• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاقة بين التربوي والإعلامي

حسين المصطفى

العلاقة بين التربوي والإعلامي

◄ماذا يريد التربوي من الإعلامي، وماذا يريد الإعلامي من التربوي، ثمّ ماذا يريد المجتمع منهما جميعاً؟

إنّ مجالات العمل التربوي والإعلامي متداخلة، وإن تميزت التربية بالتكوين والتفاعل المباشر بين المسؤولين عن العمليات التربوية، وبين الأجيال التي يرعونها.

فالتربية الإعلامية ذات أثر ملموس في صناعة التغيير المنشود في الرؤى والمفاهيم والتطبيقات التربوية. وقليل من المؤسسة تهتم بتقديم خدمات التربية الإعلامية على صعيد عملها رغم الأهمية القصوى لها في تشكيل الذات أو إعادة تشكيلها. ويتميز العصر الحاضر بكثافة العناصر الثقافية وسرعة تفاقمها وانتشارها وتداخلها وشدة تأثيرها إلى درجة لا يمكن معها مجاراتها ومتابعتها، إلا إنّ التربية الإعلامية يمكنها أن تساعد المربين على ضبط هذه التأثيرات وترشيدها وبلورتها في إطار يخدم الأهداف المنشودة.

ومن أبرز القضايا المعاصرة التي تعنى بها التربية الإعلامية تثقيف الناشئة بسبل فهم الأمور وتقديرها، وسبل التعايش مع الآخرين، واستيعاب مقتضيات العصر الحديث، وآليات التفاعل مع العولمة، وتعبئة الشباب لمواجهة الأحداث الجارية الطارئة وغير الطارئة، وتمكينهم من المهارات التي تعينهم على المواجهة عوضاً عن الخوف والاستسلام أو الانعزال والرفض أو التبرير، أو إسقاط المشكلات على الغير، كما تعنى التربية الإعلامية بمساعدة الطلاب على فهم حقوقهم وواجباتهم، وتقدير قيم الشورى، والإخلاص، وحب الوطن، والانتماء الصحيح، واحترام الآخر، والحرية العادلة، ومواجهة الشائعات والتضليل، ومحاربة الانحرافات الفكرية والمنحرفين وفق الطرق المناسبة لذلك.

وتوفر التربية الإعلامية مساحة كبيرة من الفرص المواتية لمعالجة المشكلات النفسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها الناشئة كمشكلة الأمية الحضارية، والأمية التكنولوجية، والأمية السياسية، علاوة على التوترات التي تنشأ بفعل الاتصال مع الآخرين، وعدم الألفة، والتحيزية والاستغراق في المحلية وغيرها.

وتلعب التربية الإعلامية دوراً بارزاً في إكساب الناشئة الثقافة الاجتماعية النقية، وامتلاكهم مهارات النقد والتقويم والتحليل وحل المشكلات والربط بين الأشياء وبين المتغيرات، والمهارات التركيبية، ومهارات الحديث والقراءة والكتابة والمهارات الاجتماعية والثقافية التي تساعدهم على الاتصال الفعّال، وتمكنهم من استيعاب الخصوصيات الثقافية في علاقتها مع العموميات والمتغيرات الثقافية الأخرى.

وتشهد معظم المجتمعات اليوم تنافساً مكشوفاً أو مستتراً، معلناً أو خفياً، بين النظامين التربوي والإعلامي، ونتج عن هذا التنافس ميلاد تناقضات خطيرة في عقل الفرد وطرق تفكيره. فالنظام التربوي يقوم على قيم النظام المتمثلة في المحتوى العلمي المنضبط، بينما يستند النظام الإعلامي إلى الاتصال الجماهيري الذي يهتم بالجديد دون التأمل في محتواه، وبالموضوعات المتنوعة دون التركيز على تخصص بعينه، وتقديم البرامج الترفيهية الممتعة التي يسهل فهمها بغض النظر عن ركاكة الأساليب أو تفاهة المفردات اللغوية، وهذا يظهر التناقض بين النظامين التربوي والإعلامي.

وترتب على هذا التناقض لون من التصادم في العلاقة القائمة بين المؤسسات التربوية والإعلامية. وظهور تباين واضح بين الثقافة التربوية التي تعتمد على المعرفة ذات الطابع الأكاديمي، وبين الثقافة الإعلامية التي تروجها وسائل الإعلام ذات الطابع الترويحي المستند إلى الإثارة والدعاية.

ورغم التباين الثقافي الذي توفره المؤسسات التربوية والإعلامية، ورغم التناقض في أهدافهما وغاياتهما ووسائلهما وأساليبهما، إلا أنّه توجد مجالات من التجانس والتشابه بين المؤسستين التربوية والإعلامية. فكلاهما عملية اتصال، وكلاهما يسهم في التنشئة الاجتماعية للفرد الذي يقضي فترة طويلة من حياته مشاهداً لوسائل الإعلام أو متعلماً داخل صفوف المدرسة والمؤتمرات والمساجد...

ولذا ينظر التربويون إلى أنّ الإعلام من مؤسسات التعليم والتربية؛ فإنّ بإمكانيته التأثير الإيجابي والفعّال أكثر من المؤسسات الأخرى، لأنّه يستطيع الوصول إلى كلِّ بيت وإلى كلِّ مدرسة وإدارة وإلى مؤسسات أخرى في أيّ وقت مما لا تستطيع المؤسسات الأخرى أن تفعل مثل ذلك.

وباعتباره يمتلك كلّ الوسائل التعليمية السمعية والبصرية فإنّه يؤثر في تكوين الاتجاهات وتعديل السلوكيات وتشجيع المجتمع كلّه على سبل الصلاح والفلاح وإلى سبيل النهوض والتفوق في الميادين العلمية وغيرها. وبتكلفة وجهد أقل من غيره.

ثمّ إنّ هناك مؤسسات تعليمية جديدة تقوم على الإعلام مباشرة مثل أنواع التعليم المفتوح، والجامعات المفتوحة، والمدرسة الثانوية المفتوحة، كما في بعض البلاد مثل اليابان وبريطانيا والدنمارك وغيرها.

إنّ قيمة الإعلام التعليمي والتربوي لا تقدر بثمن إضافة إلى أنّه يمكن توصيل المعلومات اللازمة والضرورية إلى كلِّ مواطن في الوقت نفسه.

ولهذا نرى قد أصبح الإعلام في البلدان المتقدمة من عوامل النهوض، والتقدم العلمي والتقني، وإبداع الصناعات والاكتشافات المتجددة والمستمرة.

إنّ نصيب الجيل الحالي من تأثيرات وسائل الإعلام الجماهيرية في تكوين ثقافته، وتحديد أنماط سلوكه، وإكسابه المفاهيم والقيم والعادات والاتجاهات، قد تزايد كثيراً في ظل تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات، وازدحام الفضاء بالأقمار الصناعية التي تبث برامجها طوال الليل والنهار. وهذا يتطلب تجاوز القطيعة القائمة بين التربويين والإعلاميين، والتعاون في توظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربوية محددة، وتوظيف التربية في تفعيل الرسائل الإعلامية.

ومع التطورات التقنية الحديثة تحول موقف المؤسسة التربوية من تقنية الاتصال والمؤسسات الإعلامية، وأصبحت وسائل الإعلام وتقنية المعلومات تستخدم في صلب العملية التربوية، واستخدام المعلم الوسائط المتعددة وشبكة المعلومات الدولية في إعداد الخبرات التعليمية وتوصيلها للطلاب، وأصبح التعليم عن بعد، والتعلم الإلكتروني، والجامعة الافتراضية، والمواقع التعليمية مجالات مهمة تعتمد عليها المؤسسة التعليمية.

إنّ مشكلة التربية مع الإعلام لا تكمن في تأثير وسائله على النشء بقدر ما ترتبط بكيفية تعامل النشء مع ما تبثه وسائل الإعلام. وهنا يأتي دور التربية الإعلامية في إكساب النشء القدرة على الاختيار والنقد، وإكسابهم مهارة الفرز والانتقاء الحسن، لما يؤدي إلى نموهم نمواً متزناً متكاملاً في جميع جوانب شخصياتهم.►

 

المصدر: كتاب الإعلام وبناء الأُسرة

ارسال التعليق

Top