• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البروتوكول في المجال الدبلوماسي

البروتوكول في المجال الدبلوماسي

مفهوم الدبلوماسية (Diplomacy):

قبل الخوض في مجال الأتيكيت الدبلوماسي لابدّ من إعطاء توضيح تمهيدي عن مصطلح الدبلوماسية الذي ما يزال غامضاً لدى البعض، لكي يكون ميداناً للدخول في أصل الموضوع. ويعود أصل كلمة الدبلوماسية إلى كلمة "دبلوما" اليونانية، ومعناها "يطوي" وقد كان الرومان في البداية، يسمون وثيقة السفر المعدنية المختومة والمطوية بالدبلو... ما، وقد أخذت كلمة دبلوما تتسع بمرور الزمن في معناها لتشمل الوثائق الرسمية والاتفاقيات والمعاهدات، كذلك الموظفين الذين يعملون بهذه الوثائق يسمون بالموظفين الدبلوماسيين.

ومنذ القرن الخامس عشر أصبحت كلمة الدبلوماسية تأخذ معناها الحديث، فهي تشير إلى عملية إدارة وتنظيم العلاقات الدولية عن طريق المفاوضة، وهي طريقة تسوية وتنظيم هذه العلاقات بواسطة السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين، كما هي المهمة الملقاة على عاتق الدبلوماسي أو على الأقل إنّها فن المفاوضة وحوار الآخر.

انتقلت الدبلوماسية اليونانية إلى اللاتينية وإلى اللغات الأخرى الأوروبية، ثمّ إلى اللغة العربية، فالدبلوماسية في اللاتينية تعني الشهادة الرسمية أو الوثيقة التي تتضمن صفة المبعوث الموفد بها، والتوصيات الصادرة بشأنه من الحاكم. ويقصد تقديمه وحُسن استقباله أو تسيير انتقاله بين الأقاليم المختلفة وكانت هذه الشهادات أو الوثائق عبارة عن أوراق تمسكها قطع من الحديد تسمى (دبلوما). أما المعنى الثاني الذي استعمله الرومان لكلمة دبلوماسية والذي يفيد من طباع المبعوث أو السفير، وقصدت باللاتينية (بمعنى الرجل المنافق ذي الوجهين). والدبلوماسية بالمفهوم الفرنسي تعني مبعوث أو مفوض أي الشخص الذي يرسل في مهمة. كما أنّ الأسبان كانوا أوّل مَن استخدم كلمة سفارة أو سفير بعد نقلها عن التعبير الكنسي بمعنى الخادم أو السفارة.

واتسع مفهوم الدبلوماسية وأصبحت تستعمل في عدة معان، منها معنى المهنة، ومعنى المفاوضات، والدهاء والكياسة، والسياسة الخارجية. إنّ الدبلوماسية في اللغة العربية كانت كلمة "كتاب" للتعبير عن الوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة بينهم والتي تمنح حاملها مزايا الحماية والأمان، وكلمة سفارة تستخدم عند العرب بمعنى الرسالة، أي التوجه والنطلاق إلى القوم، بغية التفاوض، وتشتق كلمة سفارة من سفر (أو سفر بين القوم إذا أصلح) و(كلمة سفير هو الذي يمشي بين القوم في الصلح أو بين رجلين).

 

تعريف الدبلوماسية:

ذكرت العديد من الآراء والتفسيرات عن الدبلوماسية كنشاط إنساني فاعل في ضبط إيقاع العلاقات ما بين الأفراد والجماعات والدول، وربما أفضل مَن اقترب من ذلك هو معاوية بن أبي سفيان الذي قال: "لو أنّ بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها أن أرخوها شددتها وأن شدوتها أرخيتها"، تلك هي مقولة مأثورة يرددها الناس كثيراً في ضبط الإيقاع النفسي ما بين الأطراف المختلفة بالرأي والتي تحتاج لجهد دبلوماسي من طرف يحسن طبيعة التوافق والتفاوض ما بين الطرفين حتى وإن كان صاحب النشاط ينتمي لأحد طرفي الرأي أو الخلاف أو المصلحة.

بينما يقول شارل كالفو: الدبلوماسية هي علم العلاقات القائمة بين الدول كما تنشأ عن مصاحلها المتبادلة وعن مبادئ القانون الدولي، ونصوص المعاهدات والاتفاقات ومعرفة القواعد والتقاليد التي تنشأ وهي علم العلاقات أو فن المفاوضات أو فن القيادة والتوجه.

أما ارنست ساتو فيقول: "الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة".

بينما يقول الدكتور عدنان البكري: "إنّ الدبلوماسية هي عملية سياسية تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الآخرين وإدارة علاقاتها الرسمية بعضها مع بعض ضمن النظام الدولي".

وهنالك الكثير من التعريفات التي وردت في مؤلفات وكتابات الكثيرين، ومنها ما يراه الباحث في تعريف الدبلوماسية بأنّها "فن إدارة العلاقات المستخدمة ما بين الدول لتمشية المصالح الوطنية بطرق سلمية". فالدولة، أي دولة، لم يعد بإمكانها أن تمارس سياستها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والدفاعية وغيرها مع نظيراتها إلّا من خلال قناة الدبلوماسية، وكلما تتطور وتتعقد طبيعة الحياة على مستوى العالم يصبح الأمر واجباً على الدول أن تعتمد على نشاطها الدبلوماسي، وهو ما نواجهه اليوم في تأثير هذا النشاط بين الدول.

 

مهام السلك الدبلوماسي:

يعني السلك الدبلوماسي مجموعة الموظفين بمختلف مراتبهم والواردة أسماؤهم في القائمة الدبلوماسية الصادرة عن وزارة الخارجية في الدول المنتدبين لديها.

وقد أتت المادة الأولى لاتفاقية فيينا عام 1961 بين ثلاثة مراتب رئيسية للعنصر البشري في هذا المجال:

·      المرتبة الأولى: رئيس البعثة، وهو الشخص المكلّف من قِبَل الدولة الموفدة للعمل بهذه الصفة.

·      المرتبة الثانية: أعضاء هيئة البعثة، وهم الموظفون الدبلوماسيون والفنيون كالمستشارين والسكرتيرين الملحقين والموظفين والإداريين والمستخدمين.

·      المرتبة الثالثة: خدم البعثة، وهم أعضاء هيئة البعثة العاملون كخدم فيها.

أما من حيث مهام البعثة الدبلوماسية فتنظمها وزارة الخارجية وتحدد مهام البعثات:

أ‌)       تنفيذ ورعاية العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وغيرها مع الدولة المعتمدة لديها البعثة وتطويرها.

ب‌) القيام بالجهد الدبلوماسي والإعلامي لشرح مواقف الدولة والمسؤولين والرأي العام.

ت‌) رعاية شؤون الموظفين في البلد المعتمد وتقديم جميع الخدمات الممكنة ضمن الأنظمة المرعية وتوثيق صلتهم بوطنهم واقتراح الوسائل الممكنة للاستفادة من كفاءاتهم.

ث‌) القيام بجمع الأعمال القنصلية وأعمال الكاتب بالعدل وتوثيق عقود الزواج.

ج‌)   تزويد الوزارة بتقارير عن كلّ ما يطرأ وتقديم المطالعات حولها.

ح‌)   التنسيق مع المجموعات الدولية والإقليمية والعربية. واقتراح ما يلزم لتطوير آفاق التعاون معه.

خ‌)   دراسة مجالات البرامج التنموية التي تقدمها المنظمات والوكالات المتخصصة.

د‌)     متابعة تنفيذ الاتفاقيات المختلفة مع البلد المعتمد لديه والعمل على الاستفادة منها.

ذ‌)     متابعة تنظيم الزيارات الرسمية والاستفادة منها لتطوير العلاقات.

 

الجهات التي تتولى إدارة المراسم:

وبشان الجهات الحكومية التي تتولى شؤون المراسم في معظم الدول فهناك جهتين:

1-  دائرة المراسم أو الترشيفات في رئاسة الدولة حيث تؤدي عدة مهام من أهمها:

أ‌)       تطبيق مراسم الاستقبال وتوديع رئيس الدولة في زيارة رسمية.

ب‌) تنظيم مراسم الاحتفال الرسمي الذي يقيمه رئيس الدولة بمناسبة زيارة ملك أو رئيس دولة.

ت‌) إعداد برنامج زيارة يقوم بها رئيس الدولة إلى دولة أجنبية.

ث‌) إعداد برنامج زيارة يقوم بها رئيس الدولة داخل البلاد.

ج‌)   تنظيم مراسم تقديم أوراق اعتماد السفير الجديد إلى رئيس الدولة بالتنسيق مع وزارة الخارجية.

ح‌)   الإشراف على مراسم جميع الاحتفالات التي يحضرها رئيس الدولة.

2-  دائرة المراسم في وزارة الخارجية حيث تتولى شؤون المراسم في تلك الوزارة.

 

توظيف البروتوكول في إدارة الدبلوماسية:

الجانب الدبلوماسي كما أسلفنا هو جزء من ممارسة الإنسان لطبيعة التعامل اليومي مع الآخرين، ومن الواضح أنّ التعامل الدولي تحكمه ضوابط وتقاليد علاقات الدول مع بعضها بعض وحسب طبيعة الممارسة العملية للعلاقات والتفاعل في مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذا تدخل مفردة المراسم ضمن هذا الاختصاص لتمشية تفاصيل العمل الدبلوماسي.

وأصبحت كلمة مراسم مرادفة لكلمة بروتوكول في المفهوم الدبلوماسي، وعرفت عند العرب قديماً باسم رسوم المشتقة من كلمة رسم وتعني الأمر المكتوب، وكان يقصد من الرسوم في عهد الخلفاء، مجموعة القواعد والأنظمة المتعلقة بالجوانب الآتية:

1-  مقابلة الملوك والشخصيات الدولية ذات المراكز المرموقة لكسب ودهم.

2-  الاحتفاء بالمسؤولين ورجال السياسة من العرب والأجانب لتحقيق العلاقات الودية الطيبة.

3-  أصول مقابلة الناس وإبداء حسن المعاملة معهم في المجتمع.

كما اشتق العثمانيون أيضاً كلمة الرسوم من مراسم للدلالة على معنى قريب من المفهوم الحديث لكلمة بروتوكول، وفي المفهوم الحديث إنّ مصطلح مراسم يعني النظم والقواعد التي تتبع في الجوانب الرسمية أو الاجتماعية، مثل أسلوب الاستقبال وإقامة الاحتلافات والمآدب والضيافة وأيضاً أسلوب المخاطبات والألقاب والرتب والعناوين والأوسمة، وهذه القواعد وإن كانت غير مسجلة أو مكتوبة لسبب تعرضها للفقدان أو الضياع وفقدت بعض أهميتها القديمة لكنها تبقى تحتفظ بما يجب لها من صيانة واحترام.

واعترفت النظريات  الدبلوماسية أن تكون للمراسم الأسبقية لدى الدول على جميع الآداب الخاصة. وتختار الدولة في وزارة الخارجية مديراً للمراسم ضمن مواصفات وشروط خاصة تنطبق عليه قبل غيره، لكونه الواجهة الذوقية والإنسانية والتعاملية التي تشكل حلقة الوصل ما بين البلد وباقي الشخصيات الدبلوماسية وتقع عليه مسؤولية استقبال السفراء والشخصيات السياسية الدولية، وتهيئة برنامج استقبالي حافل يتسم بالذوقية وبسحرية الإعجاب ويستكمل مسؤوليته بكونه المسؤول الأوّل في إقامة الحفلات والاجتماعات والمآدب التي تقيمها وزارة الخارجية، أو تلك التي يقيمها رئيس الدولة على شرف الضيف الدولي الرفيع المستوى. وهذه المهام والمسؤوليات الكبيرة التي تلقى على عاتق مدير المراسم يفترض أن تتوفر فيه الشروط الآتية:

1-  الثقافة الواسعة

2-  الخبرة المتراكة

3-  الحنكة في إدارة الأمور.

إنّ هذه المواصفات التي يجب أن يتمتع بها مدير المراسم أو ما يسمى مدير الأتيكيت مهمة وتمثل برامج أساسية في نجاح سمعة الدولة مع الدول الأخرى، وبالإضافة إلى ما ذكر فإنّ هنالك صفات شخصية وخلقية نبيلة أخرى تحتاج إلى أن يتمتع بها مدير المراسم وهي:

1-  الرتبة الدبلوماسية:

يحتاج أن يكون مدير المراسم برتبة عالية لا تقل عن رتبة سفير لكي يفرض شخصيته واحترامه بين السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبية ويتمكن من تمثيل حكومته عن جدارة ومقدرة واستحقاق. وفضلاً عن ذلك فإنّ هذه الرتبة يجب أن تأتي بالاستحقاق الوظيفي والكفاءة المهنية من أجل أن تتولد لديه تجربة دبلوماسية غنية تؤهله لإدارة عمله وبروتوكول المراسم خاصة التي تتطلب في كثير من الحالات إدارة على مستوى عالي من الإمكانية والمهارة الفنية.

