً لائقاً به. والحقّ يقال: إنّ هذا ونظرة المفهوم الإسلامي لتنظيم وتقسيم الوقت واحد وإن اختلفا في غاية التقييم.

وعندما قَسَّم الإمام عليّ 7 الوقت إلى أربع حصص (ساعات) لم يكن بعيداً عن مفهوم إدارة الألولويات المتداول اليوم، حيث رُوي عنه أنّه قال: «اجتهدوا أن يكون زمانكم (يومكم) أربع ساعات: ساعة لطلب المعاش، وساعة لمناجاة الله، وساعة للقاء بإخوانكم الثقاة الذين يُعرِّفونكم عيوبكم، وساعة لملذّاتكم في غير محرّم وفي هذه الساعة تقدرون على تلك الساعات»[1].

ولنا أن نُترجم هذا التصنيف إلى لغة عملية برامجية، بالقول بأنّ (طلب المعاش) هو كلّ المساعي المبذولة لتأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء والمسكن والملبس والدواء وسائر المقتنيات، وأنّ (مُناجاة الله) هي الوقت المخصَّص للعبادة سواء أكانت صلاة مفروضة أم أيّة أعمال يَتقرَّب بها الإنسان إلى الله ويُنمِّي فيها جانبه الروحيّ.. وأمّا لقاء الإخوان، فهو الوقت الذي يُقضى بصُحبة الأصدقاء والأقرباء والجيران والزُّملاء الصالحين الذين ينفعون بصُحبتهم ولا يضرّون.. وتبقى ساعة الملذّات، أو اللهو البريء، أو الاستمتاع بأوقات الفراغ، أو ممارسة الهوايات، أو التنزُّه بين أحضان الطبيعة، أو التريُّض وقتاً مُهمّاً للترويح، وتجديد النشاط، والتخفُّف من الأعباء، بما في ذلك ساعات النوم والاسترخاء.

وهذا التقسيم ليس تقسيماً آليّاً، أي إنّه لا يعطي أوقاتاً متساوية لكلِّ عملٍ، وإنّما هو يُوزِّع الأعمال والاهتمامات بحسب ما تتطلَّبه - من حيث طبيعتها - من وقت؛ فلا يطغى عملٌ على عملٍ، ولا يُهمَل عملٌ لأجل عملٍ، وهو بالنتيجة توزيع للأولويات على مدى اليوم، بل وعلى امتداد الحياة، علماً أنّ كلَّ واحدٍ من الأُمور الأربعة (مُتجدِّد) و(مُتنوِّع) و(مُتغيِّر)، فكثيراً ما يُغيِّر الإنسان عمله، وكثيراً ما يُخصِّص أوقاتاً عبادية لأعمال يتوفّر فيها شرط القُربة إلى الله، وليست بالضرورة عبادةً منصوصاً عليها، والإخوان يزدادون ويتقلَّصون ويتغيَّرون بحسب الانتقال من منطقةٍ إلى منطقة، ومن وظيفةٍ إلى أخرى، وهكذا الملذّات والاستمتاعات مُتعدِّدة ومُتجدِّدة أيضاً.

 

تجربة الجرّة!!

ويتداول المهتمّون بشأن الأولويات من حيث إنصاف كلّ أولوية من أولويات الوقت، تجربة الجرّة الشهيرة، وهي إنّ أُستاذاً في الفلسفة أحضر جرّة زجاجية (إناء) كبير، ووضع فيها عِدّة أحجار حتى امتلأت، وسأل تلامذته: هل الجرّة مَلأى؟ فأجابوا بالإجماع: نعم، ثمّ أدخل في الفجوات التي بين الحجارة الكبيرة كمّية من الحَصى حتى بدت الجرّة مُمتلئة. وسأل ثانية: ماذا تقولون الآن؟ هل الجرّة مَلأى؟ قالوا بلا تردُّد: نعم، إنّها مكتظّة! ثمّ أدخل في الفراغات المُتبقّية كمّية من الرمل، وضحك التلاميذ من تسرُّعهم السابق بالقول إنّها مليئة، واعتقدوا أنّهم إذا أجابوا أُستاذهم هذه المرّة عن سؤاله المتكرِّر: هل الجرّة مَلأى؟ فإنّهم سيكونون أكثر صدقاً وواقعية، فحكموا كما في المرّات السابقة على أنّ الجرّة أصبحت هذه المرّة فعلاً مُمتلئة بعد أن غصّت إلى عُنقها بالأحجار والحصى والرمل، ففاجأهم الأُستاذ بأن سكب إناءً من الماء على محتويات الجرّة ليتغلغل بين مسامات الرمل، وهنا خجل التلاميذُ من جهلهم؛ ولكنّهم حاولوا تغطية ذلك بابتسامات عريضة!

قال أُستاذ الفلسفة: مَثَلُ أعمارنا وحياتنا كمَثَل هذه الجرّة، الأحجار الكبار هي اهتماماتنا الكبيرة، والحصى اهتماماتنا المتوسطة، والرمل اهتماماتنا الصغيرة، وأمّا الماء فهو مُتعنا وملذّاتنا التي تُلطِّف من جهامة الحجارة، وصرامة الحَصى، وتكاثف الرمل.

بعد هذه التجربة، أعاد الأُستاذ ترتيب الأولويات، ملأ الجرّة بالماء فامتلأت، ولمّا أراد وضع الرمل أزاح بعض الماء الذي في الجرّة، وحينما وضع الحَصى، لم تتسع الجرّة إلّا إلى القليل منه، وعندما حاول أن يُدخل فيها الحجارة لم يكن ثمة متسع!

التفت إلى تلامذته، وقد بدا عليهم أنّهم التقطوا الدرس هذه المرّة وأدركوا مغزاه من غير أن يشرح لهم المعنى، لقد فهموا أنّ الأدنى أهميّة، أو الذي لا أهميّة له إذا زاحم المهم ضَيَّق عليه المجال، وإذا زاحم هذا الأهم لم يدع له فرصة أن يأخذ مكانه من جرّة الحياة!

تجربة الجرّة.. تجربة حيويّة ومعاشة وذات إيحاء، ولا نعتقد أنّنا لم نمرّ بها كلٌّ بحسب طريقته لملء جرّته، وقد تتعدَّد طُرقُ الملء؛ لكنّ الطريقة الأُولى في مُراعاة سُلّم الأولويات هي المتفَق عليها بين الأسوياء العقلاء.

 

قاعدة التزاحم!

في الفقه الإسلامي، قاعدة حياتية مهمّة لحلّ التزاحم أو التنافس بين أمرين أو عِدّة أُمور تندفع في وقت واحد يريدُ كلٌّ منها أن يتقدَّم على الآخر، وعادةً ما يكون التزاحم بين (المهم) و(الأهم)، وفحوى هذه القاعدة أنّ الأهم يُقدَّم - في حالة التزاحم والتدافع - على المهم، وفي ذلك ترتيب للأولويات بحسب مكانتها وأهميّتها، إذ تبقى أهميّة (الأهم) مُقدَّمة على (المهم)، فعلى سبيل المثال لو صعب أو تَعذَّر عليَّ الحصول على الماء وأنا ضمآن ولديَّ قليل من الماء وقد حان وقت الصلاة، أو اقترب أن يفوت ولم أُصلِّ على أمل الحصول على الماء ولم أحصل عليه، هنا يواجهني سؤال: هل الحفاظ على حياتي أهمّ أم الوضوء؟

(قاعدة التزاحم) تقول: حِفاظُك على حياتك أولى وأهم وله الأولوية المقدَّمة على الوضوء، إذ يمكن أن تتيمم وتُصلِّي؛ ولكن ماذا تفعل إذا فتك بك العطش وأودى بحياتك؟!

هذا المثال التقريبي، يُمكن سحبهُ على الكثير من مواقف الحياة، ولذلك قيل إذا ازدحم أمران صالحان مُهمّان، فيُقدَّم الأكثر أهميّة، وإذا ازدحم أمران فاسدان مُضرّان، فيُقدَّم الأقلّ ضرراً، وبذلك فنحن أمام قاعدة عقلية واجتماعية، وليس أمام قاعدة فقهية محدودة التطبيق في نطاق المسائل الشرعية فقط.

وعليه يُقال إنّ العاقل هو الذي يأخذ بأخفّ الضررين، وأهون الشرّين، وأنّه الذي يَدرأ المفسدة ويبُعدها عن طريقه، قبل أن ينال المصلحة، ومتى ما عشتُ أو عانيت حالة من حالات التزاحم، فهذه القاعدة تنقذني من مأزق حرج، وتبقى لكلّ قاعدة استثناءاتٌ؛ لكن معياريتها المعوّل عليها في القياس على معدّلاتها ومتوسّطاتها لا على استثناءاتها.

وثمة مثال آخر، فإنّ الصلاة في وقتها من أحبّ الأعمال العبادية إلى الله، ولا تُؤخَّر إلّا لضرورة، فإذا تزاحم وقتها مع اصطحاب والدي المريض إلى المشفى أو عيادة الطبيب، أو لمعالجته من أزمة صحّية عارضة، فإنّ قيامي بواجب العناية به يُقدِّمه على أداء الصلاة في وقتها، بل إنّ عملي في رعاية أبي المريض هو (صلاة) و(عبادة) بحدِّ ذاته، لا أنّه يُغني عن الصلاة ويُسقطها، بل لأنّه هو فحوى الصلاة ومضمونها، وبُعدها العملي المراد منها، وبذلك لا نَعدُّ شيئاً من هذا القبيل اختلالاً في ميزان الأولويات، وإنّما هو تقديم (الإحسان) في حال الضرورة على (الفريضة) مع سعة الوقت فيها.

 

الحاجات الأساسية:

وفقاً لمدرسة (تنمية المقياس البشري) التي وضع معاييرها (مانفريد ماكس- نيف) وآخرون غيرهم، فإنّ تصنيف الحاجات البشرية والعملية التي تحتاج إلى إشباع أو تلبية، هي:

1-     الوجود (العيش):

بما فيه من عقل، وصحّة، وغذاء، ومأوى، وعمل، وملبس، وبيئة معيشية، ووضع اجتماعي.

2- الحماية (الأمن):

بما في ذلك الرعاية الصحّية، والقدرة على التكيُّف، والاستقلال الذاتي.

3- المودّة (العاطفة):

بما تشمله من احترام، وميل للجنس الآخر، وكرم، وروح دعابة، وما توفِّره الصداقات والزواج والأسرة والعلاقات الحميمة من ذلك.

4- الإدراك (الفهم):

بما ينطوي عليه من حدسٍ وفضول، ومقدرة على الحسم، والتحليل، والتأمُّل، والتحقيق والدراسة، وما تُحقِّقه العوائل، والمدارس، والجامعات، والمجتمعات المحليّة من مقدّمات ذلك.

5- المشاركة (التعاون والتضامن):

بما تعنيه المشاركة من تقبُّل الآخر، والتفاني من أجله، والتعاون معه، بل والاختلاف معه أيضاً، وما يتطلّبه ذلك من مسؤوليات تضامنية، وواجبات أخلاقية، وحقوق متبادلة.

6- أوقات الفراغ (المتعة):

بما يحتاجه الإنسان من وقت للترويح عن نفسه من عناء ومشاق العمل والمكابدة اليومية، وما تتيحه هذه الأوقات من فسحة للخيال، والهدوء، والعفوية، وراحة البال، والاسترخاء، والاستمتاع بمناظر الطبيعة، والوحدة المتأمِّلة، والأوقات الحميمة، والحفلات أو المناسبات العائلية أو الاجتماعية وغيرها.

7- الإبداع (تسخير الموهبة):

بما يشترطه الإبداع من خيال، وفضول، وابتكار، وبحث، وتحقيق، وبناء، وتصميم، وتأليف، وتفسير، وما يتطلّبه من قدرات ومهارات وتقنيات تنضج وتتكامل بالتمرين والمراس والتدريب الدائم.

8- الهُويّة (إثبات الذات):

بما ينتج عنه الشعور بالانتماء، واحترام وتقدير الذات، والاستقامة والثبات، والتنمية أو التزكية الذاتية، وما يفعله الدِّين واللغة، والعادات والقِيَم، والمعايير من ترسيم ملامح هذه الهُويّة والمحافظة عليها، والاعتزاز بها.

9- الحرّية (رفع الضغوطات):

بما يُمكِّن من الحكم الذاتي والاستقلالية، والانفتاح على الآخر (تنمية شبكة العلاقات)، والمساواة في الحقوق، والتكافؤ في الفرص، والمعارضة، والاختيار، والممارسة العملية لذلك كلّه.

هذه الحاجات إنّما عُدّت أساسية لعدم استغناء الإنسان عن أيّة واحدة منها، ولو تأمَّلنا في نصوص القرآن الكريم للاحظنا أنّ الله تعالى قد تَكفَّل لنا بتأمين كلّ هذه النِّعم وسَخَّرَها لنا بما نستطيع معه أن نُحقِّق ذواتنا، ونبني مجتمعاتنا، ونُعمِّر الأرض، ونتحمَّل مسؤولية إثراء الحياة بالحرّية والإبداع والمشاركة وفي بيئة آمنة نتعايش فيها، ونتعارف، ونتكافل.

وسيتضح من خلال التعرُّف على سُلّم أولوياتنا أنّ هذه الحاجات مُندرجة فيها، وأنّ علاقتنا الوطيدة بالله تعالى هي الضمانة الكبرى لتأمين كلّ الحاجات الأساسية التي قضت حكمته أن نسعى لكسبها، وتوفير مستلزماتها، وتحقيق حدّ الكفاية منها.

 

أولوياتنا على هدي القرآن:

إنّنا في هذا الكتاب لا نُريد أن نُعيد ما طرحته كُتُب التعامل مع الوقت في ترتيب سُلّم للأولويات في إجابتها عن سؤال: كيف يكون نهارنا مُمتلئاً وناجحاً؟ وإذا سبقت الإشارة العَجلى إلى ذلك فإنّها من مقدَّمات الموضوع وليست هي الموضوع ذاته.

على صعيد القرآن، نُلاحظ أنّ هناك فقهاً للأولويات مبثوثاً في النصوص المقدّسة، على مستوى العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والتعاملات أو العلائق الاجتماعية.. فالقرآن إذ يُقدِّم التوحيد على (الطاغوت) وهو كلُّ معبود غير الله تعالى، وكلُّ إله مُزَيَّف ومنخفض ومضمحلّ، إنّما يُثبت في أذهاننا حقيقة اجتماعية على غاية من الأهميّة، وهي أنّ أُسس الحياة ومبادئها قائمة على شعار «لا إله إلّا الله» هذه القاعدة العريضة والركيزة الكبرى التي تنبعث منها وتصدرُ عنها كلّ أفكارنا وتصوُّراتنا وعواطفنا ومواقفنا وأعمالنا واختياراتنا، وبالتالي فإنّ التوحيد ينقذنا ليس من ورطة الثنائيات المختلقة، والإزدواجيات الموهومة فقط، وإنّما يجمعنا في إطار وحدة واحدة، ويدفعنا للعمل نحو هدف واحد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ (الانشقاق/ 6)، وقال في الفصل بين الازدواجيات العبادية في مثلين متصلين: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (النحل/ 75- 76).

وعندما تنحل إشكالية التداخل غير المنطقي بين إلهين: خالق حقيقي وآخر مصنوع تكون أولوية العقيدة في مُراعاة مبدأ التوحيد، حلاً لمشكلة الإنسان في حاجته الأساسية إلى الدِّين.

وعندما يُفاضلُ القرآنُ بين أعمال تُعدُّ في عُرف الناس أو مُتبنياتهم الفكرية أولويات بينما لا يراها هو كذلك، فإنّه يُوجِّه أنظارنا إلى إعادة ترتيب أولوياتنا؛ لاحظ ذلك في قول الحقّ سبحانه: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة/ 177).

القرآن هنا لا يُصحِّح المفهوم فحسب، وإنّما يُعطيه بُعداً عملياً اجتماعياً عميقاً يجعله حاضراً في ذهن الإنسان المسلم (تلميذ القرآن) على أنّ سُلّم أولوياته كإنسان مُتديِّن ليس هو التوجُّه إلى قبلة الصلاة لأداء فريضة أو شعيرة وانتهى الأمر، وإنّما لابدّ له من أن يكون (صادقاً) و(تقيّاً) و(نفّاعاً)، ولا يتحقّق شرط صِدقه وتقواه وعطائه إلّا بمجموعة دراسات عملية وخدمية وبرامجية تنقله من إنسان نظري يحمل العقيدة الصحيحة في داخله، إلى إنسان عملي يُعبِّر عنها في الخارج بجملة أعمال ونشاطات اجتماعية في إنفاق المال على المحتاجين، والوفاء بالعهود، والصبر على الابتلاءات والمحن والتحدّيات، انطلاقاً من إيمان (فكري) بالله الواحد الأحد (التوحيد)، وإيمان (استشرافي) بمُلاقاته للحساب في يوم المُساءلة (القيامة)، وإيمان (حركيّ) بينهما أنّ الوصول إلى التوحيد وإلى لقاء الله لا يكون إلّا من خلال العمل، لاحظ ذلك أيضاً في المعنى العملي المُترتِّب على مفهوم (الصلاة): ﴿إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ (المعارج/ 19-35).

إنّه نفس المعنى العملي المُترتِّب على (الإيمان) أيضاً الذي ورد في مقدّمة سورة (المؤمنون)، ممّا يعني أنّ أولوية الإيمان والصلاة أو غايتهما هي بناء المجتمع الصالح الذي نأمل من أبنائه الخير، ونأمن منهم الشرّ.

ونلاحظ ذلك مرّة أُخرى في المُفاضلة بين أعمال اجتماعية صالحة؛ ولكنّها لا تتطلَّب جُهداً كبيراً في بناء الذات وتزكيتها، وإعدادها للتضحية من أجل رسالتها، وأعمال رسالية واجتماعية أهم وأولى. يقول عزّوجلّ مقارناً بين أعمال أقلّ درجة من حيث التأثير والفائدة، وأعمال أخرى أعظم درجة في بناء المجتمع وخدمته، ومن ثمّ فهي مقارنة بين صنفين من الناس: صنف يضع (المهم) في رأس أولوياته، وصنف يضع (الأهم) في الصدارة منها. استمع إلى القرآن حيث يقول: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (التوبة/ 19-20).

إنّ سقاية الحجاج في يوم التروية حيث شحة الماء في عرفات، وإعادة ترميم الكعبة عند تعرُّض بنائها للتصدُّع، عملٌ مجيد ومقبول عند الله تعالى؛ لكن مردودات الإيمان بالله وبالمعاد في ضبط سلوك الإنسان على خطّ الاستقامة، والمجاهدة في سبيل الله بالأموال والأنفس بحسب مُتطلِّبات الجهاد لرفع الظلم وإرساء قواعد العدل، والهجرة في سبيل الله لإقامة حكم الله في الأرض، أكثرُ نفعاً للأُمّة من أعمال محدودة لا تأتي بخدمة مجتمعية تمتد آثارها مع الأيام ولا تكون حصراً في موسم معيّن، أو بناء بيت الله بالحجارة، ونسيان بيوته في قلوب الناس في رفد وإعانة عباده الفقراء والمساكين والمستضعفين.

ونلاحظ ذلك في وصايا لقمان لابنه وهو يُحدِّد له سُلّماً للأولويات مبتدأً بـ(العقيدة)، ورابطاً الاعتقاد بالسلوك الحيّ في الإحسان للوالدين، ومؤكّداً على وضع المعاد نصب العين، مارّاً بالعبادة (الصلاة) ومُعرِّجاً على آثارها التربوية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاتماً بطائفة من الوصايا الأخلاقية التي تُعبِّر عن عُمق الإيمان بالله، وصِدق التوجُّه العباديّ له. تأمّل في الآيات من سورة (لقمان) لترى كيف يُسلسل لقمان الأولويات:

﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ:

1- يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ              - التوحيد -

2- وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[2]            - الإحسان إلى الوالدين -

3- يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ                                                           - المعاد -

4- يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ                                                   - العبادة -

5- وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ  -المسؤولية -  

6- وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان/ 13-19).          - الأخلاق -

 

أولويات الوصايا:

في السُّنّة النبويّة لا يختلف الأمر عنه في القرآن، فالنبيّ 6 - ومثله أهل بيته من الأئمّة : - إمّا أن يوصي بوصيّة واحدة يُراعي فيها شخصية طالب النصيحة أو الوصية، كقوله لإعرابي: «لا تغضب»، أو قوله لآخر: «لا تكذب»، فهو يعتبر التعصُّب والانفعال حالة من الحالات الشائعة في الوسط البدويّ أو القبليّ، وبالتالي فهو أولوية، ويوصي بعدم الكذب، معتبراً إيّاه أولوية أيضاً، لأنّ المُوصى إذا سُئِل مستقبلاً عن أفعاله فلا يستطيع أن يكذب ويقول لم أفعل، وهكذا؛ ولكنّه في وصايا أخرى يضع سُلّماً للأولويات.. لاحظ النص الآتي:

«لا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع:

1- عن عمره: فيما أفناه؟

2- وشبابه: فيما أبلاه؟

3- وعن ماله: من أين كسبه؟ وفيما أنفقه؟

4- وعن حبّنا أهل البيت :»[3]،[4].

وكلّها من الأولويات الكبرى التي تحملُ في طياتها أولويات مُتفرِّعة عنها.

وصيّته 6 إلى أبي ذر 2:

«يا أبا ذر! اغتنم خمساً قبل خمس:

شَبَابَك قبل هَرَمِك

وصِحّتَك قبل سَقْمك

وغِنَاك قبل فَقْرِك

وفَراغَك قبل شُغُلِك

وحَيَاتَك قبل مَوْتِك»[5].

وكلُّ الوصايا الخمس أولويات، بقرينة ودلالة (اغتنم) المُعبِّرة عن القيمة والغنيمة والأحقّية في أن تتصدّر قائمة الاهتمامات: (الشباب، والصحّة، والغنى، والفراغ، والحياة)، وإذاً كلّها أولويات تستوجب الرعاية والاهتمام.

ونحن هنا نُقدِّم أمثلة، ولا نُريد استعراض الوصايا النبويّة أو تلك التي قَدَّمها أهل بيت النبوّة من الأئمّة : لطالبيها، والتي راعت المنحى ذاته في كلّ وصية نبويّة أو إمامية يقرأها أو يسمعها أو تمرّ عليه في بحثه عن الأولويات.

 

أولوياتنا:

سنعتمد في هذا الكتاب تصنيفاً آخر للأولويات، آخذين بعين الاعتبار في كلّ مفصل من مفاصل الحياة (الأولوية الكبرى) التي تَتشعَّب وتَتفرَّع منها أولويات أُخر، وهي رؤية هذا الكتاب التي قد يختلف معنا فيها مَن يرى تصنيفاً آخر، أو تقديم أولوية على أخرى.. وعلى أيّة حال، فإنّنا سَنُبيِّن بالضمن السبب الذي دعانا إلى اختيار أولوية دون أُخرى.

كما نودّ التنويه قبل المباشرة بعرض الأولويات، أنّ إيرادها بالشكل الذي اعتمدناه، لا يغني بحال من الأحوال عن تتبُّع وتلمُّس الأولويات الأُخرى المتفرِّعة والمنحدرة عنها. وعلى ذلك، فإنّ هناك منظومة عَقَديّة (اعتقادات)، ومنظومة تشريعية (أحكام)، ومصفوفة قيم (أخلاق)، وسُلّم مسؤوليات (مهام وتكاليف)، فلا يصحّ الاكتفاء بالأولوية الكبرى، وإغفال أو إهمال الأولوية الثانوية أو التي تأتي في مرتبة تالية.. إنّنا هنا نعتمد (مفتاح المفاتيح) أو (المفتاح الرئيس) أو (المفتاح الأوّلي الأصلي) الذي يفتح الأبواب كلّها.

سُلّم الأولويات، كما نراه، أو نُرجِّحه:

1- في العقل: (التفكير)

2- في العقيدة: (التوحيد)

3- في الشريعة: (الحرام والواجب)

4- في الأخلاق: (الصِّدق)

5- في العبادات: (الصلاة)

6- في العلم: (النافع الصالح)

7- في إثبات الذات: (العمل)

8- في المعاملة: (الإحسان)

9- في الثقافة: (العملية)

10- في الحُكم: (العدل)

11- في العاطفة: (الحبّ)

12- في السلوك: (الاعتدال)

 

1- أولوية العقل (التفكير):

العقل أوّلُ ما خلق الله، كما في الرواية عن رسول الله 6، وفي الحديث القدسيّ، أنّه تعالى بعد أن خلق العقل خاطبه: «أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، ثمّ قال: وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً أحسن منك، بك أُعرف، وإيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وبك أُثيب، وبك أُعاقب»[6].

من هنا نُثبِّت أولوية العقل لقوله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة/ 242).

ولو تَصفَّحت كُتُب العقيدة والفقه والحياة لرأيت أنّ شرط العقل هو المقدَّم على سائر الشروط. ولقد ورد عن الإمام عليّ 7: «عقلُ المرءِ نظامُه»[7]، وجاء عنه 7: «بالعقلُ صلاحُ كلِّ أمر»[8]، ولعلّه استوحى ذلك من أُستاذه رسول الله 6 الذي قال: «قوامُ المرء عقله، ولا دينَ لمن لا عقل له»[9]، كما أدركه بوعيه المختزن لقيمة هذا المخلوق العظيم (العقل).

وفي الأثر عن الإمام الكاظم 7: «إنّ للهِ على الناسِ حُجَّتين: حُجَّة ظاهرة، وحُجَّة باطنة، فأمّا الظاهرةُ فالرُّسلُ والأنبياءُ والأئمّةُ:، وأمّا الباطنةُ فالعقول»[10]. ولقد عَلَّمَ رسول الله 6 المسلمين كيف يُوظِّفون هذه الحُجَّة أو الرسول الباطني بقوله: «استرشدوا العقل تُرشدوا، ولا تعصوه فتندموا»[11].

لمّا قيل لرسول الله 6 في رجل كتابيّ له بيان ووقار وهيبة: ما أعقل هذا! قال للناقل أو القائل: «مهْ! إنّ العاقل مَن وَحَّدَ الله وعمل بطاعته»[12]، إذ ليس عاقلاً أو مكتمل العقل مَن يُشرِك بالله ويعدل به غيره.

أولوية العقل إذاً لا غبار عليها، ولا يختلف عليها اثنان.. أمّا استدلالات العقل فمن خلال إعمال أدواته وأهمّها (التفكُّر) و(التأمُّل) أو (التفكير) وهو إعمال أدوات التفكير العقلي والمنطقي، لقوله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (البقرة/ 219). وإنّما كان التفكُّر أداةً من أدوات العقل أولوية، لأنّه بحسب تعبير الإمام عليّ 7: «التفكُّر يدعو إلى البرّ والعمل به»[13]، فهو آلة التمييز بين الظلمات والنور، وداعية الخير والعمل به. يقول 7 كما في الرواية عنه: «فِكرُ المرءِ مِرآة تُريه حُسنَ عَمَله من قُبحه»[14]. وليس عجباً بعد ذلك أن تُعدّ ساعة تفكُّر خيراً من عبادة سنة، وفي خبر آخر من ستّين سنة (أي من العمر كلّه)!

بهذا الفكر اهتدى 7 إلى وعي التاريخ، ويقول في وصيّته لولده الإمام الحسن 7 التي سنتعرّض لها كنموذج تطبيقي للأولويات: «يا بُنَيَّ، إنّي وإن لم أكُنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَن كان قَبْلي، فقد نَظرتُ في أعمالِهم، وفَكَّرتُ في أخبارِهم وسِرْتُ في آثارِهم، حتى عُدْتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليَّ من أُمُورِهم قد عُمِّرتُ مع أوّلِهم إلى آخرِهم»[15].

 

2- أولوية العقيدة (التوحيد):

أوّلاً: لأنّه تعالى يقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (الإخلاص/ 1-4). وفي هذا يقول الإمام عليّ 7 مستوحياً روح التوحيد: «أوّلُ الدِّين معرفته، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمالُ التصديق به توحيده، وكمالُ توحيده الإخلاص له»[16].

وإنّا قدَّمنا أولوية العقل لأنّنا إذا استرشدناه في معرفة الخالق أرشدنا. فماذا يقول العقل المجرّد غير المتعصِّب وهو يتلو قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (الأنبياء/ 22). ولا يحتاج التوحيد إلى دليل بعدما دلّت الفطرة السليمة عليه: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (الزخرف/ 9).

ويقول الإمام الحسين 7: «متى غِبتَ حتى تَحتاجَ إلى دليلٍ يدلُّ عليك، ومتى بَعُدت حتى تكون الآثار هي التي تُوصل إليك»[17].

ويقول صاحب (قصّة الحضارة) (ويل ديورانت): «الرأي القائل: التديُّن يشمل عموم أفراد البشر يوافق الحقيقة» (ج1، ص89)، ذلك أنّ فطرة الله التي فطر الناس عليها هي (التوحيد)، كما فَسَّر الإمام الصادق 7 ذلك لهشام بن سالم.

أمّا لماذا أولوية (التوحيد) دون سائر العقائد؟

فالجواب: لأنّ كلّ العقائد الأخرى، من (معاد) و(نبوّة) و(عدل) وغير ذلك، مرتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بالتوحيد، فهو أبو العقائد وأُمّها، ومَن وَحَّد الله حقّ التوحيد آمن بالضرروة الملازمة بالنبوّة وبالرسالة، وآمن بالمعاد، وآمن أنّ الله هو المهيمن على الوجود كلّه، وأنّه هو الخالق والرازق والمُحيي المُميت، ولا حول ولا قوّة إلّا به.

الحاجةُ إذاً إلى التعمُّق في فهم التوحيد وآفاقه الحياتية الواسعة حاجة أساسية، بل هي أولوية الأولويات لأنّ منها (المُنطلق) وإليها (المُنتهى).

 

3- أولوية الشريعة معرفة (الحرام) و(الواجب):

الأحكام في التشريع الإسلامي خمسة: الحلال، والحرام، والواجب، والمستحب، والمكروه؛ ولكن معرفة الواجب والحرام هي عماد المعرفة الشرعية، لأنّنا إذا عرفنا الحرام، عَلِمنا أنّ ما عداه هو الحلال، إذ يكفي أن نَتعرَّف على قائمة المحرَّمات والممنوعات ليصفو لنا ما تبقّى حلالاً هنيئاً مريئاً مباحاً طيِّباً.. وأمّا الواجب، فهو الفرائض (المسؤوليات التي نُسألُ عنها من قِبَل الله: أدَّينا أم قصَّرنا؟ لبَّينا أم تخلَّفنا؟ وهي في الحقيقة رعاية مصالح الحياة وفق نظام ربّاني لا تصلح حياة الناس إلّا به).

إنّ التحليل والتحريم ليس من مهمّاتنا، بل هي من اختصاص الله تعالى، وحقّه وحده. يقول عزّوجلّ: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ (النحل/ 116)، معتبراً التحليل والتحريم الكيفي غير القائم على دليل، كذباً عليه جلّ جلاله. ولقد فَصَّل تعالى وبَيَّن في كتابه المحرَّمات: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام/ 119)، فقال عزّ مَن قائل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ (البقرة/ 173)، كما حَرَّم الرِّبا والقتل إلّا بالحقّ، وحَرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ودعا إلى تعظيم حرماته، أي الالتزام بأحكامه لأنّ فيها نظام الخير والسعادة للناس، وبناءً على ذلك قال الإمام عليّ 7: «ومَن أشفق من النار اجتنب المحرَّمات»[18].

والحرام، الذي هو كلُّ ما نهت عنه الشريعة بدليل، لا يُقابل الحلال في التكليف، بل يُقابل الفريضة (الواجب) لأنّ الحلال مُباحٌ لا يدخل في التكليف، وإنّما المسؤولية تترتّب على العمل بالحرام وترك الواجب.

وقد يكون التحريم منصوص العلّة، أي تحريم الشيء بسبب خُبثه والمفاسد المترتِّبة عليه، وقد يأتي التحريم ليرى الله تعالى مَن يمتثل ومَن يعصي، وقد يُحرِّم - عزّوجلّ - أُموراً عقوبةً على الظلم ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (النِّساء/ 160).

مسؤوليتي الأُولى بصفتي مُكلَّفاً ومسؤولاً مسؤولية شرعية أن أتعرَّف على خطوط الحرام لئلّا أدخل فيها فأُعاقب نفسي بتناول أو تعاطي الضارّ، قبل أن أنال عقاب الله على العصيان، ولِمَ الأخذ بالحرام - على ما فيه من خبائث ومفاسد وأضرار - ومساحة الحلال واسعة جدّاً وطيِّبة جدّاً؟ يقول الإمام عليّ 7: «وما أُحلَّ لكم أكثر ممّا حُرَّم عليكم»[19].

وعلى أيّة حال، فإنّ معرفة الحرام تكفي لمعرفة الحلال، فما دون الحرام حلالٌ طيِّبٌ مباحٌ أكله، وشربه، ولبسه، وسُكناه، وتعاطيه.

وأمّا الواجبات في الشريعة فليست الفرائض: الصلاة، الصوم، الحج، والزكاة فقط، بل كلّ ما أوجبه الله تعالى على الإنسان المسلم في كتابه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقاعدتين تجمعان بين جناحيهما كلّ ما هو (صالح) فيُشجِّعان عليه، وكلّ ما هو (فاسد) فيُحذِّران ويُنفِّران منه.

وكما أنّ إجازة السوق لا تُمنح لسائق إلّا بعد أن يكون قد أحاط علماً بالمحظورات أو الممنوعات في السير، وتَعرَّفَ معرفة تفصيلية على علامات المنع والتوقُّف، وبعد أن يُختبر بها فيُرى كم هو ملتزمٌ بها، فإنّ إجازة الإيمان لا تُمنح للإنسان المسلم إلّا بعد أن يعرف المحرَّمات، فلا يخترقها أو يتجاوزها لأنّها خطوط حمراء، إلّا بعد أن يُلمّ بمعرفة ما يتوجَّب عليه عمله، ولا عملَ في الإسلام إلّا بعِلم!

 

4- أولوية الأخلاق (الصدق):

الأخلاق في الإسلام منظومة حافلة متكاملة، فلماذا الصِّدق أولوية؟

الجواب باختصار: لأنّه ما من عمل في هذا الدِّين إلّا وهو بحاجة إلى أن يُصدِّقه الصدق، في وقت يكثر فيه الكذب، والغش، والزعم، والادّعاء، والتلفيق، والتزوير، والتحريف، والتلاعب، والنفاق، ولذلك كانت دعوة القرآن صريحة في اعتبار الصِّدق أولوية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة/ 119). فإذا تَعدَّدت الاختيارات، وهي بطبيعتها مُتعدِّدة، فليس للمؤمن إيماناً صادقاً بالله إلّا أن يختار الاصطفاف مع مجتمع الصدق والصادقين، وإذا طُلبَ إلينا أن نُعرِّف الإسلام بموجب مفهوم الصدق، نقول إنّه مدرسة (القول الصادق) و(العمل الصادق).

الصدق أولوية في الأخلاق لأنّ به صلاحُ كلُّ شيءٍ، ولأنّه - كما رُوِي عن الإمام عليّ 7 - أخو العدل، وكمال النُّبل، ولسانُ الحقّ، وخيرُ القول، و«إنّ مَن صَدقَ لسانه زكا عملهُ»[20]، وبالتالي فإنّ مَن صَدقَ - كما في الخبر عن رسول الله 6 – نجا، أي إنّ النجاة في الصِّدق، ولكلّ قاعدة استثناءات.

الصدق أولوية لأنّه عماد الإسلام، ودعامة الإيمان، ورأس الدِّين، وسيِّد الأخلاق، كما يُعرِّفه الإمام عليّ 7. والصِّدق أولوية لأنّه (المعيار) و(المحكّ). يقول الإمام الصادق 7: «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل (الإنسان) وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك؛ ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته»[21]. إنّهما محكّا اختبار أو معياران لمقياس درجة الإخلاص، وإذا كان الصدق قد غلب على القول، فإنّ الأمانة هي صدقٌ في العمل.

تأمَّل في مصفوفة الأخلاق كلّها، هل من خُلق من الأخلاق لا يدخل الصدقُ عاملاً مُقوِّماً له؟ وركيزة أساساً من ركائزه؟

الإخلاص، الرجاء، الخوف، التوكُّل، الخيريّة، المروءة، العفّة، الكرم، التواضع... إلخ، ولو لم يكن الصدق عنصراً مهمّاً في الأخلاق، لكانت كثرت المدّعيات والمزاعم واختلط الحابل بالنابل. يقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت/ 2-3). الصدق ميزان أو فرقان بين (الزيف) و(الأصالة)!

 

5- أولوية (الصلاة) في العبادات:

لماذا الصلاة أولوية، والعبادات غيرها كثيرة؟

لأنّها - ببساطة - عمود الدِّين، كما ورد عن رسول ربّ العالمين 6: «إنْ قُبلت قُبل ما سواها، وإنْ رُدَّت رُدّ ما سواها». والإمام عليّ 7 يُبيِّن السرّ في ذلك عندما يقول: «الصلاةُ ميزان، فَمَن وَفَّى استوفى»[22].

والصلاة - ليست الفريضة فحسب -، بل هي في أصلها (الدُّعاء) وإذا عرفنا أنّها كذلك عرفنا لماذا قال الله سبحانه: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ (الفرقان/ 77)، وعرفنا أيضاً لماذا أوصى رسول الله 6 بالإكثار منها: «ليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدِّين»[23]، ولماذا كانت الصلاةُ قُرّة عينه 6؟ ولماذا أجاب أبا ذر 2 عندما سأله عنها: «الصلاة خيرُ موضوع»[24]، بل ويُرمز للعبادات كلّها بـ(الصلاة) حتى ليقول العامل العابد عندما يُسأل عن عمله: أنا في صلاة.

الصلاة - من بين سائر العبادات - أولوية  لأنّها أفضل عمل بعد معرفة الله. سُئِل الإمام جعفر الصادق 7 عن أفضل الأعمال بعد المعرفة؟ قال: «ما من شيء بعد المعرفة يَعدِلُ هذه الصلاة»[25]، ثمّ يُشير إلى الدليل: «ألا ترى أنّ العبدَ الصالح عيسى ين مريم 7، قال: (وأوصاني بالصلاة)»؟!

الصلاة أولوية، بل وعلى رأس العبادات، لأنّها (عاصِمة) تنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ (العنكبوت/ 45). وليس عجباً أن يقول النبيّ 6 لمن نُقِل له عنه أنّه يُصلِّي في النهار ويسرق في الليل، إنّ صلاته ما تلبث أن تنهاه!

الصلاةُ أولوية، لأنّها كفّارة (ممحاة) لما قبلها، وقيل إنّ هذا هو معنى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (هود/ 114). وكيف لا تكون الصلاة صابون الذنوب - بشرط الإخلاص - وهي كما شَبَّهها النبيّ 6 بنهر أمام البيت يغتسل الواحد منّا فيه خمس مرّات في اليوم، هل يبقى على جسده شيء من الدَّرن (الوساخة)؟!

وهي أولوية، لأنّها مُعلِّمة (التواضع). عن سيِّدة النِّساء فاطمة 3: «فَرضَ اللهُ الصلاةَ تنزيهاً من الكِبْر»[26]، حتى تخرّ له جباه الجبابرة، وتمرغ بالتراب.. وهي مُعلِّمة (الشُّكر) أيضاً. تسأل إحدى زوجات النبيّ 6 عن السرّ في إكثاره من الصلاة، وقد غفر الله له ذنوبه، فيُجيبها: «أفلا أكونُ عبداً شكوراً»؟! أنا أُصلِّي لأشكر مَن أنعم عليَّ وأحسن إليَّ.

 

6- أولوية العلم النافع:

نَصِفُه ونُخصِّصه بـ(النفع)، لأنّ ليس كلُّ علمٍ بنافع. القرآن يقول عن تعلُّم السِّحر: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ (البقرة/ 102)، ويقول تعالى: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ﴾ (البقرة/ 102).

وقد وصفَ النبيّ 6 بعض العلم كتعلُّم (الأنساب) بأنّه علمٌ لا ينفعُ مَن عَلِمه ولا يضرّ مَن جَهَله. إنّ العلم النافع الصالح الذي يرفع من إيمان وإنسانية وكفاءة الإنسان، والذي تُركِّز الآيات والأحاديث على طلبه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة/ 11).

لماذا العلم أولوية؟

لأنّه رأس الفضائل.. يقول الإمام عليّ 7: «يتفاضلُ الناس بالعلوم والعقول، لا بالأموال والأُصول»[27]. ولأنّه لا شرف أعلى وأرقى من العلم، وكفى به شرفاً أن يَدَّعيه مَن لا يُحسنه، كما في الرواية عنه 7: «قيمةُ كلُّ امرئٍ ما يُحسنه»[28] من علمٍ نافع يُعالج العقول والنفوس، كما يُعالج الأبدان ويُنمِّي الحياة. كان رسول الله 6 يقول: «إذا أتى عليَّ يوم لا أزدادُ فيه علماً يُقرِّبني إلى الله تعالى، فلا بُورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم»[29]، هو أولوية لأنّه أصل الخير كلّه، حتى أنّه ورد عنه 6: «العِلم حياة الإسلام وعمود الدِّين»[30].

والعلمُ أولوية لأنّ مداد العلماء راجحٌ - في مفاهيمنا الإسلامية - على دماء الشهداء، ولأنّ قليلَ العلم خيرٌ من كثير العبادة، ولأنّه بهذه المثابة والقيمة والدرجة الرفيعة اعتبره 6 فريضةً على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ.

العلم أولوية إذا كان للصلاح والرشاد ولإعمار الحياة، ولذلك أُثر عن النبيّ 6: «خيرُ العلم ما نفع»[31]، و«أنفعُ العلم ما عُملَ به»[32]، كما نُقِل عن الإمام عليّ 7.

وإنّما كان العلمُ النافع أولوية لأنّه يُنتفع به في الدنيا على عهده صاحبه، ويُنتفع به بعد رحيل صاحبه من الدنيا، فيكون صدقةً جاريةً، وسُنّة حسنةً له أجرها وأجر مَن عَمِل بها.

 

7- أولوية العمل لإثبات الذات:

لماذا (العمل) أولوية؟

الجواب: لأنّنا في الدنيا لنعمل. قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الملك/ 2)، هو غائية الخلق والهدف من الوجود. الدنيا ساحة عمل، ولأنّ مَن يعمل يزداد قوّةً، كما في الرواية عن الإمام عليّ 7، ولأنّ العمل يصحبُ الإنسان بعد موته فيُؤنسه في وحشته إن كان صالحاً.

(العمل) الصالح مع قلّته أولوية، لأنّه عملٌ مقبول: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة/ 7-8)،  وهل يقلُّ عَملٌ يُتَقبَّل - كما في الرواية -؟

هو أولوية، لأنّه سعادة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل/ 97).

ولقد كان العملُ وما يزال وسيبقى ميزةً يمتاز بها الإنسان وفضيلةً من فضائله، يثبت به ذاته، ويُعبِّر عن شكره لله - جلّ جلاله -: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ (سبأ/ 13).

 

8- أولوية (الإحسان) في التعامل:

الإحسان هو التصرُّف باللُّطف وإتيان الشيء الحَسن. ولو تَدبَّرنا مكارم الأخلاق العملية أو السلوكية لما وجدنا بعد (الصِّدق) من أسلوب للتعامل يحبّه الناس كالإحسان، ولذلك ورد عن النبيّ 6: «زينةُ العلم الإحسان»[33]، لأنّه ترجمة حيّة وعملية لعلم الأخلاق والآداب، وهل يُكسبُ الإنسانَ محبّةَ الناس إلّا الإحسان؟! لقد كان من وصايا الإمام عليّ 7: «عليك بالإحسان، فإنّه أفضلُ زراعة، وأربحُ بضاعة»[34]، ما خاب زارعه وما خسر تاجره!

هو أولوية، لأنّ الله مع المحسنين: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت/ 69).

وهو أولوية، لـ«إنّك إنْ أحسنت فنفسَك تُكرم، وإليها تُحسن»[35].

إحسان الأبوين لأبنائهم.. حقٌّ، وإحسانُ الأبناء لآبائهم.. برٌّ، وبالإحسانين نبني الأُسرة السعيدة.

إحسان الزوج لزوجته.. مودّةً ورحمةً، وإحسانها إليه كذلك.. وبالإحسانين تنمو شجرة الإحسان، وتكثف أغصانها، وتلين ظِلالها، وتتهدَّل ثمارها.

وإحسان صاحب العمل لعُمّاله وموظّفيه.. يملك قلوبهم ويدفعهم للإخلاص وخدمة العمل، وبالإحسانين تربح وتزدهر التجارات والمؤسّسات.

وإحسان الغني للفقير.. يكسبه الدُّعاء بأن يُحسن الله إليه.. وبالإحسانين: إحسان العطاء وإحسان الدُّعاء.. تكثر البركة، وتدوم الرحمة، وتتقلّص الجريمة.

الإحسان أولوية.. لأنّ ثمراته لا تنمو في موسم واحد من السنة، بل تجربة عامرة بالثمار طوال السنة.

 

9- أولوية (الثقافة العملية):

إذا أردنا أن نُقابل الثقافة العملية بمصطلح إسلامي، فإنّنا لا نجد أفضل من (التفقُّه في الدِّين)، ذلك أنّ التفقُّه لا يعني معرفة الأحكام الشرعية فحسب، وإنّما يتضمّن المعرفة العملية المترتِّبة على العلم بالشيء، ومن هنا قال النبيّ 6 لذلك الأعرابي الذي طلب منه 6 أن يُعلِّمه أو يقرأه شيئاً من القرآن فأسمعه 6 الآيات من سورة (الزلزلة) حتى إذا انتهى إلى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة / 7-8)، قال الأعرابي: «كفى»، أي إنّ هذا العلم حسبي ويكفيني منهاجاً عملياً في الحياة، فماذا قال النبيّ 6 لأصحابه؟ قال: «انصرف الرجل وهو فقيه»[36].

الفقه بهذا المعنى (ثقافة) وليست الثقافة المأخوذة في الأصل من المثقّف وهو المرجح (الاستقامة) في فهم المسائل والأُمور الشرعية، بل هي أوسع نطاقاً وأثرى معنىً، فكلّ ما تحتاجه الحياة بشتّى ميادينها من استقامة في الأداء والعطاء والإبداع هو ثقافة، وكما أنّه ليس للفقه مجال محصور أو محظور عليه لا يدخله، فإنّه ليست للثقافة حدّ محدود، هي للحياة كلّها.

ومن دلائل الفقه العمليّ قوله 6: «كفى بالمرء فقهاً إذا عَبدَ الله»[37]. والعبادة – كما هو واضح من مفهومها – ممارسة عملية. قال 6 عن عامل يعيل أخاه العابد: «أخوه أعبدُ منه»، وقول الإمام الصادق 7: «لا يكون الرجلُ فقيهاً حتى لا يُبالي أيَّ ثَوبَيهِ ابتَذَلَ، وبما سدَّ فَورَةَ الجُوع»[38]، معتبراً إكساء العاري وإشباع الجائع فقهاً، قال تعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (البلد/ 11-16). 

