• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العدل.. مفهوماً وعملاً

عمار كاظم

العدل.. مفهوماً وعملاً

يقول الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن العدل فی محكم کتابه: (وإذا قُلْتُم فاعدِلُوا وَلَو كانَ ذا قُربَى) (الأنعام/ 152). إنّ الله يؤكد من خلال هذه الفقرة من الآية، أنّ في القول عدلاً وظلماً؛ فالعدل في القول، وهو الاستقامة في التعبير عن الواقع من دون زيادة ولا نقصان، بحيث إنّك إذا سمعت الكلمة، انفتحت على الواقع الذي تعالجه، سواء كان هذا الواقع متّصلاً بالأحداث التي تتحرّك في حياة الناس، أو مرتبطاً بالتقويم لناس هنا وهناك، أو كان منفتحاً على مسائل العقيدة في مفاهيمها، أو الشريعة في خطوطها، وما إلى ذلك. فإذا أردت أن تتحدّث عن قضية تتّصل بالناس من حولك، من الذين يرتبطون بك ارتباطاً عاطفياً، من خلال النسب، أو من خلال المصالح، أو من خلال الانتماء، أو من خلال بعض العلاقات الخاصة وما إلى ذلك، فعليك أن لا تدفعك العاطفة إلى أن تقدم النظرة عنهم بطريقةٍ لا تنسجم مع طبيعةِ ما يمتلكون من قيمة، سواء كانت سلبية أو إيجابية. لذلك، فإنّ الله يقول لك، إذا أردت أن تتكلم في عملية تقويمٍ أو في عملية شهادةٍ، فإنّ عليك أن لا تنظر إلى علاقة القرابة بهم، وأن لا تسقط أمام انفعالاتك العاطفية، بل عليك أن تنظر إلى إيمانك وإلى علاقتك بربّك الذي يريد لك أن تكون عادلاً في كلامك، فلا تظلم الحقيقة لمجرد أنّك تريد أن تكرِّم قرابتك.

يجب على الإنسان المؤمن أن يعدل مع الله، فيوحّده في الألوهية والعبادة والطاعة، وأن يعدل مع نفسه في كلّ علاقاته بها، وذلك بأن لا يدفعها إلى ما فيه هلاكها ومفسدتها، فإن الذي يورط نفسه في طريق المهالك والمضار وغضب الله، هو إنسان يظلم نفسه. وقد حدثنا الله تعالى عن كلّ هؤلاء من الكافرين والمشركين والظالمين والعاصين له سبحانه، فقال سبحانه وتعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (النحل/ 118)، لأن الإنسان الذي يحبّ نفسه ويعدل معها، عليه أن يتعامل مع وجوده وكيانه بحيث يحقق لنفسه النجاة في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يوازن بين مسؤوليته في إصلاح نفسه، وبين غريزته ونفسه الأمّارة بالسوء، ليقدّم جانب العقل على جانب العاطفة، ويقدّم جانب المسؤولية على جانب الغريزة. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عدلُ ساعة خيرٌ من عبادة ستين سنة قيام ليلها وصيام نهارها، وجورُ ساعة في حكم أشدُّ وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة». وعن الإمام الكاظم (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: (يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الروم/ 19)، قال: «ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيا الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحدّ لله أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً».

ارسال التعليق

Top