• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاج اليدوي.. دراسة جادة

محمد عبود السعدي

العلاج اليدوي.. دراسة جادة
◄في الحديث عما يدعى "الطب البديل"، يخطر في البال فوراً فرعه المسمى "العلاج اليدوي". فما هو هذا الفرع، وما فوائده؟ هل ثمة تبعات غير مرغوب فيها؟ نستعرض هنا بعض النقاط عن "العلاج اليدوي". "العلاج اليدوي"، مثلما يستشف من إسمه، وسيلة تهدف إلى علاج بعض الأوجاع باستخدام اليدين، وحسب، من دون أدوية أو عمليات جراحية، أو أي من تقنيات الطب الحديثة الأخرى. والآلام المذكورة تخص، بشكل شبه حصري، الأعضاء الحركية في الجسم، لاسيما العمود الفقري والفقرات، وما يلم بها من أمراض كثيرة، جراء أسلوب الحياة المعاصرة، والجلوس المطول (لأغراض مهنية، أو منزلية أو ترفيهية، أو قيادة السيارات، وما إلى ذلك). لكن "العلاج اليدوي" يشمل أيضاً الركبتين، والأطراف العليا والسفلى، واليدين والذراعين، وعموماً أي عضو أو مفصل أو طنب أو عضلة أو غضروف، أو غشاء غضروفي، يلعب دوراً ما في المقدرات الحركية عند الإنسان. وهو قائم على تأدية حركات معينة يقوم بها "المعالج اليدوي"، الذي يتعين عليه، بطبيعة الحال، أن يكون ملماً إلماماً واسعاً بآلية تلك الأعضاء، وأن يكون قد درسها دراسة طبية مستفيضة.   -        تعريف طبي: في اللغات الأجنبية، تقوم تسمية "العلاج اليدوي" على مفردتين آتيتين من الإغريقية القديمة، وهما "خيرو" (بمعنى "يد") و"براكتيكوس" (بمعنى "تشغيل" أو "إعمال" أو "ممارسة"). هكذا، يسمى "Chiropractic" بالإنجليزية، و"chiropraxie" بالفرنسية (تلفظان "كيروبراكتك" و"كيروبراكسي"، على التوالي). وهذا يعني ما يعني، من أنّه "ممارسة طبية يدوية". و"جمعية العلاج اليدوي الأوروبية" حددت التعريف الآتي لـ"العلاج اليدوي": هو كناية عن فرع من الطب البديل، ينصب على تشخيص أنواع القصور الميكانيكي المتعلقة بالجهاز العصبي العضلي الهيكل عظمي، لاسيما السلسلة العظمية الشوكية الفقرية، وعلاج القصور المشخص، أو الوقاية من تداعياته والحد من إنتشاره. ويعتمد العلاج على تقنيات حفظ يدوية على الأغلب. وعلى المعالج اليدوي الحصول مسبقاً على شهادة "طبيب معالج يدوي" لكي يحق له ممارسة المهنة. وهو لا يعد إختصاصياً، إذ يراجعه المريض مباشرة، من دون أن يرسله إليه طبيب آخر. في المقابل، يمكن للمعالج اليدوي أن يوصي مريضه بالتوجه إلى طبيب آخر، أخصائي عظام أو أعصاب أو غيرهما، إن ارتأى إن حالة المريض لا تتيح علاجاً يدوياً. وكباقي فروع "الطب البديل"، يثير "العلاج اليدوي" تساؤلات وشكوكاً، من العسير البت فيها، والإجابة بشكل شاف. فمعظم الدراسات، والتقييمات، تصدر عن جهات طبية "مؤسساتية" تقليدية، بالتالي تنظر تلقائياً بعين الشك نحو كل ما يخرج عن دائرة سيطرتها، أو يعد "منافسة غير شريفة" لمهنة الطب. ومع ذلك، دخل "إتحاد جمعيات العلاج اليدوي الدولية" كعضو في "منظمة الصحة العالمية" عام 1993. وقبلها بسنة، عام 1992، إعترفت "اللجنة الأولمبية الدولية"، للمرة الأولى، بـ"العلاج اليدوي" كمهنة طبية تكميلية، يسمح لممارسيها بالمشاركة في الدورات الأولمبية.  

-        دراسة جادة: على الرغم من ذلك الحذر، الذي تبديه الأوساط الطبية الرسمية، تتسم بعض الدراسات بالموضوعية. فمثلاً، عام 2011، نشر "المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية"، المعروف بمختصر "INSERM"، دراسة جادة، إستغرقت بضع سنوات وتناولت بضعة آلاف من الحالات عن أشخاص تلقوا "علاجاً يدوياً". ومن أهم ما ورد في إستنتاجات الدراسة، نذكر الآتي: 1-    في ما يخص عيوب الفقرات القطنية، وآلامها الحادة وشبه الحادة، وبشكل خاص حالات إنزلاق الغضروف (ما يسمى شعبياً "ديسك")، تبين أنّ "العلاج اليدوي" فاعل بشكل يضاهي العلاجات التقليدية الأخرى (بالأدوية أو العمليات الجراحية أو العلاج الطبيعي أو التدليك الطبي، وهام جدّاً). هكذا، من محاسنه أنّه يغني عن الأدوية، وما قد تسببه من مضاعفات وأعراض جانبية، ومغص معوي، وما إلى ذلك. والمعروف أن آلام الفقرات القطنية تشكل نسبة كبيرة من مجموع مشاكل المنظومة الحركية في جسم الإنسان. وبذلك، يسجل "العلاج اليدوي" نقطة في مصلحته، بما أنّه يأتي بنتائج مساوية للعلاجات الأخرى، إنما من دون منغصاتها. 2-    في ما يخص آلام فقرات الرقبة، هنا أيضاً وجد أنّ "العلاج اليدوي" يأتي بنتائج مساوية للعلاجات الأخرى (أي، مثلما أسلفنا، بالأدوية أو العمليات الجراحية أو العلاج الطبيعي أو التدليك الطبي أو أي تقنيات علاجية أخرى "رسمية"، بمعنى معترف بها من المؤسسات الصحية والطبية الرسمية). لكن، في المقابل، ثمة خطورة تنجم عن "العلاج اليدوي"، غير واردة في أنواع العلاج الأخرى. وهي تتمثل في احتمال "الإصابة الفقرية القاعدية" في مستوى الرقبة. لكن، تشدد الدراسة على أنّه احتمال ضعيف للغاية، إلا أنّه وارد، ولا يمكن إستبعاده تماماً. إذن، في باب فقرات الرقبة، التي تتسبب إصاباتها بآلام مبرحة، تشل المصاب نوعاً ما وتعيقه عن الاستدارة يميناً ويساراً، لا ينصح باللجوء إلى "العلاج اليدوي"، بما أنّه ينطوي على احتمال "إصابة فقرية قاعدية" (بمعنى تطال الشريان القاعدي). وهي، إن حصلت، تعد ذات خطورة نسبية. 3-    في ما يتعلق بالأعضاء الحركية الأخرى، عدا عن الفقرات القطنية وفقرات الرقبة المشار إليها أعلاه، لم تتمخض الدراسة عن نتائج يمكن عدّها استنتاجات دامغة، ومدعومة علمياً، لكثرة ما نمت عن تباين في تفسير المعطيات، بالتالي لم يتمكن الباحثون من تصنيفها وتوثيقها بشكل علمي.     -        دقات ضعيفة إنما سريعة: في أي حال، يقوم "العلاج اليدوي"، في حد ذاته، على مبدأ تطبيقي خاص، بالغ الدقة، يدعى "سرعة عالية – قوة ضعيفة". إذ يدق المعالج دقات طفيفة إلى طفيفة جدّاً، إنما بتردد عالٍ للغاية، على مواضع معينة من المجموعة الحركية اللازم علاجها، المفصلية العظمية، أو العضلية الغضروفية. وهذا ما يذكر، مثلاً، بماكينات غسل السيارات الأوتوماتيكي، التي تنفث ماءً بكمية ضئيلة إنما بضغط عالٍ. وعلى المعالج، بطبيعة الحال، أن يحدد تلك المواضع بدقة كبيرة، لحد الملليمتر، وقوة الضربات، وترددها. فكيف يمكن للمعالج اليدوي معرفة تلك المواضع، تمهيداً لتطبيق العلاج اللازم؟ في الواقع، على غرار أطباء العظام "الرسميين"، يستعين بتقنيات الأشعة والتصوير الطبي الحديثة، ما يتيح له تحديد مكان العلة، سواء أكانت التهاباً أم انزلاقاً أم تآكلاً أو تكلساً أو التواءً أم تشققاً، أو أي إصابة أخرى تطال العظام أو المفاصل أو الأطناب أو الأغشية والغضاريف، وأي جانب من الجسم ذي علاقة بالجهاز الحركي. كما يستخدم أجهزة قياس خاصة، تدخل في فئة التقنيات "البيوفيزيائية" (الفيزياء الحيوية)، منها مثلاً جهاز يسمى "أكتيفاتور"، وما يدعى "طريقة بتيبون Petitbon (نسبة إلى العالم الفرنسي الذي استنبطها). كما يستعين أيضاً، في بعض الأحيان، بتقنيات تصنف في فئة "العلاج الفيزيائي" و"العلاج الطبيعي"، كالعلاج بالماء، والعلاج بالبرودة العالية (ما يسمى "Cryotherapy")، وغيرهما. إلى ذلك، هو أيضاً مثل الأطباء، يلجأ إلى وسائل طبيعة "تقليدية" للتشخيص. فهو مثلاً: -        يستجوب المريض لكي يجمع أقصى ما يمكن من معلومات عن وضعه وسوابقه الطبية. -        يستعين بطريقة اللمس الخارجي الساكن وتحسس المواضع المؤلمة العضلية والطنبية. -        يلجأ إلى طريقة اللمس الخارجي أثناء الحركة (وليس في الوضع الساكن) وتحسس المواضع المؤلمة العظمية والمفصلية. -        يستخدم فحوص الانعكاسات العصبية، وباقي الوسائل التي يستعملها أطباء العظام والجملة العصبية. في النهاية، نجد أنّ "العلاج اليدوي" لا يختلف كثيراً عن طب العظام التقليدي لناحية التشخيص، إنما يختلف بشكل خاص في وسيلة العلاج، التي تستبعد الأدوية والتقنيات الطبية الأخرى. فهي تقوم على أساس ضربات يدوية في مواضع دقيقة للغاية، وبقوة وسرعة مدروستين، بحيث تعيدان للمكان المصاب قدرته الحركية. هكذا، يظل الخيار متروكاً للمريض نفسه، بحسب قناعاته الشخصية، وقرب عيادة المعالج أو الطبيب، وما إلى ذلك من عوامل، منها بشكل خاص عدم قدرة البعض على تحمل الأعراض الجانبية لبعض الأدوية.►

ارسال التعليق

Top