• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التقرّب إلى الله تعالى بالقرآن

خالد يوسف الشطي

التقرّب إلى الله تعالى بالقرآن

إنّ هذا القرآن الكريم روح أوحاه الله تبارك وتعالى إلى رسوله (ص) ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، يقول تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/ 52)، فبقدر إقبالنا على القرآن يكون إقبال الله تبارك وتعالى علينا، وبقدر إعراضنا عن القرآن يكون إعراض الله تبارك وتعالى عنا، يقول الصحابي الجليل خباب بن الأرث:

"تقرّب إلى الله من استطعت واعلم أنّك لن تتقرب إلى الله بشيء هو أحب إليه من كلامه"، وقال عثمان: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربّكم"، فلنا مع كتاب الله تبارك وتعالى وبيان فضله هذه الوقفات:

أوّلاً: مع التلاوة: يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 29-30).

يخبر الله تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه من إقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله تعالى في الأوقات المشروعة ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)، أي يرجون ثواباً عند الله لابدّ من حصوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)، أي ليفيهم ثواب ما عملوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم (إنَّه غَفُورٌ)، أي لذنوبهم (شَكُورٌ) للقليل من أعمالهم قال قتادة "كان مطرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول: "هذه آية القرّاء" لذلك يحرص كلّ مسلم على أن يجعل لنفسه ورداً ثابتاً يومياً يتلوه لكي ينال الأجر الوفير من الله سبحانه وتعالى.

ثانياً: مع التدبر: وما أحلى كلام ابن القيِّم – رحمه الله – حول هذا المعنى يقول رحمه الله: إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه بن من تكلم به سبحانه منه إليه فإنّه خطاب منه لك على لسان رسوله (ص) قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق/ 37)، طب القلوب.. وبيّن الله تبارك وتعالى أنّه من أسمى غايات هذا القرآن التدبر فقال جلّ وعلا: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (ص/ 29)، فحري بنا أن نقف مع آياته العظيمة وقوف المتأمل المتدبر.

ثالثاً: مع الحفظ: قال أحد علماء السلف الصالح لتلميذ من تلاميذه: أتحفظ القرآن قال: لا، قال واغوثاه لمؤمن لا يحفظ القرآن فبم يتنغم فبم يترنم فبم يناجي ربّه تعالى" وحذرنا رسولنا الكريم (ص) من قلة الحفظ فقال: "إنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" (الترمذي)، فما أحوجنا إلى الازدياد من الحفظ لكي يكون لنا هذا الحفظ شفيعاً يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا مَن أتى الله بقلب سليم، يقول (ص): "اقرؤوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" (رواه مسلم).

ومن ثمار حفظ القرآن الكريم أنّه ينفع المسلم في كلّ حالاته في حياته وبعد مماته وأعظم ما يوضح هذا المعنى حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنه –: "إنّ النبي كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثمّ يقول أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد" (البخاري)، فما أعظمها من مكانة لحافظ القرآن حتى في مثل هذا الموطن العجيب.

رابعاً: مع العمل: إنّ هذا القرآن دستور هذه الأُمّة جعله الله تبارك وتعالى منهاجاً متكاملاً لجميع مناحي الحياة.. يقول تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) (الكهف/ 54)، روي عن أبي عبدالرحمن السلمي أنّه قال حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبدالله ابن مسعود وغيرهما أنّهم كانوا إذا تعلموا من النبيّ (ص) عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً" مباحث في علوم القرآن، وقال بعض السلف: "نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، ولهذا كان أهل القرآن هم العاملون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وإما مَن حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم" نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب همومنا وأحزاننا إنّه نعم المولى ونعم النصير.

ارسال التعليق

Top