2-  الكفاية العلمية:

على مَن يشغل هذا المنصب الدبلوماسي أن يكون حامل شهادة أكاديمية رفيعة بمستوى دكتوراه وأن يكون متابعاً لأمور الحياة السياسية والاجتماعية ومتابع جيد لآخر تطورات الوضع الدولي ومتعمق في القوانين الدولية، والعلاقات الدولية، ولديه إلماماً في عقد المؤتمرات الدولية ومتعمق بقضايا الأسبقية بين الشخصيات الرسمية على اختلاف فئاتها ومراكزها الرسمية والاجتماعية. وعلى مَن يشغل هذا المنصب أن يجيد اللغتين الإنكليزية والفرنسية على أقل تقدير لكي يكون متفاعلاً بشكل ناجح مع الشخصيات الدولية الأجنبية، فضلاً عن خبرات واسعة في اختصاصات ومهام عمل وزارة الخارجية، وتفاصيل عمل إدارة المراسم.

3-  الصفات الشخصية والخلقية:

تأتي عدة مواصفات بارزة إلى حد كبير في مقدمة أولويات عمل مدير المراسم لتجعله أهلا لتولي هذه المسؤولية ذات البعد الإنساني معطوفاً على مهام وظيفية سياسية تتعلق بسمعة الدولة وسياستها مع الأطراف الدولية الأخرى. ومن بين هذه الصفات ما يلي:

1-  التحلي بالثقافة العالية والابتسامة اللطيفة والكلام الجميل حتى يصف كلامه البعض بـ"تغريدة بلبل" والتي من شأنها تعطي الانطباع الإيجابي والقبول لدى الطرف الآخر.

2-  قوة جاذبية الشخصية التي تمثل بالأساس صدق المشاعر مع صدق اللسان والتي غالباً ما نسميها بالشخصية المحبوبة بتوفر عامل الثقة بالنفس، ترافق ذلك أناقة الملبس وتواضع المظهر.

3-  وسيم الشكل مع طلة بهية وتصرف متوازن بشجاعة وثبات على الموقف بعيداً عن التهور أو ما نسميه رباطة الجأش، ومقداماً وعالي الهمة وقت الأزمات التي تقع في المناسبات بحيث يتميز على غيره لإيجاد الحلول المناسبة بهدوء تام ويتفادى وقوع الأزمات مهما كلفه الأمر.

4-  حريص على سمعة بلاده وكرامته الشخصية، ومخلصاً لرؤسائه وصريح معهم بما يقتضي عمله ويكون عوناً لهم في الذاكرة إذا نسوا.

5-  أبياً دون تكبر ومتواضعاً دون دناءة أو تذلل يحط من قدره وهيبته الشخصية التي هي هيبة وسمعة بلاده.

6-  يتميز باللباقة والمجاملة ورحابة الصدر وطول الأناة وكظم الغيظ وسرعة البديهة وحسن التصرف، ناعم الأسلوب والعبارة، بشوشاً يلجأ إلى اللين تارة والحزم تارة أخرى، وسلاحه الابتسامة والكياسة والرقة والنعومة ويرتفع سقف ابتسامته كلما استوجب ذلك على أن يكون الصوت ناصعاً مؤثراً ومسانداً لسحر الابتسامة في لحظات حساسة.

7-  دقيقاً في مواعيده وصادقاً في أقواله وصريحاً في آرائه وذوّاقاً في إنجاز أعماله، وخبيراً بمداخل الأمور ومخارجها.

8-  بارعاً في معرفة أسماء شخصيات بلاده وطبيعة تعامل كلّ واحد منهم على أن يكون بارعاً بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، على أن تكون رسالته الدبلوماسية هي إرضاء الجميع وتحقيق مطالبهم المعقولة، ومناقشة ادعاءاتهم بالحجة الدامغة والمنطق السليم.

9-  تسهر إدارة المراسم بوزارة الخارجية على رعاية حسن تطبيق القواعد والأعراف المرعية في العلاقات الدولية والدبلوماسية، وتطبيق هذه المبادئ تعطي المجال لأي دولة تمارسها النأي بنفسها بعيداً عن الوقوع في فخ المشكلات مع الأطراف الأخرى إن كانت دولة أو مجتمع آخر أو جهة معينة، وبالنتيجة تعويق لمهام وأداء عمل وزارة الخارجية، وهذا المبدأ يطبق بشكل خاص على العلاقات القائمة بين الدول والحكومات، إذ لابدّ من خضوعها إلى بعض الأعراف التقليدية المقبولة أو الأنظمة المقررة، وصولاً إلى نجاح المهمات المطلوبة.

 

المصدر: كتاب فن الأتيكيت في بناء العلاقات الاجتماعية والدبلوماسية

ارسال التعليق

Top