• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أيّها الشاب.. كن مستعداً لبناء المستقبل

عادل الصويري

أيّها الشاب.. كن مستعداً لبناء المستقبل

◄كلّما فكّر الإنسان جدياً ببناء ذاته بناءً مستقبلياً؛ زادت الفرص والآفاق التي ستتفتح له، وعندها ستكون مهمّته في اجتياز العقبات أسهل، خصوصاً لو توفرت كلّ العوامل الصحيحة لإدراك البناء المستقبلي، وأهم هذه العوامل تلك التي تتعلّق بتهيئته لهذا البناء منذ الصغر، فالانتباه لبنائه لذاته في عمر مبكر أفضل بكثير من الانتباه المتأخر. وهنا تلعب التنشئة الاجتماعية دورها في أن تكون المحور الرئيس للبناء المستقبلي الذي ينأى عن الأهداف والتطلُّعات المرحلية والوقتية.

ومن أساسيات البناء المستقبلي المبكر للذات الإنسانية هو الوقوف الوسطي والواعي في الصراع المحموم بين الأصالة والحداثة، فالمعركة بين المصطلحين ومَن يتبناهما كخيار للحياة،

ولن تهدأ ــ على ما يبدوــ المعركة بينهما، في ظل تخندقات أنصار المصطلحين من دون مبادرة أحدهما بتقديم تنازلات للآخر. فالطرف الأوّل يرفض المساس بمسلماته، بينما يطالب الطرف الثاني بعدم اعتبار الموروث من المعطيات الحتمية من دون إخضاعه للنقاش والمحاورة واعتماد ما هو صالح منه ليندمج في مراحل التطوّر التاريخي؛ لاختلاف الحياة وطقوس ممارستها بين الأزمنة المتعاقبة، وفي قسم آخر من هذا الطرف يدعو إلى نسف هذا الموروث بالكامل!.

ومع هذا الانقسام الحاد والمتواصل كيف يمكن بناء الأجيال القادمة وتهيئتها لصناعة المستقبل؟ ما الذي سنجنيه من كلّ هذه الانقسامات غير أنّنا سنُسهم بإنتاج أجيال مأزومة فكرياً ومعرفياً، وهكذا تتناسل الانقسامات من مرحلة لأُخرى والنتيجة الحتمية ستكون المزيد من الفوضى والتيه، وفي أفضل السوء سنصل لمرحلة بناء وفق تصوّرات مرحلية ووقتية خالية من إستراتيجية المستقبل.

وقد تكون بعض التطلُّعات المرحلية مبرراً واقعياً للاستمرار وخصوصاً عند الشريحة المجتمعية الأهم، وهي شريحة الشباب، ومن هذه التطلُّعات مثلاً إكمال الدراسة، وإيجاد الوظيفة اللائقة، لكنّ مثل هذه التطلُّعات قد تتحوّل إلى معوّق رئيس ويتحوّل إلى عصا تُوضع في دواليب التخطيط الإستراتيجي لبناء إنسان المستقبل، إنسان القيم العُليا وليس إنسان المنفعة خصوصاً عندما ترسخ السياسات العُليا للدولة مثل هذه التطلُّعات.

عندئذ تترسخ قيمة البناء الوقتي، فيتعيّن الشاب وفق سياقات تلعب المحسوبية والحزبية دوراً فيها، فيكون أقصى همه الوصول إلى نهاية الشهر من أجل قبض المرتب الشهري الذي يساعده على سدِّ تكاليف الحياة اليومية في الوقت الذي تغادر ذهنيته تماماً قضية بناء الذات المستقبلية.

إذن، نحن بصدد التفكير ببناء الإنسان وفق التصوّرات المستقبلية، على أن يكون البناء مبكراً وتشترك فيه العوامل ذات العلاقة الوثيقة بالتنشئة المجتمعية، ومن أهمها بكلّ تأكيد النُّظم التربوية التي تكون بالنسبة للدول المتقدّمة في صدارة الاهتمامات؛ لإدراكها أهميّة هذه العملية وقيمتها المعرفية في صياغة الأُطر المستقبلية والحضارية للمجتمعات التي تنشد الرقي والتقدّم.

وقد نسأل هنا: لماذا لم تنجح النُّظم التربوية عندنا في إيجاد مناهج تحقّق نقلة نوعية في عملية إعداد الأجيال الواعية؟ ولماذا لم يتم تشخيص الخلل الحقيقي لهذه المشكلة؟ سؤالان جوهريان هما في خضم مسؤولية المهتمين بصياغة المستقبل المضيء والمتخلّص من أشكال الفقر العلمي على مستوى الأبجدية والتكنلوجيا، خصوصاً بعد الإحصائيات المخيفة عن عدد الأُميين في أوطاننا من الرجال والنِّساء والتي تشير إلى عدم إمكانية القضاء على الأُمية في صفوف الرجال حتى عام 2025، أُمّا أُمية النِّساء فإنّ القضاء عليها قد يمتد إلى عام 2040، ولنا أن نتخيل المستوى الذي يمكن أن تصل إليه مجتمعاتنا من التخلُّف في ظل السرعة الانفجارية في التقدّم على مستوى العلوم.

والجواب على هذين السؤالين هو أنّ النُّظم التربوية عندنا؛ هو غياب الغاية المستقبلية عن ذهنية القائمين على وضع المناهج، لذلك لاحظنا ونلاحظ عمليات التغيير المستمرة للمناهج الدراسية خلال سنوات قريبة، الأمر الذي أربك الجميع من مدرسين وطلبة، فصار هم المُدرّس هو إيصال المادّة المنهجية خلال المدّة الزمنية الممنوحة له، وصار هم الطالب هو النجاح حتى ولو من دون فهم المنهج المتغير بين فترة وأُخرى، فضلاً عن الصراع الأزلي بين المنحازين لمناهج تعتمد الموروث، وآخرين ينحازون لمناهج تنسجم وواقعنا الذي تشكّل العولمة أهم أيقوناته، وكأنّ عملية إحداث التوازن أمر مستحيل عند الفريقين.

وفي حقيقة الأمر؛ ليس للمتصدي لعملية وضع المناهج أن ينطوي على كلاسيكية تقليدية بليدة تعتمد النقل الآلي للمعلومات وفرضها على المتلقي بوسائل تسلطية، وبنفس الوقت عليه الانتباه من الانفتاح الفوضوي غير المشروط ؛ لأنّ ذلك سيزيد المسألة تعقيداً. وهذا يعني أنّ مسؤوليته كبيرة أيضاً في تجديد نفسه وتطوير قدراته وإمكانياته، ممّا يتطلب استنفار معرفي من المؤسسات المختصة في اعتماد هياكل تربوية ناضجة قادرة على الربط بين تقنيات الحداثة والعولمة، والتفاعل مع مستجدات الثورة المعلوماتية، وبين الأُصول والموروثات التي تعبّر عن خصوصية الأجيال وهُويّتهم الثقافية والحضارية، وهذا هو السبيل الأمثل لخلق أجيال تفكّر بالمستقبل المضيء، وليس الأجيال الراكدة في وقتها ومرحلتها.►

ارسال التعليق

Top