• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القيم الإنسانية عند العباس بن عليّ (ع)

عمار كاظم

القيم الإنسانية عند العباس بن عليّ (ع)

أبو الفضل العباس بن عليّ بن أبي طالب (ع) من القلائل في العالم الذين جمعوا إلى جانب الفروسية والشجاعة والقوّة عاطفة الحب والحنان والعطف ورقّة القلب والإيثار والتضحية. ومن العظماء الذين لم تغرِهم الحياة والمال والجاه والثراء بل أثروا الحقّ حيثما كان عرضوا عليه الأمان لصلته وقرابته لهم ولكنّه آثر الموت بعزٍّ وشُمُوخ على الحياة مع الأوباش والظلمة والطغاة. يقول المؤرخون: أنّ أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد. تزوجها الإمام أمير المؤمنين (ع) وقد ولدتها فحول العرب وأنجبت له أربعة ذكور العباس وعبد الله وعثمان وجعفر. وكلّهم نصروا الحسين في كربلاء وقد عرض عليهم الشمر الأمان ونعيم الدنيا ولكنّهم وقفوا بوجهه لأنّه قائد عصابة الشرّ قالوا له: لعنك الله ولعن أمانك أُتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟ العباس (ع) بمقدار ما كان شديد الوطأة على الطغاة والأشرار كان رقيق القلب عطوفاً حنوناً اتجاه النساء والأطفال والمستضعفين فقد كان يتفجّر حناناً وحباً ودماثة خُلق مع هؤلاء وقد كان وجوده في معسكر الحسين يُثير الحماس وينفخ روح الجهاد والفداء في أصحاب الحسين ويبعث الطمأنينة في عيال الحسين نساء، وأطفاله وقد جلب لهم الماء يوم الثامن من محرّم. وكان حامل راية الحسين بحقِّ بطلاً مغواراً. ورث الفروسية والشجاعة عن أبيه عليّ بن أبي طالب ومن أُمّه أم البنين التي كانت صلبة الإيمان شديدة الحب لرسول الله وأهل بيته الأطهار. كافح العباس وناضل وضحّى من أجل قيمة إنسانية عُليا لا تخُصّ فئةً معيّنة ولا مبدأً خاصّاً ولا تخصّ طائفة دون أخرى. هي قضية إرواء عطش الأطفال والنساء. وهي قضية إنسانية عامة. فكلّ إنسان يملك ذرّةً من الوجدان والضمير والعاطفة يرى أنّ من القسوة والوحشية منع الماء عن الأطفال والنساء خصوصاً إنّهم لم يحاربوا ولم يحملوا السلاح. كافح العباس ضدّ الوحشية والقسوة والغلظة والاستبداد التي تجسدت في الثقافة الأموية وفي جيش ابن زياد ووقف فيهم خطيباً يذكرهم بفظاعة أعمالهم وبُعدها عن الإنسانية وعن الإسلام الذي يتشرّفون به.. وصرخ في وجوههم وحذرهم وعظمهم فلم ينفعهم. يقول المؤرخون: إنّ العباس (ع) ضاق صدره وطلب من الحسين الإذن بالقتال فقال: سئمتُ الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين (ع): فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء وقد سمع العباس الأطفال ينادون: العطش العطش. كان العباس (ع) يتفجر غضباً على الطغاة كلما سمع طفلاً يشكو من العطش والظمأ. وقد صمّم على أن يجلب الماء لهم. وقد قُتل في سبيل هذه القضية. وهو الوحيد الذي قُتل يوم عاشوراء من أجل هذه القضية وهي إرواء النساء والأطفال. كان العباس رجُلاً قويّ العاطفة والعقل قويّ الإيمان عالماً مخلصاً لدينه، ناصحاً لأخيه. بذل غاية المجهود في نُصرة الحسين. وكان العباس (ع) رجلاً جميلاُ يركب الفرس المُطهَّم ورجلاه تُخطّان في الأرض. ويكنى أبا الفضل. ويلقّب السقّاء لأنّه استقى الماء لأخيه الحسين يوم عاشوراء وقُتل دون ذلك. وقبره قريب من نهر العلقمي حيث استُشهد. وكان صاحب راية الحسين (ع) في ذلك اليوم. وفي كتاب نفس المهموم قال الصادق (ع): «كان عمُّنا العباس بن عليّ نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله (ع) وأبلى بلاءً حسناً. قُتل وله أربع وثلاثون سنة». وكلمة نافذ البصيرة لها دلالات عميقة. فإنّ الإنسان يرى الحقائق بقلبه وعقله وإيمانه وعلمه وهي البصيرة التي عنى بها الإمام الصادق (ع) لقد كان الجيش الأموي لا يرى الحقّ. إنّ الإنسان يرى الحقّ بقلبه لا بعينه. فكم في الدنيا من عيون لا ترى. لأنّها عيون مجرّدة من الروح. خالية من البصيرة. وكم في الدنيا في ناس يرون وعيونهم مطبقة الأجفان لأنّ فيهم روحاً تدرك وبصيرة ترى. إنّ العباس فقد عينيه يوم عاشوراء ولكنّه الآن يُبصر ويرى كلّ شيء لأنّ له بصيرة نافذة. وقطعت يداه في كربلاء قرب النهر ولكنّه الآن تصل يديه إلى كلّ مكان. وأعطاه الله كرامة عظيمة إذ جعله باب الحوائج. تحت قُبته يستجاب الدعاء. كم من صاحب حاجة لجأ إلى أبي الفضل فقضيت حاجته. وكم من مريض فقد الأمل في الشفاء لوجد عند العباس العافية وعادت إليه الصحة والسلامة بعد أن يئس الطب من علاجه. وكم من خائفٍ وجد عند العباس الأمان. وهناك قصص كثيرة تُشير إلى منزلة العباس عند الله تعالى وكم من مظلوم لم يجد العدالة في المحاكم المدنية ولم يستطع أخذ حقّه من الظالم بالطرق القانونية واستطاع أن يأخذ حقه من أبي الفضل العباس (ع). فهو رائد الحقّ والعدل والسلام. كان العباس (ع) عالماً أخذ العلم عن أبيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين. الذي قال: «سلوني قبل أن تفقدوني» وأخذ العلم عن أخيه الإمام الحسن (ع). وعن أخيه الإمام الحسين (ع). وكان يخاطب أخاه الحسن يقول له يا سيدي وكذلك أخاه الحسين يعرف لهما فضل مكانتهما من رسول الله (ص). ونقرأ في زيارته (ع): «أشهدُ أنّك نصحت لله ولرسوله ولأخيك. فنعم الصابر المجاهد. والمحامي الناصر. والأخ الدافع عن أخيه. المجيب إلى طاعة ربه الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل أشهد أنّك بالغت في النصيحة. وبذلت غاية المجهود. فبعثك الله في الشهداء. وجعل روحك مع أرواح السعداء. وأعطاك من جنانه أفسحها مَنزلاً وأفضلها غرفاً ورفع ذكرك في عليين. وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسُنَ أولئك رفيقاً».

ارسال التعليق

Top