دخل طفل صغير إلى محل تسوق وجذب صندوق كولا إلى أسفل كابينة الهاتف. وقف الفتى فوق الصندوق ليصل إلى أزرار الهاتف وبدأ باتصال هاتفي...
انتبه صاحب المحل للموقف وبدأ بالاستماع إلى المحادثة التي يجريها هذا الفتى.
قال الفتى: "سيدتي، أيمكنني العمل لديك في تهذيب عشب حديقتك"؟
أجابت السيدة: "لدي من يقوم بهذا العمل". قال الفتى: "سأقوم بالعمل بنصف الأجرة التي يأخذها هذا الشخص". أجابت السيدة بأنّها راضية بعمل ذلك الشخص ولا تريد استبداله.
أصبح الفتى أكثر إلحاحاً، وقال: "سأنظف أيضاً ممر المشاة والرصيف أمام منزلك، وستكون حديقتك أجمل حديقة في مدينة بالم بيتش فلوريدا"، ومرة أخرى أجابته السيدة بالنفي... تبسم الفتى وأقفل الهاتف.
تقدم صاحب المحل – الذي كان يستمع إلى المحادثة – إلى الفتى، وقال له: لقد أعجبتني همتك العالية، وأحترم المعنويات الإيجابية فيك وأعرض عليك فرصة للعمل لدي في المحل.
أجاب الفتى الصغير: "لا، وشكراً لعرضك، غير أني فقط كنت أتأكّد من أدائي للعمل الذي أقوم به حالياً. إنّني أعمل لهذه السيدة التي كنت أتحدث إليها".
يشير مفهوم "الذكاء الذاتي" إلى معرفة الفرد الجيدة بذاته واتّخاذ قرارات وتحديد أهداف على أساس هذه المعرفة الواعية والدقيقة بالذات، وكذلك توجيه المشاعر والأفكار والاحتياجات والتعامل مع هذه المشاعر بوعي. وتتضمن هذه المعرفة بالذات: المشاعر والحالات المزاجية والرغبات، وكذلك طريقة التفكير والكيفية التي يحصِّل بها المعرفة، وأيضاً الحوافز الداخلية والدوافع، ونقاط القوّة والضعف، والأهداف والنوايا.
ملاحظات مهمة..
كيف أتعرّف على هذا النوع من الذكاء؟
رغم صعوبة قياس هذه القدرة ومدى وجودها، فإنّ الدلائل يمكن أن تلاحظ في الأطفال أثناء استخدامهم ذكاءاتهم الأخرى:
- مدى معرفتهم مسبقاً بالطريقة التي سيتعلمون بها، أو يفكرون بها.
- مدى معرفتهم بنقاط قوتهم وضعفهم.
- القدرة على اتّخاذ قرارات واختيارات مبنية على هذه المعرفة بذاتهم.
- يعتمدون على حوافزهم الداخلية أكثر بكثير مما يعتمدون على ثناء أو مكافأة خارجية.
- يمكن أن يعبر جيداً عما يحب وما لا يحب.
- يمكنه التعبير عن مشاعره.
- لديه ثقة في قدراته.
- يمكن أن يحدثك عن أهداف له، وأحلام يريد تحقيقها.
- يفكر تفكيراً جاداً في أن يكون له عمل خاص في المستقبل.
- يحتفظ بمفكرة يدون فيها أفكاره، أحلامه، مشاعره، معارفه الجديدة.
- يفهم نفسه جيداً ويركز على أحاسيسه الداخلية وأحلامه.
- يتابع ويواصل أهدافه، واهتماماته.
- لديه هوايات خاصة لا يعرف بها أحد، ولا يطلع عليها أحد.
- يحب الانفراد بنفسه.
- أثناء قراءة القصص يمكنه أن يتبين الشخصيات التي تفكر وتشعر مثله.
- يمكنه أن يعرف – كنتيجة لمعرفته بنفسه – أي المواقف التي عليه تجنبها، وأيها يمكنه الانخراط فيها.
- يجب أن يكون مجدداً، مبتكراً.
- يعرف حدود نفسه ويرحب بالمغامرة.
- يتقبل المسؤولية عن تصرفاته.
- يتقبل المغامرة والتجربة.
- مثابر، يسير قدماً نحو ما يريد وإن واجهته عوائق.
- يتقبل آراء الآخرين فيه، ويعرف الصواب منها والخطأ.
- يتمتع باستقلالية، ومسؤولية عن تصرفاته.
- لديه عدد قليل من الأصدقاء الحميمين.
- يستخدم حديثه الداخلي مع نفسه ليتعلم شيئاً ما، أو يفكر في شيء ما.
- يشعر بثقة كبيرة في نفسه.
- نادراً ما يطلب مساعدة أحد في حل مشكلاته الشخصية.
- يستمتع بالأنشطة الفردية.
- يحب كتابة وقراءة القصائد والتأريخ العائلي، والسير الذاتية، والتراجم.
- يمكن أن يؤدي بعض الأعمال الفنية.
- يحب كتابة المذكرات.
- جيد في التفكير، والتخطيط، والتخيل.
يتعلم جيداً عن طريق:
- العمل بمفرده، خاصة في أماكن خاصة به.
- منحه وقتاً للتفكّر، ودمج الجديد الذي يتعلمه مع معارفه وخبراته القديمة.
- وكذلك منحه فرصة ليكوِّن وجهة نظر خاصة.
في الوعي.. قوّة:
كيف يمكننا أن نقوي هذا النوع من الذكاء؟
- تبصير الطفل بقدراته المختلفة.
- تعليم الطفل كيفية وضع أهداف (قصيرة وطويلة) ملائمة لقدراته، والتخطيط للوصول لها.
- مساعدة طفلك ليضع خطة للتنمية الذاتية لينمي مهاراته وقدراته المختلفة.
- تعليم الطفل تدوين مذكرات خاصة به ليسجل بها: أفكاره وتتابعها، مشاعره ومسبباتها، أهدافه ودوافعه نحوها، ما يمرّ به من أحداث وأثرها عليه.
- تعليم الطفل الانتباه لأحلامه ومساعدته في تحليلها.
- تعليم الطفل مهارات التفكير المختلفة خاصة التفكير النقدي.
- تعليم الطفل الاسترخاء، والتفكر. (يمكن أن ينتظم في لعبة اليوجا).
- امنحه مكاناً هادئاً ليستمتع بالخلوة فيه.
- اترك له حرية أن تكون له طقوس وعادات خاصة.
- تعليم الطفل الاستقلالية في التفكير والقرار.
- وفر له تراجم، وقصص حياة لمن يحبهم من الشخصيات المؤثرة في هذا العالم.
- حاول أن تتبين أطفالاً لهم نفس ذكائه ليصادقهم ويقضي وقتاً معهم.
- قدر هذا النوع من الذكاء، وأعلمه به، وبكيفية تنميته، وفرص نجاحه.
- ساعده ليكتب قصة حياته.
- ساعد طفلك على أن يمارس الحديث الذاتي (مع النفس) لينجز أعماله.
- عرفه بوجود مشاعر وقدرات مختلفة وساعده للتمييز بينهم.
- ساعده ليتبين المشاعر المختلفة للشخصيات التي تمرّ به، أو عن طريق القصص التي يقرؤها.
- أشركه في وضع قوانين خاصة للبيئة التي يعيشها فيها، واطلب منه أن يحدد بنفسه تبعات لسلوكه.
- عزز لديه تقدير الذات.
أنشطة ذهبية:
النشاط الأوّل: المرآة:
- اطلب من طفلك أن ينظر في المرآة.
- اسأله: ما ملامحه المميزة؟ مَن يشبه؟ ما الذي يجعله مميزاً؟
- اطلب منه أن يرسم صورة لنفسه. ويتحدث عنها، بينما يتحدث سجّل ما يقول، وأعد حكي ما قال في قصة.
- أخبره بشعور معين مثلاً: "غاضب، حزين، سعيد..."، واطلب منه أن يغير تعبيرات وجهه لتناسب كلّ شعور. وينظر في المرآة ليعرف تعبيرات وجهه المختلفة مع المشاعر المختلفة.
النشاط الثاني: صف نفسك:
- اكتب على ورقة حروف اسم طفلك، وحروف اسمك.
- اطلب منه أن يكتب لكلّ حرف من اسمه صفة أو جملة تعبر عن شيء مميز فيه صفاته، أفكاره، آرائه، مزاياه، أشياء يمكنك عملها.
- ثمّ ناقش مع طفلك هذه الصفات: ما سببها؟ كيف اكتسبها؟ مزاياها، ما أثرها عليه؟ كيف يمكنه تغيير إحداها؟ كيف يمكنه تنمية الصفات الإيجابية الأخرى؟
- ما أثر هذه الصفات على دراسته؟ علاقته بأصحابه، علاقته بإخوته، أبويه؟
النشاط الثالث: ناقش:
- اطلب من طفلك أن يذكر لك ثلاث وجبات، ثلاث مناسبات، ثلاثة أوقات كان لها أثر قوي على نفسه. لماذا؟ ساعده ليتذكر مشاعره في هذه الأوقات. ولماذا كان يشعر بهذا الشعور؟ ومتى أيضاً يمكنه أن يشعر الشعور نفسه؟ إذا أراد أن يشعر شعوراً ما.. كيف يمكنه أن يصل إليه؟
- عند قراءة قصة: اطلب من طفلك أن يتخيل أنّه شخصية معينة في القصة: من هي؟ وما صفاتها؟
- كيف كان يتصرف هو بشخصيته الحقيقية لو أنّه مكان هذه الشخصية في القصة.
- وكيف يمكن أن تتصرف هذه الشخصية مكانه في المواقف التي يتعرض هو لها؟
النشاط الرابع: درّب طفلك على الحديث الذاتي:
ساعده لينظم تفكيره عن طريق الحديث مع نفسه عما يفعله.
ناقش معه ما يلي:
- هل يحدِّث نفسه؟ هل يسمع أصواتاً في عقله؟
- متى يسمع هذه الأصوات أكثر، هل في أماكن معينة أو ماقف معينة: كالإقدام على مهمة يعتبرها صعبة، أو الشعور بفرحة غامرة؟
- متى حدَّث نفسه آخر مرّة؟
- كيف يحدِّث نفسه، هل يحرك شفتيه مثلاً أم أنّه يحدث نفسه بلا حركة مصاحبة؟
- هل يتحدَّث لنفسه أم لأشخاص آخرين؟
- هل يتدرّب أو يمثل موقفاً سيحدث في المستقبل؟
- هل حدث أن تحدث إلى زهرة، حيوان، نبات...؟
- هل يتحدّث لنفسه أثناء حواره أيضاً مع أشخاص آخرين؟
- هل يفيده الحديث مع نفسه في تهدئة مشاعره مثلاً، أو تشجيع نفسه...؟
النشاط الخامس: اصنع كتابك الخاص:
ساعد طفلك ليصنع كتاباً خاصاً عنه يسجل فيه قصة حياته من خلال ما يلي:
اطلب من الطفل جمع صور له في مناسبات معينة سجل تأريخها والتعليق عليها: مشاعرك، المناسبة، بم كنت تفكر في هذه الأثناء؟ رأيه في هذه المناسبة...
يمكن أن يسجل تطوراته الجسمية: طوله، وزنه، تغير ملامح وجهه.
صورة للعبته المفضّلة، حكايات عن هذه اللعبة، كيف يلعب بها، لماذا يحبها؟ من أهداها إياه؟ ما شعوره الخاص تجاه اللعبة، وتجاه من أهداها له؟
صور للعائلة.. الأماكن التي زارها، مدرسته، الملعب الذي يتدرب فيه...
اجعل مكاناً خاصاً لتسجيل الإنجازات:
- شيئاً جديداً تعلمه.
- معلومة جديدة.
- كلمة جديدة.
- صفة جديدة بدأت في الظهور، وأسباب ظهورها.
- قدرة جديدة.
النشاط السادس: نهاية اليوم:
في نهاية اليوم اقض وقتاً مع طفلك لتحليل أحداث اليوم، يمكنك أن تستخدم مذكرته الخاصة، أو الكاسيت لتسجل الحوارات بينكما:
ما أكثر الأحداث المؤثرة في هذا اليوم؟ ما سبب اهميتها بالنسبة له؟
ما المشاعر التي مرّ بها أثناء هذا اليوم؟ (اسمها – أسبابها...).
إذا كان من الممكن أن نضيف أو نحذف حدثاً، فما هو؟
إذا كان من الممكن أن نعنون هذا اليوم، فما العنوان الذي يختاره؟
إذا كان هناك شخص ما كنت تتمنّى لو أنّه معك في هذا اليوم، فمن يكون؟
اعتبر أنّ اليوم مقسم لعدة مشاهد يمكنك التحكم في إعادة ترتيبها: أي الأحداث كنت تحب أن تكون قبل غيرها؟
الكاتب: د. ناصر الشافعي
المصدر: كتاب اكتشف مواهب طفلك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق