• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإنفاق لدى أُولي الألباب

أسرة البلاغ

الإنفاق لدى أُولي الألباب
    قاعدة الإنفاق الشرعية تقوم على كفالة المجتمع بعضه لبعض فيما يسمّى بـ(التكافل الاجتماعي).

·      منطلقات الإنفاق

·      الإنفاق وتحرير الذات

·      الإنفاق والانتماء الاجتماعي

·      الإنفاق في إطاره التشريعي

·      إشاعة الإحسان

 

منطلقات الإنفاق:

الإنفاق من الصفات التي يتمتّع بها أولو الألباب – أولو العقول – الذين يفكّرون في حياتهم العملية من خلال منطلق العقل الذي يدفع الإنسان إلى أنْ يتحرّك في كلّ ما ينفعه، ويبتعد عن كلّ ما يضرّه، وهو ما ذكره سبحانه وتعالى في قوله: (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (الرّعد/ 22). فمن خصائص هؤلاء أنّهم ينفقون ممّا رزقهم الله في السرّ تارةً، وفي العلانية تارةً أخرى.

وفي هذه الفقرة من الآية، نبحث عدّة نقاط:

النقطة الأولى: لو أراد الإنسان أن يُنفق على أصحاب الحاجات، أو على أعمال الخير، فهناك أسلوبان:

الأوّل: أسلوب الإنفاق في السرّ، وهو يُمثّل الحالة التي يُراد بها سدّ حاجة الإنسان المستور، والذين وصفهم سبحانه وتعالى في كتابه (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) (البقرة/ 273)، هؤلاء الذين ربّما يشعرون بالوهن والضعف بحسب أوضاعهم النفسية، أو ظروفهم الاجتماعية، إذا ما قدِّم لهم الإنفاق بطريقة علنية، ففي مثل هذه الحالة، يريد الله لمن يُنفق في سبيله أن يحفظ كرامة المُنفَق عليه، كما يسدّ حاجته في الجانب المالي.

الثاني: أسلوب الإنفاق في العلانية، والإنفاق ضمن هذا الأسلوب يتحرّك في الحالات التي يُراد بها تشجيع الناس على الإنفاق. فهناك البعض من الناس يتشجّع على العطاء عندما يجد غيره يبادر إلى ذلك، ففي مثل هذه الحالات، يُستحبّ الإعلان من أجل تشجيع الناس على الإنفاق في هذا الاتجاه، كما نلاحظ ذلك في الأعمال الخيرية التي يُراد حشد تبرّعات الناس وصدقاتهم عليها، أو عندما يقوم الإنسان بالدعوة إلى مساعدة الأيتام والفقراء.

فالإنفاق في السرّ خيرٌ حين يكون السرّ هو حفظ كرامة صاحب الحاجة، والإنفاق العلني خيرٌ عندما تكون المصلحة في تشجيع الناس على الإنفاق والتبرّع والتصدّق.

 

الإنفاق وتحرير الذات:

والنقطة الثانية: كيف ربط الله سبحانه وتعالى مسألة الإنفاق بمسألة العقل، وذلك في معرض حديثه عن أولي الألباب بأنّهم الذين ينفقون؟

هناك علاقة بين العقل كموجّه للإنسان في ما يفعل ويتحرّك وبين الإنفاق. فللإنفاق عدّة خصائص، منها ما يتّصل بالذات في ما يتصل بتأصيل الإنسان لإنسانيّته وتربيته لذاته، ومنها ما يتصل بالواقع الاجتماعي، حيث يُعتبر الفرد جزءاً من المجتمع، ومنها ما يتّصل بمواقع رضا الله في تشريعه للإنفاق كوسيلة من وسائل تخفيف المشاكل الاجتماعية، وتحقيق التكامل والتضامن الاجتماعي.

أمّا مسألة علاقة الإنفاق بالجانب التربوي للذات، فإنّ حالة العطاء لدى الإنسان تحطّم كلّ الجليد الذي يغمر ذاته، بحيث إنّ بعض الناس المبتلين بالبخل يؤكّدون ويكرّسون بذلك انفصالهم عن المجتمع، فيستغرقون في الجانب الذاتي من حياتهم وشخصيّتهم، وهذا ما أشار إليه الله في محكم كتابه الكريم: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9). فالإنسان الذي يقيه الله البخل بحسب ما يعيشه في أحاسيسه الإنسانية أو في تربيته الروحية، هو الإنسان الذي يتحرّك في خطّ الفلاح.