الثقافة العملية أولوية، لأنّ ثقافةً بلا عمل ولا انعكاساً حياتياً، هي (شحم ثقافي) مثلها ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ (الجمعة/ 5).. هي (الفهم) زائداً (التطبيق)، ولقد رُوِي عن الإمام عليّ 7 قوله: «ألا أخبركم بالفقيه حقّ الفقيه؟ مَن لم يُرخِّص الناس في معاصي الله، ولم يقُنِطهم من رحمة الله، ولم يؤمِنهم من مكر الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه»[39].

لماذا الثقافة العملية أولوية؟

لأنّنا نشكو في واقعنا من الثقافة التنظيرية أو الوعظية المجرّدة، ومن الثقافة لأجل الثقافة، أو من الثقافة الترفيّة، ونُشكل على الذين يُحسَبون في عِداد المثقّفين وهم لا يُحسِنون الأداء والعطاء في المواقف، ومن هنا فإنّ مصدرا الثقافة العملية بالنسبة لأي إنسان مسلم هما: كتاب الله وسُنّة نبيّه 6. يقول الإمام عليّ 7 في آخر وصاياه: «اقيموا هذين العمودين، واوقدوا هذين المصباحين وخَلاكُم ذَمٌّ»[40]، مستوحياً ذلك من وصيّة أُستاذه النبيّ 6 في وصيّته (بالثقلين).

القرآن بين الكُتُب والرسالات أولوية، لأنّه كما وصفه النبيّ 6 في الحديث عنه: «مَن جَعلَهُ أمامَه قادَه إلى الجنّة، ومَن جَعلَه خَلْفَه قادَه إلى النار، وهو الدليل إلى خير سبيل»[41]، فأن تجعل القرآن أمامك قائداً ودليلاً يعني أن تَتثقَّف به ثقافة عملية تسير في دروب الحياة بسعادة وصلاح وسلام.

وأولوية القرآن بالنسبة لباقي الكُتُب لا تأتي من مقارنته بها كونه الأكمل والأشمل، إذ لا يُقارن القرآن بكتاب، وإنّما أيضاً من ثقافته العملية الراقية والواسعة التي تتدخّل في كلّ حقول الحياة. في آخر وصايا الإمام عليّ 7: «الله الله في القرآن، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم»[42].

والقرآن بصفته كتاباً للثقافة العملية، أولوية لأنّه يزداد مع الأيام طراوة وجِدّة وشباباً، والله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم (أُناس) غضّ إلى يوم القيامة، كما في الأثر عن الإمام الصادق 7.

هو أولوية لأنّه شفاء من الكفر والنفاق، والباطل والانحراف. يقول 6: «القرآن هو الدواء»[43].

وهو أولوية لأنّ فيه سُنن التاريخ المطردة التي تشمل الآتين كما شملت الماضين، ومَن وعى سُنن التاريخ فكأنّما أضاف أعماراً إلى عمره، وعلوماً إلى علمه، وثقافات إلى ثقافته، ولذلك كان الإمام محمّد الباقر 7 يؤكِّد: «إنّما يَعرفُ القرآن مَن خُوطب به»[44]، ليعمل بحلاله ويدع حرامه، ويعتبر بدروسه الحيّة العملية، خاصّة وأنّه نزل بطريقة: «إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة»!.

ولذلك من الخطأ حصر آياته بأسباب نزولها، فمازال في كلّ يوم وموقف ومنعطف سبب للنزول، ودرس للحياة، وعطاء للإنسان.

 

10- أولوية (العدل) في الحكم:

(العدل) يُعدَّ عند بعض المذاهب الإسلامية أصلاً من أُصول الدِّين لقيامه بذاته في إشاعة السياسة العادلة في (الحُكم) وفي (القضاء) وفي (العلاقات)، واعتبرناه أولوية لأنّ الله تعالى أمر به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل/ 90).

والعدل (الإنصاف)، وهو ما ترجمته العملية: أحبِب لأخيك ما تحِبّ لنفسك واكره له ما تكره لها! وليس اعتباطاً أن يكون (العدلُ حياةً)، لأنّ الحياة بغير عدل (ظلمٌ) و(ظلمات) و(فوضى) و(اضطرابات) و(وحوش) و(غابات)! وقيل إنّ حكيماً تبع حكيماً آخر سبع مئة فرسخ في سبع كلمات، ومنها أنّه سأله: ما أوسعُ ما في الأرض؟ قال: العدل أوسع ما في الأرض. ولذلك أيضاً عُدَّ الكفّ (الإقلاع) عن المحارم (جمع حرام)، وعن المآثم (الذنوب)، وعن المظالم (الاعتداءات والتجاوزات) عدلاً، وكما يُعدُّ المصلِّي في الجماعة عادلاً، مثلما اعتبر المستتر عن المعاصي وعدم المجاهر بها، والكاف يده عن السرقة، ولسانه عن التجريح والأذى، وبطنه وفرجه عن الحرام، عدولاً، وغاية العدل أن يعدل المرءُ من نفسه فينصف الآخرين منها ويعاملهم بما يحبّ أن يعاملوه.

 

11- أولوية (الحبّ) في العواطف:

عواطف الإنسان كثيرة متشعِّبة؛ لكن عاطفة (الحبّ) هي الأجمل، وما عداها فإمّا تطرُّف فيه، أو خروج عن معناه. إنّ عواطف مثل البُغض، والحقد، والحسد، والكراهية، والجشع، هي عواطف غير سوية، هي (حماقات) إنسانية، ولم يبقَ من عواطف الإنسان اللّائقة به كإنسان إلّا (الحبّ).

(الحبّ) مودّة، ونفحة ربّانية من نفحات الرحمة، وغفران (المحبُّ الحقيقي غفور) ولا حبّ بلا تضحية. فأن تكون صادقاً بحبّك أن تُضحِّي من أجل مَن تحبّ، بشيء من مالك، ووقتك، وراحتك، وإيثار له على نفسك، وأن تُسعده كي تسعد بسعادته وترضيه لترضى برضاه، ومن هنا اعتبر الحبّ الصادق خُلقاً من أخلاق الكرام.

لماذا أولوية الحبّ؟

لأنّ أصالة هذه العاطفة النبيلة ناشئة عن (البذل)، ولا يكون هذا إلّا مع الصدق العاطفي، فإذا اجتمعا فإنّه يبقى طرياً محافظاً على شبابه ولن يهرم أو يشيخ أبداً، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق 7: «دليلُ المحبّ إيثار المحبوب على ما سواه»[45]، فإذا صدق هذا في عالم المحبّين والمتحابّين في الدنيا، فإنّه على العلاقة مع الله أصدق وأوثق وأليق!

وكما أنّ (التوحيد) أولوية في العقائد، فإنّ (الحبّ في الله) أولوية في العواطف، لأنّه يدوم بدوام سببه. يقول الإمام محمّد الباقر 7: «الدِّين هو الحبّ، والحبّ هو الدِّين»[46]، وهل سبب أقوى من هذا لنُقدَّمه دليلاً على أولوية الحبّ. يقول الفيلسوف (برتراند راسل): «الحبّ حكيم، والكراهية حمقاء». ومن حكمة الحبّ - كعاطفة متسامية - أن يُؤلِّف ولا يُفرِّق، ويبني ولا يهدم، ويرتفع ولا يتسافل، وينمو ولا يتراجع، ويهدي ولا يُضلّ.

وتسألني: عن أيّ حبّ تتحدّث؟

وأُجيب: عن كلّ عاطفة ميل وانجذاب صادقين للذين يوالون الله ويحبّون ما يحبّ ويفعلونه لأنّه يحبّه، ويعادون أعداءه لأنّهم أنصار الكراهية، وقد ظلمَ الحبّ وحجَّمه مَن حصره بين رجل وامرأة.. هو أرحب وأشمل.

سُئِل رسول الله 6 ذات يوم عن أحبّ الناس إلى الله؟ قال: «أنفع الناس للناس»[47].

ولئلّا نضع حواجز وفواصل بين البناء العضوي لهذا الكتاب، يُمكنك أن تربط هذه الحلقة بسابقاتها في الصدق والنفع والصلاح والإحسان والعدل.

و(الحبّ) كلّه عمل، وإن كان في ظاهره كلّه عاطفة. سُئِل رسول الله 6: «أيّ الأعمال أحبُّ إلى الله عزّوجلّ؟ قال: إتباع سرور المسلم، قيل: وما إتباع سرور المسلم؟ قال: شبع جوعته، وتنفيس كربته، وقضاء دينه»[48].. كلُّ هذا من الحبّ، إذ كيف تحبُّ فقيراً وأنت لا تسعى لدفع غائلة الفقر عنه، ولو بتطييب خاطره بكلمة حلوة؟

تُريدُ سبباً آخر لإثبات أنّ الحبَّ أولوية؟!

اقرأ عن رسول الله 6 هذه البشرى: «المرءُ مع مَن أحبّ»[49]، لا في رفقة الدنيا وهي مهما طالت قصيرة، بل في صُحبة الآخرة ودار النعيم والخلود، ذلك أنّ مَن اكتسب أخاً في الله، اكتسب بيتاً في الجنّة! وهذا هو المعنى الأكمل لوصية: «سَلْ عن الرفيق قبل الطريق».

