• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحاجة الدائمة للسلام

عمار كاظم

الحاجة الدائمة للسلام

بما أنّ الإنسان همه أن يعيش سعيداً، فإنّ رسالة السلام والإسلام كفيلة بتحقيق هذه السعادة، وقد جسّد سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مفهوم الحياة السعيدة، وأفهمه للبشرية، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أصبح آمناً في سربه، مُعافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدُّنيا بحذافيرها». لقد أسّس سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قيم السعادة والسلام النفسي للناس كافة، فكلّ إنسان في حاجة إلى هذه الأصول الثلاثة وهي: (الصحّة، والأمان، والغذاء)، فيُخبر (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه مَن حاز هذه القيم كأنّما حاز الدُّنيا كلّها، لأنّه مهما مَلك من الدُّنيا لا يستغني عن هذه الثلاثة؛ ولكن إذا فقد واحداً منها فقد السعادة وراحة البال اللتين تعكسان حياته تجاه الآخرين، وتنعكس عليهما معاملاتهم التي تتسم بالسلام والأمان، الذي يسمى التعايش السلمي بين الشعوب.

تأتي السيرة النبويّة لتؤكّد أهميّة قيمة السلام في الدِّين، فبعدما هاجر نبيّنا الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة، التقى مجتمعات مختلفة من الناس. ففي ذلك العهد كانت المجتمعات ذات ألوان دينية مختلفة، والمشركون الذين لم يدخلوا الإسلام حتى ذلك الوقت في المدينة يواصلون مفاهيمهم الدينية القديمة، يعيشون معاً في نفس المنطقة. لقد جعل نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مختلف الأعراق المقيمة في المدينة تتآلف فيما بينها عن طريق مختلف الاتفاقيات الاجتماعية، من أجل توفير الوحدة الاجتماعية والسلام الاجتماعي. الوحدة الاجتماعية التي شكّلها سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي أنّ تلك البلاد العربية التي لم تطع أميراً واحداً أبداً من قبل، أصبحت وحدة اجتماعية فجأة، وسلمت نفسها لذلك الآمر المطلق، لقد خلق سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدة اجتماعية من القبائل المتعدّدة الصغيرة والكبيرة والمتشكّلة من حوالي مائة جماعة اجتماعية صغيرة ومتنازعة فيما بينها دوماً.

بعدما فتح سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مكّة، أطلق سراح حتى المشركين الذين كانوا يعذبوا المسلمين من قبل، وأبدى تسامحاً عظيماً اتجاههم وهذه الأخلاق العظيمة التي أظهرها لم يسبق لها مثيل أبداً لدى المجتمع العربي السابق، وقد قوبل بتقدير لذلك. في ذلك العهد كان نبيّنا الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثالاً لكلّ المسلمين في موضوع تطبيق العدالة الحقيقية وزرع قيم التسامح والسلام، وعقد اتفاقيات ترضي جميع الأطراف وتمنع حدوث حتى أقل مستوى من الظلم. لهذا السبب فإنّ شعوب كلّ البلدان مهما كان عرقها ودينها، كانت ممتنة دائماً من السلام والتسامح والعدالة التي جلبها الإسلام. وقد أصبح سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) سفير السلام بدون منازع. لقد كان نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن طريق مثل هذه الاتفاقيات، وسيلة لتجلي الأخلاق الإسلامية الحميدة في المجتمع، ووسيلة لعيش الطوائف بأنواعها في طمأنينة وسلام. وليس من باب الصدفة إنّ الإسلام جعل السلام والأمن والحفاظ عليهما وكذلك حماية الممتلكات والأعراض وتوفير المناخ الملائم للحياة الآمنة والمطمئنة مهمّة أساسية من بين مهام الدولة الإسلامية الأولى التي بناها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة المنوّرة في فجر الإسلام والتي كان السلام والأمن مطلباً شرعياً فيها. هكذا عُني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر السلام ودعا أتباعه أن يستشعروا روح السلام في أنفُسهم، وفي معاملتهم لغيرهم فلا يكون منهم إلى الناس أذى أو اعتداء، فتردد على لسانه الشريف جملة من الأحاديث الشريفة الداعية إلى السلام، منها: «السلام من الإسلام» و«المُسلِم مَن سَلم المسلمون من لسانه ويده» و«إنّ السالم مَن سَلم الناس من يده». وكان للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوات ومناجيات لخالقه ومولاه يذكر فيها السلام، وينوه بشأن السلام، فجاء من دعواته: «اللّهُمّ أنت السلام، ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام».

يمكن القول بأنّ المجتمعات التي يسود فيها السلام والأمن خالية من الجرائم، وإذا كان السلام يسود المجتمع الإسلامي فذلك أيضاً من فضل الله تعالى الذي حرَّم الجرائم التي أبشعها قتل الإنسان الذي خلقه. ومعروف أنّ الإنسان إذا قتل إنساناً آخر متعمداً فجزاؤه في هذه الدُّنيا أمام القانون والقضاء وفي الآخرة له عذاب أليم: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء/ 93). كما أنّ الإسلام يعتبر قتل الإنسان جريمة ضد البشرية كلّها: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة/ 32). وهذا خير دليل على نبذ الإسلام لكلّ أشكال العنف وصوره. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن كف يده عن الناس فإنّما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة».

ارسال التعليق

Top