وقد تحدّث الله عن البخلاء بقوله: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِه) (محمّد/ 38)، فعندما تبخل ولا تساعدُ المحتاج، فهناك الكثير ممّن يساعده، ممّن يوفّقه الله للعطاء وبذل الخير، وبذلك، فإنّك تبخل على نفسك، وتحرمها من كلّ هذه الإضاءة الروحية التي تجعلها تُشرق على الآخر، ولا تنكمش في داخل الذات. لهذا فإنّ مسألة الإنفاق هي مسألة تحرّك الدافع الإنسانية، لتجعل الإنسان ينفتح على الإنسان الآخر، لأنّ معنى إنسانيتك هو أن تعيش الإنسانية في إنسانية الآخر كما تعيشها في إنسانيتك، وهو ما تحدّث عنه الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، ما يعني أنّ على الإنسان أن يتفاعل شعورياً مع الآخر بنفس الروح التي يريد فيها من الآخر أن يتفاعل شعورياً معه.

 

الإنفاق والانتماء الاجتماعي:

والنقطة الثالثة: هي مسألة إحساس الإنسان بانتمائه إلى المجتمع في حالة الإنفاق، لأنّ في كلِّ واحد منّا شخصيّتين: الشخصية الفردية التي يمارس فيها الإنسان حاجاته الذاتية من لذّة وشهوة ولعب ولهو، وهذا أمر يخصّ الإنسان وحده في سلبياته أو إيجابياته.. وهناك الشخصية الاجتماعية، باعتبار الإنسان جزءاً من عائلة وجزءاً من بلد ومجتمع، وجزءاً من الإنسانية كلّها. فإذا كانت للإنسان شخصيّتان، فلابدّ أن يعطي لكلّ منها حقّها في حركته، من أجل تأصيل هذه الصفة في ذاته من حيث المسؤوليات المترتّبة على هذه الشخصية أو تلك.

وعلى ضوء هذان فإنّ الإنفاق – في روحيّته – يعزل الإنسان عن الاستغراق في الشخصية الفردية على حساب الشخصية الاجتماعية، ويدفعه لتجسيد احترامه لشخصيّته الاجتماعية كما هو احترامه لشخصيّته الفردية؛ لأنّ الإحساس بالشخصية الاجتماعية يجعله يدرك ويتحسّس عطش الناس من حوله وجوعهم، في كلّ العناوين التي تحدّث الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه الكريم، كالفقراء والمساكين والغارمين وأبناء السبيل، حيث أشار الله سبحانه وتعالى في هذه الموارد إلى الإنفاق على الفئات الأكثر حرماناً في المجتمع.. كلّ ذلك باعتبار أنّ الإنسان جزءٌ من كلّ، وعلى الجزء أن يتفاعل مع الكلّ في حاجاته، وهذا ما عبّر عنه الحديث الشريف: "مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحُمّى والسهر".. وهكذا يريد الإسلام من المجتمع بكلّ أفراده أن يتفاعل مع كلّ حاجات الفرد هنا وهناك، ويتفاعل مع المجتمع كلّه.

ومن هنا ننطلق إلى ما يتجاوز الإنفاق إلى الاهتمام بنصرة المسلمين، كما في الحديث القائل: "ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"، فأولو الألباب هم الذين يعيشون مسؤولياتهم في المجتمع، كما يعيشون شخصيّتهم الفردية.

ولعلّ مشكلة الكثير من المجتمعات، هي أنّ المألوف عند الناس عموماً هو ارتباط الإنسان بشخصيته الفردية أكثر من ارتباطه بالشخصية الاجتماعية، في الوقت الذي ركّز فيه الإسلام في تشريعه على خطِّ التوازن بين الشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية؛ لأنّ الأفراد إذا أهملوا شخصيتهم الفردية لم يستطيعوا أن ينفعوا المجتمع، كما أنّهم إذا أهملوا شخصيتهم الاجتماعية، فإنّ المجتمع سوف ينهار، باعتبار أنّ حاجات المجتمع منبثقة من حاجات الأفراد، كما أنّ طاقة المجتمع موجودة لدى الأفراد.

 

الإنفاق في إطاره التشريعي:

النقطة الرابعة: وهي في مسألة علاقة الإنفاق بالعقل، من جهة التشريع الإسلامي الذي جعل قاعدة الإنفاق التشريعية تقوم على كفالة المجتمع بعضه لبعض، فيما يُسمّى بـ(التكافل الاجتماعي)، وجعل المبدأ كما ورد عن بعض الأئمة (عليهم السلام): "إنّ الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، ولو علم أنّه لا يكفيهم لزادهم"، ونقرأ في الحديث عن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): "ما جاع فقير إلّا بما مُتّع به غني".

وعلى ضوء هذا، فإنّ مسألة التكافل الاجتماعي التي تنوّعت في التشريعات الواجبة، كالزكاة والخُمس، أو في المُستحبّات، كالتبرعات والصدقات أراد الإسلام أن يوفّر للمجتمع من خلالها رصيداً احتياطياً بحيث يتحرّك المجتمع من خلاله في حالاته الضرورية، ليجد حاجته من ذلك الرصيد هنا وهناك بحسب إمكانات المجتمع.

فالإنفاق الذي يقوم به المسلم بدافع عن عقيدته وعقله الذي يؤكّد إسلامه في الجانب الفكري والعملي، يجعل الإنسان ينطلق من قاعدة التكافل الاجتماعي والضمان الاجتماعي الذي يمكن أن ينمو بازدياد المشاعر التكافلية في أكثر من مجال، كما نقرأ في الآية الكريمة التي نزلت في أهل البيت (عليهم السلام): (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 8-9)، حيث تؤكّد هاتان الآيتان أنّ مسألة الإطعام – كوجه من وجوه الإنفاق – تتّصل بمسألة الحبّ لله سبحانه وتعالى، باعتبار أنّ الإنسان المؤمن يشعر أنّ ما أعطاه الله هو نعمة منه عليه، فعليه أن يشكر هذه النعمة، ويؤكّد حبّه لله بأنْ يشاركه غيره في هذه النعمة، لأنّ الله ينعم عليك بما تنفقه على نفسك، أو تنفقه على الآخرين.

ومن هنا نفهم أنّ مسألة الإنفاق التي جعلها الله سبحانه وتعالى من صفات أولي الألباب، هي مسألة يدعو إليها العقل العملي في تربية الإنسان لنفسه على الصفات الجديدة، ومنها صفة العطاء بلا مقابل، أو من خلال مشاركته للمجتمع على أساس جزئيّته للكلّ الاجتماعي، وعلى أساس تحصيل رضا الله تعالى بما أراده من قاعدة التكافل الاجتماعي، وهذا هو الذي يعمِّق القيمة العملية والاجتماعية للإنسان في حياته العامّة والخاصة.

 

إشاعة الإحسان:

وهناك صفة أخرى لأولي الألباب، وهي ما ورد في قوله تعالى: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (القصص/ 54)، بمعنى أنّه إذا واجهتهم العدوانية، سواء كانت كلامية أو اقتصادية أو جسديّة، فإنّهم حينما يقومون بردّ الفعل، فإنّهم لا يقومون بذلك من حالة انفعالية عصبية، فلا يبادرون إلى الانفعال الذي يعقّد المشكلة بدلاً من أن يحلّها؛ لأنّ الانفعال لا يرصد العواقب والنتائج، بل ينطلقون في ردّ الفعل من موقع العقل الذي يرصد نتائج أفعاله وعواقبها، فإذا صادفت أحدهم السيّئة من إنسانٍ آخر، فإنّه يفكّر، فإذا أمكنه أن يحلّ المشكلة بطريقة يجذب إليها فيها ذلك الإنسان ويكسب صداقته، فيكون بذلك حسناً، كما في قوله عزّ وجلّ: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34)، لأنّ قضية الانتصار على الخصم لا تكون بالطريقة الانفعالية العدوانية، بل على أساس جعله يشعر بخطئه بأسلوب لبيب، فبذلك يكون الانتصار فكرياً وليس جسدياً، وبذلك يستبدل الإنسان فكر العداوة بالصداقة، ويحوّل الحقد إلى محبّة، وغيرها من الأمور، فبهذه الطريقة يكون الانتصار على السلبيات في ذات الخصم ومنعه من الاعتداء عليك، وهذا هو الأسلوب الإسلامي، كما في قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34). وربّما توحي بذلك، الحكمة المأثورة عن الإمام عليّ (ع): "عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرّه بالإنعام عليه".

ولكن درء السيّئة بالحسنة يتمُّ غالباً في العلاقات بين الناس في أوضاعهم ومعاملاتهم. وأما في القضايا الكبرى، أو في الحالات التي يُمثِّل فيها الدرء بالحسنة تشجيعاً للمسيء على الاستمرار بنهج السيّئة، فتختلف المسألة، فعندما يعتدي ظالم على شعب، أو حينما تعتدي مجموعة إرهابية على سلامة المجتمع في داخله، أو عندما يعتدي إنسان عليك ويَعتبر أنّ عفوك عنه ناشئ من حالة ضعف، ويدفعه لأن يعتدي عليك أكثر، أو على الناس، فلابدّ لك من أن تواجه المسيء بدراسة دقيقة تحدّد فيها طبيعة سلوكك وأسلوبك في التعامل مع هذا الإنسان، فإذا كانت القضية كبرى، سواء كانت إسلامية أو وطنية وما أشبه ذلك، والتي تتّصل بالسلامة العامة للمجتمع كلّه، فإنّ عليك أن تعمل على قمع أولئك الذين يُرهبون المجتمع ويُربكونه اقتصادياً واجتماعياً.. وهكذا بالنسبة إلى الأشخاص، فإذا كان العفو عن الشخص يشجّعه للاعتداء أكثر لأنّه يتخيّل أنّ العفو عنه ناشئ من نقطة ضعف، فهنا يعتبر منهج التعامل هو ما ورد في حديث الإمام زين العابدين (ع) في رسالته المعروفة بـ(رسالة الحقوق): "وأمّا حقّ من ساءك فأن تعفو عنه، فإذا رأيت أنّ العفو عنه يضرّه انتصرت" ما يعني أنّك إذا رأيت أنّ العفو عن المسيء يزيده عدواناً وطغياناً، فعليك أن تنتصر لنفسك منه، لأنّك بذلك تمنعه من أن يكرّر الاعتداء مرّة أخرى.

هؤلاء هم أولو الألباب الذين يدرأون بالحسنة السيّئة (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 22)، وهي العاقبة الطيّبة. والعقل هو الذي يدفع الإنسان لأن يمارس الأعمال والأفعال بما يحقّق للإنسان العاقبة الطيّبة، لأنّ العاقل هو الذي يفكّر بالنتائج الإيجابية لكلّ مساعيه في الدنيا، وبما يرفع درجته في الآخرة، ليحصل على رضا الله سبحانه وتعالى، وهذا ما قصدته الآية الكريمة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) (الرعد/ 23). فإنّ العاقبة الحسنة التي يحصل عليها العقلاء ليست لأنفسهم فحسب، وإنّما لأهليهم أيضاً إذا أحسنوا تربيتهم استجابةً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6)، وقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه/ 132)، فإذا أحسن الإنسان العاقل تربية أهله وجعلهم من عباد الله الصالحين، فإنّ الله سبحانه وتعالى سيجمع بينه وبينهم يوم القيامة.

ونستطيع أن نفهم من تلك الآية، أنّ الإنسان إذا ابتُلِي بأبوين ضالّين، أو كان أحدهما ضالاً، فإذا كان يحبّهما، فإنّ عليه أن يعمل بوسائله المباشرة وغير المباشرة لإصلاح أمر أبيه وأُمّه في السير على الخطّ المستقيم. وكذلك فإنّ على الإنسان أن يصلح أمر زوجته وأولاده، فإنّ الله سيجمع بينهما يوم القيامة، حيث يتمّ الاحتفال الملائكي، كما يوحي به قوله تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 24)، ونجده سبحانه اكتفى بكلمة (الصبر)، لأنّها تتحرّك مع كلّ مسؤولية، ولذلك لا يمكن للإنسان أن يقوم بمسؤولياته إلّا بالصبر.

كما نستوحي من تحيّة الملائكة بالسلام، أنّ علينا أن لا نستبدل تحيّة الإسلام (السلام)، التي هي تحيّة أهل الجنّة، بالتحيات البديلة التي درج عليها البعض (أهلاً، مرحباً)، لأنّ علينا أن نتدرّب على تحيّة أهل الجنّة، ونتدرّب على أخلاق أهل الجنة، فليس من أخلاق الجنّة (السلام) بكلمات أجنبية أخرى (بونجور)، أو (صباح الخير) أو (مساء الخير).. أمّا الذين لا عقل لهم ولا يفكّرون بالعواقب ولا النتائج، وإنما يخضعون لأهوائهم وأطماعهم ومزاجهم.. فقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرّعد/ 25).

وهذا ما ينبغي أن نواجهه في تلك النماذج التي تعطي العهد لله وللناس، ثمّ ينقضون العهد، ويقطعون كلّ ما أمر به أن يوصل، فيقطعون الصلة بالمؤمنين، ويقطعون الصلة بالأرحام، وبكلِّ الذين أراد الله لهم أن يصلوه، ويفسدون في الأرض، سواء كان فساداً ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً.. فأولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون من الناس، ولهم سوء الدار، وسوء الدار هي جهنّم التي يصلونها وبئس القرار.

ارسال التعليق

Top