 

12- أولوية (الاعتدال) في السلوك:

لم يكن نهيُ القرآن عن الغلوّ خاصّاً بأهل الكتاب ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ (النِّساء/ 171)، وإنّما هو نهيٌ عام شامل للكتابيين والمسلمين - على حدٍّ سواء -، فالغلوّ والتطرُّف والإفراط والتفريط ليسوا من الدِّين في شيء، بل جاءت الأديان – بلا استثناء - لتحارب كلَّ نزعة تطرُّفية متجاوزةٌ للحدّ في الحكم (مبالغةً) أو (إجحافاً)، ولتدعو إلى (الاعتدال)، على اعتبار أنّه الفضيلة بين تطرُّفين وغلوّين وإفراطين.

لماذا الاعتدال أولوية؟

لأنّه وسطيّة، خيرُ الأُمور أوساطُها.

في العلاقات العامّة: «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك هوناً ما»[50]، فلا يكن حبُّك كَلَفاً (تطرُّفاً)، ولا بُغضك تَلفاً (تطرُّفاً) لأنّ «حبَّ التناهي شطط»!!

وفي الإنفاق المالي: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان/ 67).

وفي العلاقات الزوجية: ﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ (النِّساء/ 129).

وفي طبقات الصوت: ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا﴾ (الإسراء/ 110).

وهكذا في كلّ شأن حياتي ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة/ 143)، وهل ما تعانيه المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية اليوم إلّا بعض آفات التطرُّف والغلوّ والتعصُّب ونتائج الإفراط والتفريط الوخيمة؟ ولو أنّ المسلمين أخذوا بما أوصاهم به نبيهّم 6 وآل بيت نبيّهم :: «إنّ هذا الدِّين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإنّ المنبت (راكب الناقةُ المسرع الذي يُهلك ناقته) لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»[51]، لكانوا (أسعد) الأُمم وأرقاها، وبذلك توصف اليوم الأُمم الأكثر اعتدالاً.

نموذج تطبيقي:

عندما فَكَّر الإمام عليّ 7 أن يوصي ولده الإمام الحسن 7، وهو ما يزال بعدُ صبيّاً، وضع لائحة الأولويات نصب عينيه، من خلال مستويين من النظر:

1- نظرة الأب المربِّي والمجرِّب والمندكّ في أولوياته اندكاكاً كاملاً.

2- نظرة الشاب المتطلِّع إلى حياة فُضلى ترتقي إلى مستوى اندكاك أبيه بأولوياته، ليكون الخطّ متصلاً ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران/ 34).

والنظرتان متداخلتان لقوله 7 في مطلع الوصيّة: «وجدتُك بعضي بل وجدتُك كلّي، حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبتُ إليك، مُستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فَنيت»[52].

وسنعرض للأولويات على حسب ورودها في نصّ الوصيّة ولا يهمّنا التقديم والتأخير  فيها طالما أنّها – لمن يطّلع عليها كاملة – قد راعت الأولويات مراعاة دقيقة بحسب تقدير الأب الحاني فيما يصلح امتداده، ولده الذي يُمثِّله كلّه:

1- أولوية الاتّعاظ (البناء الروحي):

«أحيِ قلبَك بالموعِظةِ، وأمِتهُ بالزَّهادَةِ، وقوِّهِ باليَقينِ، ونَوِّرهُ بالحِكمةِ، وذَلِّلْهُ بذِكرِ الموتِ، وقَرِّره بالفَناءِ، وبَصِّره فَجائِعَ الدنيا، وحَذِّره صَوْلَةَ الدهرِ وفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيالي والأيّامِ».

2- أولوية السلوك الاجتماعي السليم:

«دَعِ القَولَ فِيما لا تَعرِفُ، والخِطَابَ فِيما لم تُكلَّف، وأمسِك عن طريقٍ إذا خِفْتَ ضلالتَهُ، فإنّ الكفَّ عندَ حَيرَةِ الضّلالِ، خيرٌ من رُكوبِ الأهوالِ، وأمُرْ بالمعروفِ تَكُنْ من أهلِهِ، وأنكِرِ المُنكَرَ بيدِك ولسانِك، وبايِنْ (خالِف) مَن فَعلَهُ بجُهدِك، وجاهِدْ في اللّهِ حقَّ جهادِه، ولا تأخُذْك في اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وخُضِ الغَمرَاتِ للحقِّ حيثُ كان، وتَفقَّه فِي الدِّينِ، وعَوِّدْ نفسَك التّصبُّرَ على المكرُوهِ، ونِعْمَ الخُلُقُ التّصبُّرُ».

3- أولوية التوحيد:

«وألجِئْ نفسَك في الأُمورِ كُلِّها إلى إلهك، فإنّك تُلجِئُها إلى كهفٍ حَرِيزٍ (منيع) ومَانِعٍ عزِيزٍ، وأخلِصْ في المسألةِ لربِّك، فإنّ بيدِه العطاءَ والحِرمانَ».

ويقول في مقطع لاحق:

«واعلمْ يا بُنيَّ أنّه لو كان لربِّك شريكٌ لأتَتْك رُسُله، ولرأيتَ آثارَ مُلكِهِ وسلطانِهِ، ولعَرفْتَ أفعالَهُ وصفاتِهِ، ولكنّه إلهٌ واحِدٌ كما وَصَفَ نفسَهُ».

4- أولوية العلم النافع:

«واعلمْ أنّه لا خيرَ في عِلمٍ لا ينفَعُ، ولا يُنتفَعُ بعِلمٍ لا يحِقُّ تعلّمهُ»، أي إنّ الإسلام يُحرِّم استعمال العلم للإضرار بالآخرين، ويوجب طلب العلم لخدمة الحياة وأُمّتها.

5- أولوية التربية:

«فَبادَرتُك بالأدبِ قَبْل أن یَقسُوَ قلبُك، ویشْتَغِلَ لُبُّك، لتَستَقْبِلَ بجِدِّ رأیك من الأمر ما قد کَفَاك أهلُ التجاربِ بُغْیتَهُ وتجربَتهُ، فَتکونَ قد کُفِیتَ مَؤُونةَ الطّلَبِ، وعُوفِیتَ من علاجِ التجربةِ».

6- أولوية الوعي التاريخي:

«أيْ بُنيَّ إنّي وإنْ لم أكُنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَن كان قَبْلي، فَقد نَظرتُ في أعمالِهم، وفكَّرتُ في أخبارِهم وسِرْتُ في آثارِهم حتى عُدْتُ كأحَدِهم، بل كأنّي بما انتهى إليَّ من أُمُورِهم قد عُمِّرتُ مع أوّلِهم إلى آخرِهم، فَعرَفْتُ صَفْوَ ذلك من كَدَرِه، ونَفعَهُ من ضَرَرِه، فاستَخلَصتُ لك من كلّ أمرٍ نَخيلَهُ، وتَوَخَّيتُ لك جَميلَهُ، وصَرَفتُ عنك مَجهُولَهُ».

7- أولوية تعلُّم القرآن وأحكام الشريعة:

«وأنْ ابْتدِئَك بتَعليمِ كتاب اللّهِ عزّوجلّ وتأويلِهِ، وشَرايِعَ الإسلامِ وأحكامِهِ، وحَلالِهِ وحَرامِهِ، لا أُجاوِزُ بك ذلك إلى غيرِهِ».

8- أولوية (العدل والإنصاف) والإحسان:

«یا بُنيَّ اجعلْ نفسَك مِیزاناً فِیما بینَك وبینَ غیرِك، فَأحْبِبْ لغَیرِك ما تُحِبُّ لنفسِك، واكرَهْ له ما تكرَهُ لها، وَلاَ تَظلِمْ كما لا تُحِبُّ أن تُظلَمَ، وأَحْسِنْ كما تُحِبُّ أن یَحسَنَ إلیك، واستَقبِحْ من نفسِك ما تَستَقبِحُ من غیرِك، وارْضَ من الناسِ بما تَرضَاهُ لَهُم من نفسِك، ولا تَقُلْ ما لا تَعلمُ وإن قَلَّ ما تَعلَمُ، ولا تَقُلْ ما لا تُحِبُّ أن یُقَالَ لك».

9- أولوية التواضع:

«واعلمْ أنّ الإعجَابَ ضدُّ الصَّوَابِ وآفَةُ الألْبَابِ، فَاسْعَ في كَدْحِك ولا تَكُنْ خَازِناً لغیرِك، وإذا أنتَ هُدِیتَ لقَصدِك فَكُنْ أخْشَعَ ما تَكُونُ لربِّك»، اقرن هذا بوصيّة لقمان لولده في أن يتواضع في مشيته ولا يصَعِر خدّه للناس.

10- أولوية التفكير بالمعاد:

«واعلمْ أنّ أمامَك طریقاً ذَا مسافَة بعیدَة، ومَشقَّة شدیدَة، وأنّه لا غِنَی بك فیه عن حُسْنِ الارتیادِ، وقَدْرِ بَلاغِك من الزادِ، مع خِفَّةِ الظّهْرِ، فلا تَحْمِلَنَّ علی ظَهرِك فوق طاقتِك، فیكُونَ ثِقْلُ ذلك وَبَالاً علیك، وإذا وَجَدْتَ من أهلِ الفَاقَةِ (الفقر) مَن یحْمِلُ لك زَادَك إلی یومِ القیامةِ، فَیوافیك به غداً حیثُ تحتاجُ إلیهِ فَاغتَنِمهُ وَحَمِّلْهُ إیاهُ..». إلى أن يقول: «واعلمْ أنّ أمامَك عَقَبةً كَؤوداً، المُخِفُّ فیها أحْسَنُ حَالاً من المُثْقِلِ..».

11- أولوية الدُّعاء (الصلاة):

«واعلمْ أنّ الذي بیدِهِ خَزائِنُ السّماواتِ والأرضِ قد أذِنَ لك في الدُّعاءِ، تَكَفَّلَ لك بالإجابةِ، وأمرَك أن تسألَهُ لیعطِیك، وتَستَرحِمَهُ لیرحَمك، ولم یجعلْ بینَك وبینَهُ مَن یحجُبُك عنه، ولم یلجِئك إلی مَن یشْفَعُ لك إلیهِ، ولم یمنَعك إن أسَأتَ من التوبةِ..».

12- أولوية معرفة غاية الخلق:

«واعلمْ یا بُنيَّ أنّك إنّما خُلِقتَ للآخرةِ لا للدُّنیا، وللفناءِ لا للبقَاءِ، وللموتِ لا للحیاةِ، وأنّك في قُلْعَة ودَارِ بُلْغَة، وطریقٍ إلی الآخرةِ، وأنّك طَرِیدُ الموتِ الذي لا ینجُو منه هَارِبُهُ».

13- أولوية العقل:

«والعَقلُ حِفظُ التجاربِ، وخيرُ ما جرَّبتَ ما وَعَظَك، ومن الكَرَمِ لينُ الشِّيم. بادِرِ الفرصةَ قَبلَ أن تَكُونَ غُصَّةً؛ ليس كلُّ طالبٍ يُصيبُ، ولا كلُّ غائبٍ يؤوبُ، ومن الفسادِ إضاعة الزاد، ومفسدةُ المعاد، ولكلِّ أمر عاقبة».

14- أولوية الأخوّة في الله:

«احْمِلْ نفسَك من أخِيك عند صَرْمِهِ (قطيعته) على الصِّلَةِ، وعند صُدُودِهِ على اللُّطَفِ والمُقارَبةِ وعند جُمُودِهِ على البَذلِ، وعند تَباعُدِهِ على الدُّنُوِّ، وعند شِدَّتِهِ على اللِّينِ، وعند جُرْمِهِ على العُذْرِ حتى كأنّك لهُ عَبْدٌ وكأنّه ذو نِعْمةٍ عليك، وإيّاك أن تَضعَ ذلك في غيرِ مَوْضعِهِ، أو أن تَفْعلَهُ بغيرِ أهلِه».

15- أولوية تأمين المعاش:

«واعلمْ یا بُنيَّ أنّ الرِّزقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطلُبُهُ، ورِزْقٌ یطلُبُك، فإنْ أنتَ لم تَأتِهِ أتاك. ما أقبحَ الخُضُوعَ عند الحاجَةِ، والجَفاءَ عند الغِنَى إنّما لك من دُنْیَاك، ما أصلَحْتَ به مَثْوَاك».

العودة إلى السؤال الأوّل:

لماذا فقه الأولويات؟

الجواب مستخلصاً من نتائج البحث:

1- لمعرفة خطّ السير.. فلا يسير الإنسان على غير الطريق الصحيح، لأنّ السائر  على غير الطريق لا تزيده  كثرة السير إلّا بُعداً.

2- لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه من الاهتمام، فلا تتزاحم الأولويات فيَتقدَّم ما حقّه التأخير ويتأخّر ما حقّه التقديم.

3- الهادفية في حياة المالك لسُلّم أولوياته، فهو ينتقل من هدف قصير إلى هدف بعيد في انتقالٍ متوالٍ ينقله من صُوّة - أي حجر يُتخذ علامةً في الطريق للاسترشاد - إلى صُوّة، وصولاً إلى قمة الجبل.

4- تنظيم وتقسيم الوقت العُمري، وليس اليومي فقط، وفق جدول الاهتمامات والأولويات، وكسر الكثير من حالات الملل والكآبة والسآمة والروتين وهدر الوقت.

5- اعتماد مبدأ التوازن في تغطية الأولويات الكبرى، لأنّ الأولويات الصغرى أو الأدنى تأتي بالتبعية والضميمة ملحقةً بالأولوية الكبرى.

6- ارتقاء الهمة من (عالٍ) إلى (أعلى) لا في ترسّم خُطى الهدف والسعي لإنجازها، وإنّما بالاستزادة من (مَعين) الأولوية الكبرى، لأنّها بحدِّ ذاتها ولّادةُ هِمم ورافعةُ عزائم.

7- تحقيق مفهوم حقيقي وأصيل للسعادة، لأنّ ما نشعر به من نقص في هذا الجانب عائد في بعض أسبابه إلى أنّنا أهملنا أولويات لم نراعها في حياتنا، وكان بالإمكان لو أوليناها حظاً من الاهتمام أن تكون روافداً إضافية ونوعيّة لسعادتنا.

 

-وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-

 


[1] - تحف العقول، الحراني، ص409.

[2]- قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (لقمان/ 14-15) ليس من وصيّة لقمان، بل هو وصف الجمل الاعتراضية التي يعتمدها القرآن؛ لكنّها من صُلب الوصايا من حيث روحها ومضمونها.

[3]- الأمالي للصدوق، المجلس العاشر، رقم الحديث9، ص39.

[4]- قال تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى/ 23).

[5]- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورام، حسين بن ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري، ص371.

[6]- الأصول من الكافي، ج1، كتاب العقل والجهل، رقم الحديث1، ص10.

[7]- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل55، في حرف العين باللفظ المطلق، الحكمة51، ص466.

[8]- نفس المصدر، الفصل18، في حرف الباء باللفظ المطلق، الحكمة142، ص304.

[9]- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص4.

[10]- تحف العقول، الحراني، من وصيّة الإمام موسى بن جعفر الكاظم 7 لهشام بن الحكم، ص386.

[11]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السادس، كتاب العقل، رقم الحديث13077، ص404.

[12]- تحف العقول، الحراني، حكم ومواعظ النبيّ 6، ص54.

[13]- الأصول من الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب التفكّر، رقم الحديث5، ص55.

[14]- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل59، في حرف الفاء باللفظ المطلق، رقم الحديث19، ص482.

[15]- نهج البلاغة، الكتاب31، ص551.

[16]- المصدر نفسه، الخطبة1، ص67.

[17]- من دعاء عرفة.

[18]- نهج البلاغة، قصار الحكم، الحكمة30، ص655.

[19]- نهج البلاغة، الخطبة 114، ص274.

[20]- الأصول من الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق، رقم الحديث2، ص104.

[21]- المصدر نفسه، ص105.

[22]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد الخامس، كتاب الصلاة، ص367.

[23]- المصدر نفسه، رقم الحديث10229، ص366.

[24]- المصدر نفسه، ص368.

[25]- أمالي الطوسي، المجلد الثاني، مجلس يوم الجمعة 7 ذي القعدة سنة 457 هـ . ق، ص305.

[26]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد الخامس، كتاب الصلاة، رقم الحديث10274، ص375.

[27]- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل91، في حرف الياء باللفظ المطلق، الحكمة4، ص809.

[28]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السادس، كتاب العلم، رقم الحديث13386، ص455.

[29]- كنز العمّال، المتقي الهندي، المجلد العاشر، رقم الحديث28687، ص136.

[30]- المصدر نفسه، رقم الحديث28661، ص132.

[31]- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل29، في حرف الخاء بلفظ خير، الحكمة5، ص354.

[32]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السادس، كتاب العلم، باب خير العلم، رقم الحديث13836، ص529.

[33]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السادس، كتاب العلم، باب زينة العلم، رقم الحديث13853، ص532.

[34]- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل 49، في حرف عين بلفظ عليك، الحكمة32، ص444.

[35]- المصدر السابق نفسه، الفصل13، في حرف الألف بلفظ إنّك، الحكمة22، ص267.

[36]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السابع، كتاب الفقه، باب مَن هو الفقيه، رقم الحديث15843، ص528.

[37]- كنز العمّال، المتقي الهندي، المجلد العاشر، رقم الحديث28794، ص155.

[38]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد السابع، كتاب الفقه، باب مَن هو الفقيه، رقم الحديث15842، ص528.

[39]- تحف العقول، الحراني، حكم ومواعظ أمير المؤمنين في قصار المعاني، ص204.

[40]- نهج البلاغة، الخطبة149، ص320.

[41]- كنز العمّال، المتقي الهندي، المجلد الثاني، رقم الحديث4027، ص288.

[42]- نهج البلاغة، رقم الكتاب47، من وصيّة له للحسن والحسين 8، ص586 .

[43]- كنز العمّال، المتقي الهندي، المجلد الأوّل، رقم الحديث2310، ص517.

[44]- الفروع من الكافي، ج8، ص312.

[45]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد الثاني، كتاب المحبة، باب علامة الحبّ، رقم الحديث3075، ص209.

[46]- نور الثقلين، ج5، رقم النص49، ص285.

[47]- الأصول من الكافي، ج2، باب الاهتمام بأُمور المسلمين، رقم الحديث7، ص164.

[48]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، المجلد الثاني، كتاب المحبة، باب أحب الأعمال إلى الله، رقم الحديث3126، ص220.

[49]- كنز العمّال، المتقي الهندي، المجلد التاسع، رقم الحديث24684، ص11.

[50]- نهج البلاغة، الحكم القصار، الكتاب31، ص712.

[51]- السنن الكبرى للبيهقي، ج3، كتاب الصلاة، ص18.

[52]- نصوص الوصيّة واقتباسها من (نهج البلاغة) في كتاب لـه 7 يوصي به ابنه الإمام الحسن 7.

ارسال التعليق

Top