• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التعاطف في العلاقات الاجتماعية

التعاطف في العلاقات الاجتماعية

عندما يشعر أحدنا بالضيق لسبب ما، فإنّه يحبّ أن يجد إنساناً يتحدّث إليه، ولاشك أنّه إذا وجد شخصاً ينصت إليه ويتفهّم مشاعره، فإنّ ذلك سيُخفف عنه شيئاً من هذا الضيق. إنّ التعاطف مع الآخرين أي الإحساس بمشاعرهم وإشعارهم بتفهّم هذه المشاعر هو من صفات الإنسان الذكي عاطفياً.

إنّنا ننجذب فطرياً إلى الأشخاص الذين يتفهّمون مشاعرنا ونعرض عن الأشخاص الذين لا يشعرون بنا، ولكي ينجح الإنسان في قراءة مشاعر الآخرين يجب أن يكون قادراً على قراءة مشاعره وتأثيرها على تصرفاته، عندها يستطيع أن يجري القراءة المعاكسة، وأن يعرف مشاعر الآخرين من خلال تصرفاتهم.

إنّ من أهم حاجات الإنسان في هذا الوجود حاجته إلى أن تُقدَّر مشاعره من قبل الآخرين ويعتمد تقدير المشاعر على ثلاثة أمور:

1-   إدراك هذه المشاعر: فأنت ترتاح للشخص الذي يراك منزعجاً فيقول لك: (أراك منزعجاً بشدة).

2-   تفهّمها دون الحكم عليها: نحن نشعر بالارتياح أيضاً، عندما يتفهّم الآخرون مشاعرنا دون أن يبدوا رأيهم فيها، كأن نسمع مثلاً: (أُدرك تماماً أنّ هذا الأمر مزعج بالنسبة إليك).

3-   التعاطف: وهو كما قلنا الإحساس بمشاعر الآخرين، ويمكن التعبير عن ذلك بعدة طُرُق منها مثلاً أن يقول الشخص الذي يريد التعاطف مع شخص آخر: (أفهم تماماً ما تشعر به، فقد مررت بهذا الشعور من قبل).

إذا كان تقدير مشاعر الآخرين يريحهم، فإنّ أكثر ما يُزعج الإنسان هو إحساسه بأنّ الآخرين لا يقدّرون مشاعره، ويمكن أن يتم ذلك بعدة أشكال منها:

1-   تجاهل المشاعر: كأن يكون الإنسان متجهماً بسبب شعوره بالحزن فيأتي مَن يقول له: (لماذا العبوس، ابتسم؟!) إنّ مطالبة شخص حزين بالابتسام هو تجاهل تام لمشاعره، وهو لا يروح عن هذا الشخص، بل على العكس يزيده شعوراً بالحزن والعزلة.

2-   إخبار الآخرين أنّ هذه المشاعر غير طبيعية: تضايقت سعاد من تصرف هند معها فما كان من أمل إلّا أن قالت لسعاد: (أنت حساسة زيادة عن اللزوم)، ربما كانت أمل تحاول التخفيف عن سعاد، إنّ اختلاف المشاعر بين الناس أمر طبيعي ولا يحق لنا أن نتهم مشاعر الآخرين بأنّها شاذة أو غير طبيعية لمجرد أنّنا لا نوافق على هذه المشاعر.

3-    إخبار الآخرين كيف يجب عليهم أن يشعروا: هل سمعت أحياناً مَن يقول لك (لماذا تحب هذا الإنسان، أنا لا أرى فيه شيئاً يستحق الإعجاب؟) إنّ مشاعر الإنسان هي هُويّته، وعندما نطلب من الآخرين أن يشعروا مثلما نريدهم أن يكونوا امتداداً لنا، وأن تكون مشاعرهم امتداداً لمشاعرنا، أي أنّنا نمحو هُويّتهم ونعتدي على حقّهم في الوجود كأشخاص مستقلين عنا. لذلك ينزعج أحدنا انزعاجاً شديداً حينما يخبره الآخرون كيف يجب عليه أن يشعر تجاه أمر ما. إنّ مشاعر الإنسان جزء من ذاته، ولا يحقّ لنا أن نُحاكم هذه المشاعر أو أن نسخر منها، بل يجب أن نقف أمامها باحترام، وأن نتفهّمها ونتقبّلها كما هي، نعم قد تُبنى مشاعر الآخرين أحياناً على أساس معلومات خاطئة أو ناقصة فتقوم بإصلاح هذه المعلومات أو إكمالها، وقد تُبنى المشاعر أحياناً على معالجة خاطئة - من وجهة نظرنا - لمعلومات معيّنة فنبيّن للآخرين المعالجة التي نراها صحيحة؛ لكن في جميع الأحوال نحن نعترض هنا على معلومات الآخر أو طريقة معالجته لمعلومات معيّنة، أمّا مشاعره فيجب أن لا نعترض عليها أبداً. إنّنا عندما نتعامل مع الآخرين على أساس تفهّم مشاعرهم واحترامها، ندفعهم إلى تفهم مشاعرنا واحترامها وفي هذا النوع من العلاقات تقل المشاكل وسوء الفهم، وتزداد القدرة على حل الخلافات والعمل المشترك مهما كان هناك اختلاف في الطبائع وإنماط التفكير.

إنّ التعاطف مع الآخرين يحتاج إلى استقرار عاطفي، فالإنسان الذي تستهلكه عواطف القلق أو الخوف أو الحزن ينخفض إحساسه بمشاعر الآخرين، ولذلك علينا أن لا نلوم الآخرين إذا لم يتعاطفوا معنا إذا كانوا في حالة نفسية غير مستقرة.

يعتمد التعاطف مع الآخرين على قراءة مشاعرهم من خلال تصرفاتهم وتعابير وجوههم، وقد أجريت تجربة عرض فيها شريط فيديو صامت مدته 45 دقيقة يعرض حركات أشخاص وتعابير وجوههم في حالات شعورية مختلفة، وطلب من 700 مشارك من 18 دولة مختلفة أن يجدوا الحالة الشعورية لكلّ شخص من خلال قراءة لغة جسده، وتبيّن أنّ الذين حقّقوا أعلى نسبة من القراءة الصحيحة لحركات وتعابير الآخرين كانوا أكثر المشاركين نجاحاً اجتماعياً واستقراراً عاطفياً.

 

المصدر: كتاب الذكاء العاطفي لـ أ. جودت سعيد

ارسال التعليق

Top