كيف استطيع أن أتغلب على حسن ظني الدائم بالآخرين و طيبة قلبي التي دوماً تجعلني ودودة ولبقة ولطيفة معهم وإن كانوا غرباء فيستغلون ذلك وخاصة وأنا أشعر أن طيبة القلب سمة ملاصقة لمن أراد أن يظهر في شخصية ضعيفة فالناس الآن يحترمون من هو قاس أو حتى من يظلمهم لا من يرحمهم فلا يحسبون له حساب وخاصة أني لا أرغب في أن أورث حسن الظن والطيبة لأطفالي لأن الدنيا لن تستقيم لهم بذلك.
طيبة القلب وسلامته نعمة كبيرة من الله تعالى، لأن الانسان بذلك سوف لايضمر شراً لا لنفسه ولا لغيره ويحب الخير ويتمناه للجميع، وقد قال تعالى:
(يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم) (البقرة/ 89).
وورد في الأثر : (إنزع الشر من غيرك بنزعه من نفسك)
لذا فلا يجب أن تدفع بعض التجارب المرة مع الآخرين الى التخلي عن ميزة ممتازة كطيبة القلب وسلامته وحب الخير والدعوة اليه..
وينبغي أن نعرف ان الناس ليسوا سواء فمنهم لايقابل الاحسان بالاحسان، بل ربما يقابلها بالاساءة لذا قيل: (إتقِ شر من أحسنت اليه) ولكن ذلك لايكون مدعاة للكف عن عمل الخير ومساعدة الآخرين، بل مدعاة لأن تكون توقعاتنا من الغير واقعية، فلا ننتظر دوماً أن يقابلونا بمثل ماعاملنا هم به، فالمجتمع كالأرض تسقيها وفيها النبت الصالح الذي يعطيك الثمرة الطيبة وفيها مافيها من الاعشاب التي لاتنفع والحشرات الضارة وغيرها.
من جهة أخرى فإن طيبة القلب لا تعني لزوماً حسن الظن والثقة بالغير مطلقاً، فإذن ذلك قد يؤدي الى الوقوع في الفتن والانجرار الى مصائب لاتحمد عقباها.
طيبة القلب، نظافة الداخل ونوره وضيائه، ولايعني ذلك لزوماً أن المحيط الخارجي نظيفاً وأن داخل الناس جميعاً نيراً ومضيئاً، بل الناس معادن، وفيهم الصالح والطالح، بل فيهم أبناء الشيطان وجنوده، فينبغي التعامل معهم باحتياط وحذر، حتى يتبين المؤمن من الفاسق، والمخلص من الخائن، والأصدقاء الصالحون من رفاق السوء، وقد ورد في الأثر :(سوء الظن من حسن الفطن) وهو بمعنى النظر الى الأمور نظرة تفحص وتدقيق حتى يطمئن الانسان ويتعامل بعد ذلك على اساس من الثقة، وهي لاتكون ثقة مطلقة أيضاً، بل ثقة يرافقها دوماً التبين والتبصر، لأن الانسان الصادق والصالح قد يخطأ، وقد تغيب عنه الحقيقة، وقد يتوهم، وقد ينقل عن الاخرين دون تبين، لذا فإن دليلنا الى الحق، الحق نفسه، لا الناس، مهما قربوا ومهما وثقنا بهم, وقد ورد عن علي أمير المؤمنين (ع) قوله : (إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف أهله ) (ميزان الحكمة /مجلة 2/ص 473).
ومن المفيد هنا أن نقرأ القرآن ونتعظ بما فيه من قصص الانبياء، كقصة يوسف (ع) وخيانة أخوته له، وقصة النبي صالح وموقف قومه منه، وقصة زوجة ثمود وابن نوح وغير ذلك من الأمثال التي تعطينا الدليل تلو الدليل على أن الانسان مسؤول عن نفسه ويجب أن يحفظها من زلات غيره ويصونها بالتقوى والعمل الصالح... وأن الناس فيهم غير الصالح وان كان ذا قربى.
ومن ثم ينبغي تدريب النفس والاعزاء من الأهل والأولاد على التثبيت والتبصر في الحياة، فلا يصدقون كل مايسمعون ولايسلمون بكل من يلتقون، ومما لاشك فيه بأن ابناء الشخصية واكرام النفس بالعلم والفضائل له دور كبير في ذلك.
ومن المهم جداً أن تبنى شخصية الانسان على الاستقلال وحرية الاختيار المصحوبة بالشعور بالمسؤولية، ومن هنا يأتي ضرورة اعطاء الأولاد فرصة في الاختيار دون اكراهم على القيام بالأعمال دون رغبة، أو صدهم عن ابداء الرأي، فإن الانسان الذي تنسحق ذاته و يكبت رغباته سيكون سهل الانقياد وللاخرين ويفقد حرية الإختيار والتعامل مع الغير بمتانة وحكمة.
إذن لابد أن نعلّم الاولاد وندربهم على السؤال عن طبيعة الأشياء وحقيقة الأمور، فلايقدموا على أمر إلا بقناعة وبصيرة، ولايثقوا بشخص إلا بعد معرفة وتجربة، فلايقولوا: نعم، لكل طلب، بل يتدربوا على الامتناع عن العروض السيئة وقول لا عندما لا يرغبون في أمر أو لا يلائمهم ذلك، والبيت هو مدرسة الطفل الأولى ومصنع شخصيته.
ومن الطبيعي ان منهج التربية هذا يتناسب مع عمر الطفل ودرجة نموه، فكلما كبر ،كلما كانت له مساحة أكبر من الحرية وفرصة أكثر للاختيار، ومن ثم تنمو التربية الصحيحة الى أن يكون الولد مكتمل العقل ومختاراً ومسؤولاً عند بلوغه ورشده.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق