• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإفطار على التمر.. دعوة للتفكير

تيسير الزايد

الإفطار على التمر.. دعوة للتفكير
صحن مملوء بالرطب، وصحن مملوء بالتمر، وكأس ماء، وإنتظار لصوت المؤذن بالمسجد القريب، ولسان يتمتم بالدعوات، وقلب يملؤه الرجاء بالقبول والغفران، وما أن تمضي دقائق حتى يتحول التمر إلى نوى، ويبدأ يوم جديد من الطاعات أو الأشغال. في هذا الموضوع سنحاول أن نسبر غور تلك التمرة، ونصل إلى قلب الرطب لنتعرف عليها بشكل أكبر، وننظر إليها من زاوية مختلفة. وحتى نقترب من التمرة أكثر علينا أن نتعرف على أجزائها المختلفة، وفي السطور التالية بعض المعلومات عن الرطب وأجزائه.   - الرطب والتمر: يقول تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم/ 23-25). التّمْرُ: حمَل النخل، إسم جنس، واحدته: تَمْرة، وجمعها، تَمَرات، والتُمران والتُّمورُ: جمع التمر، ورجلٌ تامرك ذو تمر، والتَّمّار: الذي يبيع التمر، والتمريُّ: الذي يحبه، والمُتمر: الكثير التمر، وأثمر الرجل: إذا كثر عنده التمر، وقيل الثمر: هو الرُّطَب في رأس النخلة، فإذا كبر فهو التمر. الرطب: يحتوي على نسبة عالية من السكريات الأحادية والثنائية الجلوكوز والسكروز بما لا يقل عن ربع إلى نصف وزن الحبة الواحدة من الرطب و65-70 ماء، والتمر يختلف قليلاً عن الرطب بزيادة نسبة السكر فيه، والتي تصل من نصف إلى ثلاثة أرباع وزن حبة التمر، وقلة نسبة الماء التي تصل إلى ربع الوزن تقريباً، والرطب والتمر بهما نسبة كبيرة من السكريات ومن الماء، وسكر التمر من السكريات البسيطة السهلة والسريعة الإمتصاص أي أنه خلال دقائق يمتص السكر ويصل إلى الدم.   - أجزاء التمرة الداخلية: 1- الفتيل: الفتيل خيط في نواة التمر، بين فلقتي النواة، ورد ذكره في القرآن الكريم في ثلاث آيات: الأولى: قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا) (النساء/ 49). والثانية: قوله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا) (النساء/ 77). والثالثة: قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا) (الإسراء/ 71). 2- النقير: النواة أحد رؤوسها مؤنف مدبب كالإبرة، ورد ذكره في القرآن الكريم في آيتين: الأولى: قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) (النساء/ 53). والثانية: قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 124). القطمير: القشرة الصغيرة التي على نواة الرطب كاللفافة لها، والقطمير يعادل 12 ذرة، هو يساوي 0.00000276 جرام. لم يرد ذكره في القرآن الكريم إلا في آية واحدة؛ وهي قوله تعالى: (.. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (فاطر/ 13). الفتيل، والنقير، والقطمير كلها متقاربة في المعنى، وبينها فروق دقيقة، ويستعمل كل واحد منها كناية عن الشيء القليل، وبها يضرب المثل للشيء التافه الحقير. 4- النوى: وهو الجزء الصلب داخل الرطب أو التمر، ويحتوي على الجنين والمواد المغذية له، والتي تعطي نخلة جديدة بمشيئة الله عندما تتوافر لها الظروف المناسبة، وورد ذكر النوى في القرآن الكريم مرة واحدة في آية: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (الأنعام/ 95).   - التمر والرطب في حياتك: كُتب الكثير عن فوائد الرطب والتمر لصحة الإنسان، وألّفت أبحاث عما تحتويه الحبة الواحدة من معادن وفيتامينات وألياف، وما تشفيه من أمراض، ونحن هنا لسنا بصدد التحدث عن هذا، فبمجرد ضغطة زر ستجد الكثير من تلك المعلومات، ولكنننا سنناقش التمرة وحبة الرطب من منحى آخر، وسنسقط المعاني المختلفة لتلك الثمرة على حياتنا، بحيث نتذكر ما نريد أن نكونه كل يوم عندما نتناول التمرة على الإفطار. الرطب ذكر في القرآن بلفظ "جنياً"، وحتى تفسير رؤيته في الحلم تعني الرزق الحلال والشفاء والفرج، فهل تحب أن تكون رطباً جنياً؟ إجابتك بنعم ستعني أنك لابدّ أن تكون رمزاً للخير، في أي مكان تنزل فيه تنشر البشر من حولك، وتقدم المساعدة، وتقف مع المحتاج، وتفيد الآخرين بشيء تعرفه، قال رسول الله (ص): "أحب الناس إلى الله أنفعهُم؛ وأحب الأعمال إلى الله، سرور وتُدخِله على مُسلم وتكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً؛ ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً. - الفتيل: لا تستصغر عملا تعرف أنه يغضب الله فتقوم به، أو تستصغر عمل خير فلا تقوم به، حتى ولو اتقيت النار بشق تمرة، فالله العدل لا يظلمك فتيلاً، ولا تزكي نفسك فالله سبحانه وتعالى يزكي من يشاء من خلقه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا) (النساء/ 49). - النقير: تذكر أنّ الله سبحانه وتعالى لا يظلم الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم مقدار النقرة التي على ظهر النواة في القلة، فكيف بما هو أعظم من ذلك وأكثر.. فأعمل الخير، وقم بالطاعات والعبادات وأنت مطمئن، فإن من يراك ويحاسبك هو الكريم. - القطمير: توكل على الذي لا يموت، واعلم أنّ الخير كله بيد الله، وأن ليس هنالك من يستطيع أن ينفعك أو يضرك إلا بإذن الله، وكن على يقين أنّ الأمور كلها بيد الله كبيرها وصغيرها، فلا تخف إلا الله، ولا ترجُ إلا الله، واعلم أن لا أحد يملك من هذا الكون حتى ولو وزن قطمير. - النواة: كلما أحسست أن هناك عقبات تقيدك، أو ذنوباً تندم عليها تذكر كيف تنشق النواة بقدرة فالق الحب والنوى عن معجزة في الخلق، لتعطي شجرة جديدة وحياة جديدة.. تعلم من أخطائك، وابدأ حياة جديدة، فأنت تتعامل مع الغفار والتوّاب والرحيم. تعلم من النواة فهي بالرغم من صغر حجمها إلا أنها بداية لشجرة عملاقة يستظل بها العالم والجاهل، ويتناول تمرها الصغير والكبير، ويحبها ويحرص على زرعها الكل.

كن نواة للخير، وضع نفسك وإمكانياتك في ظروف جيِّدة وملائمة، حتى تستطيع أن تنتج وتعطي، وتظلل الآخرين.

ارسال التعليق

Top