الأخلاق اسمٌ جامع يُطلَقُ في لغةِ العرب على الفضائل والرذائل، فهي جملة من القواعد التي تهذّب السلوك الإنساني باتجاه تنظيم علاقته بالآخرين، ويعبّر عن حُسن تعامله مع غيره وتعاطيه الإيجابي معهم بحُسن الخُلق. ولحُسن الخُلق في الأديان عموماً والإسلام خصوصاً مكانة عظمى حیث إنّ أهمّ قيمةٍ حملها رسول الله إلى الناس يوم أرسله رحمةً للعالمين، ولأجلها فتحت له القلوب والعقول، هو أنّه كان الصادق الذي لا يكذب، والأمين الذي لا يخون، والقلب الذي لا يعرف إلّا الحبّ والخير للناس. كان، كما تحدَّث عنه الإمام عليّ (عليه السلام)، وهو أعرف الناس به وأقربهم إليه: «أجود الناس كفّاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، ومَن رآه بديهةً (لأوّل مرّة) هابه، ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده». وقد أشارت الأحاديث إلى الموقع الذي يبلغه العبد إن هو نعم بحُسن الخُلق، ففي الحديث: «أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خُلُقاً». وفي حديث آخر: «إنّ العبد ليبلغ بحُسن خُلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة»، (أي لا يعمل المستحبّات). وفي حديث آخر: «ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخُلق». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعملٍ بعد الفرائض، أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخُلقه».
والأصل فيه الوقوف عند حدود الله، فلا يتعدى دائرة الحلال إلى الحرام، لأنّ الحرام كلّ قبيح وسيِّئ وخبيث من الشرّ والظلم والعدوان والبغي ومن ثم ّالانتقال إلى التعامل مع الآخرين بالحُسنى والإكرام، وفي ذلك يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «حُسن الخُلق في ثلاث: اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسّع على العيال». ولا شكّ بأنّ المجال الواسع الرحب لحُسن الخُلق هو في التعامل مع الآخرين بأدب وطيب ومحبّة وود، فقد سُئِل الإمام الصادق (علیه السلام) عن حدِّ حُسن الخُلق فقال: «تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حَسَن». وفي سؤال آخر من مكارم الأخلاق، قال (علیه السلام): «العفو عمّن ظلمك، وصلة مَن قطعك، وإعطاء مَن حرمك، وقول الحقّ ولو على نفسك». وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام)، يدعو الله سبحانه وتعالى بأن «سدّدني لأن اعارض مَن غشّني بالنُّصح، وأجزي مَن هجرني بالبرّ، وأثيب مَن حرمني بالبذل، وأكافئ مَن قطعني بالصِّلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضّ عن السيئة». بما يعني أنّ التحلّي بالأخلاق الحميدة تحتاج لثمن باهض، وهو ليس بمستحيل قطعاً لطالبه. التحلّي بالأخلاق الحسنة هي مسألة نفسية، فإنّ اتّخاذ الموقف الإيجابي إزاء الموقف السلبي في العلاقات البينية والاجتماعية، يتطلّب قدراً كبيراً من الاستيعاب والتفهّم، وإلّا لن يكون للأخلاق مكانة في العلاقات الاجتماعية مطلقاً، وهذا يعني - فيما يعنيه - أن يكون الإنسان متسلحاً بقوّة النفس والشجاعة ليكون مؤهلاً للتحلّي بالأخلاق الحسنة، ومن الأمثلة على ذلك؛ مطالبة البعض بأن يكون الطرف الآخر هو المبادر للصلح والتنازل عمّا بدر من خطأ أو تجاوز يتهم الجانبان إنّ الآخر هو البادئ، وفي أبسط الأُمور؛ نلاحظ حالة سائدة بأنّ البعض يتوقع ممّن يصادفه في الطريق أو مكان عمله، بأن يكون هو المبادر لأداء التحيّة والسلام!
إذاً، حتى يكون الإنسان متديّناً، لابدّ من أن تحكم الأخلاق سلوكه مع ربّه، بأن يحسّن أخلاقه مع ربّه، فلا يبادل إحسانه بإساءة، وعطاءه بالتقصير، وأن يحسِّن أخلاقه مع نفسه، فلا يسيء إليها في أمر دنياها وآخرها، وأن يكون خيراً للناس جميعاً؛ مَن يلتقي معهم ومَن يختلف. وهذا لا يعني أن يتنكّر الإنسان لعقيدته أو لعباداته وأن لا يبالي بها، فهي لها موقعها الأساس، لكنّ عليه أن يعتبر أنّها لا تؤدِّي دورها، إلّا عندما تعزِّز البناء الأخلاقي للإنسان القائم بها، فلا خير لصلاةٍ أو صيامٍ أو حجٍّ أو أيّ أعمال عبادية أُخرى، إن لم تنعكس خيراً على سلوك الإنسان، وهذا ما عبّر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلِّ وضوح، فهو عندما قيل له إنّ هناك امرأةً تقوم الليل وتصوم النهار، لكنّها بذيئة اللسان تؤذي جيرانها وتغتاب، قال: «لا خيرَ فيها، هي من أهلِ النارِ». وفي الحديث: «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق