• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدور المطلوب في غيبة الإمام المهدي(عج)

عمار كاظم

الدور المطلوب في غيبة الإمام المهدي(عج)

إنّ الله سبحانه وتعالى يحدّثنا عن أنّ الانتصار في أيّ موقع من المواقع، سواء كان انتصاراً رساليّاً في تأكيد الرّسالة في وعي النّاس، أو اجتماعيّاً، أو سياسيّاً، مما نستوحيه من القرآن الكريم، لا بدَّ من أن يدفع العاملون في سبيله الثّمن من حياتهم، ومن ثرواتهم، ومن طاقاتهم، لأنّ الله لم يجعل في سنته أن يصل الإنسان إلى أية نتيجة حاسمة كبيرة، إلا بعد أن يستنفد كلّ عناصر القوّة ليحشدها في الساحة، من أجل أن تتكامل العناصر الماديّة مع العناصر الغيبيّة.

ففي القرآن الكريم، نجد أنّ للغيب دوراً في بعض ما أعدّه الله للمؤمنين من النصر، ولكنّ الغيب وحده لا يحكم الحياة حسب سنّة الله في الكون، بل هناك حركة، وهناك غيب يحرّك بعض الظروف والأوضاع، ويمنح بعض القوّة لهذه العناصر، وهذا ما لاحظناه في بداية الدعوة الإسلاميّة، فقد أراد الله للمسلمين أن ينتصروا في بدر، ولم تكن هناك أيّة ظروف موضوعيّة من خلال عناصر القوّة في واقع المسلمين في بدر.

أنّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل الغيب في حركة المسلمين والمؤمنين في خطّ النّصر، العنصر الوحيد، بل إنه يدخل المؤمنين في التجربة الصعبة، ويبتليهم، ويحرك الطاقات الكامنة في داخل مواقعهم، حتى يعطيهم الصلابة أكثر، وحتى يعيشوا التجربة بقوة وفاعلية أكبر، وحتى يؤسّسوا المجتمع القويّ الذي إذا واجهته التحدّيات، استطاع أن يثبت إزاءها، وهذا هو سرّ التربية القرآنية الإسلاميّة، التي تؤكّد للإنسان أن يقدّم كلّ ما عنده ثم يدعو الله، وأن يأخذ بالأسباب المتاحة بين يديه، وكلّ ما يمكن أن يحصل في حركته في الواقع، ثم يتوكّل على الله. ولذلك، فإنّنا نرى أنَّ في الإسلام حركة غيب تطلّ على حركة الواقع، بحيث ينفذ إلى الثّغرات الموجودة في الواقع من أجل أن يسدّها لتتكامل المسيرة، وربما تتعلّق إرادة الله بأنّ النصر لن يتحقّق إلا بعد أن تتجاوز الأمّة كثيراً من الظّروف الصّعبة على مستوى الأجيال، ولكن كلّ حركة تهيّئ الظّروف الموضوعيّة للحركة الأخرى، حتى تتكامل مع الظروف في المستقبل، ليكون النّصر في نهاية المطاف.

فلا بدّ من أن تنصر الله بنصرك، والله عزّ وجلّ لا يحتاج إلى أن ننصره، ولكن أن ننصر دينه ورسالته ورسله وما إلى ذلك. ونقرأ في قوله تعالى ما يحدث في نهاية المطاف، وهو ما بشّرنا به النبيّ (ص) والأنبياء من قبل ذلك في المصلح المهدي المنتظر(عج): (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور/ 55).

نحن مدعوّون إلى الانتصار، وإلى أن نحقّق أسباب النصر في غيبة الإمام المهدي (عج)، كما أنّنا مدعوّون إلى أن نحقّق أسباب النّصر في ظهوره، وأن تكون لنا إرادة النصر في موقع هنا وموقع هناك، وكما أنّ الله تعالى أرادنا أن لا نيأس، أرادنا حتى ونحن نعيش الزّلزال أن لا نسقط، وأن ننطلق إلى ما قاله تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف/ 13). وحتى نعرف كيف نحتفظ لعقولنا بانفتاحها على الحقّ في خطّ المستقبل، ولطاقاتنا بثباتها في الواقع، علينا أن نقف أمام فكرة مهمّة، وهي أنّ القضيّة ليست هي أن تحقّق النتائج في حياتك بصفتك الشخصية، بل أن تحققها لرسالتك، ولأمتك، وللمستقبل الذي يمهّد لمستقبل أوسع. فهب أنّك لم تستطع أن تصل إلى النتيجة النهائيّة لما تحبّ، فهل يقال عنك إنّك فاشل؟ كلا، فلا تعتبروا أنفسكم فاشلين إذا لم تحقّقوا أهدافكم القريبة، بل إنّ هناك من ينجح في الوصول إلى بعض الأهداف، وهناك من ينجح في تقريب السّاحة نحو الأهداف، فكلّ جيل يحقّق مرحلة للجيل الآخر، حتى يأذن الله للنتائج أن تحصل من خلال استكمال الأسباب والظروف الموضوعيّة، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/ 105).

 علينا أن نعمل من أجل تهيئة هؤلاء العباد الصالحين، وإعدادهم في  خطّ الرّسالة، وخطّ الحركة، حتى يكونوا في خطّ الإعداد لوراثة الأرض، وحتى ترتفع رسالة الله في الأرض، وتمتلئ قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ارسال التعليق

Top