• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحركة الحسينية المباركة

عمار كاظم

الحركة الحسينية المباركة

كانت الثورة الحسينية، حركة حضارية شاملة، تتمحور حول خلاص الإنسان وتحقيق كرامته، وإعادة حقوقه المغتصبة، وتوفير حرّيته الممتهنة. لذلك كانت المنظومة التشريعية الإسلامية التي شاء الله تعالى من خلالها قيام حياة حرة كريمة، تسود فيها العدالة الإلهيّة في الأرض «القسط»، وتتكافأ فيها الفرص، لبني الإنسان، وتستبعد فيها حالة استعباد الإنسان للإنسان، وليسود فيها الشرع، والقانون الإلهي فحسب، ويتحوّل الحكم فيها إلى عقد اجتماعي بين الأُمّة والحاكم، لكي يحقق مصالح الناس، وفق الشريعة الربّانية الهادية... 

وهكذا شاء الحسين (عليه السلام) أن يحقق ذلك من خلال حركته المباركة، إلّا أنّه (عليه السلام) أراد أن تتحقق أهداف هذه الثورة الكريمة من خلال الإنسان نفسه وقناعته، ورضاه، دون فرض، أو إكراه، كما تبيّن ذلك من خلال رسائله، وحواره مع الناس، وتجاوبه مع دعوة جماهير الكوفة له.

كانت أهداف الحسين السبط (عليه السلام) تلتقي مع الحقائق التالية:

- إحياء الهوية الثقافية للأُمّة: حيث تعرّضت الهوية الثقافية للأُمّة إلى أضرار بالغة وأُميتت السُّنة وعادت أهواء الجاهلية وعاداتها، وهكذا كان تجديد هوية المسلمين، وإحياء قيمها، ومفاهيمها في وعي الناس وعقولهم، أهم أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الحركة التي باشر قيادتها... وهلّم نستمع إليه، وهو يتحدّث عن هذه القضية، ويرسخ أقدامها في حياة الناس: «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ ابن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين».

 - الإصلاح السياسي لمسيرة الحكم: من الأمور المركزية التي عمل الإمام المصلح من أجلها، إصلاح المنهج السياسي عند الناس، وإعادة القيم الإسلامية الخاصّة بالحاكم إلى دنيا المسلمين التي تؤكّد أنّ الحاكم في الإسلام، هو أمين الأُمّة، ووكيل عنها في إجراء الدستور، وإقامة العدل بين الناس، وهو الذي يحفظ هوية الأُمّة التي رضيت به حكماً، فلا يخالف قيم الرسالة، «..ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات لله..». ولا يكتفي الإمام السبط (عليه السلام) بتحديد صفات الحاكم المسلم، وإنما راح يضع النقاط على الحروف، ويراعي حقوق الإنسان: «أيُّها الناس! إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله».

- مقاومة الظلم ونهب الثروات، وسوء التوزيع: كان من أبرز معالم هذا الدين تأكيده على العدل، والإنصاف، وإشاعة الحبّ، وحماية حقوق الناس: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (النحل/ 90). «الناس صنفان: أمّا أخ لك في الدِّين أو نظير لك في الخلق..». ورغم صراحة هذه المبادئ التي أرسى الإسلام قواعدها، وأقام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صروحها في الحياة العملية وعاش الناس في ظلالها زمناً، إلّا أنّ الحُكّام الأمويين أصروا على نبذها ودفنها، وإقامة المنكر، الأمر الذي يحرص الإمام السبط (عليه السلام) على بلورت قيم المحبّة والعدالة في ذهن الأُمّة، ووعي الناس، وبهذه الحركة الواعية هزّ الإمام السبط (عليه السلام) موات الأُمّة، وأثار الحياة من حول الناس، حتى يشعروا بقيمتهم، ومظلوميتهم؛ حتى راح يرفع شعارات صريحة، موقظة من قبيل: «كونوا أحراراً في دنياكم». «لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد..»، «هيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك».

ارسال التعليق

Top